رواية جبل النار كاملة جميع الفصول

رواية جبل النار للكاتبة رانيا الخولي هي حكاية تنبض بالمشاعر وتفيض بالصراعات الداخلية والخارجية، حيث تتقاطع الأقدار وتتشابك المصائر في قصة حب مختلفة لا تخضع للمنطق أو الزمن.في رواية سندي الكريم، يعيش القارئ حالة من الانجذاب العاطفي والتوتر النفسي، وسط أحداث متسارعة تكشف أسرارًا مدفونة وقرارات مصيرية تغير كل شيء. الرواية لا تقدم حبًا مثاليًا، بل واقعيًا، مليئًا بالتحديات والتضحيات.

رواية جبل النار كاملة جميع الفصول

رواية جبل النار من الفصل الاول للاخير بقلم رانيا الخولي

ترجل الدرج حافي القدمين يتحسسه قبل نزول كل درجة منه ويحسب مسافاته بدقة ويعد كل درجة حتى انتهت المعاناة عند الأخيرة وحينها أخذ بصعوبة يتحسس الطريق بقدمه لكن تلك المرة بمساعدة عصاه حتى يعتاد عليه
لم يتذكر المكان جيدًا فقد مرت أعوام لم يأتي فيها إليه.

الظلام دامس من حوله لكنه اعتاد عليه أو هكذا يتظاهر كي لا يؤلم عمه
ظل يتخبط في الأشياء الموجودة في المنزل ومنه يستكشفها كي لا ينصدم بها مرة أخرى حتى استطاع الوصول إلى الشرفة.
قام بفتحها فتلفح وجهه نسمات الليل الآتية من البحر الهادئ على غير عادته.
فهو لا يحبه هادئًا مستسلمًا بل يعشقه ثائرًا هادرًا فيجابهه هو بكل شجاعة.
سار إليه بأقدامه العارية متلذذًا بنعومة الرمال رغم سخونتها لكنه لم يبالي فقد حرم من رؤية الشمس لذلك يتلفح بدفئها
توقف عن السير عندما بللت الموجة الرتيبة قدميه العارية وأخذ يتنفس بعمق ويملأ رئتيه برائحته الندية.
أعلنت ساعة يده عن العاشرة صباحًا وذلك الوقت الذي كان يستمتع به على الشاطئ قبل أن يفقد بصره.
اخرجه من شروده صوت عمه وهو يعاتبه
: داغر ايه بس اللي خرجك لوحدك؟
ابتسم داغر لعمه الذي لا يكف عن الإهتمام به منذ ما حدث وتمتم بروية: متخفش ياعمي انا فاكر المكان كويس وبعدين انت نسيت إني بقالي سنة بتدرب على التعامل مع الطريق حتى البحر.

تقدم منه عمه وقد أشار للعامل أن يأتي بمقعدين يجلسا عليهما وقال
_ماشي ياسيدي خلينا بقا نقعد نستمتع بالجو الجميل ده بدل ما انت واقف حافي كدة.

جاء العامل بالمقاعد وساعد خليل ابن أخيه على الجلوس ثم قال داغر للعامل: ياريت يا صالح تعملي فنجان قهوة
استاء عمه من طلبه وتمتم بامتعاض: وبعدين معاك ياداغر مش الدكتور منعك منها؟
رد داغر بابتسامته الواهنة: معلش مرة واحدة في اليوم مش هتضر.
وافقه خليل على مضد ثم انصرف العامل وظل داغر يستمع إلى الاصوات من حوله
فقد فقد بصره لكنه يرى بأذنيه ويتخيل كل ما حوله بالأصوات التي تترامى حوله
زقزقت العصافير في ذلك الصباح
وتلك النسائم الآتية من الشمال تتناغم مع رائحة يود البحر والتي تذكره بالماضي.

ذلك القبطان الذي كان يبحر في كل البحار أصبح الآن عاجزًا مستندًا على عصاه
ترى هل سيأتي اليوم الذي سيعود فيه ذلك القبطان قائدًا على مركبه؟
أم كتب عليه وعليه الرضا بما قسم له.


انتبه لانفاس عمه التي تدل على صعوبة تحكمه في دموعه حزنًا عليه ولا يعرف بأنه تعود على الحرمان من كل شيء
تحسس بيده حتى وصلت إلى يد عمه وشدد عليه قائلًا: طول عمرك وانت الجبل اللي بسترد منه ثباتي، بلاش تيجي في أكتر وقت محتاج قوتك فيه وتضعف.
حاول خليل جعل صوته ثابتًا وغمغم بحزن
: أنا مضعفتش بس أول مرة أقف عاجز قدامك
طول عمري وأنا بحاول أعوضك عن كل شيء مفتقده، فيه اللي قدرت أعوضك وفي اللي فشلت بس صدقني….
قاطعه داغر بصدق: انت عمرك مافشلت بالعكس لولا وجودك في حياتي وطريقي اللي رسمته معاك كان زماني مدمن مخدرات ولا واحد فاشل مستني قرشين أبوه يبعتهمله كل شهر وخلاص بس انت فضلت جانبي لاحد ما كبرت وبقيت راجل وحققتلي كل أحلامي بدعمك ليا، عشان كدة عايزك تكمل جميلك للآخر.
ربت بيده الأخرى على يد ابن أخيه وتمتم بحب: هفضل في ضهرك لآخر يوم في عمري.
ابتسم بامتنان لذلك الرجل الذي لم يتخلى عنه كما فعل والده وظل بجواره حتى تلك المحنة.

أراد التطرق في موضوع آخر وقال بثبوت
_بس أنت شايف إن أجازتك طولت أوي ولازم ترجع شغلك يا سيادة المستشار.
تنهد خليل بتعب وقال: والله ياابني انا بفكر أقدم استقالتي وأكتفي بالهدوء اللي أنا عايشه دلوقت.
علم داغر بأنه يود ترك عمله كي يبقى بجواره لذا تحدث برتابة
: بس ياعمي دي رسالة ولازم حضرتك تقدمها للآخر.

فكر خليل في العودة حقًا لعمله لكنه أيضًا لن يستطيع تركه وحيدًا حتى لدقائق معدودة
فمنذ ذلك الحادث وهو لا يتركه لحظة واحدة ويخشى أيضًا أن يشعره بأن إعاقته سببت مشكلة له لذا تحدث بجدية: صدقني من وقت ماعرفت إن سالم أخد إعدام وأنا قررت إني اتنازل عن المنصب ده.
ساد الصمت بينهم وكل واحد بهم يحمل نفسه ذنب ذلك الشاب الذي اتهم زورًا واستطاع الجاني تضليل العدالة والفرار منها متخذًا من شاب لم يتعدى عمره الثلاثون عامًا درعًا له
فلولا أن اضطر خليل لترك القضية اثناء الحادث لما حدث ذلك.
فقال داغر بإصرار
_يبقى الافضل إنك ترجع عشان اللي حصل ده ميتكررش تاني، أرجوك ياعمي بلاش تحسسني إني بقيت عقبة في حياتك عايز كل حاجة ترجع لطبيعتها.
تنهد خليل بيأس منه وقال باستسلام
_ماشي ياسيدي بس عندي شرط.
………….

وقفت تنظر إلى تلك الأمواج التي تتلاطم على الشاطئ في شرود وذكريات الماضي لا ترحم ذلك القلب الذي لاقى من الدنيا أشد العذاب
وكلما تقدمت خطوة للأمام اعادتها الدنيا خطوات للوراء كي تكسر شوكتها
لكن روح العناد ظلت تعافر ولم تستسلم مطلقًا
ليس قبل أن تنتقم ممن أذوها ودمروا كل شيء بداخلها
فيشتعل لهيب الانتقام كلما تذكرت ما فعله ذلك الخائن بها
لن ترحم ولن ترأف به كما لم يرأف بها من قبل
عليه أن يركع تحت أقدامها يطلب منها الصفح ويتوسلها كما توسلت هي قبله
وحينها فقط ستهدئ تلك النيران التي أشتعلت منذ عامين ولم تهدئ حتى الآن
فكلما فكرت أن تطوي صفحة الماضي وتبدأ صفحة أخرى بيضاء تسطر بحروف من نور
لكن هيهات فكلما أمسكت قلمها لتكتب ينكسر ومضى عامين لم تستطيع ملئ تلك الصفحات

_ ما..ما.
استدرات أسيل لتنظر إلى ذلك الصوت الذي يخطوا اولى خطواته فاردًا يديه الصغيرتين بسعادة لا توصف يسقط وينهض بإصرار وهي تقف تراقبه بابتسامة خاصتها له وحده
حتى وصل إليها أخيرًا
فتحت ذراعيها له فيقترب منها ذلك الصغير ويلقي بنفسه داخل أحضانها الساجية فينثر بضحكته السعادة داخل قلبها ممحيًا بها مرارة الألم.
هو وحده من يستطيع انتشالها من قسوة الذكريات بضحكاته التي تجعل قلبها يرفرف بسعادة كبيرة.
جاءت امرأة كبيرة في السن تسير بصعوبة وتقول بتعب
_ وبعدين في ابنك ده انا خلاص كبرت ومش قادرة اجري وراه.
ضحكت حور وهي تنظر لطفلها وقالت بسعادة
_ إيه يا ديدو مزعل تيتا ليه؟ وايه اللي مصحيك بدري كدة؟
اخفى الطفل وجهه في ثنايا عنقها فقالت تلك السيدة
_ صاحي بقاله ساعة ومطلع عيني من وقتها شكله هيكون متعب زي خاله.
لم تنتبه أمينة لكلماتها والتي جعلت حور تتذكر ما حاولت جاهدة نسيانه.
ابتسمت كي لا تلاحظ أمينة شيء وقالت
_طيب تعالي ندخل جوه عشان الجو برد هنا.

عادت للداخل مع أمينة وهي تحاول جاهدة عدم التفكير في عائلتها
تطلعت إليها وقالت: معلش يادادا خديه لحد ما اخد شور وانزل اجهز الفطار.
حملت الطفل عنها وقالت بتعاطف: اطلعي يابنتي ارتاحي انتي واقفة على رجلك طول الليل وأمبارح منمتيش كويس.
: لأ انا نمت في المستشفى لأن مكنش فيه حالات كتير.
صعدت غرفتها وخلعت حذاءها في منتصف الغرفة بإهمال ودلفت المرحاض لتقف أسفل المياه الباردة ربما تهدئ نيرانها
لكن نيرانها لا يمكن لشيء أن يخمدها إلا بالانتقام ممن آذوها وبالأخص هو
لن ترأف ولن ترحم حتى لو وصلت إلى قتـ.ـله، كما فعل بها من قبل
مازالت تلك الليلة عالقة في مخيلتها ولم يمحيها الدهر.
خرجت من المرحاض ووقفت أمام المرآة تمشط خصلاتها فجالت إليها بعض الذكريات التي خدعت بها عندما كان يتغنى بلونه البني وخدعت هي بكلماته المعسولة.
تساقطت دموعها وهي تتذكر كيف كان يستجدي نظرة واحدة منها
كيف كان يستجدي قلبها حتى خضع له
كل ذلك كان محض اكاذيب ووقعت هي في شركه
فاقت من مشاعرها الوردية على حقيقته التي دمرتها وقضت عليها
أخذت تغسل في جسدها كأنها بتلك الطريقة تمحي آثاره علها لكن لا فائدة
مازالت تشعر بلمساته القاسية وأنفاسه التي كانت تقذف حممًا تحرقها بلهيبها
تذكرت حينما استطاعت الافلات من بين يديه والهرب منه لكن ما أن وصلت لباب الغرفة حتى استطاع الوصول إليها وجذبها من خصلاتها
كان أقوى منها وهي ببنيتها الضعيفة لم تستطيع مجابهته
ترجته استعطفته لكن ذلك الذئب الغادر صم أذنيه عن رجاءها واستحل ما ليس له
لم يرأف بها ولا بأنها مرتها الأولى فأخذها بعنف شديد ولم يتعاطف مع صرخاتها
حتى فقدت الوعي
سقطت على الأرضية لتبكي بألم يمزق القلوب واحتوت جسدها العاري بيدها كأنها تحميه وكأن أيضًا المشهد يعاد بقسوته مرة أخرى.
تذكرت عندما عادت لوعيها ووجدت نفسها وحيدة داخل الغرفة وهي ملقاه على الفراش الذي أكد بأنها فقدت اعز ما تملك وانتهى الأمر
بيد مرتعشة سحبت ملابسها الممزقة وارتدتها لكنها سترتها كانت ممزقة بشكل كامل فلم تخفي شيء
وجدت قميصه ملقي على الأرض بجوار الفراش فلم تجد حل آخر سوى ارتداءه وبعدها سترتديه يومًا في عزاءه.
كان كبيرً فضفاضًا عليها لكن في تلك اللحظة لم تبالي بشيء
خرجت من الغرفة ولم تبالي بهيئتها ولا لآثار الصفعات الحادة على وجهها.
كل ما يهمها هو الهرب من ذلك المكان.

سمعت طرق على الباب وصوت أمينة تناديها بقلق
_حور انتي كويسة؟
اغمضت عينيها وأخذت نفس عميق تطرد به تلك الذكريات الأليمة ثم تمتمت بصوت مهزوز
_ا..اااه متقلقيش انا خارجة حالًا.
أخذت نفس عميق مرات متتالية كما اخبرها الطبيب عندما تداهمها الذكريات ثم نهضت لتلف جسدها بالمنشفة ثم خرجت من المرحاض

مرت أمام المرآة فتنتبه لأول مرة أنها تغيرت كثيرًا
حتى ملامحها أصبحت ذابلة
وضعت يدها على تلك الندبة التي احتلت جانب عنقها وظلت متمسكة به رغم مرور عامان وأكثر
وضعت يدها تتحسسها وجالت بخاطرها الذكريات عندما عادت إلى المنزل في ذلك الوقت المتأخر
كانت تجر قدميها وتدلف من الباب الخلفي كي لا يراها أحد
لكن كانت مدبرة المنزل ومربيتها قد جافها النوم من القلق عليها وجلست في الحديقة تنتظر عودتها بعد أن فشلت بالاتصال بها.
صكت على صدرها عندما وجدتها تدلف عليها بتلك الحالة
أسرعت إليها عندما سقطت أسيل على ركبتيها وجثت امامها تسألها بفزع
_ ايه اللي عمل فيكي كدة؟
تجمعت العبرات داخل عينيها وتمتمت بصوت مهزوز
_دبحني يادادة.
اتسعت عين أمينة بصدمة وتطلعت إلى آثار عنفه عليها فعلمت بأن ذلك الرجل قام بالغدر بها
أمسكت ذراعها تساعدها على النهوض وقالت بوجل
_طيب تعالي نطلع اوضتك قبل ما حد يشوفك.
كانت مسلوبة الإرادة واستسلمت ليديها التي تساعدها على النهوض وهمت بالتحرك لكن توقفت أقدامهم عن الحركة عندما رأته أمامها

أغمضت عينيها تحاول محو ذلك الماضي من رأسها لكن يبدو انه سيلاحقها طوال عمرها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في اليوم التالي

ترجل داغر الدرج وقد بدا يعتاد المكان بعد غياب استمر عامين
أخذ يتحسس الطريق حتى وصل لغرفة الطعام حيث ينتظره عمه تقدم من الطاولة وهو يقول
_صباح الخير يا عمي.
ترك عمه الهاتف من يده ورد بحب
_صباح النور، ها نمت كويس؟
جلس داغر على المقعد ورد بعدم اكتراث
_عادي مفيش فرق، المهم هتنزل القاهرة النهاردة؟
شرع خليل في تناول افطاره وأجاب باقتضاب
_لأ.
_ليه؟
_لأنك ببساطة مردتش عليا.
جعد وجهه باستياء لأصرار عمه على ذلك الطلب وقال بامتعاض
_ ياعمي انا مش عارف انت ليه مصر على الطلب ده، هما هيكونوا تلات أيام بس في الأسبوع وهترجع تاني، بلاش تحسسني إني عيل صغير مش هعرف افضل لوحدي.
_لا ياابني الموضوع مش كدة بس كل الحكاية….
قاطعه داغر بتصميم
_لازم ترجع شغلك لأن القضاء أكيد مفتقد انسان نزيه زيك، فبلاش قلقك الزيادة ده لأنه بيحسسني بالعجز.
رد خليل بإصرار
_قول اللي تقوله انا مصر ومش هغير رأيي.
تنهد داغر باستسلام
_ماشي ياعمي اللي تشوفه، مع اني شايف إن سلوى قايمة بالدور وزيادة

_يا ابني سلوى كلها اسبوع وتسينا عشان هتسافر لجوزها ولازم يكون حد موجود معها
الحاجة التانية انها تدربها عشان يبقى عندها دراية بكل حاجة.
رن هاتف داغر وكان المتصل والده
تحسس هاتفه وقام بكتم الصوت وتركه فقال خليل
_مش هترد عليه؟
رد داغر باقتضاب وهو يمسك الملعقة ويبدأ بتناول طعامه
_لأ
_ليه بس دا مهما كان ابوك وعايز يطمن عليك.
تظاهر داغر بانشغاله بتماول الطعام ولم يرد على عمه
لم يضغط عليه وتركه كي لا ينفعل وتتضرر حالته أكثر من ذلك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تطلعت حور إلى طفلها الذي يتناول طعامه ويرفض مساعدتها
ذلك العنيد الذي يزداد الشبه بينه وبين أبيه كلما كبر.
عينيه الرمادية بحدتها، وخصلاته القاتمة كقتامة قلبه الغادر.

يشبهه في كل شيء حتى طباعه لكنها لن تقبل بأن تكون هناك نسخة أخرى لذلك القاسي
تذكرت عندما علمت بحملها
كانت صدمتها قاسية وقد كانت هي القشة التي قصمت ظهر البعير
تذكرت عندما ترجت الطبيب أن ينزله لكنه أبى ذلك وأقنعها على أن تتركه ربما يكون هو سندها الوحيد بعد أن تخلى عنها الجميع.

أخذت نفس عميق تحاول به تهدئة تلك النيران التي تشتعل بداخلها للذكرى
مسحت دموعها عندما طرق باب المنزل ونهضت لتفتح فلم يكن سوى حازم الذي جاء ليطمئن عليهم.

_صباح الخير، عديت عليكي عشان أخدك في طريقي بس قالولي انك روحتي.

ابتسمت حور له بود وتنحت عن الباب كي تسمح له بالمرور وهي تقول
_صباح النور معلش يادكتور خلصت بدري قلت أروح عشان إياد.
دلف حازم الذي ما أن رأه إياد حتى أسرع إليه وهو يتمتم
_بـا…بـا.
حمله حازم وقد شعر بالسعادة من سماع تلك الكلمة منه والتي تجعل الأمل يزدهر بقلبه وتمتم مداعبًا
_أحلى صباح لأحلى ديدو في الدنيا.
لم يسر حور ما يحدث بل يزيد الكره بداخلها له لذا قررت قطع تلك اللحظة وقالت بثبوت
_ثواني هنادي على طنط.
تركته ودلفت إحدى الغرف وتركها تتهرب منه كعادته بها، فلا يريد الضغط عليها كي لا تنفر منه ربما يلين قلبها يومًا من الأيام وتشعر به.
أما هي فدلفت غرفة أمينة فتجدها مستلقية على الفراش شعرت بالقلق عليها فجلست على الفراش بجوارها وسألتها
_رقدة ليه ياطنط انتي كويسة؟
ردت أمينة بارهاق
_انا كويسة ياحبيبتي بس قلت انام شوية لأني منمتش طول الليل.
_ليه في حاجة قلقاكي؟
اخفت أمينة عليها تلك الكوابيس التي ترواضها منذ أيام كلما اغمضت عينيها وهي ترى حور تلقى في التهلكة وتستنجد بمن ينقذها فقالت بثبات مزيف
_عادي يابنتي بس انتي عارفة لما بتاخدي شيفت بالليل بقلق عليكي ومش برتاح إلا لما ترجعي.
ابتسمت حور بود لتلك المرأة وقالت بامتنان
_مش عارفة لولا وجودك في حياتي كنت عملت ايه.
ربتت امينة على يدها وقالت بحنان مفرط
_هو انا عملت ايه دا انتي بنتي اللي ربتها ومصدقت انها رجعت ليا تاني.
تذكرت حور امر حازم فقالت
_ينفع كدة نستيني إن حازم برة وعايز يشوفك.

_طيب خليه يدخل.
أومأت حور وخرجت إليه تدعوه للدخول
فأخذتها فرصة وأخذت طفلها ودلفت غرفتها.

غرفة العذاب كما تطلق عليها
فكلما خلت بنفسها حتى تداهمها الذكريات التي لا تزال عالقة بذهنها
تخطط وتستعد للأنتقام منه لكن هناك من يجعلها تتراجع
وهو ذلك الطفل الذي يحكم قبضته عليها كلما حاولت الوصول لمبتغاها.
لكن قريباً سيأتي ذلك اليوم وتنتقم ممن أذوها وهو أولهم
ظلت تلاعب طفلها م
في غرفة أمينة
جلس بجوار والدته يقبل يدها وقال بحب
_عاملة ايه ياست الكل؟
ابتسمت له وقالت بحب
_بخير ياحبيبي الحمد لله انت اخبارك ايه وهايدي والولاد؟
_كلهم كويسين وبيسلموا عليكي، حتى هايدي اصرت أننا نعزمكم على الغدا بكرة وتقضوا اليوم معانا.
ترددت والدته بالقبول وقالت
_كان نفسي ياابني والله بس انت عارف ظروف حور…
قاطعها حازم بإصرار
_متقلقيش أنا مأمن كل حاجة وهاجي أنا وهايدي ناخدكم بالعربية ومحدش هياخد باله من اياد.
_حاضر هحاول أقنعها وإن رفضت مش هقدر أسيبها هي وإياد لوحدهم انت عارف ظروفها.
اومأ لها بتفاهم رغم امتعاضه ثم أخذ يتحدث معها في بعض الأمور ومن ثم انصرف.
أخذته قدماه إلى الشرفة عندما استمع لصوت أحد السفن التي تشق الأمواج متجهة إلى وجهتها
عادت إليه الذكريات بحلوها وهو يتولى قيادتها يصارع الأمواج وتصارعه
فمنذ نعومة أظافره وهو يعشق البحر ورائحته التي تنثر الطمأنينة في قلبه وعقله
أقسم منذ صغره أن يجوب العالم ببحاره وأنهاره وحتى المحيط
كانت ملامحه تستاء عندما ترسوا قدماه على اليابسة وكأن روحه تكاد تفارق جسده لذا كان يرفض الأجازات التي تسمح له ويفضل العودة للبحار
لولا عمه الذي يشتاق إليه ما فكر يومًا بالعيش خارج المياه.
حتى جاء ذلك اليوم الذي رأى فيه من ينافس البحار في قلبه.
يتذكر ذلك اليوم جيدًا عندما وجدها تقف مستنده بمرفقيها على السياج تتلاعب الرياح الهادئة بخصلاتها فتثور مشكلة هالة من الجمال حول وجهها.
لا يعرف لما ساقته قدماه إليها ووقف بالقرب منها يتطلع إليها بجانب عينيه
كانت تنظر للأجواء من حولها وطيور النورس التي ترفرف بالأعلى تبحث عن صيدها بأصوات متناغمة بانبهار فجعلت ثباته يتلاشى وتقدم منها أكثر متمتمًا بهدوء
_عجبك المنظر؟
تطلعت إليه بانبهار لزي القبطان الذي يرتديه وردت بخجل
_أمم.
تطلع داغر أمامه وتحدث بشغف
_الحياة في البحر حاجة تانية سواء بهدوءه أو عنفه، بيخلي الأنسان يحس انه ملك العالم كله
وخاصة بقا لو في مغامرة من مغامراته.

لعب على عنصر التشويق داخلها مما جعلها تسأله بلهفة
_مغامرات؟
اومأ بسعادة لأنه استطاع لفت انتباهها اكثر وقال
_بس المغامرات مش بتكون بسفن زي دي، بتبقى كدة بيخت او مركب وتواجهي بقا الثوران ده في يوم يكون فيه عاصفة.
لمعت عينيها وسألته
_على كدة جربتها؟
_كتييير.
_هنا في مصر؟
هز رأسه بنفي وتحدث برتابة
_لأ نادرًا اوي لما تلاقي الأجواء دي في مصر، بس أنا خضتها في المحيط أكتر من مرة.
لاح الاستياء على ملامحها مما جعله يسألها
_انتي عايشة فين؟
تحول الاستياء إلى حزن وتطلعت إلى الأفق البعيد أمامها متمتمة بخفوت لم يسمعه
_في الجحيم.
_نعم؟
انتبهت لما تفوهت به ثم عدلت قائلة
_في القاهرة.
رغم امتعاضه أنه لن يراها مرة أخرى لكنه سألها
_مش ناوية تسافري تاني؟
حاولت الابتسام فخرجت باهتة وتمتمت بخفوت
_لأ.
شعر بالاستياء لعدم خوض تلك التجربة معها إلا إن ذلك الشعور تبدل عندما تذكر بأن عليه الذهاب للقاهرة بسبب انشغال عمه الذي طلب منه الذهاب إلى القاهرة
تطلع إليها ليلاحظ نظراتها الحزينة
فشعر بأن تلك الفتاة خلفها قصة عويصة وذلك جعل روح المغامرة بداخله تتمسك بها فعاد يسألها
_ولا حتى سفرية صغيرة.
هزت راسها بنفي لكنه لم ييأس وقال بثقة
_انا واثق انها هتتكرر ووقتها هخليكي تعيشيها.
تطلعت للمياه التي تتماوج بسبب انشقاق السفينة لها وقالت بشرود
_بس انا بسمع إن البحر غدار.
تأكد حسه لذا رد عليها بحكمة تعلمها من تجاربه
_البحر عمره ما كان غدار لأن دي طبيعته واحنا اللي بنتعدى عليها يعني الغلط بيكون مننا مش منه.

قطع سحر اللحظة صوت أحد العاملين على السفينة وهو يناديه
_كابتن داغر محتاجينك في غرفة القيادة تحت.
أومأ داغر وتطلع إليها باعتذار
_كان نفسي نكمل كلامنا بس اكيد في حاجة مهمة، بس لو عايزة تعرفي أكتر عن البحر استنيني هنا الساعة عشرة بالليل.
اومأت رغم رفضها واستئذن منها ذاهبًا إليهم أما هي فقد اخذت تستمع لطيور النورس التي تشدوا بأجمل الألحان في سكون تام.

في المساء
أخذ ينظر في ساعته كل برهة حتى شعر بأن الوقت ثابت لا يتحرك
تطلع من نافذة السفينة ينظر إلى المياه التي تتلاطم بالسفينة فلم يعد يستطيع الانتظار اكثر من ذلك.
خرج من غرفة القيادة والتي تولاها مساعده وصعد على سطحها يبحث عنها بعيناه
لم يحين موعدهم بعد لكنه فضل ان ينتظرها في ذلك المكان
مر الوقت وجاءت العاشرة لكنها لم تأتي
انتظر وانتظر حتى فقد الأمل في مجيئها.
اندهش من نفسه
لما يريد رؤيتها بذلك الإلحاح
هو لم يراها سوى تلك المرة ولا يعرف حتى اسمها
منذ متى وهو بتلك السطحية حتى يتعلق بفتاة عابرة
هل لأنها جميلة؟
لكنه رآى من هم أجمل بكثير
ربما لانها تشاركه هوايته؟
لكن ايضًا ما أن يصعد لسطح السفينة حتى تهفوا إليه الفتيات واللاتي يحاولن جذب انتباهه بالحديث عن البحر
وكان البعض يلقبه بالسندباد ويسمع حديثهم وهم مبهورين به وبوسامته
إلا تلك الفتاة التي لم يجذب انتباهها إلا بالحديث عن البحر ومغامراته
حتى انها لم تنظر إليه إلا نظرات عابرة عندما تحدثه او تسأله عن شيء
أراد ان يمحوها من تفكيره وقرر الصعود لأعلى السفينة حيث يجلس الجميع وهم بالصعود على الدرج لكنه توقف عندما وجدها تستند على السياج تنظر إلى البحر بشرود.
شعر بأنها تفضل الوحدة لذا احترم رغبتها ولم يتطفل عليها وصعد إلى الأعلى
وبدأت النظرات تهفوا إليه لكن نظراته هو تعلقت بها وهو ينظر إليها من الأعلى
تجمعت الفتيات بالقرب منه يحاولن جذب انتباهه لكنه لم يبالي سوى بمن خطفت بصره وجعلته لا يرى سواها
رفع الكاب ووضعه جانبًا وأخذ يتطلع إليها بتفحص.
جميلة حقًا بملامحها الهادئة وجسدها الممشوق، مجرد النظر إليها يجعل من يراها يشعر بالرضا
ودون ارادته وجد قدمه تسوقه إليها ونزل للأسفل ليصابوا من حاولوا رمي شباكهم عليه بالاحباط
تقدم منها ليقف بجوارها متطلعًا إلى المياه امامه وتمتم بعتاب مرح دون النظر إليها
_أنا قلت هلاقيكي مستنياني بس انا اللي استنيتك كتير.
تطلعت إليه بابتسامة باهتة وتمتمت بتمهل
_أنا قلت اكيد مشغول وبلاش اعطلك.
نظر إليها مبتسمًا
_بس انا في الوقت ده بكون فاضي وعشان كدة قولتلك عليه.
عادت تنظر إلى البحر وتمتمت بروية
_بيت جدي على البحر في إيطاليا، كان بيحب البحر أوي أوي، بس مكنش بيقرب منه لأن أخد منه مراته اللي هي تيتا.
لمعت السعادة بعينيها وهي تردف
_تخيل أنه رفض يتجوز بعدها؟ وعايش حياته كلها على ذكراها؟
تمتم داغر بينه وبين نفسه
_الإيطالي عادي عنده بيقضيها وخلاص.
سألته بحيرة
_بتقول حاجة؟
حمحم بإحراج
_لا انا بس بقول انه شخص وفي جدًا.
_دي حقيقة، تخيل أنه رفض ينزل البحر من وقتها؟ كان بيكتفي أنه يبصله بس.
_بس انا ملاحظ انك بتتكلمي مصري كويس مع انك عايشة في إيطاليا.
عاد الحزن يغزو عينيها وتمتمت بصوت حزين
_انا ماما إيطاليه إطلقت من بابا بعد عشر سنين، معرفتش تتأقلم على الحياة في مصر وعشان كدة طلبت الطلاق بابا اخدني وعشت في مصر لحد ما ماما تعبت من سنتين وطلبت وجودي جنبها وقضيت سنتين الجامعة الباقيين هناك
ازداد الحزن بداخلها وهي تتابع
_بس خلاص ماتت وبابا أمرني إني أرجع مصر، بعيد عن كل حاجة بحبها.

تأثر داغر بحديثها لكنه لم يبين ذلك وقال بمرح اراد به بث السرور بداخلها
_طيب ايه رأيك باللي يعوضك عن الحرمان ده؟
قطبت جبينها متسائلة فأجابها
_السفينة هتفضل في البحر أربع أيام وأنا بقا هعيشك أجواء البحر بكل ما فيها.


عودة للحاضر.
عاد لواقعه الأليم وعينيه الحادة ثابتة لكنها تغلي كبركان ثائر من تلك الغادرة التي تخلت عنه تلك الليلة.
عامان مضوا ولم يعرف عنها شيئًا سوى طعنة قا.تلة أصابت قلبه الخائن والذي نبض فقط لأجلها.
لكن سيأتي اليوم الذي سيقابلها به وسيكون انتقامه أشد قسوة من الموت.
لكن كيف ذلك وقد أصبح عاجزًا لا يقوى حتى على السير دون مساعد
أغمض عينيه بشدة يريد أن يدمر كل ما حوله كي ينفث عن غضبه لكن حتى تلك لا يستطيع فعلها
ضغط بقبضته على ستائر النافذة حتى ابيضت مفاصله
لما حكم عليه القدر ان يعيش ذلك العذاب وكأن الدنيا لم تجد غيره لتقسو عليه بتلك الحدة
خرج من الغرفة ومن المنزل بأكمله وسار بخطوات رتيبة حتى وصل للمر المؤدي ليخته
يتوقى للأبحار به ويسقط المرسى في وسط البحر كما كان يفعل ويغوص ويتعمق بداخله.
ابتسامة محملة بالمرارة غزت فمه عندما سمع تلاطم المياه به
وتساءل
هل باستطاعته يومًا فعلها؟
وإن لم يرد إليه بصره كيف باستطاعته العيش هكذا؟
فقد مر عامان ولم يستطيع تقبل الأمر مطلقًا
فماذا إن طال الحال به أكثر من ذلك
أسئلة كثيرة لكن لا يعرف لها إجابة

❈-❈-❈

جلست تنتظر عودته في سكون تام رغم عقلها الذي يطلب منها الإعتراض على ذلك الظلم التي تراه على يده
لكن ماذا تفعل في قلبها الذي يرفض دائمًا ويواصل عصيانه.
ذلك القلب الأهوج الذي يتعلق به حد الجنون وهو عاشقًا لأخرى
ترى ذلك الكم الهائل من المشاعر التي يغدقها بها وتقف هي تشاهد في صمت متعللة بأن الأخرى لا تبالي بمشاعره.
تنتظر من اجل أن تحافظ على ما تبقى لها منه على أمل ان يشعر بغلطته ويعرف أن لا احد في تلك الدنيا يعشقه مثلها
تتساءل لما لا يشعر بها؟
لما لا يرى حبها له؟
ماذا تفعل اكثر من ذلك كي تكسب وده؟
تعبت حقًا لكنها لن تيأس وستظل تتظاهر بالجهل حتى يأتي ذلك اليوم الذي يأتي إليها فارغ القلب لتملؤه بعشقها وولعها به.
لكن متى؟
مسحت دموعها بظهر يدها عندما انفتح الباب ودلف حازم مغلقًا الباب خلفه.
وضع المفتاح بأهمال على الطاولة وجلس على الأريكة بإرهاق قائلاً
_صباح الخير ياحبيبتي.
استطاعت ببراعة تخفي آلامها وردت بابتسامة
_صباح النور ياحبيبي، ثواني هجهز السفرة ونفطر مع بعض.
تطلع بساعته فوجدها قد تعدت الثانية عشر فسألها بدهشة
_معقول لسة مأكلتيش؟ أحنا بقينا الضهر.
هزت كتفيها بعدم اهتمام
_عادي ياحبيبي انت عارف إني مش بعرف أكل من غيرك
نهضت لتدلف المطبخ وتلفت هو خلفه ليسألها
_أومال فين الولاد؟
اجابت وهي تحمل الأطباق لتضعها على السفرة
_عند ماما قلت بما إننا أجازة النهاردة وبكرة من المستشفي نقضي اليوم لوحدنا وبكرة هجبهم عشان يقضوا اليوم مع طنط وحور.
_طيب هدخل آخد شاور لحد ما تجهزي السفرة.

دلف حازم الغرفة اما هي فقد رتبت السفرة بعناية فائقة ووضعت في منتصفها باقة من الورود التي يحبها وكل الأصناف التي يفضلها
انتهت من تجهيزها وقد انتهى من اخذ حمامه وخرج إليها بمنامة قطنية فتقدم منها ليضع قبلة عابرة على وجنتها ثم جلس على مقعده.
جلست هي بدورها وهي تقول بابتسامة
_عملتلك كل الأصناف اللي بتحبها يارب بقا تعجبك.
ابتسم بمجاملة لها وتمتم بصدق
_بس انتي واثقة كويس إن كل حاجة بتعمليها بتعجبني.
أخذ يدها ليقبلها ثم يعود الجمود لملامحه وقال بثبوت وهو يبدأ تناول طعامه
_انا كلمت ماما تيجي تقضي اليوم معانا بس قالت احتمال متقدرش عشان حور عندها شيفت بالليل ومش هتقدر تيجي معها.
شرعت هايدي في تناول طعامها وقالت متظاهرة بالثبات
_أنا مش عارفة ليه حور بترفض الخروج من البيت مع إنها شغالة ممرضة في المستشفى.
تهرب من سؤالها وقال بعدم اكتراث
_دي طبيعتها ومش عايزة تغيرها.
علمت أنه مثل كل مرة يغلق الحديث عنها قبل ان تفتحه، احترمت رغبته ورفضت التحدث عنها وظلوا على صمتهم حتى انتهوا..

نهض ليغسل يده وهي اخذت الاطباق للمطبخ وأعادت كل شيء لوضعه ثم قامت بتحضير قهوته وتقديمها له ثم دلفت غرفتها وبدلت ملابسها بملابس رقيقة كرقتها ثم أسدلت شعرها بحرية متعطرة بذلك العطر الذي يفضله دائمًا
وضعت أحمر شفاه جعلها تبدو بفتنة تسلب الأنفاس وكان ثوبها طويل بفتحة جانبية تصل لأعلى ركبتها عاري الأكتاف
دلف حازم الغرفة فتسقط عيناه على تلك الفاتنة وتقابلت أعيونهم في المرآة محركة مشاعره بهيئتها.
ابتسم برضا لها فهي تعرف جيدًا كيف تسعده وكيف تلبي احتياجاته كرجل لكن ذلك القلب الأحمق لم يستطيع النبض لها
بخطوات بطيئة تقدمت منه وكأنها تتلاعب على أوتاره حتى وقفت على قدمية العارية وقربت وجهها من وجهه متمتمة بخفوت بين شفتيه
_وحشتني، بقالنا فترة بعاد عن بعض وقلت….
لم يتركها تكمل جملتها وقاطعها بأن وضع أصبعه على فمها وأخذت عينيه تجوب ملامحها ثم نزلت لعنقها الذي يغريه لطبع بصمته عليه
ولم يتواني لحظة واحدة مستجيبًا لتلك الدعوة فيميل على عنقها يقبله بنعومة قبل أن يتذوق شهده بقبلة متلهفة تاركًا بصمته عليها أما هي فاستسلمت ليديه التي حاوطتها لتقربها منه بقوة
ترحب بتلك اللحظات التي تعيشها بين يديه ويتغزل بها بكل الكلمات التي يعرفها لكن يقتـ.ـلها بل يذبـ.ـحها عندما ينطق بأسم أخرى وهي التي باحضانه
كانت قبلاته متلهفة تطالب دائمًا بالمزيد ومن بين قبلاته ينطق اسمها.

تتقبلها وتتصنع عدم سماعها حتى تنتهي جولتهم ويستلقي بجوارها يضع رأسه على كتفها كطفل صغير يتشبث بمن يعيطه الحنان لكن عقله وقلبه مع أخرى.
لا تنكر أنه يغدقها بكرم حنانه ومشاعره بل وكل شيء لكن قلبه ليس لها
لو فقط يعشقها مثل ما تعشقه لكانت أسعد امرأة بالوجود لكن ليس كل ما يطلبه المرء يدركه
اخذت تتلاعب بخصلاته وهي تنظر إليه بعتاب حتى غلبها النعاس ونامت بجواره.

في المساء
كانت حور تعمل في قسم العناية المركزة عندما أخبرتها الممرضة بأن مدير المشفى يريدها في الطابق الثالث
ذهبت إليه وهي مندهشة من طلبه لها في ذلك الوقت واثناء مرورها في ممر المشفى وجدت والدها واقفًا أمام إحدى الغرف.
صعقت لرؤيته وعادت بظهرها للخلف وقد أخذت ضربات قلبها تهدر بعنف.
ما الذي جاء به إلى هنا؟
هل علم بوجودها؟
لكن كيف؟
القت نظره اخرى فوجدته مازال واقفًا ويبدو عليه القلق.
ماذا حدث؟
ولما جاء إلى الإسكندرية؟
هل يعلم الدكتور عاصم بوجوده؟
ولما لم يطلب منها توخي الحذر؟
كل تلك الأسئلة تدور بخلدها
عليها الهرب بأي طريقة
فإذا رآها وعلم أنها مازالت على قيد الحياة فلن يرأف بها ولا بسليم
ظلت تدعوا ربها أن ينقذها من ذلك الموقف
أخذ الدوار يقتحم رأسها لكنها قاومت ليس الآن فهي على وشك الوقوع في براثين والدها
حاولت تنظيم أنفاسها المتسارعة كي يخفف من حدة الدوار لكنه يشتد أكثر
ألقت نظرة أخيرة عليه لكنها شهقت برعب عندما تقابلت نظراتهم
عادت مسرعة للوراء ودقات قلبها تهدر بقوة حتى جعلت جسدها يرتجف بشدة

لقد رآها، علم بوجودها، انتهى أمرها.
شعرت بأقدام تتقدم منها وعند تلك النقطة استسلمت لمصيرها

❈-❈-❈
_داغر
انتبه داغر لذلك الصوت والذي تعجب من سماعه
استدار مستعدًا لتلك المشاغبة والتي ستنتهي سكينته بوجودها
شعر بيديها تلفت حول عنقه تتعلق به بسعادة وهي تتمتم
_I miss you
ابتسم داغر وهو يتحسس وجهها بحب
_وانتي كمان، ليه مقولتيش كنت بعت حد يستناكي في المطار؟
ردت الفتاة بلهجة ركيكة
_قلت اعملها مفاجأة، داد حاول يتصل بك كتير بس انت مش بترد
احتضنت ذراعه وتابعت بحب
_افتقدتك كتيير داغر، مقدرتش اقعد من غيرك.
ضحك داغر وسألها
_هصدق مع انك رفضت تيجي تسلمي عليا قبل ما أمشي
قالت بدلال
_مش بحب الوداع وانت عارف كدة كويس وبعدين لو كنت قابلتك كنت هقع بلساني واقولك إني جاية وراك
جذبت يده وقالت
_تعالي ندخل جوه لأن عمو وحشني اوي
دلفت معه للداخل وقد استطاعت أن تخرجه من حالة اليأس التي تمكنت منه تلك الفترة.

دلفت للداخل فتجد خليل ينزل الدرج
اسرعت إليه تحتضنه بدوره وقالت بمرح
_ايه رأيك في المفاجأة دي؟
احتضنها خليل بحب وقال بابتسامة
_مفاجأة جميلة طبعاً يا حبيبتي بس جيتي ازاي.
نزلت معه باقي الدرجات وهي تجيبه بحماس
_أنا طلبت من بابا إني ارجع معاكم وهو وافق صحيح ماما رفضت بس فضلت وراها لحد ما وافقت بس اوراقي طولت شوية وقلت اسافر وراكم
أحاطها داغر بذراعه ليقبل رأسها
_ناوية تطولي ولا هترجعي على طول؟
_هرجع معاكم وقت العملية، بس في الإجازة هقضيها معاكم.
قال خليل
_طيب يلا غيري هدومك وتعالي نقعد مع بعض.
❈-❈-❈

وقفت حور ترتعد بخوف تنتظر نهايتها حتى تفاجئت بصوت يسألها
_حور ايه اللي موقفك كدة؟
انتفضت حور اثر ذلك الصوت فاطمئنت عندما وجدته الدكتور ثابت ازدردت جفاف حلقها وردت بتيهة
_لا أبدًا انا بس كنت دايخة شوية وقلت ارتاح شوية.
تطلعت إلى مكان والدها فوجدته
يدلف الغرفة التي كان واقفًا أمامها وحينها أخذتها فرصة وأسرعت بالهرب متجهة إلى المصعد كي تخرج من المشفى قبل ان يعثر عليها.
فتحت المصعد وضغطت على الزر مرات عديدة حتى أغلق ونزل بها للطابق السفلي فتضع يدها على قلبها تنظم انفاسها المتلاحقة
حتى توقف المصعد وفتح الباب فتشهق بصدمة أكبر عندما وجدته أمامها…
استدارت مسرعة عندما وجدت سليم يدلف المصعد وهو يتحدث في الهاتف
صدمة أخرى وخطر آخر حاوطها
وتلك المرة في الزاوية
أولته ظهرها كي لا يراها وقلبها تزداد وتيرته بعنف
هل هذه نهايتها؟
وإن رأوها ماذا سيكون مصير طفلها؟
مؤكد والدها لن يرحمه كما فعل معها

تظاهرت هي أيضًا بالعبث بهاتفها كي لا ينتبه إليها لكنها اندهشت عندما سمعته يقول لمن يحدثه
_متقلقيش البرج بيبقى عليه حراسة ٢٤ساعة مفيش داعي لخوفك واحتمال بكرة بالكتير هكون عندك.
_………
_ملقتش طيارة لأمريكا النهاردة غير بالليل وكمان الحجز خلص إن شاء الله هحاول اكون عندك.
كانت واقفة منزوية في اكد الأركان تنتفض رعبًا

لم تستطيع الخروج من المصعد فما إن تستدير لتخرج ستتقابل وجوههم وحينها لن يردعه شيء عن قتلـ.ـها.

توجه المصعد للدور الثاني حيث ينتظر والدها وحتى الآن لم تعرف سبب وجودهم أخذت وتيرة دقاتها في ازدياد حتى خشيت أن يسمعها أخيها
كانت يدها ترتعش بقوة مما جعل الهاتف يسقط منها فينتبه إليها باعدًا الهاتف عن أذنه ليسألها
_في حاجة يا آنسة؟
هزت راسها مسرعة ومالت على الهاتف تلتقطه في خوف
كان يتحدث مع فتاة لذا أخذت كل إحساسه فلم ينتبه لتلك التي ترتعد بخوف لو لاحظه لشك بها.


فتنفست الصعداء حينما توقف المصعد وخرج أخيها.
مما جعلها تسقط على الأرض عندما أغلق المصعد خلفه وضمت ساقيها لصدرها وقد عاد الخوف بأشده إليها
عادت إليها تلك الذكرى تقتحم مخيلتها
وهي بين يدي والدها يذيقها العذاب بيدين حادتين
ورأسها الذي ضرب في الحائط مرات عديدة بلا شفقة أو رحمة مما سبب لها حالات إغماء مستمرة معها حتى الآن
والكسور التي تعرضت لها وهو يضرب بلا هوادة فقط يضرب وصوته المرعب يدوي صداه في أذنها حتى الآن
وضعت يدها على أذنها تكتم ذلك الصوت وهو يهدر بها بسخط
_فضحتيني وجبتيلي العار يافاجرة…….مين هو لخلص عليكي……..انتي لازم تموتي واتخلص من عارك………
وبعد كل ذلك تجثو على ركبتيها وهي مقيدة على شاطئ البحر تنظر للمياه التي تتلاطم عليه فتغمض عينيها بوداع أخير وقدم أخيها التي تهتز على ظهرها تستعد لقذفها.

أصوات تأتي من البعيد
وأيدي تصفعها بروية تحسها على العودة لوعيها
لكن لا لا تريد العودة لتلك الحياة الظالمة.
وخز بالإبر وأصوات لا تعرفها لكنها تأبى العودة تريد الرحيل لكن جالت بخاطرها صورة طفلها الذي لا يعرف سواها.
فقاومت وتحدت ذلك الظلام وفتحت عينيها تردد اسمه “إياد”

❈-❈-❈

استيقظ من نومه وهو يشعر بألم شديد في رأسه من تلك الكوابيس التي أصبحت ملازمة له.
نفس الحلم يتكرر معه
مسح بيده على وجهه
ثم مد يده يتحسس المنضدة بجواره حتى وصل لهاتفه
جلس مستندًا بظهره على الوسادة وفتح هاتفه ببصمة الصوت طالبًا رقم عمه وعندما جاءه الرد
_ايوة ياعمي صباح الخير
رد عمه وهو بسيارته
_صباح النور يا داغر شكلك لسة قايم من النوم.
مسح داغر بكفه على وجهه وسأل
_انت فين؟
_رايح يا سيدي المشوار اللي اتفقنا عليه امبارح ولا انت بتنسى؟
زفر داغر بحنق وتمتم مستسلمًا
_ماشي ياعمي اللي تشوفه بس حاول متأخرش.
أغلق الهاتف وألقاه على الفراش بإهمال ثم فتح الدرج كي يخرج سجائرة التي اخفاها عن عمه كي لا يلقيها في القمامة كلما وقعت عيناه عليها.
أخذ واحدة وأشعلها ثم أخذ نفس عميق منها وزفر دخانها فتجول بخاطره ذكرى مشابهة
عندما تقابلوا مرة أخرى على سطح السفينة وعلى نفس السياج
وأثناء حديثهم جاء شخص ليشعل سيجارته بالقرب منها
فأخذت تسعل بقوة
تطلع إليها بقلق يسألها
_انتي كويسة؟
اومأت له بضيق من ذلك الشخص
_اه كويسة بس بتخنق من ريحة السجاير.
تطلع داغر إلى ذلك الرجل وقال بأمر
_ارمي السيجارة دي انت عارف إن ممنوع التدخين على السفينة.
رد الرجل بفتور وهو يكمل تدخينه
_انا بدخن على البحر وبرمي السيجارة فيه مش شايف أي مشكلة.
انفعل من رده وقال باحتدام
_لو مرمتش السيجارة دلوقت هخلي الأمن يدخلوك اوضتك بالإجبار.
تطلع إليهم الرجل بحنق ثم ألقى السيجارة وابتعد عنهم.
تطلع إليها وسألها باهتمام
_بقيتي أحسن؟
اومأت بامتنان
_اه احسن.
_تحبي نقعد؟
هزت راسها بنفي وعادت تنظر للبحر
_لأ خلينا هنا.
تطلع إلى شعرها الذي قيدته بعصبة فلم يعد حرًا مسترسلًا حول وجهها كما رآه أول مرة
وكم أراد في تلك اللحظة أن يجذبها ويحرر أسره كي يتناغم مع ذلك الهواء الطلق لكنه احجم رغبته كي لا يخيفها منه
_تعرفي اني لحد دلوقت معرفش اسمك؟
تهربت عينيها منه بخجل ثم تمتمت بخفوت
_أسيل.
استعذب نطق اسمها عندما ردده بينه وبين نفسه ثم قال بثبوت
_جميل.

_كابتن داغر عايزينك ضروري.
اغمض داغر عينيه بضيق ثم نظر إليها باعتذار.
_أسف.
نظرت إليه بدهشة
_على ايه ده شغلك.
قال باقتراح
_طيب ايه رأيك نتعشى مع بعض النهاردة؟
ظهر الرفض واضحًا دون قوله لكنه لم يقبل و قال بإصرار
_وافقي ومش هتندمي المطعم اللي فوق بيبقى حكاية بالليل.
رغم أن عقلها رفض ذلك إلا أنها أحبت أن تودع حريتها على الباخرة قبل عودتها إلى المنزل
أومأت له بصمت مما جعله يقول بسعادة
_خلاص هستناكي في المطعم أوعي متجبش.

تركها ورحل دالفًا غرفة القيادة فوجد المساعد يقول بقلق
_جالنا بلاغ إن في عاصفة هتقوم الليلة وهنضطر نوقف الباخرة لحد ما تمر.
تطلع داغر إلى مؤشرات الرياح فلاحت ابتسامة على محياه ثم قال آمرًا
_خليهم ينزلوا المراسي.
اومأ له المساعد وتركه كي ينفذ مهمته
أما هو فقد أخذ يفكر في خوض مغامرة جديدة يشاركها لأول مرة مع أحد.
أعلن للركاب أن السفينة ستتوقف هذه الليلة بسبب هبوب رياح خفيفة.
مفيش داعي للقلق
العشاء هيكون في اوضكم وياريت محدش يخرج على السطح نهائي.

بدأ الجميع ينسحب بهدوء إلى غرفهم إلا منها
أرادت أن ترى تجمع السحب الهائل في ذلك الجو البارد
تشعر ببرودة شديدة لكنها رفضت ان تدلف غرفتها كي ترتدي معطف يحميها من البرودة شعرت بالخوف لربما أحد يمنعها من الخروج مرة أخرى.
أخذت تشاهد المنظر وقد بدأت الرياح تهب على سطح السفينة والبرودة تشتد أكثر حتى أنها أخذت تدلك ذراعيها كي تبث الدفئ بها
انتبهت فجأة لمن يقف خلفها ويضع معطفه على أكتافها ولم يكن سواه
التفتت إليه فوجدته يتطلع إليها بعينيه الرمادية والتي لم ترى في جاذبيتها من قبل
ربما لأنها كانت تبتعد عن الجنس الآخر عامة مخافة من أبيها لكن ذلك استطاع ان يلفت انتباهها بكل سهولة ويسر
ابتسمت له بامتنان
_ميرسي.
اومأ لها بابتسامته الساحرة مما جعلها تهرب مسرعة وصوته الأجش يقول
_كنت عارف إني هلاقيكي هنا، كنت هتعب اوي لو ملقتكيش.
قطبت جبينها بدهشة وسألته
_ليه؟
اسند مرفقيه على السياج ناظرًا إلى الغيوم بالأعلى وقال بثبوت
_كنت هدور في كشف المسافرين عن واحدة اسمها أسيل واعرف رقم اوضتها عشان تعيش معايا الجو ده.
بدأت السفينة تتراقص مع الامواج وعينيها هي تتهرب منه
مما اعطى له فرصة للتأمل في ملامحها
تلك الحورية التي خرجت له من المياه لتنثر سحرها على ذلك القلب الصلب والذي أحاط إياه بسياج من حديد كي لا تستطيع امرأة خرقه
تلك الصلابة لانت عند نظرة واحدة منها
لم يصل لمرحلة العشق لكن ما يعرفه بأنه وضع قدمه على أولى درجاته.
ساد الصمت بينهم وكأن لا أحد منهم يريد اختراقه أو ربما ينتظر كل منهما أن يبدأ الآخر
وكان هو من اخترق صمتهم قائلًا
_تحبي نطلع فوق.
شعرت بالقلق لأول مرة عندما جاءت موجة عالية حركت السفينة فقالت بقلق
_مفيش خطر؟
_هو لو فيه خطر هطلبه منك ليه، وبعدين عيبة في حقي أوي، أنا بقالي سنييين طويلة في البحر وعارف كل حركاته.
ضحكت أسيل مما جعله يشرد بضحكتها
كل شيء بها يلفت انتباهه ويجعل ضربات قلبه تنبض بالسعادة.
أشار لها بالتقدم وظل يراقبها خوفًا عليها من السقوط حتى صعدوا إلى أعلى السفينة.
الرياح أشد بالأعلى مما جعلها تتشبث بالسياج ولم تفلح تلك العصبة بإحكام خصلاتها
وظل يتهرب خصلة تلو الأخرى حتى سقطت وهو يشاهد في صمت مطبق
كانت تنظر للأفق منبهرة بالأجواء حولها وهو منبهر من تلك الفتاة التي جذبته بعفويتها وعدم تصنعها.
ماذا سيفعل عندما تنتهي رحلتهم ويعود كل منهم لحياته
هو لعمله الذي يجبره على التغيب أيام طويلة
وإذا عاد يعود إلى الاسكندرية
هو لا يتحمل الآن عودتها إلى الغرفة فكيف يتحمل فراقها.
هذا ما كان يخشاه وهذا ما جعله يحصن قلبه جيدًا.
عاد لواقعه وهو مازال يدخن سيجارة تلو الأخرى وكأنه يريد أحراق ذكرياته كما يحرق سيجارته.
لكن هيهات فقد حفرت داخله ولن يستطيع التخلص منها سوى بالثأر
سينتقم منها اشد انتقام وسيجعلها تسقط تحت أقدامه تطلب منه الرحمة لكن حينها لن يكون لديه قلب يغفر به.
أطفئ السيجارة في المطفئة بغضب جحيمي ثم أمسكها وقذف بها فتنصدم بالجدار وتتناثر أجزاؤها في كل مكان.
لكن لم تخمد خركته تلك لهيبه بل تشتعل أكثر وأكثر
لما كل هذا العذاب الذي يعيشه
وإلى متى؟
طرق الباب ودلف منها محسن وهو يسأله بقلق
_في حاجة ياابني؟
حاول ضبط اعصابه وتمتم بثبات
_مفيش حاجة ياعم محسن الطفاية بس اتكسرت مني.
تطلع محسن إلى موضعه على الفراش وإلى الزجاج الذي لف الغرفة بأكملها فعلم أنه فعل ذلك من شدة غضبه.
_طيب خليك متتحركش لحد ما ابعت للبنات تيجي تنضف المكان من الازاز ده.
خرج محسن ورفع داغر الغطاء ثم ارتدي خفه وتحسس طريقه حتى وصل للمرحاض.
وقف أمام الحوض وتطلع بظلامه للمرآة والتي كلما واجهها تقتحم تلك الفتاة مخيلته
لا يستطيع التخلص منها
وكأنها توغلت داخل أوردته فأصبحت جزء لا يتجزأ به
ماذا يفعل حتى يستطيع التخلص منها
وإذا أراد الانتقام كيف ذلك وهو لا يعرف عنها شيء
استخدم معارفه وكل شيء حتى يستطيع الوصول إليها لكن لا أثر لها
مال ليضع رأسه أسفل المياه الباردة ربما بذلك يهدئ من ثورانه لكن لا فائدة
مازال ذلك الخائن ينبض لها
مازال عاشقًا لمن تخلت عنه ولاذت بالهرب فور أن علمت بإعاقته
النيران تشتعل بداخله والمياه الباردة لا تجدي نفعًا
مر وقت طويل وهو يضع رأسه أسفل المياه حتى رفعه بعد وقت طويل ناظرًا للمرآة
هل مازال يراها؟
رفع يده يتحسس موضع المرآة ويقوم بمسحها بيده ربما تكون طريقه منه لمحوها
لكن جاءته الإجابة بأسرع وقت
بأن لا فائدة ترجوا وليس له سوى الصبر.

كانت المياه تتساقط من خصلاته على صدره العاري ولم يشعر ببرودتها
مادامت تلك الفتاة بداخله فستظل دماءه تغلي كبركان ثائر

❈-❈-❈

وضعت حور الكوب على المنضدة بجوارها بتعب فسألتها أحدهم
_ها بقيتي احسن دلوقت؟
اومأت لها وقد بدأت تسترد وعيها وسألتها بوهن
_ايه اللي حصل؟
نهضت زميلتها كي تنزع المحلول من يدها بعد انتهاءه وقالت
_كالعادة حالة الاغماء اللي بتتعرضي ليها بس المرة دي طولت أوي.
_هي الساعة كام دلوقت؟
خلعت الجهاز من يدها وهي تجيبها
_احنا بقينا الصبح ميعاد انصرافك.
نهضت من السرير لتستعد للذهاب لكن سهى منعتها قائلة
_انتي رايحة فين بحالتك دي، اصبري شوية لحد ما تفوقي.
نهضت حور بإصرار قائلة
_لأ، انا لازم اروح.
دنت منها لتساعدها على السير
_طيب خليني اساعدك.
عادت حور إلى المنزل وتوجهت إلى غرفتها كي لا يلاحظ أحد حالتها
أخذت حماماً دافئًا ثم اندست تحت الفراش لتسمح لدموعها بالعنان
مازال الخوف يفعم قلبها
وكلما حاولت نسيان الماضي يأتي إليها بأشده

ماذا ستفعل لو علموا بوجودها؟
لن يرحمها أبيها مهما ترجته وربما أيضًا يؤذي طفلها إن علم بوجوده.
بعد مرور وقت طرق الباب ودلفت أمينة التي تفاجئت بمجيئها
_حور انتي رجعتي امتي انا قلقت عليكي وقلت ايه اللي اخرك.
مسحت دموعها مسرعة واعتدلت في فراشها قائلة
_اصلي جيت بدري النهاردة وطلعت أوضتي على طول، قلت بلاش اقلقكم.
اومأت لها بتفاهم
_طيب لسة مصرة تفضلي لوحدك؟ حازم تحت وعايزك تقضي اليوم معاهم.
_معلش سيبوني على راحتي.
تنهدت أمينة بيأس منها
_خلاص براحتك بس انا هاخد إياد معايا ومتخافيش محدش هياخد باله منه.

تركتها أمينة وخرجت من الغرفة فوجدت حازم واقفًا على احر من الجمر
تنهدت بيأس من ابنها الذي مازال ينتظر أملًا زائفًا ويترك زوجته التي تفعل كل ما بوسعها لاسعاده
دنت منه وهي تقول بروية
_يلا نمشي احنا عشان هي جاية تعبانة ومش هتقدر تيجي معانا.
سألها بلهفة
_ليه مالها؟
_مفيش هي بس عايزة تنام لأنها منمتش امبارح كويس.
اومأ لها وحمل إياد وخرج مع والدته وذهب بهم لمنزله
كانت هايدي سعيدة بوجوده معهم بمعزة صافية واهتمت به طوال مكوثه معهم
دلف حازم المطبخ مقبلًا وجنتها وقال
_تحبي أساعدك؟
ابتسمت هايدي وقالت
_اه ياحبيبي حط الأطباق على السفرة وخلاص.
قام بمساعدتها وهو ما يفعله دائمًا في يوم أجازته، يساعدها في كل شيء فهي تعمل طبيبة مثله ولا تسمح بأن يأتي احد لمساعدتها لذا هو يساعدها كما تساعده هي في كل شيء.
تعلم جيدًا بأنه يفعل ذلك لشعوره بالخيانة تجاهها وكأنه بتلك الطريقة يكفر عن ذنبه بحقها ولا يعرف أنها لا تريد سوى قلبه
كانت أمينة تنظر إليهم برضا وتمنت أن ينزع الله حب حور من قلبه لأجل زوجته التي لا تفعل شيء سوى اسعاده.
قد تكون مبالغة في اهتمامها به حتى عندما تسمح له بمساعدتها تسمح له فقط بالاشياء البسيطة وهذا يعد خطأ كبير من وجهة نظرها.
عليه أن تشعره بالفقد كي يشعر باحتياجه لها لكنه الآن ينعم بذلك الإهتمام ولا يشعر بالنقص.
جلسوا جميعًا على طاولة الطعام والتوأم يتسابقون على إطعام إياد والذي كان بدوره سعيد بوجوده معهم.
تطلعت هايدي إلى إياد بحب وقالت
_كل ما اشوف إياد أحن للأطفال.
تطلعت لحازم الذي يتناول طعامه دون انتباه لها وسألته
_ايه رأيك ياحازم لو نجيب بيبي تاني؟
انتبه حازم لكلمتها الأخيرة فتطلع إليها بامتعاض قائلاً
_انا قلت إن العذاب اللي شوفتيه مع عمر وعلي هيخليكي تنسي الموضوع ده خالص.
_لأ طبعًا انت عارف انا بحب الأطفال اد ايه وبعدين ده تخصصي.
ترك الملعقة من يده ورد بعدم اهتمام وهو ينهض من مقعده
_خليها لما الولاد يدخلوا المدرسة.
تركها دالفًا المرحاض فتطلعت في أثره بنظرة يملؤها العتاب
ربتت امينة على يدها وقالت بحنان
_هو اكيد خايف عليكي عارف إنك مضغوطة في البيت والمستشفى.
اخفت هايدي تلك الغصة بداخلها وقالت بابتسامة زائفة
_أكيد.
نهضت لتحمل الأطباق وتضعها في المطبخ
أما أمينة فدلفت غرفة المكتب خلف ابنها وقالت باحتدام
_وبعدين معاك ياحازم انت هتفضل كاسر بخاطرها لحد أمتى.
عقد حاجبيه باندهاش وهو يجلس خلف مكتبه
_أنا ياأمي؟ ليه؟ هعمل ايه اكتر من اللي بعمله؟
جلست أمينة على المقعد قبالته وقالت بحيادية
_انا عارفة إنك مقصرتش معها في حاجة بس أحيانًا ردك عليها بيجرحها، هي نفسها تخلف تاني ليه بقا بترفض بقلة الذوق دي.
تنهد بتعب وعاد بظهره للوراء
_مينفعش دلوقت على الأقل وقلت الكلام ده اكتر من مرة.
_ليه؟
تهرب حازم برتابة
_ياستي انا مش عايز حاجة تشغلها عن على وعمر هما برضه لسة مكملوش خمس سنين.
_بس هي نفسها في…
قاطعها حازم بحزم
_ماما خلاص خلينا نقفل على الموضوع ده.
كانت تود أن تواجهه بحقيقة رفضه لكنها فضلت الصمت تحسبًا لوجود زوجته.
❈-❈-❈

استيقظت حور اثر تلك اللمسات الناعمة التي تداعب وجهها
فتحت عينيها بتثاقل فيقع بصرها عليه وتقابل عينيها الصافية بعينيه التي تنثر سحرها على كل من يراها
ذلك الحبيب الذي استوطن قلبها دون أي مجابهة كي تحرر قلبها من استيطانه
لاح العتاب بعينيها وكأنه أبلغ من الكلام
عاتبت عشقه الذي خدعها به
وقلبه الذي أضعف قلبها بهوى الروح
وعيونه… آااااه من تلك العيون التي تأسر بسحرها الأبصار فتجعلها خاضعة لها كي لا ترى غيرها.
وقد كان له ما أراد وجعلها رغم قسوته إلا إن قلبها مازال ينبض له كلما تذكرت أوقاتهم معًا
مازالت تعشقه ومازال الحب مستوطن اوردتها يسير بدمائها
رفعت يدها تتحسس تلك العينين لكن انتهى كل شيء فور عودتها لواقعها المرير
فتجد نفسها وحيدة منبوذة ملقبة بالخاطية من أهلها

نهضت تهرب من ذكرياتها والتي زادت تلك الأيام ولا تعرف لما.
فضلت العمل بالليل كي تعود في الصباح منهكة وتلوذ بالفرار للنوم لكن لم يفلح شيء معها
رن هاتفها ولم يكن سوى مدير المستشفى التي تعمل بها
لابد أنه غاضب منها لتركها المشفى دون أن تخبره.
ردت عليه فتجده يبدأ هو
_أيوة ياحور انتي فين؟ بعتلك تاني قالوا انك تعبتي وروحتي البيت.
اعتدلت حور في الفراش وتمتمت
_انا تعبت شوية ومقدرتش آجي لما لقيت بابا في المستشفى هو كان في حاجة.

رد عاصم بعدم اكتراث
_ مفيش هو كان عازم نفسه عندي على العشا وشكل مراته كان عندها برد في معدتها فحبت تدلع شوية لكن متقلقيش انا كنت مأمن كل حاجة وعشان كدة طلبت من الممرضة انها تبعتك المكتب اللي فوق، المهم أول ما توصلي تجيني المكتب عشان عايزك ضروري.
اغلقت الهاتف ووضعته على المنضدة
ثم خرجت من الغرفة فتجد المكان معتم
يبدو انهم لم يعودوا بعد.
أضاءت الانوار ودلفت المطبخ كي تحضر طعامها لكنها لم تشعر بالجوع لذا قررت الذهاب للمشفى
قامت بتبديل ملابسها وذهبت إليها متجهة إلى مكتب المدير كما طلب منها
سمح لها بالولوج بعد ان طرقت الباب ودخلت ليشير لها بالجلوس على المقعد
_تعالي ياحور أقعدي.
جلست قبالته وهي تسأله
_خير يا دكتور.

_شوفي ياستي واحد صاحبي ابنه عمل حادث وللأسف أصبح كفيف وهو بيضطر يسافر القاهرة كتير عشان شغله ومحتاج ممرضة تكون جانبه.
رمشت بعينيها مرات متتالية وتمتمت
_بس انت عارف اني مقدرش اسيب ابني وخصوصًا…..
قاطعها بإصرار
_ابنك انتي سيباه مع دادة أمينة يعني مفيش قلق عليه وبعدين ده صديق عمري ومش عايز ابعتله اي واحدة وخلاص، وانتي برضه عارفة معزتك عندي اد ايه وعشان كدة اختارتك انتي ومتخافيش
المكان بعيد ومحدش فيه هيعرفك.
لم تجد حل آخر بعد ان رأت والدها في المشفى لذلك وافقت مجبرة كي تبتعد عن المنطقة قليلًا
تابع عاصم حديثه
_هو اسمه خليل الحسيني وعايش هنا في اسكندرية في ……. لمدة شهرين وهيرجع تاني أمريكا عشان يعمل العملية الأخيرة.

رددت حور الاسم لتمر لحظات قبل أن تستوعب الموقف و…..
مر اليوم ببطئ شديد وقد أصبحت حياته خالية من كل شيء
فقط ظلام دامس ومجرد أصوات تخبره بأنه مازال على قيد الحياة
لكن أي حياة تلك التي يعيشها وقد انتزعت منه كل سبلها
يقف على الشاطئ يستمع لتلاطم المياه والتي وحدها تشعره بأنه مازال حي يتنفس
كانت ليلة باردة تنذر بهبوط أمطار مما صعب الأمر عليه
كانت تلك الليالي من أمتع الأوقات على قلبه حيث يأخذ زورقه ويجابهة تلك الأمواج الثائرة غير عابئ بقسوتها.
عادت إليه الذكريات في تلك الليلة العاصفة
كيف وقفا وحدهما على سطح السفينة يشاهدوا الأمواج التي تعلوا وتهبط وتهز السفينة فتجعلها تتمرجح على سطح المياه متناغمة مع أمواجه.
كانت سعادتها لا توصف عندما تساقطت الأمطار الغزيرة وهي متشبثة بالحديد كي تثبت توازنها مع حركة السفينة
فتبلل خصلاتها وتخمد ثورتها التي لفحت وجهه مرات كثيرة.
تطلعت إلى المكان حولها وتمتمت بشغف
_انا مش مصدقة إني بعيش الأجواء دي وسط البحر.
استند بظهره على السياج يراقب شغفها ثم تحدث بابتسامة عريضة
_لو عايزة تعشيها في قلب المياه معنديش مانع.
قطبت جبينها بدهشة وسألته
_ازاي مش فاهمة؟
اعتدل في وقفته ومد يده يجذب يدها
_تعالي معايا وانا هعرفك.
سحبت يدها مسرعة وأخفتها خلف ظهرها مما جعله يعتذر قائلاً
_أنا أسفة بس أنا شايف انك مش متوازنة على السفينة ولو اتحركتي هتقعي.
هزت راسها بنفي وتحدثت بإحراج
_لأ هقدر اتحرك عادي.
وما إن تركت يدها السياج حتى سقطت على الأرض فيسقط قلبه معها
كانت ترتدي بنطال أسود وبلوزة شتوية ثقيلة وعليها سترته التي غاصت بها لفرق الحجم بينهم، سألها بلهفة
_انتِ كويسة؟
تبللت ملابسها إثر سقوطها فاستندت على ركبتيها متمتمة بخجل
_اه كويسة.

مد يده وهو يومئ ًلها ألا تعاند
فنظرت إلى يده الممدودة بتردد وقد سرت البرودة في جسدها من ابتلالها بمياه الأمطار أبت لكن عندما وجدت صعوبة في النهوض ارضخت له ومدت يدها مجبرة.
وما إن لامست يداه أناملها الرقيقة حتى شعرت بتدفق الدماء في جسده احتجاجًا على قوة هذه المشاعر التي شعر بها.
لو كان يعلم أن هذا ما سيحدث له من هذه اللمسة ما فعلها حتى إذا كانت انفاسه الأخيرة بها، فقد جعلت وتيرة قلبه تزداد بقوة
وكم صعب عليه الأمر حينما اضطر إلى الاحتفاظ بها حتى تنزل الدرج مما جعله يسحبها بتشتت، وضع حد لتلك المعاناة قائلاً
_اسندي على السور الحديد وانزلي براحة وحاولي تكون حركتك متزنة عشان متقعيش.
هستناكي قدام الممر لحد ما تغيري هدومك، وياريت تكون حاجة مناسبة للجو ده.
خلعت سترته لكنه رفض قائلاً
_خليها انا مش محتاجها.
دلفت الغرفة وقامت بتبديل ملابسها بأخرى ثقيلة تحميها من المطر وارتدت حذاء مناسب.
نظرت لهيئتها في المرآة ثم شعرت برعشة تنتابها وهي تتذكر والدها
ماذا سيفعل إن علم بما تفعله
ماذا إن كان هناك من يراقبها بدافع منه وينتظر وصولهم حتى يخبره بما تفعله
حاوطت جسدها بذراعيها وكأن المشهد يحدث أمامها.
ضرب بل تعذيب، حبس بأربع جدران، نظرات شامتة متشفية
وعند تلك النقطة قد تصل للق.تـ.ـل
ازدادت ارتعاشتها وهي تتذكر صوته الذي طنينه يظل بأذنها حتى يكاد يدفعها للجنون
سقطت على الأرض وأنزوت بأحد الأركان تصم أذنيها عن ذلك الطنين وجسدها يرتعش بخوف
لكن لم تفلح يديها في صد تلك الأصوات عنها

سئم داغر من الإنتظار وتطلع إلى غرفتها فلم يجد إشارة لخروجها.
انتظر أكثر حتى شعر بالقلق عليها فتقدم من الغرفة وطرق الباب فلم يجد رد
ازداد شعوره بالقلق أكثر فسألها
_أسيل انتِ كويسة؟
لم تجيبه فاسترق السمع أكثر لكن لم يسمع شيء.
طرق الباب بقوة أكثر
_أسيل ردي عليا..
لم يجد منها إجابه مما جعل شعور القلق بداخله يزداد
فلا بد من فتح الباب والدخول لكن كيف ذلك
لمح عامل النظافة يمر داخل الممر فناداه قائلاً
_عم طلال تعالى أفتح الباب ده.
تقدم العامل منه وهو يقول
_من عينيه يا غالي.
أخرج العامل الكارت ووضعه في مكانه فانفتح الباب ثم شكره
_متشكر يا عم طلال.
انصرف الرجل ودلف داغر فيجدها منزوية في أحد الأركان تنتفض بخوف
أسرع إليها يجثو أمامها ويسألها بلهفة
_في ايه؟
كانت تضع يدها على أذنها بشكل مهيب فمد يده كي يبعد يدها عن اذنها لكي تسمعه لكن حينها صدرت منها صرخة خوف وأخذت تنزوي أكثر
رفع داغر يديه وتمتم بهدوء
_طب إهدي، إهدي متخافيش انتِ في أمان معايا.
أعادها صوته الحاني إلى رشدها قليلًا لكن تلك الأصوات مازالت تقتحم أذنها
تمتم داغر بحنو
_قولتلك متخافيش انتِ في أمان معايا، مفيش داعي لخوفك ده.
مد يده بروية كي يبعد يديها وهو يتمتم بحيطة
_خلاص اهدي
بهدوء وروية ابعد يدها عن أذنها واستسلام تام منها ثم رفعت اهدابها بتباطئ كأنها تخشى مما ستراه أمامها وعندما لاحظ ذلك تمتم بخفوت
_متخافيش طول ما انتِ معايا متخافيش من أي حاجة قومي متخافيش.
ولم يستوعب ذلك الذعر الذي يراه بعينيها والذي يدل على أن هذه الفتاة لاقت من الدنيا أشد العذاب
شعر بغصة تهز قلبه لكنه اخفاها بابتسامة بثت الأمان بداخلها عندما لاحظ ترددها
_قولتلك طول ما انتِ معايا متخافيش.
قومي معايا……….

عاد داغر إليها وهو يحمل عصير الليمون الذي أصر أن يعده بنفسه
فيجدها جالسة على حافة الفراش في شرودها المعتاد
جذب المقعد ليجلس عليه أمامها ثم قدم لها الكوب قائلاً بابتسامة
_اشربي الليمون ده هيهديكي شوية.
مدت يدها التي ما زالت تنتابها رعشة خفيفة وتمتم بخفوت
_متشكرة.
_لا شكر على واجب يا ستي المهم تخلصي العصير بسرعة عشان ننفذ اللي وعدتك به.
قطبت جبينها متسائلة فرد قائلاً
_نسيتي ولا أيه؟
تذكرت أسيل وتمتمت بخفوت
_لا منستش بس خليها مرة تانية.
رد بإصرار
_أنا مش ضامن أنها تتكرر تاني وانتِ معايا، يلا وانا هخليكي تنسي اسمك..

وافقت أسيل مرغمة لكنها ارادت أن تسرق لحظات سعيدة من الزمن ربما تظل ذكرى سعيدة بحياتها ولا تكون نقمة سقطت عليها


أخذها وذهب للمركب الملحق بالسفينة مما جعلها تندهش وتسأله بحيرة
_هتعمل ايه؟
رد بابتسامة يطمئنها بها وهو يحل وثاقه
_هعيشك مغامرة عمرك ما هتنسيها.
لاح على محياها التردد وهي تنظر للأمواج المتلاطمة وشعرت بالخوف، ليس خوفًا على نفسها فالموت أهون بكثير من الحياة المقبلة عليها
لكن هي لا تريد أن تكون سببًا في حادث قد يؤدي بحياته
وعندما لاحظ ترددها قال بثقة
_تعالي ومتخافيش.
بعد تردد دام للحظات استسلمت ليده التي مدها إليها وساعدها كي تصعد على متنه ثم ساعدها للجلوس على المقعد المخصص بجواره وأخذ هو يتولى تشغيله وسألها
_جاهزة؟
تطلعت بعينيها البنية إلى عينيه وأومأت له بصمت.
تحرك المركب ببطئ في البداية ثم بدأ يسرعه رويداً رويداً وهي تتشبث بخوف بكل ما تجده.
_كابتن داغر أرجوك هدي السرعة شوية.
تمتم داغر بامتعاض
_ايه كابتن دي في وقت زي اللي بنعيشه ده مش عايز أي ألقاب.
أومأت له بابتسامة لكنها أختفت عندما وجدت انهم ابتعدا كثيرًا عن السفينة
ظل يقود المركب بسرعة حتى ابتعد عن الباخرة فقالت بوجل
_لأ بلاش نبعد أكتر من كدة.
تطلع إليها بعينيه التي لم يخفي الظلام حلاوتها وقال بلهجة بثت الاطمئنان بداخلها
_طول ما انا معاكي متخافيش.
طمئنها بجملته لكنه لا يعرف أنها لا تخاف على حياتها بل حياته هو
ظل ملتزم الصمت منتبهًا فقط للمياه أمامه وتركها تتأمل الأجواء بانبهار
تصرخ عندما يرتفع الزورق بهم وينزل
لكن صرختها تكون بفرحة وانبهار وقد تناست كل شيء في تلك اللحظة
فقد تريد أن تتعايش مع لحظاتها التي من المؤكد أنها لن تعيشها مرة أخرى.
قذفت موجة مياهها عليهم فقالت أسيل
_كابتن احنا كدة هنغرق.
ضحك داغر
_هو انا هقولها كام مرة(شدد على كلمته) انتي معايا.

وبعد مرور لحظات وجدت المركب يتوقف أمام جزيرة ليست كبيرة ويوجد بها منارة عالية يلتف ضوءها بروية
أوقف المركب بجوار الممر ثم ترجل هو أولًا
وقام بربط المركب كي لا ينجرف مع التيار ثم مد له يدها كي يساعدها على النزول
لكنها ابت وسألته
_احنا فين؟
_ثقي فيا و تعالي.
رفضت يده التي يمدها لها وأبت أن تكررها وتماسكت جيدًا ثم خرجت منها رغم صعوبتها.

توقفت أسيل مكانها وهي تنظر إلى المكان بعدم استيعاب
الأشجار المثمرة والأرضية الخضراء تبث الراحة في قلب من يراها
كانت الاضاءة خافتة وضوء المنارة يدور في المكان مشكلًا هالة من السحر
خرج رجل من كوخ صغير وهو يشير له متحدثًا…..
_كنت انتظر مجيئك.
تطلعت إلى داغر الذي أشار له بدوره ورد قائلاً
_تعلم جيدًا بأني لن افوت مثل تلك الفرصة.
ثم نظر إلى أسيل
_تعالي يا سيلا هنفضل هنا شوية لحد العاصفة ما تهدي لأن شكلها هتزيد.
وافقت وهي لأول مرة تتصرف بتهور
فهي تدرس كل خطوة قبل أن تخطيها إلا منذ ولوجها لتلك السفينة
كل شيء تبدل حتى هي
سارت بجواره حتى تقدموا من ذلك الرجل واحتضن داغر ثم قال بمزاح وهو يبتعد عنه
_اوووه أرى ملابسك قد تبللت، لديك الكثير من الملابس بالداخل ادخل انت وحبيبتك كي تبدلها.
لم تفهم أسيل ما يقول لذا التزمت الصمت فنظر إليها قائلاً
_تعالي نغير هدومنا عشان متبرديش.
ازدردت لعابها بوجل وقالت
_لأ أنا كدة كويسة.
علم أنها شعرت بالخوف من ذلك المكان ولا يلومها على ذلك فلم يمر عليهم سوى يومين فقال بلهجته الحانية
_لو خايفة من حاجة فأنا بطمنك ان المكان هنا آمن ومفيش داعي لخوفك.
أخفضت عينيها للحظات ثم رفعت وجهها إليه لتومئ له بصمت
أشار لها بالتقدم وسارت معه حتى دلفوا إلى الكوخ
كان منظم رغم قدمه والحياة به تبدو جميلة اشار لها داغر على أحد الغرف
_ادخلي الاوضة دي.
دلفت الغرفة فوجدته يدلف خلفها وقبل ان تعترض وجدته يتقدم من الخزانة وأخرج ملابس منها ووضعها على الفراش أمامها
_معلش بقى لبس رجالي لأن مفيش حد بييجي هنا غيري او عمال الصيانة لو في عطل في المنارة.
تطلعت إلى الملابس التي تبدو خاصة به هو لعلامتها التجارية المطبوعة عليها لن يرتديها واحد مثل چاك في ذلك المكان.
خرج داغر من الغرفة بعد أن أخذ ملابس له أيضًا وقامت هي بتبديل ملابسها.
ارتدت ملابسه الفضفاضة وكان مثل ما كانت ترتدي بنطال أبيض وبلوزة بيضاء.
لاحت ابتسامة على ثغرها ثم خرجت من الغرفة لتجده هو ايضًا ابدل ملابسه لمنامة قطنية
ووقف يحضر الطعام مع چاك
كانت رائحة الطعام جيدة مما جعلها تشعر بالجوع أكثر
تركتهم وخرجت من الكوخ فتجد أن الأمطار توقفت لكن البحر مازال ثائر
ظلت تتمشى حتى وصلت للشاطىء ولم تعلم بأنه يراقبها
كانت ترتدي غطاء رأس صوفية مما حدد وجهها أكثر
سار كالمسحور خلفها حتى وقفت عند الشاطىء وعندما شعرت بخطوات خلفها استدارت مسرعة فوجدته هو بابتسامته الجميلة
_متخافيش المكان هنا آمن.
عادت تنظر للأمام وقالت بإعجاب
_كل حاجة هنا حلوة، الهدوء والطبيعة والبحر بتخيل المكان ده بالنهار بيكون شكله ايه.
استمتع بانبهارها
_بيكون ساحر أكتر وملفت أكتر.
جالت الذكريات في مخيلته وهو يتابع.
من تلات سنين فكرت اعمل اللي عملته النهاردة بس المركب كان فيها عطل ومنتبهتش له
كنت بعيد عن السفينة ومكنش قدامي غير جزيرة المنارة
نطيت في المايه وفضلت اعوم لحد ما وصلت لها ووقتها كنت خلاص جسمي اتشنج من البرد والعوم المسافة دي كلها
چاك انقذني وفضلت عنده لحد ما الفريق اللي معايا لاحظ تأخري وبدأوا يدوروا عليا لحد ما وصلوا للجزيرة
ومن وقتها وانا وچاك اصدقاء وبنتقابل كل فترة.
أشار لها بالجلوس
_تعالي نقعد لحد چالك ما يجهز العشا.
جلسا على الأعشاب المبتلة ثم سألها
_أنا معرفش حاجة عنك غير اسمك وانك من ام إيطالية
عاد الحزن يغلف عينيها وكأنه ذكرها بما تود نسيانه لكنها رغم ذلك قالت بشرود
_أنا أسيل حسين النعماني عمري اتنين وعشرين سنة اتعلمت في مصر بس دخلت الجامعة في ايطاليا آخر سنتين، عشان اكون جانب ماما
ليا اخ وحيد وبابا بعد ما طلقها اتجوز بنت عمه بس مش بتخلف وهو ما اهتمش انه يخلف تاني، كانت علاقتي بيها سطحية ومكنش فيه كلام بينا وعشان كدة هي اللي أقنعت بابا أني أسافر لأمي عشان تخلص مني
ولما ماما ماتت كنت خلصت الجامعة وبابا طلب مني أرجع مصر، هي دي كل حكايتي.

_تعرفي إن قصتنا متشابهة.
عقدت حاجبيها متسائلة فتابع
_ماما برضه ماتت وانا عمري تلات سنين وبابا برضه اتجوز بس اتجوز أختها من الأب ولأنها كانت بتغير منها رفضت وجودي في حياتها
ولما بابا قرر يعيش برة مصر رفضت اكون معاهم وأنا طلبت إني أعيش مع عمي ومش بشوفه غير كل تلات سنين واكتر كمان.
تأثرت أسيل بقصته والتي شابهت قصتها هي أيضًا
جاء چاك وهو يحمل الطعام ووضعه أمامهم ثم قال لداغر
_سوف انام بالمنارة وبعد الانتهاء من طعامكم بامكانكم النوم في الكوخ.
أومأ له داغر وتركهم متجهاً إلى المنارة.
تطلعت إليه أسيل بامتعاض
_احنا هنبات هنا؟
_لا طبعاً لأني لازم أرجع شغلي، أول العاصفة ما تهدى هنمشي على طول.
كانت رائحة الطعام شهية فقال داغر وهو يضع الطبق أمامها
_عايز أقولك إني باجي هنا مخصوص عشان آكل السمك ده من أيد چاك.
بدأوا بتناول طعامهم وكل واحد منهم يحكي للآخر ما يفضله او يبغضه حتى هدئت العاصفة واضطروا للعودة

تناسوا تمامًا أمر ملابسهم وعادوا بالملابس التي ارتدوها ولم تنتبه لها أسيل إلا فور دخولها الغرفة.
أما هو فلم يبالي فقد اقسم أن يعودوا إليها مرة أخرى مهما مرت ألاعوام.
دلفت أسيل غرفتها وأبدلت ملابسه التي ترتديها
استلقت على فراشها بعد أن اشعلت المدفئة وأخذت تفكر في لحظات لم ترى مثلها من قبل.
حتى إنها لأول مرة تسعد بقرار اتخذته
عندما قررت السفر بالباخرة كي تماطل في سفرها.
تطلعت لملابسه التي وضعتها بعناية على المقعد وأخذت تتذكر أوقاتهم معًا وذلك الشعور العجيب الذي يراوضها كلما وقعت عيناها عليه.

أما هو فلم تترك مخيلته لحظة واحدة ولا يعرف سبباً لذلك
هو هو العشق الذي سمع عنه؟
لكن كيف أتى إليه بتلك السرعة.
أخذ هاتفه من فوق المنضدة وقام بفتحه والنظر إلى صورها التي التقطها دون أن تدري.
كانت واقفة مستندة بمرفقيها على السياج
وأخرى وخصلاتها تتطاير بفعل الهواء.

وأخرى أظهرت عينين لاح بها حزن الدنيا.

وأخرى التقطها وقت غروب الشمس فظهر وجهها واضحًا بجوار قرص الشمس المستدير فلم يفرق بينهما
هي شمسه التي اعترف أخيرًا بأنها وحدها من استطاعت بنورها اضاءت عتمة قلبه.

أشرق الصباح عليهم ولم يستطيع أحد منهم النوم
كان كل تفكيرهم في وصولهم لمصر ماذا سيفعل كلاهما
هي ستعود لمصير محتوم وهو لحياته وعمله
كانت أجازته تلك المرة ثلاث أيام فقط وسيسافر بعدها برحلة تستمر اسبوعين.

خرجت لسطح السفينة كي تتناول افطارها رغم عدم وجود شهية لديها
لكنها ارادت أن تراه مرة أخرى قبل أن يعودوا الليلة إلى الإسكندرية
اخذت تتلاعب بطعامها بشرود حتى يأست من مجيئه فعادت إلى غرفتها كي تحاول النوم.
طرق الباب مما جعلها تندهش
ارتدت مئزرها وفتحت الباب فتجد أحد عمال المطعم يحمل بين يديه طاولة طعام صغيرة وقال باحترام
_أسف على ازعاج حضرتك بس الكابتن داغر طلب مني ابعتلك الفطار ده وقالي مرجعش إلا لما تخديه مني.
حاولت اخفاء ابتسامتها وقالت بامتنان
_متشكرة اوي تقدر تدخله.
دلف العامل وقام بوضعه على الطاولة ثم انصرف
تقدمت من الطعام تنظر إليه برضى فتلاحظ ورقة مطوية داخل زجاجة صغيرة
امسكتها بحيرة ثم فتحتها واخرجت منها الورقة وكان محتواها
_لاحظت إنك مأكلتيش شيء من فطارك فقلت ابعتلك فطار على ذوقي أما الغدا فهيكون برضه على ذوقي بس في المكان اللي يعجبك.
طوت الورقة ووضعتها مرة أخرى في الزجاجة ثم اخذت تنظر إليها بسعادة رفرفت بقلبها لأول مرة
أحتضنتها بشدة قبل أن تضعها داخل الحقيبة ثم جلست تتناول الإفطار بشهية حتى انهته.

❈-❈-❈

عادت حور إلى المنزل كي تستعد لتلك المهمة
لكن كيف تقنع حازم وامينة بذلك العمل الجديد
تعلم جيدًا بأنه يرفض مثل ذلك النوع من العمل وخاصة إن كان رجلًا
هي لا ترى ضير في ذلك كما أنها ستعود في المساء
دلفت المنزل فتندهش أمينة من عودتها فسألتها بقلق
_حور، مالك يابنتي ايه اللي رجعك؟
وضعت حور الحقيبة على الأريكة وجلست بجوار أمينه وهي تقول بثبوت
_غيرت الشيفت وبعد كدة هشتغل بالنهار.
_أحسن برضه أنا كنت ببات قلقانه عليكي طول الليل، هقوم بقا اسخنلك العشا اللي هايدي بعتته ليكي بس لقيتك مشيتي قبل ما اوصل.
منعتها حور من النهوض
_خليكي انا هقوم أجهزه بنفسي.
نهضت حور وتبعتها أمينة بعينيها وقد اندهشت من حالتها
أمس كانت بحالة يرثى لها اما الآن فالأمر مختلف تمامًا
تبدو أمامها وكأنها كانت تعاني حملًا ثقيلًا وانزاح أخيرًا عن كاهلها
أخذت تراقبها وهي تتناول طعامها بشهية لم تراها من قبل مما جعلها تسألها بحيرة
_حور انتي كويسة؟
اومأت دون النظر إليها وهذا جعلها تقلق أكثر فعادت تسألها
_طيب في حاجة حصلت امبارح في المستشفى؟
أجابت دون ان ترفع عينيها من الطبق
_شوفت بابا وسليم امبارح في المستشفى.

ضربت امينة بيدها على صدرها وقالت برعب
_حد منهم شافك؟
_تؤ محدش أخد باله مني.
رفعت عينيها أخيرًا واردفت
_بس كان ممكن يشفوني بسهولة فقررت إني أبعد عن المستشفى الفترة دي.
قطبت أمينة جبينها بدهشة وسألتها
_ازاي بتقولي هتشتغلي بالنهار وانتي هتبعدي عن المستشفى الفترة دي زي ما بتقولي.
تركت الملعقة من يدها وقالت ببساطة
_لأني ناوية أشتغل ممرضة خاصة لواحد أعمى.
قالت كلمتها الأخيرة وهي تحاول ضبط أعصابها لكن يبدو انها فشلت في ذلك وبدأ الشك يتلاعب بقلب امينة فتسألها
_ومن أمتى بتوافقي على الشغل الخاص؟
مسحت يدها بالمحرمة وألقتها بأهمال على الطاولة وهي تجيب
_من وقت مشوفتهم في المستشفى عايزة ابعد عن أي حاجة تفكرني بيهم.
_مختلفناش بس مش بالطريقة دي ومع راجل كمان.
بدأ يصعب عليها التحكم في أعصابها وقالت باحتدام
_بقولك أعمى.
ردت أمينة بصبر عندما لاحظت تعصبها
_برضه راجل ياحبيتي وانا مش هآمن عليكي وانتي مع ناس….
قاطعتها حور بإصرار
_أنا مش صغيرة واعرف أحافظ على نفسي كويس.
لم تشاء أمينة أن تجادل معها اكثر من ذلك كي لا تنهار وتفقد وعيها لذا قررت أن تهاودها
_طيب انتي تعرفي الناس دي؟ يعني ناس كويسة آمن عليكي معاهم.
اهتزت عينيها قبل ان تجيب
_الدكتور عاصم يعرفهم قالي أنه ابن واحد صاحبه.
اتسعت عين أمينة وقالت باندفاع
_كمان شاب؟
تنهدت حور بتعب وقالت
_ايه المشكلة لما يكون شاب وبعدين هو مش لوحده وهكون معاه بالنهار بس وهرجع ابات معاكي يبقى فين المشكلة.
ردت أمينة بحدة
_المشكلة اللي مش واخدة بالك منها هو حازم، مستحيل يوافق على المهزلة دي.
_وايه اللي هيعرفه؟
عقدت حاجبيها بدهشة وسألتها
_يعني ايه؟ عايزة تخبي عليه؟
نهضت حور تنهي ذلك الجدال لكن أمينة لم تتركها وذهبت خلفها إلى غرفتها
_كلميني زي ما بكلمك وعرفيني ايه اللي في دماغك بالظبط، لو كان على ابوكي وسليم فده شيء عادي يومين بيجوهم كل سنة عند عاصم بيه وبيرجعوا تاني، شغلك ده مش سبب ابدًا.
علمت حور أن الجدال لن يجدي نفعا معها لذا قررت أن تتحدث باللين
_دادة قولتلك أنا عارفة انا بعمل ايه وعمري ما هعمل حاجة تسيء ليا وانتي عارفة كدة كويس، الشغل ده انا محتاجاه بجد ومش هسيبه تحت اي ظرف من الظروف
ده هيكون لمدة شهر واحد وبعدها هيسافر يكمل علاجه ارجوكي بلاش حازم يعرف حاجة.
_يعني مفيش حاجة هترجعك عن اللي في دماغك؟
هزت راسها بنفي فاضطرت أمينة على الموافقة
_خلاص انتي حرة بس لو حصل…..
قاطعتها حور بثقة وقد ظهر بريق عجيب بعينيها
_مش هيقدر يعمل حاجة متقلقيش.

_______________

استيقظ داغر من نومه على صوت الباب
مما جعله يستاء من الطارق
فلم ينام تلك الليلة جيدًا
مسح على وجهه يحاول محو النوم ثم سمح للطارق بالدخول
دلفت سلوى قائلة
_صباح الخير يا داغر بيه خليل بيه تحت وبيقولك إن الممرضة زمانها على وصول ولازم تنزل تشوفها
تنهد داغر بضجر وقال بثبات
_طيب انزلي انتي وانا جاي وراكي.
خرجت سلوى وضغط على ساعته التي انبهته بأن الوقت العاشرة صباحاً
ازاح عنه الغطاء ثم أخذ يتحسس عصاه حتى وصل لها وهم بالنهوض بها لكنه تراجع وقذفها جانبًا ثم توجه إلى المرحاض

وقفت أمام ذلك المنزل الكبير القريب من الشاطئ والذي يتمتع بموقعه الفريد وبنيانه الفاخر
تقدمت من آمن الباب الرئيسي والذي أخذ يستجوبها ويتأكد من هويتها قبل الدخول
دلفت للداخل فتجد الخادمة تنتظرها في الحديقة وأخذتها لتصلها للداخل حيث ينتظرها خليل
تقدمت منه لتقدمها العاملة قائلة
_الممرضة وصلت يافندم.
رفع خليل عينيه عن هاتفه وتطلع إليها لحظات قبل أن يرحب بها
_أهلًا يابنتي اتفضلي.
ازدردت جفاف حلقها بصعوبة وتقدمت لتجلس على المقعد بجواره وقال بهدوء
_دكتورعاصم شكرلي فيكي وقالي انك ممرضة ممتازة وإن شاء الله تتبسطي معانا.
لم تستطيع الرد سوى بأيماءه من رأسها وقد بدأ ثباتها يتلاشي عندما وقعت عينيها عليه وهو ينزل الدرج فيعاد أمامها المشهد بقسوته وجبروته.
ازدردت لعابها بصعوبة وهي تراه ينزل الدرج بكل جبروت ولا تتخيل أنها تقف أمامه الآن
ودون ارادتها أحاطت جسدها بذراعيها عندما تقدم صوبها فتزداد وتيرة تنفسها وضربات قلبها تهدر بعنف
انتهى ثباتها وضاعت القوة الزائفة التي دلفت بها
ارتعشت أوصالها عندما سمعت صوته الغادر يقول
_صباح الخير ياعمي…….
في المشفى
دلفت هايدي مكتب حازم فتجده يتابع احد العمليات على جهازه
تقدمت منه لتجلس على المكتب أمامه وأغلقت حاسوبه وهي تقول بدلال
_هتفضل شاغل نفسك كدة طول الوقت؟ افضالي شوية.
ابتسم حازم وتمتم بمكر
_اومال اليومين اللي فاته دول كانوا إيه؟
تلاعبت هايدي بنظارته التي يضعها على عينيه وقالت بغنج
_دي حاجة كدة حلواني إنما الاشتياق ده مستمر حتى وانت في العيادة اللي جانبي.
هزت كتفيها بدلال
_ولا أيه؟
لمع المكر بعينيه وهو يقربها منه
متأكدة إنك قفلتي الباب كويس؟
اومأت وهي تقرب وجهها منه
_أوي.
نظر لثغرها برغبة ومال عليه يلتقطه لكن صوت الباب منعه من التكملة فأغمض عينيه بضيق وغمغم من بين أسنانه
_عجبك كدة؟
ضحكت هايدي ونهضت من أمامه قائلة
_زي ماعجبك كدة، انا هرجع بدري النهاردة يا ريت انت كمان متأخرش، باي.
خرجت هايدي ودلفت الممرضة تخبره بميعاد العملية.
مرت على صديقتها في المختبر كي تعرف منها نتيجة التحليل
وفور دخولها قالت بابتسامة وهي تشير لها بالنتيجة
_شكك طلع في محله، مبروك ياقمر انتي حامل.
تبدلت ملامح هايدي واخذت منها الورقة كي تتأكد بنفسها فتجد النتجية إيجابية كما أخبرتها فتمتمت بعدم استيعاب
_مش ممكن انا باخد الحبوب بانتظام.
_عادي يابنتي بتحصل وبعدين ده رزق من ربنا هنقوله لأ.
لا تنكر تلك الفرحة التي شعرت بها لكن خوفها من رد فعله جعل تلك الفرحة تتلاشى
__________________

شعرت بالأرض تميل بها حتى أنها امسكت بالمقعد قبل ان تفقد توازنها فسألها خليل بقلق
_مالك يابنتي انتي كويسة؟
حاولت حور التحلي بالشجاعة وقالت بارتجافة غلفت صوتها
_لا أبدًا أنا…. اصل الطريق كان طويل شوية وأخدت وقت لحد ما عرفت البيت.
توهجت عينيه الرمادية بوميض عجيب قبل أن يقول بصوت ثابت
_عشان كدة أخرتي؟
انتفض قلبها بشدة عندما وجه حديثه لها وتمتمت برهبة
_عشان أول مرة، بس مش هتتكرر تاني.
أومأ لها بصمت ثم جلس على المقعد ويضع قدم على الأخرى قائلاً بتكبر
_طيب عرفتي دورك هيكون ايه؟
شعرت للحظات بان الكلمات توقفت في حلقها لكنها جاهدت ليخرج صوتها ثابتًا
_اه عارفة دكتور عاصم عرفني كل حاجة.
رد بمغزى
_بس اللي عرفك بيه الدكتور عاصم غير اللي انا هقوله دلوقت، ولو عندك اعتراض تقدري تتفضلي.
هم خليل بالاعتراض لكن داغر منعه
_لو سمحت ياعمي انا وافقت عشان خاطرك سيبني بقا اعمل اللي يريحني.
تقبلت حور تلك الإهانة وقالت بثبوت
_اتفضل قول.
التزم الصمت لبرهة وكأنه يختبر صبرها ثم تحدث بجدية
_انتي هتكوني مسؤولة عن كل متطلباتي مش بس مواعيد الأدوية أو التدريبات المطلوبة منك
يعني هتقومي بكل الأدوار، الممرضة والعاملة وحتى الأكل انتي اللي هتكوني مسؤولة عنه.
رغم رفضها لكل ذلك إلا إنها تقبلت إهانته، لن تستسلم بتلك السهولة فمنذ ان علمت بعودته وهي تتوقى لمثل تلك الفرصة كي تنتقم منه أشد انتقام
لن ترأف به ولن ترحمه ستجعل حياته بين يديها وتدمرها كما دمر هو حياتها
فقط عليها التحمل في بداية الأمر وبعدها ستنفذ ما انتوت فعله وخططت له.
_ودلوقت تقدري تدخلي المطبخ تحضري الفطار.
اكتفت بهز رأسها واخذت تبحث بعينيها عن مكانه فأشار لها خليل
_هتلاقيه على ايدك الشمال وانتي داخله من الباب ده.
انصرفت حور ونظر خليل له بانفعال
_ممكن افهم ليه بتعامل البنت بالأسلوب ده؟
رد داغر مدعي عدم الفهم
_بعاملها ازاي مش فاهم.

_داغر انت فاهم أنا اقصد ايه كويس، مش هفهمك إن دي بنت ناس وعاصم وصاني عليها لأنها بنت صاحبه فياريت تخلي اسلوبك مهذب معها.

_ربنا يسهل، انت هتسافر أمتى؟
علم خليل انه يغير مجرى الحديث فقال بانفعال
_متغيرش موضعنا ومش هقولها تاني لو ضايقت البنت أنا اللي هقفلك.
نهض خليل ليدلف مكتبه وترك داغر يضغط على أسنانه بغضب جحيمي ثم أخرجه في الطاولة الزجاجية أمامه وهو يطيحها بقدمه جعلها تصتدم في المقعد المقابل فتتهشم محدثة صوت ليس عاليًا لسمك السجادة التي سقطت عليها

نهض بغضب وصعد إلى الغرفة وحينها شعر بأنه لا يستطيع التنفس بأريحية وكأن العواء سحب من المكان


وعادت إليه الذكريات بأشدها ولم يرحمه الظلام الذي أحيط به من قسوتها
عودة للماضي

ارتدت أسيل بنطال أبيض وبلوزة زيتونية ثم نظرت لصورتها في المرآة تتأكد من تحشم ملابسها
فرغم حياتها التي قضتها في الخارج إلا إنها التزمت بمعايير بلدتها
خرجت من الغرفة وذهبت حيث ينتظرها
قال لها تتبعي قلبك ليدلك على مكان وجودي
رسالة عجيبة وكأنه يستشف إذا كانت تحبه أم لا.
وللحقيقة هي لا تعلم حتى الآن
كل ما تعرفه أنها تشعر بالسعادة كلما رأته عيناها
والوقت الذي تمضيه معه يمر كأنه حلم جميل.
ذهبت للمكان التي رأته به أول مرة لكن لم تجده؟
إذًا أين هو؟
ظلت تتجول على سطح الباخرة حتى صعدت على متنها فوجدته بالفعل واقفًا ينتظرها بزيه الذي يعلم جيدًا بأنه يسلب أنفاسها به.
وقفت مكانها على أعلى الدرج ولم تستطيع التقدم خطوة واحدة
فلأول مرة تجد من يحاول بشتى الطرق اسعادها
كان واقفًا أمام طاولة صغيرة بجوار السياج تحمل بعض الأطعمة الخفيفة وضوء شموع خافت موضوع عليها
تقدم منها بخطوات ثابتة وكأنه يعلم صداها داخل قلبها
توقف أمامها متطلعًا إلى عيناها التي توهجت على ضوء الشموع
وشعرها الثائر بفعل الهواء يحجب وجهها عنه فترفع أناملها الرقيقة لتبعده وتحكمه خلف أذنها
كم تمنى أن يفعلها يومًا ويضعها هو خلف أذنها
لكنه أحكم تلك الرغبة وتمتم بثبات
_أخرتي أوي.
اهتزت نظراتها وقالت بروية
_وانت واقف وشايفني وانا بدور على المكان وساكت.
رفع حاجبيه بمكر
_مكنش ينفع اغششك كان لازم تيجي بقلبك.
رفعت عيناها إلى عينيه التي تاهت بغيومها فوجدتها تتطلع إليها بشغف لم ترى مثله من قبل
_أنا قلت الليلة دي أخر ليلة لينا مع بعض
تطلع في ساعته وتابع
_قدامي ساعتين بس اللي مسموح بيهم وقلت أقضيهم معاكي.
اشار لها على الطاولة فتقدمت منها تجلس عليها وجلس هو قبالتها ثم قال
_بما إنك بتحبي البحر تبقي بتحبي السمك وصيت الشيف انه يعملنا حاجة كدة من الآخر يارب يعجبك.
نظرت إلى الأصناف الموضعة على الطاولة وغمغمت باحراج
_بس للأسف انا مليش في النوع ده من الأسماك.
هم بالنهوض وهو يتمتم
_خلاص هكلم الشيف يجبلك غيره.
منعته أسيل مسرعة
_لا مفيش داعي أنا أصلًا مليش نفس.
_طيب خلاص دوقيه انا متأكد أنه هيعجبك.
اومأت بصمت وشرعت في تناوله
لم تتقبل مذاقه في البداية وعندما لاحظ ذلك تطرق في الحديث كي لا تركز به
انتهوا من تناول طعامهم وسألها حينها
_ها ايه رأيك؟
ردت باحراج
_بصراحة متقبلتوش في البداية بس بعد كدة عجبني.
مسحت يدها بالمنديل المعطر وكذلك فعل هو ثم وقفوا على السياج يتحدثوا في أمور عدة
حتى جاء موعده
تطلع إليها باستياء
_معلش انا لازم امشي دلوقت وممكن معرفش اشوفك إلا واحنا نازلين من السفينة
اومأت له وقالت بتفاهم
_ده شغلك ومينفعش تتأخر عنه، وبجد انا سعيدة جداً إني اتعرفت على حضرتك.
قطب داغر جبينه بدهشة مصطنعة
_ايه شغل الوداع ده محسساني إننا مش هنشوف بعض تاني.
لاح الحزن على قسماتها لكنها أخفته مسرعة بملامح مبهمة
_اكيد طبعًا كلها ساعتين بالكتير وكل واحد هيرجع لحياته.
لم ينتبه داغر لمثل ذلك الأمر ولم يفكر به
ولم يعد يملك الوقت كي يقرر فسألها
_في حد هيكون مستنيكي؟
عاد الحزن على ملامحها وهي تجيب باقتضاب
_لأ.
_خلاص خليني أوصلك فـ طريقي بدل ما تسافري لوحدك.
اهتزت نظراتها من شدة الخوف والذي ظهر واضحًا على محياها وتمتمت بريبة
_لأ مش هينفع.
عقد حاجبيه باندهاش وسألها
_مالك خوفتي كدة! أظن إن الليلة اللي قضناها في الجزيرة يخليكي تثقي فيا.
ازدردت لعابها بوجل وتمتمت برهبة
_مش قصدي بس أهلي لو عرفوا مش هيعدوا الموضوع بالساهل.
تافهم مع خوفها وقال بتروي
_أنا برضه مش هآمن عليكي تركبي مع حد غريب وخصوصاً إننا هنوصل بالليل، خليني أوصلك لحد القاهرة وبعدها هطلبلك أبر يوصلك لحد البيت.
أومأت بعينيها وأومأ هو بابتسامته التي تسحرها ثم انسحبت بهدوء وعاد هو لعمله.
❈-❈-❈
في مكان آخر
خرج حسين من مكتبه فيجد سليم يصعد لغرفته فنادى عليه
_سليم.
استدار له سليم وتمتم باقتضاب
_نعم.
تقدم منه يسأله بجمود
_هي فين؟
_السفينة وققت الليلة ومش هتوصل غير بكرة اخر النهار.
_طيب غير هدومك وتعالى عشان عايزك.
اومأ سليم وأبدل ملابسه ونزل إليه
_خير؟
أشار له بالجلوس ثم تحدث
_انا فتحت فرع للشركة في امريكا، شاهي هناك وخلصت كل حاجة بتوكيل مني، لو شايف إنك……
قاطعه سليم بلهجة لا تقبل نقاش
_لأ مش شايف انت عارف كويس إني رافض ابعد برة مصر، لو هي شايفة إن الفرع ده هيرفع من شأن الشركة يبقى تتابعه هي انما أنا لأ.

كالعادة لا يقول كلمة واحدة لابنه، ليس من باب التعلق به، ولكن حتى لا يهدم ما بناه بداخله
أن يكون بكلمة لا يمكن الرد عليها، وإنسان لا يمكن أن يهزه شيء
وخاصة حينما تابع
_انا مش هسيب الشركة اللي تعبت فيها وأروح أبدأ من الأول في فرع ممكن يفشل، عايز حد يديره يبقى شوف غيري.
ثم تركه وغادر
صعد إلى غرفتهوهو يشعر بضيق حقيقي من تلك الحياة وذلك المنزل الذي برغم وسعه إلا أنه يشعر دائماً أنه ضيق حد الاختناق
خلع رابطة عنقه وفتح الازرار العلوية ووقف في شرفته ربما يخف ذلك الاختناق
الحياة في ذلك المنزل أصبحت لا تطاق لكن عليه التحمل لأسباب عدة وأولهم ألا يترك الساحة لزوجة ابيه التي تود الخلاص منه بأي شكل.
والسبب الآخر هي أسيل التي ستكون دمية في أيديهم يفعلوا بها ما يشاءوا
والأهم من كل ذلك هو قلبه الذي عشق وعشقه حكم عليه بالعذاب منذ مولده.
حكم عليهم أن يكونوا تحت سقفٍ واحد ويتعاملوا كالأغراب.
لذا عليه البقاء مهما ازداد بداخله ذلك الشعور.

❈-❈-❈

في اليوم التالي
رست السفينة في الميناء البحري وبدأ الجميع بالخروج منها وعين داغر تراقبها وهي تسير على الممر
شعر برغبة ملحة في التقدم منها وحملها بين يديه والسير بها على ذلك الممر لكن ليس هنا
سيكون في ممر منزله
وإلى يخته الذي ينتظره بالإسكندرية وخصلاتها الثائرة موضوعة بأريحية بعض منها على كتفه وأخرى على صدره.
حمحم باحراج من نفسه على تلك الأفكار التي يفكر بها ثم توجه إلى سيارته بعد ان أنهى الإجراءات وانتظر مجيئها.
ها هي تخرج تسحب حقائبها وبقى هو منتظرها داخل السيارة كما طلبت منه
لكن انتهت أحلامه عندما وجد شاب يقترب منها يقبل وجنتيها بفتور وآخر تقدم منهم ليحمل الحقائب
توقفوا لثواني معدودة ثم رحلت معه

عودة للحاضر
تنهد بتعب من تلك الذكريات التي لا تترك مخيلته لحظة واحدة وكأنها لعنة سقطت عليه
أخرج هاتفه من جيب بنطاله وقام بالنطق على الرقم المنشد حتى جاءه الرد
_آمر ياكابتن.
_ساعتين بالظبط وتكون جايبلي كل المعلومات المطلوبة عن حور وجدي حمدان.
اغلق الهاتف دون أن يستمع لرد وأعاده لجيبه
عليه أن يعرف كل شيء عنها

أما هي فقد تحججت بحاجتها للمرحاض وأسرعت بالولوج إليه لينتهي ذلك الثبات التي تمسكت به قدر الامكان كي لا تنهار أمامه وأخذت تنتفض بخوف
وذكريات تلك الليلة تهاجمها بشراسة
عادت بأشدها وكأن المشهد يعاد أمامها
تستنجده، تستجديه، ترجوه لكن لم يرأف ولم يلين، ازدادت انتفاضتها وهي تتذكر عيونه وقتها وكيف كانت بنفس الصلابة التي تراها الآن.
وقفت امام الحوض لتغسل وجهها مرات عديدة كي تنتهي تلك الرجفة لكن لا فائدة
أسندت رأسها على الجدار وأخذت تبكي وتنتحب، لما عادت إليه
من اخبرها أن باستطاعتها مجابهة ذلك الرجل بعد ما حدث.
عن اي انتقام تتحدث وقد انتهت كل قوتها الزائفة التي أتت بها لذلك المكان
ذلك المكان الذي شهد يومًا لحظات سعيدة قضتها معه، على ماذا سيشهد الآن.
بكت وانتحبت بشدة وذكريات الماضي التي علقت بذهنها لا ترأف بها
لا ترحمها
حتى شعرت ببوادر نوبتها لكنها قاومت
عليها أن تقوى كي لا تظهر بذلك الضعف أمامهم

مسحت دموعها بظهر يدها وعادت تغسل وجهها جيدًا كي يختفي ذلك الإحمرار بعينيها
عليها أن تثبت كي لا يشك أحد بأمرها
اخذت نفس عميق ثم جففت وجهها وخرجت كي تعد طعام الإفطار كما طلب منها.

دلفت المطبخ فوجدت سيدة في عقدها الثلاثين تجلس على المقعد وتقوم بتجهيز الطعام على الطاولة أمامها
وعندما رأت حور ابتسمت بترحيب وقالت
_انتي الممرضة مش كدة؟
اومأت لها بصمت ثم تقدمت منها قائلة
_أنا كنت عايزة اعمل الفطار.
اندهشت سلوى وسألتها باستفهام
_مين اللي طلب منك تدخلي المطبخ؟
اهتزت نظرات حور وهي لا تستطيع نطق اسمه
_د..الكابتن.
تركت سلوى الطعام من يدها وهي مندهشة ونهضت قائلة
_ده الأكل بتاعه بما انه طلب منك يبقى كمليه
أشارت لها على المبرد
_هتلاقي كل حاجة موجودة في التلاجة ولما تخلصي الأكل ابعتيلي افهمك التقديم هيبقى ازاي.
شرعت حور في تحضير الطعام حتى انهته سريعًا ثم وضعته على الحامل وتطلعت إلى سلوى لتسألها
_انا خلصت في حاجة تاني؟
ردت سلوى بتأكيد
_اه طبعا تعالي افهمك.
أخذتها عند طاولة المطبخ وتابعت
_الأكل مش هيتقدم عادي كدة، الطبق قدامه بيكون نظام الساعة
بمعنى اللحوم بتكون على الساعة 12 الأرز بيكون على 6
السلطات بيكون على 3
لو خضار بيكون على 9
إن كان شوربا بتكون في طبق عميق عادي، تمام؟
أومأت حور بتفاهم ثم تابعت سلوى
_بس كل ده بيتعمل على السفرة

_هو فين؟
تعجبت من سؤالها
_هو مين؟
شعرت بصعوبة في نطق اسمه ولكنها أجبرت نفسها على نطقه
_داغر بيه.
_اه، أكيد طلع اوضته او على البحر.
دلفت فتاة أخرى فسألتها
_داغر بيه فين يالبني؟
_طلع اوضته من شوية.
تنفست الصعداء عندما عرضت الفتاة ان تصعد هي بالطعام إليه.

جلست هي بجوار سلوى التي سألتها
_تحبي تشربي حاجة؟
هزت راسها برفض فعادت تسألها
_انتي منين ياحور؟
رمشت بأهدابها وأجابت بعد برهة
_من اسكندرية.
_عارفة انك من اسكندرية بس بسألك من أي مدينة فيها.
_من******
_بس دي بعيدة أوي وصعب إنك تروحي وتيجي كل يوم.
_عادي أنا متعودة على كدة لأن المستشفى اللي شغالة فيها برضه بعيد عن البيت.
سألتها سلوى بفضول
_متجوزة؟
هزت راسها سريعًا
_لأ
اندهشت سلوى من طريقة ردها
وقاطعهم دخول لبنى وهي تحمل الطعام ويبدو عليها الخوف سألتها
_رجعتي ليه بالأكل.
ردت الفتاة وهي تنظر لحور
_أنا معرفش ايه اللي حوله كدة، اول ما دخلت وبقوله الفطار جاهز اتعصب عليا وقالي انا مطلبتش منك فطار أنا طلبت منها هي.
تلاعب الخوف بداخلها وشعرت بأن ما مضى سيتكرر مرة أخرى لكنها احجبت ذلك الخوف وأخذت منها الطعام وصعدت به.
تطلعت إلى الطعام الذي وضعت به تلك المادة التي ستقضي عليه بتروي
ثم دلفت الغرفة بعد ان سمح لها بالدخول.
كان واقفًا أمام النافذة والتي تطل على الشاطىء ويخته يتراقص مع الأمواج أمامه
شعرت بالتشفي به وهو واقفًا أمامها بذلك العجز لكن ذلك لن يشفي غليلها
ستقف تراقبه وهو يضعف أمامها بفعل تلك المواد التي شرعت في وضعها داخل طعامه
تلك الطريقة التي ستشفي صدرها من الغصة التي تأرق لياليها وهو يعيش حياته وكأنه لم يظلم أحد.

_هتفضلي واقفة كدة كتير؟
أخرجها من شرودها بلهجته الحادة والتي ذكرتها بذلك الحادث فحاولت التحكم بتلك الرجفة التي عادتها وردت بفتور
_الفطار جاهز.
غمغم وهو على نفس وضعه
_مليش نفس دلوقت خليه كمان ساعة
زمت فمها تحاول السيطرة على ثباتها وقالت
_تمام اللي تشوفه.
سارت إلى الباب كي تهم بالخروج من الغرفة لكنه أوقفها
_استني عندك انا مسمحتش انك تخرجي.
استدار إليها فوقع نظرها على عينيه الرمادية التي كانت تنهش بجسدها في ذلك اليوم هي الآن ثابتة لا تتحرك وكم أرادت في تلك اللحظة أن ترمي بتعقلها عرض الحائط وتقوم بقتله لكنها أحجمت تلك الرغبة لن تجعله يموت بتلك السهولة تنهدت باستياء وقالت بنفور
_نعم.
جلس بثقة على المقعد المجاور للنافذة وأخرج سجائره متناولًا واحدة يشعلها ثم ينفخ دخانها بقوة وقال بفتور
_سيبي الفطار واعملي فنجان قهوة.
تطلعت إليه بازدراء لبرهة وهي لا تصدق حقيقة ذلك الرجل الذي استطاع خداعها بهذه السهولة

………….

عادت هايدي للمنزل بعد أن تركت الأولاد عند والدتها فاليوم قررت أن تخبره بحملها
تعلم جيدًا بأنه سينفعل من ذلك لكن هي على ثقة بأن غريزة الأبوه ستغلب عناده
قامت بترتيب شقتها بعناية فائقة كما اعتادت
وأخرجت منامته ووضعتها على الفراش
كل شيء مرتب كما تحب أن يكون
نظيف ومرتب
أنهت الطعام
ودلفت غرفتها لتخرج منامة حريرية من الخزانة ودلفت المرحاض كي تأخذ حمامًا دافئ قبل عودته
عليها دائمًا أن تظهر أمامه بأبهى صورها كي لا يشعر بأي تقصير ومع مرور الوقت سيعلم أن راحته معها هي

تلك الفتاة لم تقدم له شيء اما هي فقد قدمت إليه الكثير والأهم من كل ذلك قلبها
عاد حازم من الخارج فينتبه لتلك الرائحة العطرة فأخذ يبحث عنها بعيناه
ألقى المفاتيح على الطاولة ونادى عليها
_هايدي.
تطلعت برأسها من المطبخ وهي تجيب
_انا هنا ياحبيبي ادخل خد شاور ويلا عشان الغدا جاهز.
القى هاتفه على الاريكة وخلع سترته وهو يسألها
_الولاد برضه عند مامتك؟
أجابت وهي تحمل الاطباق للطاولة
_اه بس بصراحة ماما اللي طلبتهم النهاردة لأنها كانت موعداهم توديهم الملاهي.
اومأ لها مبتسمًا وتقدم منها يحاوطها بذراعيه وسألها بمكر
_بس كدة؟
هزت كتفيها بدلال
_لأ في أسباب تانية.
داعب وجنتها بأنامله وهو يسألها
_أيه هي؟
_تؤ مش دلوقت خليها بعد الغدا.
انسلت من بين يديه كي تكمل الطعام ودلف هو للغرفة كي يأخذ حمامه.

استلقى حازم على الفراش ووضعت هي رأسها على صدره تستمع لنبضاته المتسارعة
ملس على خصلاتها وهو يسألها
_مقولتيش ايه المفاجأة.
رفعت وجهها من فوق صدره وقالت بمكر
_هي ممكن تضايقك شوية بس انا واثقة أنها هتسعدك.
ضيق عينيه بحيرة
_مش فاهم.
أخرجت النتيجة من درج المنضدة بجوار الفراش ثم قدمتها له
_اتفضل شوف بنفسك.
اعتدل حازم واخذ منها الورقة ليرى ما بها فتتصلب ملامحه لحظات قبل أن ينظر إليها وغضب الدنيا تجمع حممًا نارية في عينيه
رد الرجل من الجانب الآخر
_المعلومات اللي وصلتلها ضعيفة جداً لأنهم مش مختلطين بحد في المنطقة وكل اللي وصلت له إنها عايشه مع أمها في بيت على البحر ولها أخ دكتور اسمه حازم
ضغط على أسنانه بغضب جحيمي وخاصة عندما تابع الرجل
_هما عاشوا في المكان ده من سنتين والبنت مكنتش بتظهر نهائي لمدة سنة بعدها بدات تشتغل ممرضة.
حاول جعل صوته ثابتًا وهو يسأله
_وحازم ده سايبهم لوحدهم؟
_لا بيعدي كل يوم عليهم وهو راجع من الشغل وأحياناً بترجع معاه في العربية.
_انت متأكد من المعلومات دي؟
سأله داغر فأجابه بتأكيد
_زي ما قولتلك بالظبط.

أغلق داغر الهاتف وأمسك عصاه وأخذ يضغط عليها كأنه ينفث بها غضبه
إذًا هي اختارت ذلك الطبيب العاشق وهربت معه بعد أن أصيب هو بالعمى.
حسنًا سيجعلها تندم على ذلك اليوم وهو كذلك.

❈-❈-❈

في منزل والد هايدي
لم يحتاج فريد لفطنة كي يعلم حالة ابنته عندما دلفت بحقائبها ودلفت غرفتها القديمة طالبة عدم استجوابها الآن
ولبى رجاءها تاركًا إياها حتى تهدئ

لكن الآن عليه أن يتحدث معها ويعرف ما حدث.
دلف غرفتها فيجدها جالسة في شرفتها شاردة في الفراغ أمامها
جلس بجوارها وهو يتمتم بمزاح
_طيب انتي زعلانة مع جوزك احنا بقا ذنبنا ايه؟
تطلعت إليه بابتسامة مغمزة بالمرارة وقالت
_ومين قالك إني زعلانة معاه؟


عادت بنظرها للفراغ أمامها وأردفت
_أنا زعلانة على نفسي عشان قليت منها كتييير أوي.
تنهد فريد وقال بحكمة
_الزوجة بالنسبة للزوج هي نصه التاني يا هايدي، يعني جزء لا يتجزأ منه، فـ منجيش نعاقب جزء مننا ونتهمه بأنه السبب في شوية مصاعب بنمر بيها.
قطبت جبينها بدهشة وقالت بحيرة
_خفيفة؟ انت بتسمي اللي انا فيه ده مصاعب خفيفة! أومال لو مكنتش عارف كل حاجة.

أيد حديثها
_وانا عشان عارف كل حاجة بقولك أنها مصاعب لو صبرنا عليها وعالجناها هتعدي، ستات كتير أوي عايشة مع اجوازهم وعارفين أن قلبهم مش معاهم ومع ذلك مكملين لأن بينهم اطفال من حقهم يعيشوا بهدوء عشان يكونوا سويين.
قطبت جبينها بعذاب
_بس انا بشر ولما توصل انه عايز يسقطني طبيعي إني انسحب بكرامتي وأشيل من قدامه العقبة اللي منعاه عنها.
لم يتقبل فريد ذلك القرار والذي أغضبه بشدة لكنه لم يبدي لها وقال بمحايدة
_انا معاكي في دي بس انتي برضه غلطتي لما حملتي غصب عنه وانتي عارفة كويس أنه رافض.
_والله يابابا كان غصب عني.
_وليه موضحتيش حاجة زي دي؟
_وضحت وقلت بس أصر على قراره وعشان كده سبت البيت ومشيت وأصريت على الطلاق.

لم يريد الضغط عليها أكثر من ذلك فربت على يدها قائلاً بتروي
_على العموم أنا هسيبك تنامي دلوقت والصباح رباح.

خرج فريد من غرفة ابنته فيجد والدتها تطعم الأطفال
فور خروجه تركت الأولاد وتقدمت منه تسأله
_ها يافريد عرفت حاجة؟
تنهد بتعب ورد بخيبة أمل
_للأسف المرة دي ليها كل الحق وإن هو أصر مفيش حاجة قدامي غير الطلاق.
اتسعت عينيها بصدمة وكررت كلمته
_طلاق؟!
اومأ لها وهو ينظر لأحفاده
_أيوة طلاق.
انسحب بهدوء ودلف مكتبه ثم قام بالاتصال عليه لكن هاتفه قيد الإغلاق
ترك هاتفه على المكتب وأخذ يفكر في حل لتلك المعضلة التي وقعت بها ابنته.

❈-❈-❈

في القاهرة
دلف خليل مكتب المحامي الذي كلفه بمتابعة القضية أثناء غيابه مع ابن أخيه
رحب به الرجل بحفاوة وسأله
_تشرب ايه الأول؟
رد خليل باستياء
_انا مش جايلك عشان اضايف
ازاي ياشكري اسلمك انت بالذات قضية مهمة زي دي وانت تسلمها لمحامي مبتدأ بالبساطة دي، هو ده حفاظك على الأمانة اللي امنتهالك؟
_طيب اهدى وخلينا نتكلم بهدوء
انفعل خليل أكثر ورد بحدة
_هدوء ايه، انت خليت فيها هدوء بعد ما سلمت شاب بريء للموت باديك.
مسح الرجل على وجهه يحاول تهدئة نيران ضميره التي لازالت مشتعلة حتى الآن وقال بثبوت
_صدقني يا خليل الموضوع اكبر مني ومنك دي وصلت لخطف بنتي وتهديدي بقتـ.ـلها
رد خليل باستنكار
_مكنوش هيقدروا يعملوا حاجة لأن آخرهم يهددوا بس، وانا قبلك اتهددت ومع ذلك رفضت استسلم.
قال شكري بمغزى
_عايز تقولي أن حادثة ابن اخوك كانت قضاء وقدر.
أكد خليل بثقة
_ايوة كانت قضاء وقدر وتأكدت بنفسي مع الشرطة من حاجة زي دي
نهض خليل وتابع
_الانسان ده هيفضل ذنبه في رقبتك ليوم الدين
خرج من المكتب رغم نداء شكري عليه ثم استقل سيارته وعاد إلى منزله الذي كان يقطن به قبل سفرهم..

❈-❈-❈

أخذت حقيبتها وخرجت من المنزل بعد أن باءت كل محاولاتها بالفشل
تأخر الوقت وكأنه تعمد ذلك غير عابيء بعودتها إلى منزلها في وقت متأخر وفي ذلك الشتاء القارس.
همت بالخروج من البوابة الرئيسية لكنها توقفت على صوت أحد العمال الموجودين في المنزل وهو يناديها
_آنسة حور.
التفتت حور إليه فوجدته يتقدم منها ويقول باحترام
_كابتن داغر طلب مني أوصل حضرتك بالعربية.
ابتسمت بمجاملة وتمتمت بلباقة
_لأ متشكرة أنا هروح لوحدي.
_معلش مش هينفع لو سيبتك تمشي هتسببيلي مشكلة معاه.
وافقت حور تلك المرة لأنها حقًا متعبة لكن لن تقبلها مرة أخرى.
هي تشعر بالنفور من تواجدها معه تحت سقف واحد ولن تزيد الأمر باستخدام اشياءه.

تطلعت إلى السيارة من الداخل وتذكرت أنها ذلك اليوم الذي خرجت معه بها.

عودة للماضي

كانت تحتسي قهوتها في شرفة غرفتها وصورته لا تترك مخيلتها لحظة واحدة
وتساءلت ما كان ظنه بها عندما رآها مع سليم وهو يقبلها بعد أن أخبرته بأن لا أحد سيكون بانتظارها؟
وضعت الكوب على الطاولة ونهضت لتقف وتشاهد حديقة المنزل وكأنها تشغل نفسها بأشياء أخرى غيره
انتبهت لدخول أحد العاملات بالمنزل وقد ظهر عليها الارتباك عندما وقفت أمامها وكأنها تتردد في اخبارها
فسألتها بحيرة
_في حاجة ياشهد؟
فركت الفتاة يدها بارتباك قبل أن تقول بتلعثم
_أصل … أصل يعني…
قطبت جبينها بدهشة وسألتها
_مالك في ايه؟
تشجعت الفتاة عندما تذكرت عرضه السخي وتمتمت بخفوت
_أصل في واحد برة اسمه كابتن داغر وعايز يشوفك ضروري.
اتسعت عين أسيل بصدمة ولم تتخيل لحظة واحدة ان يكون بتلك الجرأة ويأتي إلى منزلها وبهذا الوقت، ضغطت على شفتيها تفكر هل تذهب إليه وتخبره ألا يفعل ذلك مرة أخرى لأجل سلامته أم ترفض مقابلته وتكون بذلك حرصت على سلامتها أيضًا.

_هو فين؟
سألتها شهد بتوجس
_ليه؟
انفعلت أسيل من ردها وقالت بانفعال
_هو ايه اللي ليه! بقولك هو واقف فين؟
ازداد خوف الفتاة وقالت بوجل
_عند الباب الوراني، وانا راجعه من بره لقيته وقفني بعربيته وسألني أن كنت بشتغل عند حسين بيه افتكرته عايز يقابله بس لقيته بيطلع فلوس كتير من جيبه وبيطلب مني أوصله ليكي وهيديني قد المبلغ ده مرتين، بس أنا والله رفضت اخدهم وقولتله إن حضرتك مش بتاعت الكلام ده فقالي إني أوصلك الرسالة دي وخلاص.
وقفت حائرة لا تعرف ماذا تفعل
لا تنكر أنها تريد رؤيته أيضًا لكن ستكون مخاطرة كبيرة ولن تجازف
_طيب اسمعيني كويس.

ظل جالسًا بسيارته ينظر بساعته بين الحين والآخر
وقد أخذ القلق يتسرب إلى قلبه
هل رفضت مقابلته؟
أم أن الموضوع انتهى بالنسبة إليها منذ ان حطت قدمها خارج السفينة.
ترجل من السيارة واستند بظهره عليها ينظر إلى المنزل بشرود
” حسين النعماني ” رجل اعمال لا يعرف في هذه الدنيا سوى المال
تزوج بالفعل من فتاة ايطالية تعرف عليها في مطعم أبيها وتزوجها وجاءت معه مصر ولم يمضي الكثير وعادت لبلدها
هذا ما استطاع بعد عناء الوصول إليه من معلومات عنه.
لكن هي لم يعرف عنها سوى ما أخبرته به بالسفينة وقد تطابق بالفعل ما عرفه عنها.
مرت ساعة أخرى ولم تخرج له مما جعله يفقد الأمل في رؤيتها وينصرف.

ستبحر سفينته بعد غد ويريد أن يراها قبل ذهابه.
انطلق بسيارته بعد أن يأس من مجيئها ولم يعلم بأنها واقفة بالقرب منه تراقبه فقط حتى ابتعد
عادت إلى غرفتها وقد بدأت مشاعرها توضح قليلًا بعد أن رأت بعينيها كيف ظل واقفًا كل ذلك الوقت كي يلمح طيفها
مشاعر متضاربة تتلاعب بذلك القلب الذي لم يختبر العشق يومًا
لقد مر أربعة أيام على وجودها وكل شيء يذكرها بتلك الأيام التي قضتها معه
هي بطبيعتها انطوائية ولم يكن لها أصدقاء يومًا سواء بإيطاليا أو بمصر
لذلك لا تستطيع معرفة حقيقة مشاعرها
هل العشق كما تقرأ عنه بالروايات التي تقرأها سواء إيطالية أو عربية
يتصادف الإثنين وتنشأ بعدها قصة حب يضحوا من أجلها بالكثير

وحاله ليس أفضل من حالها وهو واقفًا في حديقة منزله ينظر إلى الفراغ أمامه
لما رفضت رؤيته؟
لقد ظل اربعة ايام يحوم حول المنزل كي يستطيع الوصول إليها
هل خافت؟
أم أن العاملة خشيت اخبارها؟
ظل كلاهما التفكير والانتظار لا يرأف بهما حتى حينما ابحرت سفينته
ظل طوال رحلته يتنقل بين الأماكن التي تقابلوا بها
وعند كل مكان يؤكد قلبه حقيقة تلك المشاعر الوليدة
رياح أخرى وأمطار وتهيج البحار لكن تلك المرة في وضح النهار
تراست المراسي في المياة كي تحكم السفينة وينطلق هو بمغامرة أخرى من مغامراته.
قفذ ذلك السندباد في المياه يجابه الأمواج وتجابهه يتحدى قوتها وتعانده
فأخذ يغوص في الأعماق متخذًا سلسة المراسي طريقًا له حتى وصل للأعماق
مغامرة قصوى لكن يعلم جيدًا بأنه قادر عليها
وقد كان له ما أراد
إذ وجد تلك المرة صندوق صغير ساقطًا على صخرة كبيرة
ففي كل مرة يخوض تلك المغامرة يخرج بشيء ثمين مثل محار يحتوى على لؤلؤة بالمياه العذبة أو بعض آثار التي سقطت نتيجة عن تحطم سفينة أو أشياء من حروب القراصنة القديمة.
اكتفى هذه المرة بذلك الصندوق وعاد للسفينة.
قرر ألا يفتح إلا وهي معه كي يفتح معه قلبه لها ويعترف بأنه عاشق.
نعم عاشق حتى النخاع مهما أنكر ذلك

عودة للماضي
هكذا أكد لنفسه مرة أخرى وهو واقفًا يتحسس ذلك الصندوق الصغير
ظن لوهلة أنها خرجت من حياته دون رجعه وأكتشف فور سماع صوتها أنه مازال تحت سطوة ذلك العشق

……..

تطلعت أمينة لأبنها بصدمة وقالت بعدم استيعاب
_تسقطها؟ انت اتجننت؟
رد حازم وهو يسقط عينيه أرضًا
_مفيش حل تاني بعد اللي قلته ليكي، الحمل ده في خطر مؤكد على حياتها وانا مقدرش اشوفها بتموت قدام عينيه واقف اتفرج.
_طيب ما تقولها.
_مش هتقدر تتحمل صدمة زي دي، هايدي بتحب الاطفال أوي كانت ديمًا تقولي إن نفسها تخلف طفل كل سنة وشوفتي بنفسك كانت بتحاول تقنعني قد ايه انها تخلف بعد سنة من ولادتها لعلي وعمر صدقيني مش هتتحمل صدمة زي دي.

_بس افضل من صدمتها فيك بعد ماتجبرها انها تسقطه.
زم فمه بضيق وغمغم بتعند
_عادي هتزعل شوية وترجع تاني.

_طيب ولو رفضت؟
شعر حازم بنغصة حادة في قلبه ورد بقلة حيلة
_مش هيكون فيه حل تاني غير إني أجبرها.
تأثرت أمينة بحالة ابنها وهو بين نارين، في كلا الحالتين سيفقدها
هي تعلم جيدًا أنه يحبها لكن عشق أسيل الذي أحتل قلبه منذ الصغر جعله لا يرى حبه الحقيقي لزوجته.

نهض حازم قائلاً
_أنا هعدي على الولاد أجبهم من عند حماتي واروح البيت احاول اقنعها من تاني.

_بلاش تجيب الولاد دلوقت عشان ميحسوش بحاجة ولما تصفوا الأمور بينكم يبقى رجعهم.
أومأ لها واستئذن منها خرجًا من المنزل.
تفاجىء بحور تنزل من سيارة فارهة وفي وقت كهذا
تسمرت حور في مكانها عندما رأته
فلن يدع الأمر يمر مرور الكرام ومن الممكن أن يعلم بعملها معه

ازدردت جفاف حلقها بصعوبة وانتظرت ابتعاد السيارة ثم مرت من أمامه كي تدلف في صمت مطبق
سمح لها بالدخول ثم دلف خلفها ليسألها
_كنتي فين؟
رمشت بعينيها تحاول البحث عن اجابة لكن الكلمات كأنها توقفت في حلقها فعاد يسألها بحدة
_بقولك كنتي فين؟ وعربية مين اللي جاية فيها دي؟
خرجت أمينة على صوته الحاد وهي تسأله
_في ايه ياحازم.
صاح بها بغضب
_اسألي الهانم اللي راجعه في وقت زي ده ومع راجل غريب بسألها مش بترد.
قطبت أمينة حاجبيها بدهشة وسألتها
_مين الراجل ده ياحور؟
اهتزت نظراتها وقد شعرت بانها حشرت في الزاوية ولم تفكر في حازم وما سيفعله عندما يعلم بحقيقة فعلتها فقالت بتلعثم
_دا السواق.
رفع حازم حاجبيه بدهشة مصطنعة
_السواق؟! وسواق مين بقا ان شاء الله ؟
تطلعت إلى امينة تناشدها أن تتصرف هي لكنها لن تستطيع الوقوف امام ابنها وفي مثل ذلك الموقف بالأخص
_أصل دكتور عاصم طلب مني إني اشتغل ممرضة لواحد كفيف والنهاردة كان اول يوم.

زم حازم فمه دلاله على صعوبة تحكمه في غضبه وسألها
_وازاي تعملي حاجة زي دي من غير ما تعرفيني؟
ولا انتي فاكرة عشان سمحتلك بالشغل إنك تتصرفي على كيفك.
ازدردت لعابها بوجل وتمتمت
_لأ مش كدة بس لقيتها فرصة عشان أبعد الفترة دي لأني صادفت بابا وسليم في المستشفى من يومين…….
_أنا سؤالي واضح ليه وافقتي من غير ما تاخدي أذني الأول؟
عليها أن تكون حذرة في الرد كي لا يتحرى عن الأمر ويعرف الحقيقة لذا تحدثت بثبات
_غلطت ومكنتش اعرف انك هتضايق كدة
بس صدقني شغل المستشفى بقى متعب أوي وانا قلت أنه شغل خفيف وأجر كبير.

كور قبضته بغضب وتمتم باستياء
_ولما انتي شايفة شغل المستشفى متعب اوي كدة ليه أصريتي عليه؟ ولا انتي شايفة اني مقصر معاكم في حاجة؟

تطلعت إليه أسيل بجمود وتمتمت باستنكار
_انت عارف كويس رأيي في الموضوع ده مش هقبل اكون عال على حد واتكلمنا في الموضوع ده كتير.
انا بجد محتاجة الشغل ده وبعدين هو شهر واحد المدة اللي قاعدينها هنا

لم يريد الانفعال عليها لذا حاول بصعوبة التحدث بروية وهو يسألها
_واسمه ايه الشخص ده؟
أغمضت عينيها تحاول السيطرة على دقات قلبها المتسارعة
فإن علم من يكون لن يمر الأمر لكنها تذكرت أنه لا يعرف شيء عن عمه لذا قالت بدون تفكير
_اسمه خليل الحسيني.
اومأ لها وقال بحزم
_من هنا لحد ما اسأل عليه وأعرف كل حاجة عنه مفيش خروج من البيت.
عقدت حاجبيها متسائلة
_يعني ايه؟
_زي ما سمعتي، عايز اعرف مين هو وايه قصته اللي تخليكي تغيري رأيك وتشتغلي ممرضة في البيوت.
انفعلت حور وقالت باندفاع
_حازم، كلامك واضح إنه فيه اتهام.
أكد حديثها وقد خرج نابع من غيرته عليها
_أيوة في اتهام لما توفقي بسهولة إنك تفضلي مع راجل طول النهار وكمان تخبي عليا لازم يكون في اتهام.
زي ما قلت مفيش خروج من البيت نهائي لحد ما اتأكد منه.
خرج من المنزل صافقًا الباب خلفه بعنف مما جعلها تجفل من إصراره
إذا علم من يكون فلن يسمح لها بالخروج خارج المنزل وسيقيدها بتهديده
تطلعت لأمينة وقالت برجاء
_دادة انتي ساكته ليه؟
تنهدت أمينة بتعب منها
_لأن كلامه المرة دي صح ومقدرش اعارضه فيه، انا كمان شكيت من وقت ما قولتي انه في منطقة….. بس سيبتك لما اعرف دماغك فيها ايه.
اهتزت نظراتها وقد وضعها الجميع حقًا في الزاوية وخاصة عندما اردفت أمينة
_ايه اللي خلاكي تدخلي بيته بعد اللي عمله فيكي؟
اقتربت منها أكثر كي تواجهها
_ايه نسيتي بالسهولة دي! ولا الحب رجع يدق في قلبك من جديد.
رمشت بعينيها تريد ان تنشق الأرض وتبتلعها وخاصة عندما تابعت أمينة
_من أمتى وانتي بتخبي عليا يا أسيل؟
تطلعت إليها أسيل وقالت بصدق
_بس انا عمري ما خبيت عليكي وكنت هقولك بس خفت تمنعيني، وعشان تكوني عارفة انا منستش اللي عمله فيا ولا هنساه لكن كل الحكاية إني حبيت أشوفه وهو مذلول قدامي.
لاح الحزن بعينيها وهي تتذكر تفاصيل يومها ومعاملته السيئة لها واردفت
_بس للأسف متغيرش، هو بس مبقاش قادر يواصل التمثيل وبيتعامل بطبيعته اللي كان مخبيها عليا.
تجمعت العبرات داخل عينيها وتمتمت برهبة وهو تحيط جسدها بذراعيها
_مش عارفة أنا ازاي كنت مغفلة أوي كدة وصدقته
كنت مستعدة أحارب الدنيا كلها عشانه
وثقت فيه وحبيته بجنون والآخر دبحني
تطلعت بدموع إلى أمينة وتابعت بقهر
_معقول بعد اللي شفتيه ممكن اسامح ولا اغفر؟
هزت راسها بنفي
_مستحيل حتى لو ركع قدامي.
تأثرت أمينة بدموعها وسألتها بحيرة
_طيب ايه اللي خلاكي توافقي بس.
ردت أسيل وقد تبدلت ملامحها للقهر
_عشان انتقم منه وادمر حياته زي ما دمر حياتي، انا مهما احكيلك مش هقدر اوصلك اللي عمله فيا ولا في ابنه اللي لحد النهاردة لسة متسجلش، ولو قدرنا نخبيه النهاردة عن الناس مش هنقدر نخبيه بكرة.
بعد كل ده تقولي لسة بتحبيه؟!
تنهدت بألم وهي تردف
_اطمني واطمني اوي كمان.
قالت جملتها الأخيرة لتقنع بها نفسها قبل أن تقنع أمينة وهو أبعد ما يكون عن الحقيقة
مازالت تحبه ومازال ذلك الشيء بداخلها يلتمس له الأعذار
لكن أي يعذر ذلك الذي يغفر له تعديه عليها بتلك الوحشية.
لن تغفر ولن تسامح وستواصل انتقامها منه حتى تراه ذليل أمامها…

ظلت أسيل تملس على وجه طفلها وهو نائم مثل الملائكة على الفراش بجوارها
وحده من استطاع أن يهون عليها مرارة الحياة
لكنها أيضاً تشعر بمدى ظلمها له
ولما لا وقد أنجبته طفلاً مجهول الهوية
لا قيد له
أحياناً تشعر بأنها اخطأت عندما رفضت عرض حازم بأن يسجل باسمه
او حتى تسجله على اسم والدها؟
لكن كان عليها الرفض لأجل زوجته
وما كان عليها المغامرة بتسجيله باسم والدها
لذا كان عليها التزام الصمت والصبر ربما تجد حلاً آخر.
تتساءل ماذا ستفعل حينما يكبر ولدها ويسألها عن هويته
من هو ومن والده
فكان الحل الوحيد أمامها هو قتـ.ـله وحينها ستواجه عمه بالحقيقة وستطلب منه اثبات نسب طفلها وحينها ستخبر طفلها بأن والده توفي…
رد الرجل من الجانب الآخر

_المعلومات اللي وصلتلها ضعيفة جداً لأنهم مش مختلطين بحد في المنطقة وكل اللي وصلت له إنها عايشه مع أمها في بيت على البحر ولها أخ دكتور اسمه حازم

ضغط على أسنانه بغضب جحيمي وخاصة عندما تابع الرجل

_هما عاشوا في المكان ده من سنتين والبنت مكنتش بتظهر نهائي لمدة سنة بعدها بدات تشتغل ممرضة.

حاول جعل صوته ثابتًا وهو يسأله


_وحازم ده سايبهم لوحدهم؟

_لا بيعدي كل يوم عليهم وهو راجع من الشغل وأحياناً بترجع معاه في العربية.

_انت متأكد من المعلومات دي؟

سأله داغر فأجابه بتأكيد

_زي ما قولتلك بالظبط.

أغلق داغر الهاتف وأمسك عصاه وأخذ يضغط عليها كأنه ينفث بها غضبه

إذًا هي اختارت ذلك الطبيب العاشق وهربت معه بعد أن أصيب هو بالعمى.

حسنًا سيجعلها تندم على ذلك اليوم وهو كذلك.

❈-❈-❈

في منزل والد هايدي

لم يحتاج فريد لفطنة كي يعلم حالة ابنته عندما دلفت بحقائبها ودلفت غرفتها القديمة طالبة عدم استجوابها الآن

ولبى رجاءها تاركًا إياها حتى تهدئ

لكن الآن عليه أن يتحدث معها ويعرف ما حدث.

دلف غرفتها فيجدها جالسة في شرفتها شاردة في الفراغ أمامها

جلس بجوارها وهو يتمتم بمزاح

_طيب انتي زعلانة مع جوزك احنا بقا ذنبنا ايه؟

تطلعت إليه بابتسامة مغمزة بالمرارة وقالت

_ومين قالك إني زعلانة معاه؟

عادت بنظرها للفراغ أمامها وأردفت

_أنا زعلانة على نفسي عشان قليت منها كتييير أوي.

تنهد فريد وقال بحكمة

_الزوجة بالنسبة للزوج هي نصه التاني يا هايدي، يعني جزء لا يتجزأ منه، فـ منجيش نعاقب جزء مننا ونتهمه بأنه السبب في شوية مصاعب بنمر بيها.

قطبت جبينها بدهشة وقالت بحيرة

_خفيفة؟ انت بتسمي اللي انا فيه ده مصاعب خفيفة! أومال لو مكنتش عارف كل حاجة.

أيد حديثها

_وانا عشان عارف كل حاجة بقولك أنها مصاعب لو صبرنا عليها وعالجناها هتعدي، ستات كتير أوي عايشة مع اجوازهم وعارفين أن قلبهم مش معاهم ومع ذلك مكملين لأن بينهم اطفال من حقهم يعيشوا بهدوء عشان يكونوا سويين.

قطبت جبينها بعذاب

_بس انا بشر ولما توصل انه عايز يسقطني طبيعي إني انسحب بكرامتي وأشيل من قدامه العقبة اللي منعاه عنها.

لم يتقبل فريد ذلك القرار والذي أغضبه بشدة لكنه لم يبدي لها وقال بمحايدة

_انا معاكي في دي بس انتي برضه غلطتي لما حملتي غصب عنه وانتي عارفة كويس أنه رافض.

_والله يابابا كان غصب عني.

_وليه موضحتيش حاجة زي دي؟

_وضحت وقلت بس أصر على قراره وعشان كده سبت البيت ومشيت وأصريت على الطلاق.

لم يريد الضغط عليها أكثر من ذلك فربت على يدها قائلاً بتروي

_على العموم أنا هسيبك تنامي دلوقت والصباح رباح.

خرج فريد من غرفة ابنته فيجد والدتها تطعم الأطفال

فور خروجه تركت الأولاد وتقدمت منه تسأله

_ها يافريد عرفت حاجة؟

تنهد بتعب ورد بخيبة أمل

_للأسف المرة دي ليها كل الحق وإن هو أصر مفيش حاجة قدامي غير الطلاق.

اتسعت عينيها بصدمة وكررت كلمته

_طلاق؟!

اومأ لها وهو ينظر لأحفاده

_أيوة طلاق.

انسحب بهدوء ودلف مكتبه ثم قام بالاتصال عليه لكن هاتفه قيد الإغلاق

ترك هاتفه على المكتب وأخذ يفكر في حل لتلك المعضلة التي وقعت بها ابنته.

❈-❈-❈

في القاهرة

دلف خليل مكتب المحامي الذي كلفه بمتابعة القضية أثناء غيابه مع ابن أخيه

رحب به الرجل بحفاوة وسأله

_تشرب ايه الأول؟

رد خليل باستياء

_انا مش جايلك عشان اضايف

ازاي ياشكري اسلمك انت بالذات قضية مهمة زي دي وانت تسلمها لمحامي مبتدأ بالبساطة دي، هو ده حفاظك على الأمانة اللي امنتهالك؟

_طيب اهدى وخلينا نتكلم بهدوء

انفعل خليل أكثر ورد بحدة

_هدوء ايه، انت خليت فيها هدوء بعد ما سلمت شاب بريء للموت باديك.

مسح الرجل على وجهه يحاول تهدئة نيران ضميره التي لازالت مشتعلة حتى الآن وقال بثبوت

_صدقني يا خليل الموضوع اكبر مني ومنك دي وصلت لخطف بنتي وتهديدي بقتـ.ـلها

رد خليل باستنكار

_مكنوش هيقدروا يعملوا حاجة لأن آخرهم يهددوا بس، وانا قبلك اتهددت ومع ذلك رفضت استسلم.

قال شكري بمغزى

_عايز تقولي أن حادثة ابن اخوك كانت قضاء وقدر.

أكد خليل بثقة

_ايوة كانت قضاء وقدر وتأكدت بنفسي مع الشرطة من حاجة زي دي

نهض خليل وتابع

_الانسان ده هيفضل ذنبه في رقبتك ليوم الدين

خرج من المكتب رغم نداء شكري عليه ثم استقل سيارته وعاد إلى منزله الذي كان يقطن به قبل سفرهم..

❈-❈-❈

أخذت حقيبتها وخرجت من المنزل بعد أن باءت كل محاولاتها بالفشل

تأخر الوقت وكأنه تعمد ذلك غير عابيء بعودتها إلى منزلها في وقت متأخر وفي ذلك الشتاء القارس.

همت بالخروج من البوابة الرئيسية لكنها توقفت على صوت أحد العمال الموجودين في المنزل وهو يناديها

_آنسة حور.

التفتت حور إليه فوجدته يتقدم منها ويقول باحترام

_كابتن داغر طلب مني أوصل حضرتك بالعربية.

ابتسمت بمجاملة وتمتمت بلباقة

_لأ متشكرة أنا هروح لوحدي.

_معلش مش هينفع لو سيبتك تمشي هتسببيلي مشكلة معاه.

وافقت حور تلك المرة لأنها حقًا متعبة لكن لن تقبلها مرة أخرى.

هي تشعر بالنفور من تواجدها معه تحت سقف واحد ولن تزيد الأمر باستخدام اشياءه.

تطلعت إلى السيارة من الداخل وتذكرت أنها ذلك اليوم الذي خرجت معه بها.

عودة للماضي

كانت تحتسي قهوتها في شرفة غرفتها وصورته لا تترك مخيلتها لحظة واحدة

وتساءلت ما كان ظنه بها عندما رآها مع سليم وهو يقبلها بعد أن أخبرته بأن لا أحد سيكون بانتظارها؟

وضعت الكوب على الطاولة ونهضت لتقف وتشاهد حديقة المنزل وكأنها تشغل نفسها بأشياء أخرى غيره

انتبهت لدخول أحد العاملات بالمنزل وقد ظهر عليها الارتباك عندما وقفت أمامها وكأنها تتردد في اخبارها

فسألتها بحيرة

_في حاجة ياشهد؟

فركت الفتاة يدها بارتباك قبل أن تقول بتلعثم

_أصل … أصل يعني…

قطبت جبينها بدهشة وسألتها

_مالك في ايه؟

تشجعت الفتاة عندما تذكرت عرضه السخي وتمتمت بخفوت

_أصل في واحد برة اسمه كابتن داغر وعايز يشوفك ضروري.

اتسعت عين أسيل بصدمة ولم تتخيل لحظة واحدة ان يكون بتلك الجرأة ويأتي إلى منزلها وبهذا الوقت، ضغطت على شفتيها تفكر هل تذهب إليه وتخبره ألا يفعل ذلك مرة أخرى لأجل سلامته أم ترفض مقابلته وتكون بذلك حرصت على سلامتها أيضًا.

_هو فين؟

سألتها شهد بتوجس

_ليه؟

انفعلت أسيل من ردها وقالت بانفعال

_هو ايه اللي ليه! بقولك هو واقف فين؟

ازداد خوف الفتاة وقالت بوجل

_عند الباب الوراني، وانا راجعه من بره لقيته وقفني بعربيته وسألني أن كنت بشتغل عند حسين بيه افتكرته عايز يقابله بس لقيته بيطلع فلوس كتير من جيبه وبيطلب مني أوصله ليكي وهيديني قد المبلغ ده مرتين، بس أنا والله رفضت اخدهم وقولتله إن حضرتك مش بتاعت الكلام ده فقالي إني أوصلك الرسالة دي وخلاص.

وقفت حائرة لا تعرف ماذا تفعل

لا تنكر أنها تريد رؤيته أيضًا لكن ستكون مخاطرة كبيرة ولن تجازف

_طيب اسمعيني كويس.

ظل جالسًا بسيارته ينظر بساعته بين الحين والآخر

وقد أخذ القلق يتسرب إلى قلبه

هل رفضت مقابلته؟

أم أن الموضوع انتهى بالنسبة إليها منذ ان حطت قدمها خارج السفينة.

ترجل من السيارة واستند بظهره عليها ينظر إلى المنزل بشرود

” حسين النعماني ” رجل اعمال لا يعرف في هذه الدنيا سوى المال

تزوج بالفعل من فتاة ايطالية تعرف عليها في مطعم أبيها وتزوجها وجاءت معه مصر ولم يمضي الكثير وعادت لبلدها

هذا ما استطاع بعد عناء الوصول إليه من معلومات عنه.

لكن هي لم يعرف عنها سوى ما أخبرته به بالسفينة وقد تطابق بالفعل ما عرفه عنها.

مرت ساعة أخرى ولم تخرج له مما جعله يفقد الأمل في رؤيتها وينصرف.

ستبحر سفينته بعد غد ويريد أن يراها قبل ذهابه.

انطلق بسيارته بعد أن يأس من مجيئها ولم يعلم بأنها واقفة بالقرب منه تراقبه فقط حتى ابتعد

عادت إلى غرفتها وقد بدأت مشاعرها توضح قليلًا بعد أن رأت بعينيها كيف ظل واقفًا كل ذلك الوقت كي يلمح طيفها

مشاعر متضاربة تتلاعب بذلك القلب الذي لم يختبر العشق يومًا

لقد مر أربعة أيام على وجودها وكل شيء يذكرها بتلك الأيام التي قضتها معه

هي بطبيعتها انطوائية ولم يكن لها أصدقاء يومًا سواء بإيطاليا أو بمصر

لذلك لا تستطيع معرفة حقيقة مشاعرها

هل العشق كما تقرأ عنه بالروايات التي تقرأها سواء إيطالية أو عربية

يتصادف الإثنين وتنشأ بعدها قصة حب يضحوا من أجلها بالكثير

وحاله ليس أفضل من حالها وهو واقفًا في حديقة منزله ينظر إلى الفراغ أمامه

لما رفضت رؤيته؟

لقد ظل اربعة ايام يحوم حول المنزل كي يستطيع الوصول إليها

هل خافت؟

أم أن العاملة خشيت اخبارها؟

ظل كلاهما التفكير والانتظار لا يرأف بهما حتى حينما ابحرت سفينته

ظل طوال رحلته يتنقل بين الأماكن التي تقابلوا بها

وعند كل مكان يؤكد قلبه حقيقة تلك المشاعر الوليدة

رياح أخرى وأمطار وتهيج البحار لكن تلك المرة في وضح النهار

تراست المراسي في المياة كي تحكم السفينة وينطلق هو بمغامرة أخرى من مغامراته.

قفذ ذلك السندباد في المياه يجابه الأمواج وتجابهه يتحدى قوتها وتعانده

فأخذ يغوص في الأعماق متخذًا سلسة المراسي طريقًا له حتى وصل للأعماق

مغامرة قصوى لكن يعلم جيدًا بأنه قادر عليها

وقد كان له ما أراد

إذ وجد تلك المرة صندوق صغير ساقطًا على صخرة كبيرة

ففي كل مرة يخوض تلك المغامرة يخرج بشيء ثمين مثل محار يحتوى على لؤلؤة بالمياه العذبة أو بعض آثار التي سقطت نتيجة عن تحطم سفينة أو أشياء من حروب القراصنة القديمة.

اكتفى هذه المرة بذلك الصندوق وعاد للسفينة.

قرر ألا يفتح إلا وهي معه كي يفتح معه قلبه لها ويعترف بأنه عاشق.

نعم عاشق حتى النخاع مهما أنكر ذلك

عودة للماضي

هكذا أكد لنفسه مرة أخرى وهو واقفًا يتحسس ذلك الصندوق الصغير

ظن لوهلة أنها خرجت من حياته دون رجعه وأكتشف فور سماع صوتها أنه مازال تحت سطوة ذلك العشق

……..

تطلعت أمينة لأبنها بصدمة وقالت بعدم استيعاب

_تسقطها؟ انت اتجننت؟

رد حازم وهو يسقط عينيه أرضًا

_مفيش حل تاني بعد اللي قلته ليكي، الحمل ده في خطر مؤكد على حياتها وانا مقدرش اشوفها بتموت قدام عينيه واقف اتفرج.

_طيب ما تقولها.

_مش هتقدر تتحمل صدمة زي دي، هايدي بتحب الاطفال أوي كانت ديمًا تقولي إن نفسها تخلف طفل كل سنة وشوفتي بنفسك كانت بتحاول تقنعني قد ايه انها تخلف بعد سنة من ولادتها لعلي وعمر صدقيني مش هتتحمل صدمة زي دي.

_بس افضل من صدمتها فيك بعد ماتجبرها انها تسقطه.

زم فمه بضيق وغمغم بتعند

_عادي هتزعل شوية وترجع تاني.

_طيب ولو رفضت؟

شعر حازم بنغصة حادة في قلبه ورد بقلة حيلة

_مش هيكون فيه حل تاني غير إني أجبرها.

تأثرت أمينة بحالة ابنها وهو بين نارين، في كلا الحالتين سيفقدها

هي تعلم جيدًا أنه يحبها لكن عشق أسيل الذي أحتل قلبه منذ الصغر جعله لا يرى حبه الحقيقي لزوجته.

نهض حازم قائلاً

_أنا هعدي على الولاد أجبهم من عند حماتي واروح البيت احاول اقنعها من تاني.

_بلاش تجيب الولاد دلوقت عشان ميحسوش بحاجة ولما تصفوا الأمور بينكم يبقى رجعهم.

أومأ لها واستئذن منها خرجًا من المنزل.

تفاجىء بحور تنزل من سيارة فارهة وفي وقت كهذا

تسمرت حور في مكانها عندما رأته

فلن يدع الأمر يمر مرور الكرام ومن الممكن أن يعلم بعملها معه

ازدردت جفاف حلقها بصعوبة وانتظرت ابتعاد السيارة ثم مرت من أمامه كي تدلف في صمت مطبق

سمح لها بالدخول ثم دلف خلفها ليسألها

_كنتي فين؟

رمشت بعينيها تحاول البحث عن اجابة لكن الكلمات كأنها توقفت في حلقها فعاد يسألها بحدة

_بقولك كنتي فين؟ وعربية مين اللي جاية فيها دي؟

خرجت أمينة على صوته الحاد وهي تسأله

_في ايه ياحازم.

صاح بها بغضب

_اسألي الهانم اللي راجعه في وقت زي ده ومع راجل غريب بسألها مش بترد.

قطبت أمينة حاجبيها بدهشة وسألتها

_مين الراجل ده ياحور؟

اهتزت نظراتها وقد شعرت بانها حشرت في الزاوية ولم تفكر في حازم وما سيفعله عندما يعلم بحقيقة فعلتها فقالت بتلعثم

_دا السواق.

رفع حازم حاجبيه بدهشة مصطنعة

_السواق؟! وسواق مين بقا ان شاء الله ؟

تطلعت إلى امينة تناشدها أن تتصرف هي لكنها لن تستطيع الوقوف امام ابنها وفي مثل ذلك الموقف بالأخص

_أصل دكتور عاصم طلب مني إني اشتغل ممرضة لواحد كفيف والنهاردة كان اول يوم.

زم حازم فمه دلاله على صعوبة تحكمه في غضبه وسألها

_وازاي تعملي حاجة زي دي من غير ما تعرفيني؟

ولا انتي فاكرة عشان سمحتلك بالشغل إنك تتصرفي على كيفك.

ازدردت لعابها بوجل وتمتمت

_لأ مش كدة بس لقيتها فرصة عشان أبعد الفترة دي لأني صادفت بابا وسليم في المستشفى من يومين…….

_أنا سؤالي واضح ليه وافقتي من غير ما تاخدي أذني الأول؟

عليها أن تكون حذرة في الرد كي لا يتحرى عن الأمر ويعرف الحقيقة لذا تحدثت بثبات

_غلطت ومكنتش اعرف انك هتضايق كدة

بس صدقني شغل المستشفى بقى متعب أوي وانا قلت أنه شغل خفيف وأجر كبير.

كور قبضته بغضب وتمتم باستياء

_ولما انتي شايفة شغل المستشفى متعب اوي كدة ليه أصريتي عليه؟ ولا انتي شايفة اني مقصر معاكم في حاجة؟

تطلعت إليه أسيل بجمود وتمتمت باستنكار

_انت عارف كويس رأيي في الموضوع ده مش هقبل اكون عال على حد واتكلمنا في الموضوع ده كتير.

انا بجد محتاجة الشغل ده وبعدين هو شهر واحد المدة اللي قاعدينها هنا

لم يريد الانفعال عليها لذا حاول بصعوبة التحدث بروية وهو يسألها

_واسمه ايه الشخص ده؟

أغمضت عينيها تحاول السيطرة على دقات قلبها المتسارعة

فإن علم من يكون لن يمر الأمر لكنها تذكرت أنه لا يعرف شيء عن عمه لذا قالت بدون تفكير

_اسمه خليل الحسيني.

اومأ لها وقال بحزم

_من هنا لحد ما اسأل عليه وأعرف كل حاجة عنه مفيش خروج من البيت.

عقدت حاجبيها متسائلة

_يعني ايه؟

_زي ما سمعتي، عايز اعرف مين هو وايه قصته اللي تخليكي تغيري رأيك وتشتغلي ممرضة في البيوت.

انفعلت حور وقالت باندفاع

_حازم، كلامك واضح إنه فيه اتهام.

أكد حديثها وقد خرج نابع من غيرته عليها

_أيوة في اتهام لما توفقي بسهولة إنك تفضلي مع راجل طول النهار وكمان تخبي عليا لازم يكون في اتهام.

زي ما قلت مفيش خروج من البيت نهائي لحد ما اتأكد منه.

خرج من المنزل صافقًا الباب خلفه بعنف مما جعلها تجفل من إصراره

إذا علم من يكون فلن يسمح لها بالخروج خارج المنزل وسيقيدها بتهديده

تطلعت لأمينة وقالت برجاء

_دادة انتي ساكته ليه؟

تنهدت أمينة بتعب منها

_لأن كلامه المرة دي صح ومقدرش اعارضه فيه، انا كمان شكيت من وقت ما قولتي انه في منطقة….. بس سيبتك لما اعرف دماغك فيها ايه.

اهتزت نظراتها وقد وضعها الجميع حقًا في الزاوية وخاصة عندما اردفت أمينة

_ايه اللي خلاكي تدخلي بيته بعد اللي عمله فيكي؟

اقتربت منها أكثر كي تواجهها

_ايه نسيتي بالسهولة دي! ولا الحب رجع يدق في قلبك من جديد.

رمشت بعينيها تريد ان تنشق الأرض وتبتلعها وخاصة عندما تابعت أمينة

_من أمتى وانتي بتخبي عليا يا أسيل؟

تطلعت إليها أسيل وقالت بصدق

_بس انا عمري ما خبيت عليكي وكنت هقولك بس خفت تمنعيني، وعشان تكوني عارفة انا منستش اللي عمله فيا ولا هنساه لكن كل الحكاية إني حبيت أشوفه وهو مذلول قدامي.

لاح الحزن بعينيها وهي تتذكر تفاصيل يومها ومعاملته السيئة لها واردفت

_بس للأسف متغيرش، هو بس مبقاش قادر يواصل التمثيل وبيتعامل بطبيعته اللي كان مخبيها عليا.

تجمعت العبرات داخل عينيها وتمتمت برهبة وهو تحيط جسدها بذراعيها

_مش عارفة أنا ازاي كنت مغفلة أوي كدة وصدقته

كنت مستعدة أحارب الدنيا كلها عشانه

وثقت فيه وحبيته بجنون والآخر دبحني

تطلعت بدموع إلى أمينة وتابعت بقهر

_معقول بعد اللي شفتيه ممكن اسامح ولا اغفر؟

هزت راسها بنفي

_مستحيل حتى لو ركع قدامي.

تأثرت أمينة بدموعها وسألتها بحيرة

_طيب ايه اللي خلاكي توافقي بس.

ردت أسيل وقد تبدلت ملامحها للقهر

_عشان انتقم منه وادمر حياته زي ما دمر حياتي، انا مهما احكيلك مش هقدر اوصلك اللي عمله فيا ولا في ابنه اللي لحد النهاردة لسة متسجلش، ولو قدرنا نخبيه النهاردة عن الناس مش هنقدر نخبيه بكرة.

بعد كل ده تقولي لسة بتحبيه؟!

تنهدت بألم وهي تردف

_اطمني واطمني اوي كمان.

قالت جملتها الأخيرة لتقنع بها نفسها قبل أن تقنع أمينة وهو أبعد ما يكون عن الحقيقة

مازالت تحبه ومازال ذلك الشيء بداخلها يلتمس له الأعذار

لكن أي يعذر ذلك الذي يغفر له تعديه عليها بتلك الوحشية.

لن تغفر ولن تسامح وستواصل انتقامها منه حتى تراه ذليل أمامها…

ظلت أسيل تملس على وجه طفلها وهو نائم مثل الملائكة على الفراش بجوارها

وحده من استطاع أن يهون عليها مرارة الحياة

لكنها أيضاً تشعر بمدى ظلمها له

ولما لا وقد أنجبته طفلاً مجهول الهوية

لا قيد له

أحياناً تشعر بأنها اخطأت عندما رفضت عرض حازم بأن يسجل باسمه

او حتى تسجله على اسم والدها؟

لكن كان عليها الرفض لأجل زوجته

وما كان عليها المغامرة بتسجيله باسم والدها

لذا كان عليها التزام الصمت والصبر ربما تجد حلاً آخر.

تتساءل ماذا ستفعل حينما يكبر ولدها ويسألها عن هويته

من هو ومن والده

فكان الحل الوحيد أمامها هو قتـ.ـله وحينها ستواجه عمه بالحقيقة وستطلب منه اثبات نسب طفلها وحينها ستخبر طفلها بأن والده توفي…
خرج خليل من المبنى بعد أن أصر على تقديم استقالته بسبب تضليل العدالة
عاد إلى منزله في القاهرة والذي غاب عنه لمدة عامين منذ حادث ابن أخيه
دلف المنزل ليجد فريق من العمال يقوم بتنظيفه لذا صعدا للأعلى أبدل ملابسه وخرج ليجلس في حديقة منزله
أخذ ينظر لأشجار الورود التي زرعها يومًا مع زوجته الراحلة
توفت منذ ثلاث أعوام
وتركت ندبة بداخل قلبه لن تشفيها السنين
فبعد وفاتها اكتشف بأنها أخفت عليه حقيقة عدم انجابه كي لا تجرحه وتحملت هي ذلك العبء بدلًا منه
تذكر حديث الطبيب عندما ذهبت إليه وطلبت منه ألا يخبره بالحقيقة وأن يخبره بأن المشكلة لديها
أخرجه من شروده أحد العمال التي جاءت إليه تناوله شيء صغير وقالت
_أنا لقيت الجهاز ده واقع في الأرض يافندم.
تطلع خليل للجهاز بين يديه ثم أشار لها بالانصراف
نظر إليه بدقة فيكتشف بأنه عبارة عن كاميرا صغيرة توضع لمراقبة دقيقة
اندهش حقاً من تواجده في منزله من الذي وضعها ولما في بهو المنزل؟

عقد حاجبيه باندهاش ثم أخرج الميموري منها وهم بوضعه بالهاتف لولا ان جاءه اتصال من المحامي
أعاد الكارت إلى الجهاز ثم أجابه
_السلام عليكم
_وعليكم السلام، انا واقف بالعربية قدام الفيلا.
وضع خليل الجهاز بسترته ورد بترحيب
_ادخل انا قاعد في الجنينة.
أغلق الهاتف ونهض ليستقبله..

تقدمت العاملة لتضع أمامهم القهوة ثم سأله خليل
_خير ايه الموضوع المهم اللي عايزني فيه
ولو هتكلمني في موضوع الشغل ياريت تقفل أحسن.
عاد شكري بظهره للوراء وقال
_لا ياسيدي انا جيلك في حاجة تانية خالص.
بنك……كلمني النهاردة وعايز حد يمسك مصنع محمد السيوفي اللي حجز عليها.

ردد خليل الاسم ثم سأله
_بس المصنع ده كان كبير اوي ازاي يقع بالسرعة دي؟

رد شكري بعدم اكتراث
_ما انت عارف المنافسات بقا، وخصوصاً بعد ما مات مراته وبنته مقدروش يقفوا قصاد حيتان السوق وعشان كدة سقط منهم
المهم هتوافق ولا لأ، انا شايف انها فرصة بعد ما سيبت شغلك
تنهد خليل
_انا أصلاً كنت بفكر افتح شركة صغيرة كدة بس كنت استنى لما داغر يعمل العملية.
_أهي يا سيدي جاتلك لحد عندك وهتبقى انت المسؤول الرئيسي في المصنع ومنه تزداد خبرة بحيث لما تسيبه يكون عندك دراية بكل حاجة.


فكر خليل قليلًا ثم تحدث بجدية
_سيبني يومين أفكر وبعدين ارد عليك.
_انا مستغرب هتفكر في إيه العرض مش محتاج تفكير.
رد خليل باستنكار
_يا شكري أنا ليا ظروف خاصة مقدرش اسيب داغر لوحده فترات طويلة وبعدين ميعاد العملية بتاعته قرب يعني كلها عشرين يوم وهنسافر تاني، احنا رجعنا بس لما الدكتور قال أن الموضوع نفسي فكان عندي أمل انه لما يرجع اسكندرية حالته النفسية تتحسن ويرجع نظره. – تنهد بحزن وتابع – بس للأسف حاسس إن حالته بتسوء أكتر.

تحدث شكري بتعاطف
_ان شاء الله نظره هيرجع وهيبقى احسن من الأول، على العموم انا هكلم مدير البنك وهقوله إنك موافق مبدأيًا لحد ما ترجع من السفر.
❈-❈-❈

عاد حازم إلى شقته فيجد الظلام يعمها
قام بفتح الأنوار فيجدها فارغة
دلف غرفتهم وقد ساوره الشك في تركها للمنزل
وقد تأكد شكه عندما فتح الخزانة فوجدها فارغة.
اخرج هاتفه من سترته واتصل عليها وبعد محاولات كثيرة ارضخت في الأخير وأجابته
_نعم.
هدر بها منفعلًا من نفسه قبلها
_انتي فين ياهانم؟
أجابت هايدي بفتور
_أنا عند ماما.
_وازاي تخرجي من غير ما تعرفيني؟
ردت بنفس هدوءها
_مبقتش ملزمة بعد النهاردة استئذنك في اللي هعمله، أنا خلاص اكتفيت لحد كدة وخلي كل واحد فينا يروح من طريق.
ازداد غضبه أكثر وقال بانفعال
_يعني ايه بتلوي دراعي؟
_افهمها زي ما تفهمها مش هتفرق معايا.
انهت جملتها وأغلقت الهاتف
مما جعله يضغط عليه حتى ابيضت مفاصله
عليه أن يتصرف هو في أقرب وقت قبل أن يخرج الأمر عن السيطرة.

ظل حازم يتقلب على جمر ملتهب وهو مستلقيًا على الفراش وحيدًا لأول مرة
ليلة واحدة وشعر بذلك الفراغ
فماذا سيفعل عندما ينفذ ما ينوي فعله
يعلم جيدًا بأنها لن تغفر له مطلقًا حتى لو عادت إليه لأجل الطفلين
نظر في ساعته فوجدها الثانية عشر، ليلة بطيئة حتى شعر بأن عقارب الساعة توقفت عن العمل.
مسح بكفه على وجهه ونهض ليدلف المطبخ يعد فنجان قهوة
لكنه أخذ يتخبط به لا يعرف اين تضع القهوة
فكر بالاتصال عليها ليسألها لكنه تراجع لا يريد اقلاقها في ذلك الوقت
شعر بأن منزله الدافئ أصبح شديد البرودة ويفتقر للدفئ الذي كان يكتنفه
جاءته رغبة في أن يذهب إليها الآن ويعيدها بالإجبار لكن ليس الآن
عليه أن يتخلص من حملها أولاً وبعدها سيفكر كيف يعيدها.

❈-❈-❈

وقف داغر أمام شرفته وهو يشعر بالضجر
لا يعرف لما
اوهكذا يتساءل ليهرب من الحقيقة وهي أن قلبه عاد ينبض من جديد
حقيقة مهما حاول انكارها
مازال عاشقًا لقا.تلته حتى النخاع
كره ذلك الظلام الذي احجبها عنه وجعلها تستضعفه بذلك الشكل.
لما عادت؟
ولما أيضًا أخفت هويتها عنه؟
أسئلة كثيرة يريد إجابتها ولا يوجد أحد يريحه ويخبره بحقيقة أمرها
ضغط على ساعة يده ليعرف الوقت فقد تعدت التاسعة صباحًا ولم تأتي
تذكر حينما ظل منتظرها امام منزلها
ومحاولاته الكثيرة التي باءت دائمًا بالفشل حتى سافر

عودة للماضي

خرج من الميناء وتوجه إلى سيارته وهو يشعر لأول مرة بلهفة وشوق إلى القاهرة.
كان يبغض الذهاب إليها قبل معرفتها
لكن الآن اختلف الوضع تمامًا
مر اسبوعين تذوق فيهم مرارة الفقد وكأنها ألفت روحه وألفتها
انطلق بسيارته إلى القاهرة وهو يسرع بها كي يصل إليها بأسرع وقت
وصل أمام منزلها من الباب الخلفي ثم تطلع إلى العلبة الموضوعة على المقعد المجاور له
لقد قرر أن في كل رحلة له أن يأتي إليها بإحداهن.
اخرج هاتفه من سترته ثم قام بالاتصال على العاملة التي استطاع بعد عناء الوصول إليها وعندما أجابته تحدث بثبوت
_أيوة ياشهد أنا الكابتن داغر.
ارتبكت الفتاة وأخذت تتلفت حولها كي تتأكد من عدم وجود احد معها في المطبخ ثم تمتمت بخوف
_حضرتك كدة هتوديني في داهية.
_مفيش داهية ولا حاجة وزي ما قولتلك كله بحسابه، طلعي الفون لأسيل.
اتسعت عينيها بصدمة وغمغمت باعتراض
_لأ طبعاً انت عارف لو حد شم خبر هيعملوا فيا ايه؟ دي ناس مبترحمش.
_متخافيش انتي بس هتوصلي الفون ليها وخلاص، يا إما ابعتيلي رقمها واخرجي برة الموضوع.
رفضت شهد اقتراحه
_لأ خلاص هطلع الفون وربنا يستر.
صعدت الفتاة وهي تتلفت حولها بقلق حتى وصلت لغرفة أسيل
طرقت الباب فسمحت لها بالدخول وقد كانت تقرأ أحد القصص الإيطالية التي أخذتها معها
أغلقت الكتاب وهي مندهشة من الارتباك الواضح عليها وسألتها
_في حاجة ياشهد؟
تقدمت منها بوجل وهي تشير للهاتف
_أصل… أصل يعني…..
تعجبت أسيل وسألتها بحيرة
_متتكلمي في ايه؟
تركت الهاتف على الفراش واسرعت بالهرب قائلة
_في حد عايز يكلمك.
نظرت أسيل للهاتف ثم اخذته من فوق الفراش ونظرت به فإذا به رقم غير مسجل.

ترددت كثيرًا قبل أن تجيبه لكنها بالأخير وافقت ورفعت الهاتف لأذنها متمتمة بصوتها الرخو
_مين؟
تنفس داغر بأريحية وهو يعود بظهره للوراء وتمتم براحة
_أخيرًا قدرت أوصلك.
اعتدلت في رقدتها وقد شعرت بضربات قلبها تنبض بشدة عندما علمت صوته وقالت بوجل
_ايه اللي عملته ده؟ انت مجنون؟
رد داغر بدهاء
_هبقى مجنون لو معملتش كدة
ردت من بين اسنانها
_انت عارف لو حد عرف ايه اللي ممكن يحصل؟
رد داغر ببساطة
_هيحصل ايه اكتر من العذاب اللي عشته الفترة اللي فاتت دي.
نهضت أسيل لتوصد الباب جيدًا ثم تحدثت برجاء
_كابتن داغر أرجوك …..
قاطعها هو برجاء أشد
_ارجوكي انتي تسمعيني، انا خلاص مش قادر أصبر أكتر من كدة
خلينا نتقابل لأن في كلام كتير عايز أقوله.

رغم رغبتها الشديدة بذلك إلا إنها قالت برفض
_لو سمحت ياكابتن اللي بتطلبه ده مستحيل وياريت…..
قاطعها بإصرار
_ياريت انتي تبطلي مكابرة وتوافقي لأني مش هتراجع.
_انت متعرفش حاجة.
_لأ عارف كل حاجة، أسيل أنا أجازتي المرة دي خمس أيام بس وهغيب فيها اسبوعين مش هقدر اسافر من غير ما اشوفك ارجوكي توافقي.
لامس رجاءه قلبها لكن ليس بيدها شيء
هي ترفض ذلك خوفًا على كلاهما فإن علم والدها فلن يرحمهم
لذلك التزمت الصمت ربما يفهم من ذلك أنها ترفض وبشدة
لكنه أبى الرضوخ لذلك وتحدث بلهجة مرحة قليلاً كي يخفف عنها خوفها
_أسيل لو رفضتي ممكن تقومي من النوم تلاقيني جانبك على السرير.
شهقت أسيل بصدمة من جرئته وخاصة عندما سمعت ضحكته تدوي في الهاتف وتابع تهديده
_والله انا حذرتك وانتي حرة، ها موافقة؟
ترفض وبشدة لكن تحت إصراره وافقت مجبرة فتابع قبل أن تتراجع
_هستناكي بكرة الساعة خامسة على أول التقاطع.
اغلق الهاتف قبل ان يسمع ردها
أما هي فقد شعرت بخوف شديد وعاتبت نفسها على الركض خلف ملذاتها

مضى الوقت بطيئًا على كلاهما حتى جاء موعدهم
وقفت أسيل أمام المرآة تمشط خصلاتها في شرود
ماذا إن اكتشف والدها خروجها؟
هل يستحق المجازفة بحياتها؟
أم هو مجرد شاب يلهو
جلست على الفراش بكمد
لأول مرة تصادفها تلك الحيرة
طوال عمرها تمشي بخطوات ثابتة وتعرف جيدًا إلى أين وجهتها
لكن الآن لا تعرف اتتبع قلبها الذي يحسها على الذهاب إليه
أم تتبع عقلها الذي ينهاها عن المجازفة بحياتها
لا، لن تذهب
تطلعت إلى هاتفها الذي دونت عليه رقمه وقررت الاتصال به والاعتذار.
وقبل ان تتراجع اسرعت بإرسال رسالة له وكان محتواها
“أسفة مش هقدر”
ثم قامت بإغلاق هاتفها.

اغلق هاتفه وألقاه بغضب على المقعد المجار له
لما عليه أن يتحمل كل ذلك العناء.
إن كان قلبه سيجعله بتلك الحماقة فعليه أن يمحيه من قرارته.
قام بتشغيل محرك السيارة ثم انطلق بها

حاول كثيرًا اخراجها من قلبه لكن مع كل محاولة يزداد حبها بداخله
وقف مستندًا بمرفقيه على سياج يخته ينظر لتلاطم المياه على جانبيه
ماذا يفعل كي يخرجها من حياته؟
هل يستخدم فتاة غيرها؟
لكن لن تفلح تلك الطريقة فقد أصبح يراها في كل فتاة تمر من أمامه
اغمض عينيه بشدة يريد محو صورتها من عينيه لكن بعدًا فقد استوطنت جوارحه ولن تخرج بتلك السهولة
قام بخلع قميصه ثم قفز في المياه وأخذ يغوص بداخلها ويتعمق أكثر، ذلك المكان الوحيد الذي يستطيع أن يخطفه من شتاته لكن لم يفلح تلك المرة
أخذ يغوص ويتعمق أكثر لكن لا فائدة
صعد لسطح المياه عندما شعر بحاجته للتنفس فيخيل إليه صورتها خلف السياج تنظر إليه بابتسامتها الناعمة لكن سرعان ما اختفت وأصبح مكانها فارغًا تمامًا مثل ذلك الفراغ الذي تركته بداخله
ظل يسبح ويسبح حتى مغيب الشمس وقد توصل إلى أنه أصبح عاشقًا وعليه أن يحارب للفوز بها.
صعد إلى يخته ثم عاد به إلى موضعه
امام منزله بالإسكندرية
ثم قام بتبديل ملابسه وأخذ سيارته وانطلق بها إلى القاهرة..

رن هاتفها مرة أخرى وتلك المرة كانت أمينة بجوارها فنادتها
_شهد تليفونك بيرن.
أغلقت شهد الموقد وأخذت هاتفها من امينة فيظهر الخوف جاليًا على وجهها مما جعل امينة تسألها
_في حاجة ياشهد؟
_ها… لأ دي واحدة صاحبتي.
خرجت من المطبخ إلى الحديقة ثم أجابت
_يابيه انت كدة هتوديني في داهية.
رد داغر بثبوت
_متخافيش لو عملتي اللي هقولك عليه.
تلفتت حولها ثم قالت باستسلام
_خير يابيه.
..
صعدت شهد وهي تحمل كوب العصير الذي طلبته أسيل ودلفت غرفتها وهي تقول بثبات رغم خوفها
_متشكرة ياشهد حطيه على الكميدون.
ازدردت لعابها بصعوبة ثم وضعته على المنضدة وخرجت مسرعة من الغرفة
صعدت شهد وهي تحمل كوب العصير الذي طلبته أسيل ودلفت غرفتها وهي تقول بثبات رغم خوفها
_متشكرة ياشهد حطيه على الكميدون.
ازدردت لعابها بصعوبة ثم وضعته على المنضدة وخرجت مسرعة من الغرفة

انهت أسيل قراءتها ثم أغلقت الكتاب ووضعته أسفل الوسادة ثم تناولت العصير
جالت بخاطرها صورته وذكرياتهم على الباخرة
تفتقده بشدة لكن عليها الثبات على موقفها حتى لا تعرضه وتعرض حياتها للشقاء
هي من اخطأت من البداية عندما خففت اللجام على مشاعرها واندفعت دون تفكير
لذا عليها تحمل عواقب فعلتها
شعرت أسيل بألم في معدتها ظنت انه ناتج عن رطوبة تعرضت لها
لكن عندما ازداد أصبح لا يحتمل
نهضت تبحث في الادراج عن مسكن لها لكنها توقفت عن الحركة إثر ازدياد الألم
حتى أن صرخة صدرت منها دوت في المنزل بأكمله
أسرعت إليها أمينة وكذلك سليم الذي يجاور غرفتها على صوتها
_مالك ياأسيل في ايه؟
كانت مستلقية على جانبها تنبش في الفراش وغمغمت بألم
_بطني بتتقطع.
تقدم منها سليم وتغلبت مشاعر الأخوة على جموده لكنه احجمها وغمغم بفتور مصطنع
_لو تقدري تمشي قومي نروح للدكتور.
هزت راسها برفض وتمتمت بألم
_مش قادرة اااااه.
انقبض قلبه بخوف ومال عليها يحملها ثم خرج بها من الغرفة وقلبه يتمزق ألمًا عليها لكنه لا يبدي ذلك فقد اعتاد أن يكون حادًا وحازمًا كوالده لذا احتفظ بوجومه وهو يحملها وذهب بها إلى المشفى.

قام الطبيب بالكشف عليها ثم قال لسليم
_هي اخدت أي أدوية؟
تطلع سليم إليها ينتظر منها إجابة فنفت أسيل قائلة بألم
_لأ.
زم الطبيب فمه بحيرة ثم تحدث
_انا هكتبلها على أدوية تهدي الألم وتنيمها شوية والصبح ان شاء الله هتكون كويسة.
بعد ان طمئنهم الطبيب استئذن سليم ليتناول قهوته في كافتيريا المشفى
ونامت هي بفعل الأدوية

فتحت عينيها بتثاقل اثر تلك اللمسات الدافئة على وجنتها
حركت عينيها بوهن لتنظر إليه فوجدته هو ينظر إليها بعينين قلقتين متمتمًا بأسف
_انا أسف.
أسبلت عينيها لفهمها مغزى كلماته ومدى تهوره ثم فتحتها بعتاب جعلته يشعر بمدى حماقته وتابع بأسف
_مكنتش أعرف إن جسمك ضعيف أوي كدة ومش هتقدري تتحمليها.
ازدردت جفاف حلقها وتمتمت بوهن
_جربتها.
أومأ لها مبتسمًا
_مرة وانا في الكلية عشان آخد أجازة.
افترى ثغرها عن ابتسامة واهنة
_وأخدت؟
هز رأسه بنفي
_اخدت جزة بدل الأجازة
ضحك الاثنين ثم تابع باعتذار حقيقي
_أنا آسف ملقتش طريقة غير دي أشوفك بيها، متعرفيش الأيام دي مرت عليا ازاي وحشتيني أوي.
رغم بغضها لفعلته إلا إن قلبها سامحه عندما لاحظت العشق الذي ظهر واضحًا بعينيه
رفع أناملها الرقيقة لفمه وقبلها بحب قائلاً
_متقلقيش الصبح هتكوني كويسة، انا اطمنت من الدكتور.
سألها بمكر
_امم هتوافقي نتقابل ولا أشوف طريقة تانية.
تطلعت إلى عينيه التي ترمقها بحب لم ترى مثله من قبل وتمتمت بخفوت
_انت طلعتلي منين؟
تنهد بتعب وتمتم بوله
_انتي اللي طلعتيلي منين؟ انا كنت راضي بحياتي زي ما هي ومكنتش بفكر في الحب ده خالص جيتي انتي ولخبطتي كل حاجة.

أنا مسافر كمان يومين ايه رأيك تتحججي بأي حاجة وتيجي الصبح اسكندرية هعيشك يومين مش هتنسيهم العمر كله.
هزت راسها بأسف
_صعب.
_مش صعب ولا حاجة انا عارف ان والدك عنده فيلا في اسكندرية ودي فرصتك انك تطلبي تسافري عشان تغيري جو.
_وان معرفتش؟
رفع حاجبيه بخبث
_لسة معايا حبوب كتير.
تذكرت أمر أخيها فتطلعت إليه بقلق
_هحاول، بس لازم تمشي دلوقت قبل سليم ما يرجع.
اومأ لها ثم قبل يدها مرة أخرى وخرج من الغرفة.

” وضحت شوية صح؟”
في الصباح

دلفت أسيل الغرفة بمساعدة أخيها ثم ساعدها على الاستلقاء وسألها

_بقيتي أحسن.

اومأت له بامتنان فهم بالخروج لكنها اوقفته

_سليم؟


تطلع إليها متسائلاً فقالت

_عايزة أسافر اسكندرية مع دادة أمينة، يومين بس.

ظهر الرفض واضحًا عليه وقبل أن يفرضه عليها قالت له برجاء

_أرجوك هما يومين بس محتاجة اغير جو.

فكر قليلًا ولم يستطيع الرفض أمام رجاءها ثم تحدث بروية

_تمام هبقى اخلي عادل يوصلكم ويفضل معاكم لحد ما ترجعوا.

خرج من الغرفة ودلفت أمينة وهي تحمل كوب من الأعشاب الساخنة

_قومي يا أسيل اشربي الاعشاب دي هتريحك.

اعتدلت في الفراش وقالت بلهفة

_يلا يادادة بسرعة جهزي الشنط عشان هنسافر اسكندرية

قطبت أمينة جبينها بدهشة وسألتها

_اسكندرية ؟ وانتي تعبانة كدة؟ وفي البرد ده؟

_لأ أنا بقيت كويسة خلاص يلا بسرعة قبل سليم ما يغير رأيه.

ضيقت أمينة عينيها بشك وسألتها

_في ايه بالظبط ياأسيل فرحتك دي مش مطمناني.

امسكت أسيل يدها وقالت بسعادة

_فاكرة الشاب اللي قابلته على الباخرة وانا راجعة من ايطاليا؟

_اه فاكرة وفاكرة كمان إني قولتلك متحاوليش تقابليه ليكون بيلعب بيكي.

هزت راسها بنفي وقالت بسعادة

_لا أنا اتأكدت من حبه ليا، جاني المستشفى وطلب مني أقابله في اسكندرية قبل ما يسافر.

قطبت جبينها بدهشة وسألتها

_وسليم كان فين؟

_انتي عارفة سليم مش بيحب جو المستشفيات فأكيد كان قاعد في الكافتيريا، ها قولتي ايه؟

ردت أمينة بامتعاض

_لأ يا أسيل مش موافقة.

الحت عليها برجاء

_أرجوكي يادادة أنا كمان حبيته واتأكدت انه مش بيلعب بيا.

وبعدين انا عايزة اعيش سني اللي دفنته ما بين بيت بابا وبيت جدي، عايزة اشوف الدنيا شوية مش هفضل طول عمري محبوسة بين اربع حيطان، وأهو بالمرة تشوفي حازم.

وافقت امينة بعد رجاء وأستعدوا بالفعل قبيل الصباح ثم انطلقت السيارة بهم وقد حالفها الحظ بغياب والدها مع زوجته.

استقلت السيارة مع أمينة والسعادة تغمرها لأول مرة بحياتها

لأول مرة تشعر بأنها طليقة تفعل ما تشاء بعد أن لامس الحب قلبها

بعثت إليه رسالة تخبره بأنها آتية إليه ولم تعرف بأنه وراءها يقود سيارته خلف سيارتها.

وصلته رسالتها فتبسم بسعادة غامرة وهو يقرأها ورد عليها بأخرى

“عارف”

وصلتها رسالته فتسأله بدورها

“عرفت ازاي”

“عشان بيني وبينك مسافة لا تتعدى اتنين متر ولو عايزاني اكون جانبك ثواني وهتلاقيني بشاورلك من العربية”

“انت مجنون”

“هو أنتِ لسة شوفتي جنان سيبي نفسك انتِ بس وأنا هعيشك يومين عمرك ما هتنسيهم”

“مضطر اقفل عشان الطريق هروح البيت اغير لبسي وأجيلك خلينا على اتصال”

في الإسكندرية

وقفت أسيل في الشرفة تنظر إلى البحر بشرود وسعادة عامرة لم تشعر بمثلها من قبل

تشعر لأول مرة أن حياتها أصبح لها معنى لكن شيء بداخلها يسألها

هل ما تفعله خطأ أم صواب؟

هل الاهتمام الذي تراه والنظرات التي تؤكد لها مدى عشقه تستحق تلك المجازفة؟

ماذا إن كان يخدعها؟

ماذا إن كان يفعل ذلك مع كل فتاة يصادفها؟

لا تعرف ماذا تفعل

هل تواصل تهورها

ام تعود قبل ان تفيق على صدمة لن تستطيع ردعها عنها.

انتبهت على صوت أمينة تسألها

_هتفضلي واقفة في البلكونة كتير؟ كدة هتبردي وتتعبي تاني.

التفتت إليها أسيل وقالت بابتسامة حائرة

_لأ متخافيش وبعدين داغر هيعدي عليا دلوقت عشان نخرج مع بعض.

لم تستطيع أمينة الوقوف أمام تلك السعادة التي ظهرت واضحة عليها لذا تركتها تخوض تجربة ربما تكون ناجحة

سمع كلاهما صوت بوق سيارة فعلمت أسيل أنه جاء

فقامت بأخذ حقيبتها وخرجت بعد ان قبلت أمينة..

وقف داغر مستندًا بظهره على السيارة ينتظر مجيئها.

ابتسم حتى بدت نواجذه عندما وجدها تتقدم منه على استحياء وقد ارتدت ملابس محتشمة لا تتوافق تمامًا مع فتاة تربت في كنف الغرب.

كانت ترتدي بنطال و (تيشيرت) بنفس اللون مع سترة سوداء

ظل ينظر إليها حتى وقفت أمامه وقالت بخجل

_هنروح فين؟

تأمل بعينيه عينيها التي احتار في لونهما

_تحبي انتي نروح فين؟

هزت كتفيها وقد شعرت بالاحراج من نظراته وقالت

_مش عارفة أنا معرفش اماكن هنا.

اعتدل في وقفته ثم فتح لها باب السيارة وقال بهدوء

_طيب اركبي.

استقلت مقعدها وجلس هو خلف المقود وانطلق بالسيارة

كانت تنظر من النافذة وعينيها تجوب الأماكن باستمتاع فسألها داغر

_عجبتك اسكندرية.

ردت بحماس

_أوي أوي، تعرف إني اول مرة أشوفها.

رفع حاجبيه مندهشًا فأكدت هي.

_جيت هنا مرتين، بس مكنتش بخرج فيهم، أخري اقعد على البحر ومبعدش عنه.

غزى الحزن صوتها وتابعت بخفوت كأنها تحدث نفسها

_حتى في إيطاليا كنت ممنوعة من الخروج.

كان بيبقى عارف كل تحركاتي وعشان كدة كنت برجع من الجامعة أفضل في البيت لحد تاني يوم.

لاحظ أنها تحدثت بتلقائية وخاصة عندما تابعت

_فى الآخر لقيت إن مفيش فرق بين بعدي عنه وإني اعيش معاه وعشان كدة لما ماما ماتت رجعت على طول.

توقفت السيارة أمام منزل كبير قريب من الشاطىء لا يفصله عنه سوى امتار قليلة وقال لها

_وصلنا.

تطلعت اليه بشك وقالت

_وصلنا فين؟

رد ببساطة

_بيتي.

فتحت أسيل باب السيارة وترجلت منها قائلة

_يبقى فهمتني غلط، بعد أذنك.

ترجل داغر مسرعًا كي يبرر لها

_أسيل استني انتي فهمتيني غلط

وقف أمامها يمنعها من الذهاب وتحدث برتابة

_انا مش جايبك البيت.

أشار بيده ناحية البحر على اليخت وتابع

_أنا جايبك هنا عشان تشوفي اليخت مش أكتر.

نظرت إليه بشك فأكد هو

_وحياتك ما بكدب عليكي، انا هدخل اجيب المفاتيح وانتي استنيني هنا.

وافقت أسيل ودلف المنزل كي يأخذ المفاتيح ثم عاد إليها وهو يشير بها

_عرفتي بقا إني مش بكدب.

أومأت له بابتسامة ثم سارت معه وساعدها على الصعود لليخت ثم سألها

_اتفرجي وقولي رأيك؟

سارت أسيل وهي تستكشف اليخت حتى وصلت للسياج وقالت

_جميل أوي.

تقدم منها يقف بجوارها وينظر للمياه

_طيب بما انه عجبك ايه رأيك في مغامرة صغيرة كدة.

لاح التردد عليها فطمئنها بثقة

_متقلقيش انتي في أمان معايا ده وعدي ليكي.

وافقت أسيل وشرع داغر بتشغيل المحرك وأبحر بها.

تولى داغر القيادة وأخذ ينظر إليها وقد تطايرت خصلاتها بفعل الرياح فجعلت قلبه ينبض بقوة ومشاعر وليده أخذت طريقها إليه

لا يعرف حتى الآن كيف وقع في براثن عشقها بتلك السهولة

كل ما يعرفه أنه عشقها حد الجنون

ترك عجلة القيادة وتقدم منها ومازال مأخوذًا بسحرها

وقف بجوارها مستندا بمرفقيه مثلها فنظرت إليه بابتسامتها التي جعلت قلبه يهدر بعنف وقالت ببراءة

_جميل اوي إنك تعيش الأجواء دي مع حد قريب منك.

هز داغر رأسه بنفي وقد تلاعبت به مشاعره اكثر من براءتها وتمتم بتخابث

_بالعكس أنا لو اعرف كدة مكنتش عملتها.

قطبت جبينها بحيرة وسألته

_ليه بتقول كدة؟ انت مش مبسوط إني معاك.

نظر للمياه أمامه كي يسيطر على تلك المشاعر وقال بثبوت يتنافى تمامًا عمّ بداخله

_بالعكس مبسوط جدًا وده السبب اللي خلاني اقول كدة.

ضيقت عينيها بحيرة

_مش فاهمة.

تطلع إليها بابتسامة ماكرة

_بكرة لما تكبري هتعرفي، تحبي تنزلي المايه.

هزت راسها بنفي وقالت

_الجو برد أوي وبعدين أنا مش بعرف أعوم.

قال بمكر

_اعلمك.

_برضه مش هينفع لأني مش جايبه هدوم معايا.

ابتسم بخبث قائلاً

_تقصدي مايوه.

صلبت ملامحها وقالت بتحذير

_داغر.

رد بدهاء

_انتي ليه دماغك حدفت شمال أنا اقصد مايوه إسلامي ياقمر.

ردت باستنكار

_لأ، لا إسلامي ولا غيره.

داغر باستسلام

_ماشي يا ستي انا هنزل بس اطلع ألاقيكي محضره الفطار لأني واقع من الجوع.

وافقت أسيل ونزل هو للأسفل كي يبدل ملابسه أما هي فقد دلفت المطبخ الصغير وقامت بتحضر الفطار

خرجت بعد قليل واقتربت من السياج كي تبحث عنه لكن لا أثر له في المياه

ذهبت للجانب الآخر لكن لم تجده أيضًا

زحف الخوف لقلبها وتلاعب الخوف بها فنادت عليه

_داغر.

انتظرت لتسمع صوته لكن لا من مجيب

ازدردت لعابها بوجل ونادت مرة اخرى وأخرى حتى توقف قلبها لحظات وقد ساورها الشك بأن يكون تعرض للغرق

وضعت يدها على قلبها واستدرات كي تبلغ لكنها اصتطدمت بصدره العريض مما جعلها تبتعد وتصرخ بفزع

_بسم الله إيه يا أسيل مالك اتخضيتي كدة ليه؟

تطلعت إليه بغضب وقالت بصوت مهزوز

_كنت فين وسايبني انادي عليك.

اندهش من ارتعاشتها

_كنت تحت المايه ومسمعتش صوتك إلا مرة وخرجت على طول.

ابتسم قائلاً بمزاح يخفف به وطئت خوفها

_ايه افتكرتيني غرقت؟ ده حتى عيبة في حقي.

تطلعت إليه باحتدام

_انت بتهزر؟ انت عارف انا خفت عليك قد ايه؟

رفع يده ليمسح على وجنتها وسالها بمكر

_لأ معرفش.

ازاحت يده بعيدًا وجلست على الأريكة بامتعاض منه

_ لا كدة انتي محتاجة جلست صلح ثواني هاخد شاور وأجيلك.

نزل داغر للأسفل وتركها بغضبها منه لوقت طويل حتى تغلب النعاس عليها ونامت رغمًا عنها.

وحينها خرج داغر فيجدها جالسة على الأريكة تغط في نوم عميق

تقدم منها وعينيه تلتهم ملامحها بعشق جارف

تلك الحورية التي خطفت أنفاسه من النظرة الأولى وجعلته يسقط صريعاً لها

ابتسم بحب وتقدم منها يحملها بروية كي لا يزعجها

ثم نزل بها لغرفة النوم ووضعها بتروي على الفراش.

أخرج الغطاء من الخزانة ثم وضعه عليها وأغلق الضوء ثم صعد للأعلى.

دلف المطبخ وهو يشعر حقًا بالجوع والنعاس مثلها، شعر برغبة ملحة بأن يشاركها الفراش ويغمض عينيه على وجهها الذي بات يعشقه لكنه احجب تلك الرغبة كي لا يزعجها

دلف المطبخ فوجدها قامت بعمل (سندوتشات) خفيفة كما يفضلها

هم بأخذ واحدٍ منها كي يتناوله لكنه رفض وقرر أن ينام مثلها وعند استيقاظهم يتناوله معًها

دلف الغرفة المجاورة وقد كانت اصغر بكثير كأنها مخصصة للأطفال ثم أستلقى على الفراش ومازالت تلك الرغبة تراوده

ظل يتقلب في الفراش ورغم النعاس إلا إنه لم يستطيع النوم بسبب افكاره.

يبدو أنه اخطأ حقًا في مجيئهم وحدهم.

وبعد فترة طويلة استطاع التغلب على تلك الرغبة وراح في سباته.

❈-❈-❈

فتحت أسيل عينيها فتمر لحظة حتى استوعبت وضعها

نهضت مسرعة وعينيها تستكشف المكان

من الذي جاء بها إلى هنا

ساورها الشك وأخذت تتأكد من ملابسها.

ازاحت الغطاء ونهضت من الفراش ثم خرجت من الغرفة

فتتفاجيء بتأخر الوقت وقد شارفت الشمس على المغيب

اسرعت بالنزول وطرقت على الباب الآخر وهي تناديه

_داغر.

فتح داغر عينيه فزعًا على طرق الباب فنهض مسرعًا يفتحه فإذا بها أمامه

_ايه ياأسيل في ايه حد يصحي حد بالشكل ده؟

رفعت الهاتف أمام وجهه وقالت بغيظ

_انت عارف الساعة كام؟

دقق النظر فينصدم عندما وجدها الخامسة

فتمتم بدهشة

_معقول نمنا كل ده؟ طيب هغير هدومي ونرجع.

وقف خلف طارة القيادة ينظر إليها بين الحين والآخر بغيظ

_كان هيجرى ايه لو صبرنا شوية لحد ما فطرنا حتى.

تطلعت أسيل في ساعتها وقالت بغيظ

_المغرب اذنت وحضرتك عايز تفطر؟

_يا ستي نعتبر نفسنا في رمضان ولا شكلك مكنتيش بتصومي في ايطاليا.

ردت بغيظ منه

_لأ طبعاً كنت بصوم، جدو وماما مسلمين على فكرة.

تطلع إليها بمكر وقال

_طيب ما تيجي نمثل اننا في رمضان ونروح عندي البيت تحضريلي الفطار باديكي الحلوة دي ونفطر في اوضتي.

زمت فمها بغيظ وتمتمت

_على فكرة انت سافل.

هز داغر رأسه يدعي براءة مزيفة وقال بحيرة

_انا مش عارف ليه دماغك بتحدف شمال انا والله قصدي شريف، عندي تراس في الاوضة بتاعتي هواها بحري وايه! من الآخر.

زمت فمها بيأس منه ثم نهضت عندما

رسى اليخت على الممر وهمت أسيل بالنزول منه لكنه منعها

_اهدي يابنتي كدة ممكن تقعي

تقدمها داغر ثم ساعدها على النزول وسار بجوارها حتى وصلوا للسيارة

وقف امامها وقال بشغف

_ماتيجي نتعشى مع بعض في مطعم قريب من هنا.

تطلعت إليه وهي تقول بأسف

_مش هينفع اتاخر عن كدة، زمان دادة قلقانة أوي.

_طيب ايه رأيك نقضي بكرة مع بعض انا شايف ان اليوم ده ميتحسبش، وبعدين في حاجة غالية عندي اوي عايز اهديهالك.

لمعت عينيها بسعادة وسألته

_ايه هي؟

_بكرة ان شاء الله هتشوفيها، بس لو مصرة تعالي معايا اوضتي تشوفيها هناك.

ضحك داغر عندما وجدها تفتح باب السيارة وتدلف بها قائلة

_لأ مش مستعجلة.

انطلق بالسيارة وعاد بها إلى المنزل وقبل ان تترجل منها قال برجاء

_هستناكي بكرة في نفس الميعاد.

فكرت قليلا ثم تحدثت باقتضاب

_هحاول.

عادت أسيل إلى المنزل فوجدت أمينة تنتظرها على أحر من الجمر

وعند دخولها سألتها بحدة

_ممكن اعرف ايه اللي اخرك لحد دلوقت؟ وكمان قافلة تليفونك؟

تمتمت أسيل بأسف

_معلش ياداداة بس الوقت اخدنا ومحستش بيه والمكان مكنش فيه شبكة.

عقدت أمينة حاجبيها بشك

_ليه كنتوا فين؟

ازدردت لعابها بوجل وتمتمت برهبة

_كـ..كنت معاه على اليخت.

اتسعت عينيها بصدمة

_لوحدكم؟

أومأت أسيل بصمت دون التفوه بكلمة فتحدثت امينة بعتاب

_هي دي تربيتي ليكي ياأسيل! ولا السنين اللي عيشتيها برة خلتك تنسي اللي زرعته جواكي.

رمشت بعينيها مرات متتالية وتمتمت بنفي

_دادة انا معملتش حاجة غلط وبعرف اوقف أي حد عند حده، لو تمادى معايا هوقفه متقلقيش عليا.

_وتفتكري لما تبقوا لوحدكم وفكر يعمل حاجة انتي هتقدري تدافعي عن نفسك.

أكدت بثقة

_ايوة يادادة أعرف، وبعدين داغر انسان كويس جداً ولو في دماغه حاجة كان عملها لما كنا مع بعض في الجزيرة

لاح الرجاء بعينيها وهي تتابع

_أرجوكي يادادة أنا عايزة أعيش لنفسي مرة واحدة بس، أنا اول مرة أحب مختبرتش الإحساس ده قبل كدة وعايزة اعيشه مع الانسان اللي اخترته واختارني.

تأثرت أمينة بحديثها ثم قالت بمحايدة

_يابنتي هو انا مش عايزاكي تفرحي بس انا بقول نحكم عقلنا ومننجرفش ورا مشاعرنا

متعمليش زي الحصان اللي عاش عمره كله محبوس وأول ما فتحوا القفص له جري ومعرفش هو رايح فين ولا طريقه ده أخره ايه.

دنت منها أسيل لتحتضنها وقالت بحب

_متخافيش عليا، كل حاجة علمتهالي محتفظة بيها ومش هغيرها.

ربتت امينة على ظهرها

_ولو مخفتش عليكي انتي هخاف على مين، ربنا يبعد عنك شر النفوس ويحميكي يا بنتي.

❈-❈-❈

في اليوم التالي

استعدت أسيل للذهاب معه ونزلت الدرج وهي في قمة سعادتها

لم تقبل امينة تصرفها لكن رؤية السعادة في وجهها جعلتها ترضخ لها

خرجت أسيل من المنزل فتتفاجئ بحازم أمامها

_أزيك ياأسيل.

ارتبكت أسيل وردت وهي تنظر إلى سيارة داغر التي توقفت على بعد أمتار منهم

_الحمد لله بخير.

كانت نظرات حازم تلتهمها وهذا ما لاحظه داغر

لا يعرف من يكون ولا صلة قرابتهم

لا يعرف سوى تلك الغيرة التي جعلته يضغط على موقد السيارة بغضب وهو يراها تبتسم وهو يحدثها

لم يستطيع التحكم في غيرته عليها ونظرات ذلك الشاب لها واضحة وضوح الشمس

هم بالترجل من السيارة كي يذهب إليهم ويجذبها ليخفيها عن نظراته لكنه تراجع ما إن رأه يدلف للداخل وتأتي هي إليه.

فتحت باب السيارة وجلست بجواره وهي تقول بابتسامة

_معلش اتاخرت عليك.

اندهشت أسيل عندما وجدته ينطلق بالسيارة دون قول شيء مما جعلها تتعجب من صمته

فطوال الطريق يضغط بقبضته على المقود وعلامات الغضب واضحة عليه حتى وصلوا للشاطئ

لم تفهم سبب لذلك الصمت الذي يؤكد مدى تعصبه

أوقف السيارة جانباً وحينها وجدته يلتفت إليها والغضب مرتسم في عينيه وغمغم بتحكم

_مين اللي كنتي واقفة معاه ده؟

اهتزت نظراتها وشعرت بالخوف من حدته فتمتمت بتوجس

_دا حازم ابن دادة أمينة.

ضرب على مقود السيارة بقبضته وغمغم بسخط

_ولما هو ابن دادة امينة بتقفي تتكلمي معاه ليه؟

أجفلت من صوته وظهر أمامها بجانب آخر مما جعل الخوف يتسرب إلى قلبها وردت بحذر

_عادي حازم زي أخويا…

صرخت أسيل بفزع عندما قاطعها بصوته الهادر

_لأ مش زي أخو…..

توقف داغر وتحول غضبه للقلق عندما لاحظ ارتعابها وأمسك يدها التي وضعتها أمام وجهها بحماية وتحدث بقلق

_في ايه ياأسيل….

سحبت يدها وهي تتأوه بفزع مما جعل قلبه يهدر بقوة خوفاً عليها وتمتم بلهفة

_أنا أسف انا بس اتعصبت من غيرتي عليكي.

هم برفع يده إليها كي يملس على رأسها بهدئها لكنها صرخت بفزع ورفعت يدها تحمي وجهها مما ادهش داغر

حاول أبعاد يدها عن وجهها لكنها اجفلت وفتحت باب السيارة هاربةً منه ومن الجميع

خرجت مسرعة تريد الهرب لكن إلى أين؟

كانت كلماتهم تتردد في اذنها

لا تفعلي لا تذهبي لا تنظري لا…لا…لا

وضعت يدها على أذنها تكتم تلك الأصوات التي زادت بصوت داغر

كانت تستمع لصوته يناديها مما جعلها تسرع في ركضها كي تهرب منه كما لم تهرب من أهلها

تعثرت في ركضه‍ا وسقطت على ركبتها فهمت بالنهوض والهرب لكن داغر أمسك بها يمنعها

_إهدي يا أسيل، اهدي متخافيش

حاولت الإفلات منه لكنه أحكم قبضته عليها وقرب رأسها من صدره متمتمًا بخفوت

_انا اسف إن كنت اتعصبت عليكي.

استكانت أسيل ببكاء بين يديه وهم جالسين على الرمال وذكريات من الماضي تقتحم مخيلتها وبقوة

أصوات هادرة يعقبها صفعة قوية

وعقاب قاسي يعقبه حبس انفرادي

هل اكتمل الأمر لديها بوجوده.

خرج داغر من المطبخ وهو يحمل كوبين من القهوة وقدم واحدًا لأسيل التي جلست على الأريكة بشرود

انتبهت للكوب الذي يحمله بيده فأخذته منه بابتسامة مجاملة وعادت لصمتها

جلس داغر على المقعد المقابل لها وسألها بحنان مفرط

_بقيتي أحسن؟

اومأت على نهج صمتها فعلم داغر بأنها تعذبت كثيرًا بحياتها

فقال بتروي

_انا عارف إني اتعصبت عليكي واتماديت بس صدقيني ده كان نابع من غيرتي مش اكتر.

تنهدت وهي تنظر للكوب بين يديها وردت بحيطة

_الموضوع مكنش مستاهل كل ده، حازم انا وهو متربيين مع بعض يعني اللي بينا مش أكتر من أخوه.

زم داغر فمه يحاول السيطرة على اعصابه عندما تذكر نظراته لها والتي تجزم بأن الأمر أكثر بكثير من مجرد أخوه فكان عليه أن يلتزم الصمت كي لا يفتح عينيها عليه

فقرر أن يغلق الحديث ويتطرق إلى حديث آخر

_ايه هنضيع اليوم زي امبارح ولا أيه؟

لاحت ابتسامة على محياها لكن يغلفها الحزن فتابع مزاحه

_ايه رأيك لو نروح عند چاك.

تجاوبت أسيل معه وقالت بعدم استيعاب

_بس المسافة بعيدة اوي

_على اساس إن انا سواق ميكروباص، انا قبطان ياماما

وافقي انتِ بس وخلال ساعتين نكون هناك.

هزت راسها برفض

_لأ خلينا هنا أحسن.

لم يريد الضغط عليها وقرر أن يستمتع بتلك الأجواء معها.

وقفا معًا على حافة اليخت يتسامران في أمور عديدة ثم سألها

_جعانة؟

ضحكت أسيل بيأس منه وسألته

_انت ديمًا جعان كدة؟

نفى داغر وقال بغيظ

_لأ بس حضرتك رفضتي تأكليني امبارح ولما روحت كسلت اعمل أكل لان مفيش حد غيري في البيت، اكتفيت بساندوتش واحد وتقدري تقولي كدة شوب نسكافيه

_ماشي ياسيدي في اكل في التلاجة ولا نرجع نشتري.

نهض داغر وهو يجذبها من يدها

_لا كل حاجة موجودة في التلاجة.

دلفا معًا وبدأ داغر يخرج اللحوم من المبرد ويشرح لها كيفية طهيهم

_اللحوم الشرايح دي نص تسوية يعني هتتحمر على نار هادية وخلاص.

أشار على احد الأدراج

_الدرج ده هتلاقي فيه كل حاجة محتجاها

وانا بقا هعمل دور سي السيد انزل البحر شوية واستناكي تخلصي.

_يا سلام، والسلطة مين هيعملها؟

حك ذقنه بمكر

_مفيش غير السلطة يعني، ما تخليني احمر معاكي اللحمة.

هزت راسها برفض

_لأ متشكرة اعمل السلطة بس.

جلس داغر على المقعد وقد وضعت أسيل الخضروات أمامه وشرع في تحضيرها

اخذ يرمقها بنظراته وهي تتحرك مثل الفراشة أمامه وتعد الطعام

تمنى في ذلك الوقت ان تكون زوجته ويقف خلفها يشاركها في كل شيء

أراد أن يقف خلفها ويمسك بيدها ويعدا الطعام معاً كشخص واحد.

لا يعرف كيف تسللت إلى قلبه وهدمت جداره الصلب بتلك السهولة

كانت تضع خصلاتها بين الحين والآخر خلف أذنها مما جعل وتيرة تنفسه تعلو ورغبة ملحة في منعها ليقوم هو بذلك الدور لكنه احجم تلك الرغبة ومنعها من ذلك التهور.

حاول الانشغال بإعداد السلطة كي يمحو تلك الافكار من رأسه فقال بمزاح

_بس شكلك ست بيت شاطرة، اومال ايه بقا فيلا في القاهرة بخدم وايطاليا والكلام ده.

وضعت أسيل الشرائح في الأطباق وقالت

_جدو من محبين المطبخ وفي بداية حياته فتح مطعم واشتهر بيه جدًا وواحدة واحدة المطعم كبر أوي وبقى من اشهر المطاعم في روما ولأنه مسلم فكل العرب اللي عايشين هناك والمسلمين الإيطاليين كمان كانوا بيروحوا مطعمه، وانا بقا طلعت زيه.

وضعت باقي الطعام على الطاولة وسألته

_تحب تاكل هنا ولا برة.

حك ذقنه بمكر قائلاً

_أنا بقول بره أحسن عشان المكان هنا مغري جداً.

لم تفهم أسيل مغزى حديثه لذا قالت ببراءة

_خلاص خلينا هنا.

حمحم داغر وقال بتبرم

_لأ خلينا برة احسن.

حملوا الاطباق معًا وخرجوا للسطح ثم وضعوها على الطاولة وشرعوا في تناوله

سألته أسيل

_الأكل حلو؟

ابتسم قائلاً

_جميل جدًا تسلم ايدك.

سعدت أسيل بذلك الاطراء وردتها اليه وهي تتذوق السلطة

_والسلطة روعة بجد.

لاح المكر بعينيه وهو يقول

_تعرفي إن اليوم ده بحسه مميز أوي، يعني

حاسس كأننا اتنين متجوزين وفي شهر العسل(غمز بعينيه وهو يضيف بخبث) ما تيجي ندخل على فقرة التمثيل ونمثل عريس وعروسة.

تركت أسيل الملعقة من يدها وقالت بتحذير

_داغر.

رد داغر ببراءة مصطنعة

_ايه ياقلب داغر انا قلت ايه؟ ده مجرد تمثيل مش أكتر.

_برضه بلاش كلامك ده عشان بيحرجني.

انهى داغر طعامه ومسح يده في المنشفة

_ماشي ياقلبي مادام فيها احراج، تشربي شاي معايا.

نهضت أسيل وهي تحمل الاطباق

_خليك وانا هعمله انا خلاص شبعت.

قال برفض

_لأ خليكي انا بحب اعمل المشروبات بنفسي.

_وانا شبعت خلاص خلينا نعمله مع بعض.

دلفا معًا المطبخ وقامت أسيل بغسل الاطباق وأصر داغر على مساعدتها وطلبت منه أن يجففها بالمنشفة

كانت تقف بجواره تتلامس اكتافهم دون قصد لكن كانت تعذبه بعفويتها ولا تدري شيء عن ذلك الصراع الذى يجبره على ان يطيح بتعقله عرض الحائط ويأخذها بقبلة تاق لها منذ أن دخلا اليخت.

كان يرى معانتها وهي تحاول ابعاد خصلتها عن وجهها ولم تستطيع بسبب يدها التي انشغلت بالجلي

ودون إرادة منه ترك الطبق والمنشفة من يده ثم تقدم خطوة منها ومد يده ليبعد تلك الخصلة خلف أذنها.

بوغتت بفعلته وتراجعت خطوة للوراء عندما لاحظت نظراته الراغبة لها…….
افترى فمه بابتسامة مطمئنة عندما لاحظ خوفها
نعم يرغبها ويريدها بكل جوارحه لكنه لن يفعل ما يؤذيها ابدًا هي أكبر من ذلك بكثير وعندما يفكر في فعلها ستكون بفرحة عامرة ورضى بينهما فتحدث بروية
_متخافيش عمري ما هعمل حاجة تأذيكي.
تطلعت إليه بعينيها التي ملؤها الخوف فتابع هو بلهجة حانية بثت الآمان بداخلها
_لأن محدش بيأذي روحه وانتِ روحي يا أسيل.
تلاشى الخوف من عينيها وحلت محلها ابتسامة تحمل امتنان كبير لذلك الرجل الذي علمها معنى الحب فتابع هو بمزاح
_بس لو فضلتي تبصيلي كدة أنا مضمنش نفسي وممكن أرجع في كلمتي عادي.
ضحك كلاهما وأنهى عملهما جانباً إلى جنب وقد ازدادت ثقتها به بعد أن لامست الصدق بحديثه كما ازداد حبها بداخله
ثم صعدا للأعلى.

وقفا معًا على سياج اليخت يتناولا مشروبهما وطيور النورس تحلق أمامهما تبحث عن صيدها
فتحدث داغر عن ذلك الجمال
_كل حاجة هنا مكتملة بالنسبالي
البحر والهدوء (تطلع إليها) وانتِ يا أسيل
تهربت بعينيها منه بحياء خاصة عندما تابع
_ديمًا كنت بحس إن حياتي ناقصها ومعرفتش ايه اللي ناقصني غير بعد ما عرفتك.
استدار ليتطلع إليها وتقدم منها خطوة ليقول بوله
_من اول ما عيني جات عليكِ وانا حاسس بالاكتمال
رفع يده لتتلاعب أنامله بخصلاتها وتطلع بعينيها قائلاً
_دلوقت بس أقدر أقول إن حياتي بقى لها معنى.
لم تتخيل أسيل أن تسمع مثل تلك الكلمات التي رسمها صوته الحاني على جدار قلبها
فقالت بشك
_وياترى قلت الكلام ده لكام بنت قبلي؟
رفع حاجبيه بمكر
_بوادر غيره ولا أيه؟
ردت وهي تتهرب بعينيها
_تؤ مش غيرة بس بسأل.
ابتسم يطمئنها
_وحياتك انتِ معرفت في حياتي غيرك.
ظل يتحدثا لوقت طويل حتى شعر داغر بارتعاشها
كان الجو شديد البرودة حقًا
لذا انسحب بهدوء ونزل للأسفل ليأتي بغطاء خفيف ثم عاد إليها ليضعه حولها
ابتسمت له بامتنان لشعور الدفئ الذي خلفها به ثم وضع قلنسوة صوفية على رأسها وقال
_كدة دفيتي؟
اومأت له بابتسامة ثم سألته
_عرفت ازاي اني بردانه؟
استند بظهره على السياج وقال بوله
_مش لازم تقولي عشان أعرف.
خجلت من نظراته فابعدت عينيها عنه وقالت تغير مجرى الحديث
_انا مش عارفة انت ازاي بتقدر تنزل المايه في البرد ده
نظرت إلى ملابسه الخفيفة وتابعت
_حتى لبسك ديمًا خفيف.
رد داغر ببساطة
_عادي انا اتعودت على كدة من ايام الكلية، كنا بننزل المايه الساعة ستة الصبح كنوع من أنواع التدريب وخلاص اتعودت على المايه الباردة، حتى بعد ما تخرجي منها تحسي بالدفى، تحبي تجربي؟
تمسكت بالغطاء اكثر قائلة
_لأ متشكرة.

بدأ داغر يحكي لها عن حياته وهي تستمع إليه باهتمام ثم سألها
_وانتي؟
سألته بحيرة
_أنا ايه؟
أراد أن يسمع منها ما يحسه ويلاحظه عليها
_محكتيش أي حاجة عن حياتك في بيت باباكي.
عاد الحزن يعرف طريقه إلى محياها لكنها رفضت اقتحام تلك الذكريات التي هي قادرة على تعكر صفوهم الآن لذا تهربت وهي تسأله
_انتي وعدتني بمفاجأة أيه هي؟
احترم داغر رغبتها بعدم التحدث في تلك الأمور ورد يجاريها
_بصراحة هما تلاتة.
اتسعت ابتسامتها
_بجد؟ ايه هي؟
_ثواني.
غاب داغر وعاد بعد قليل حاملًا صندق صغير ثم قدمه لها قائلاً
_افتحيه بنفسك لأني لقيته ورفضت افتحه إلا وانتِ جانبي.
اخذته أسيل وقامت بفتحه بحماس فتجد بداخله محار متوسط الحجم.
اخرجته من الصندوق وهي تنظر إليه بانبهار وقالت بدهشة
_ده محار.
اومأ لها لعلمه ما يحتويه المحار ثم أخبرها ان تفتحه
فتحته أسيل فتجد بداخله لؤلؤة لامعة فتتسع عيناها بذهول وقالت بعدم استيعاب
_دي لؤلؤة؟
كان داغر يتطلع إليها بعشق وتمتم بوله
_لؤلؤة لأحلى لؤلؤة شوفتها في حياتي.

تطلعت إليه بحب وأرادت في تلك اللحظة أن تحتضنه لكنها ابت فعلها وقالت بحب
_متشكرة أوي، أول مرة حد يهاديني.
ملس بأنامله على وجنتها وتمتم بعشق
_كل سفرية هرجع فيها بواحدة زيها.
لاح القلق على وجهها وقالت بخوف
_بس كدة خطر عليك.
رفع حاجبه باستعلاء
_ما قولنا عيب الكلام ده في حقي.
اعادت المحار إلى الصندوق وسألته
_طيب دي المفاجأة الأولى، ايه التانية؟
استند بظهره على السياج وقال
_التانية إن السفرية اتأجلت يومين، يعني هنفضل اسبوع كامل مع بعض.
ازدادت سعادتها بذلك الخبر
_بجد ياداغر؟
_بجد يا قلب داغر.
خجلت من كلمته وسألته عن الاخرى
_طيب والتالتة.
عاد المكر بعينيه وسألها
_لازم تعرفيها؟
اومأت برأسها وهي تقول بإصرار
_اه عشان خاطري.
حرك كتفيه باستسلام ومراوغة
_بما انك انتِ اللي اصريتي يبقى اتحملي بقا. اندهشت من قوله وخاصة عندما قام بأخذ الصندوق من يدها ووضعه على الطاولة ثم جذب الغطاء من عليها تحت اندهاشها تلاها القلنسوة
_تعالي معايا.
سألته بدهشة
_هنروح فين؟
واصل سيره
_تعالي بس.
وقف بها على حافة اليخت وقبل أن تستوعب مقصده حاوطها بذراعيه وسقط بها في المياه

شهقت أسيل عندما طفى بها داغر على سطح المياه وتعلقت بعنقه وهي تقول بهلع
_داغر ليه عملت كدة؟ المايه متلجه أوي.
ضحك داغر وقال مهدئًا إياها
_لما تسيبي جسمك للمايه هتحسي بالدفى.
تشبثت بعنقه أكثر لكنها تركت مسافة بينهم وغمغمت بخوف
_قولتلك مش بعرف اعوم أرجوك خرجني.
حاوط داغر خصرها بيد واليد الأخرى حاول أبعاد ذراعيها عنه وقال بتريث
_انتي كدة هتخنقيني، أهدي وسيبي نفسك للمايه وهي هرتفعك.
رفضت أسيل بخوف وتشبثت به أكثر فقال بتمهل
_كدة هتخنق منك وهنغرق احنا الاتنين.
ارتعبت أسيل وخففت من ذراعيها حوله وطمئنها هو قائلاً
_متخافيش انا معاكي مش هسيبك ارخي اعصابك وسيبي نفسك للمايه، غمز بعينيه بخبث
_وليا.
ضحك عندما وجدها تزم فمها بغيظ
ثم تراخت اعصابها وبدأت تتبع ارشاداته لكنها لم تتمكن بسبب خوفها
كان ينقلها من يده اليمنى لليسرى عندما يغوص بها للأسفل ويستمتع بتشبثها به
ثم يطوف بها على سطح المياه
محاولات كثيرة باءت بالفشل فقالت برجاء
_داغر أرجوك أنا…..
قاطع صوتها وهو يسحبها لأسفل المياه كي لا تطلب منه الخروج
كم يصعب عليه تركها يريد أن يبقيها معه ولا يتركها لحظة واحدة وبعد وقت طويل قالت بخوف
_داغر كفاية خلينا نطلع من المايه.
وافقها داغر عندما لاحظ تعبها وساعدها على الوصول للدرج وما إن صعدت حتى شعرت برجفة شديد فقال لها وو يخرج من الماء برشاقة
_هتلاقي في الاوضة تحت شنطة فيها لبس ليكي تقدري تغيري الهدوم دي، ومتخافيش انا واثق انها هتيجي مقاسك
لم تستطيع التفوه بكلمة وكتمت غيظها منه حتى تبدل ملابسها وتشعر بالدفئ
نزلت للغرفة واخرجت الملابس من الحقيبة وقد كانت عبارة عن بنطال سماوي وبلوزة صوفية بيضاء
أوصدت باب الغرفة جيدًا ثم دلفت المرحاض كي تأخذ حمامًا دافئًا كي تزيل مياه البحر المالحة ثم ارتدت الملابس وخرجت إليه
وجدته ابدل ملابسه بدوره ووقف منتظرها وهو يحمل كوبين من القهوة وسألها بابتسامة
_بقيتي أحسن؟
ضحك عليها عندما اخذت منه الكوب بحدة وذهبت للأريكة لتجلس عليها
جلس بجوارها وهو يقول
_هتفضلي مبوزة كدة؟
نظرت إليه بغيظ
_عشان فاجأتني حضرتك.
رفع حاجبيه بمكر قائلاً
_وهو انا يعني كدبت عليكي انا قولتلك مفاجأة.
ابتسمت أسيل رغمًا عنها وهي تشيح بوجهها
نهض من مقعده ليجلس بجوارها وقال بولع وهو يداعب خصلاتها المبتلة
_بس تصدقي شعرك بيبقى أجمل وهو عايم في المايه كدة.
حمحمت باحراج ولمت خصلاتها على الجانب الآخر وقالت بتحذير
_قولنا بلاش الكلام ده.
تلكأت نظراته على الملابس التي ابتاعها لها وقال بخبث
_هو انا يعني قلت ايه، وبعدين اللبس ده طلع يجنن عليكي مكنتش اعرف انهم بالجمال ده.
اغتاظت أسيل أكثر وهمت بالنهوض
_انا غلطانة اني سمعت كلامك وجيت معاك.
جذبها داغر من ذراعها واعادها إلى مكانها وهو يغمغم
_متبقيش حمقية كدة انا قصدي شريف والله
ايه رأيك لو نروح الجزيرة بكرة، المكان هناك في النهار بيبقى حكاية، هتنسي نفسك.
تحمست لفكرته لكنها قالت بتردد
_بس المكان بعيد أوي.
_مش بعيد ولا حاجة هما ساعتين رايح وساعتين جاي واقل بكتير كمان.
تطلعت في ساعتها وقالت بقلق
_داغر….
أكمل عنها
_أخرنا ولازم أروح.
نظر داخل عينيها وتمتم بوله
_ حاضر هروحك، بس الأول في حاجة عايز اعترفلك بيها.
علمت من عينيه ما يود اللسان البوح به لذا كان عليها الهرب، ليس الآن ، هي لن تستطيع اعطاء وعود ولا أخذها، فقالت بكمد
_بلاش دلوقت ياداغر، بلاش نتسرع وخلينا نفكر الأول.
اندهش من ردعها له
_بس الموضوع ده احساس مش قرار بنتخذه بعد تفكير، أسيل انا الأحساس ده بشعر بيه لأول مرة ولو مش واثق انك بتبادليني نفس الشعور مكنتش اتواجدت معاكي في المكان ده.
تهربت بعينيها منه وقالت بآسى
_انت متعرفش حاجة.
_عرفت اللي عايزه وخلاص مش عايز اعرف حاجة تاني.
رفع انامله ليمحو دمعة سقطت على وجنتها شعر بها نار تكوي قلبه وتمتم بثقة
_من بعد النهاردة مش هسمح للدموع دي تعرف طريق عينيكي الا بالسعادة.


تبسمت عينيها من ذلك الحنان الذي يغدقها به وقررت ترك قلبها ينعم في بحور عشقه دون ان تفكر فيما يخبئه لها القدر
تريد ان تخطف لحظات سعيدة من الزمن ولا تفكر لحظة واحدة في عواقبه.

عادوا إلى الشاطئ وعادت إلى منزلها بمشاعر مختلطة
سعادة يشوبها خوف وخوف يشوبه راحة.

أما هو فتفاجئ بعمه في المنزل جالساً على المقعد يتصفح احد الجرائد فقال بابتسامة وهو يمل عليه يعانقه
_عمي حمدلله على السلامة جيت أمتى؟
جلس داغر بجواره وقال عمه بعتاب وهو يطوي الجريدة ويضعها على الطاولة أمامه
_عرفت إن اجازتك اتأجلت قلت آخد أنا كمان اجازة يومين واقضيهم معاك هنا مادام رافض تقعدهم معايا في القاهرة.
_معلش بقا انت عارف اني مش بحب ابعد عن اسكندرية.
تطلع إليه خليل بشك
_مش عارف ليه بقالك اجازتين مش على بعضك، مرة تقضيها في القاهرة وطول الوقت سرحان ومرة في إسكندرية بس المرة دي مبسوط كدة زي اللي بتحب.
أيد داغر شكه
_حاجة زي كدة.
رفع خليل حاجبيه مندهشًا وسأله
_ودي طلعتلك منين وشقلبت كيانك كدة.
_من الباخرة وحياتك في الرحلة اللي قبل الأخيرة
_امم باين الموضوع جد.

_جدًا، بصراحة هي دي اللي كنت بدور عليها من زمان.
_من اسكندرية ولا منين؟
_من القاهرة بس عندهم بيت هنا في اسكندرية هي بنت رجل اعمال اسمه حسين النعماني.
ردد خليل الاسم ثم تحدث بتذكر
_اه افتكرته بس الراجل ده سمعت أنه شديد اوي وصعب التعامل معاه.
رد داغر بثقة
_ميهمنيش المهم هي، وبعدين لو حصل نصيب واتجوزنا هنعيش هنا يعني هنكون بعيد عنه.
_على خيرة الله المهم خليني اتعرف عليها قبل ما نروح نخطبها، بس ياريت ميكنش الفترة دي لأن معايا قضية معقدة أوي.
اعتدل داغر في جلسته وقال بانتباه له
_قولي ايه هي يمكن اساعدك.
_جريمة قـ.ـتل والمتهم اللي قدامي بينكر الحادث وأنه مقتلش، والتحريات اللي قدامي بتقول أنه انسان كويس جدًا وملتزم وعمر ما اتشاكل مع حد، والولد فعلا حاسس ببراءته بس كل الأدلة بتأكد ان هو القا.تل
اندهش داغر وسأله
_وايه هو دافع الجريمة.
_الولد ده شغال أمن في شركة كبيرة وبيقول أنه كان هو والمجني عليه كانوا بيشرفوا على المكان وحسوا إن في حد في المكان اللي فيه خزنة الشركة ولما دخلوا لقيوا واحد فاتح الخزنة فعلاً وبيسرقها ولما حاول يمسكوه هاجمهم ووقعه في الأرض ولما زميله حاول يدافع عنه ضربه بمسدسه وبعدين هرب
_والبصمات اللي على المسدس.
_أكيد كان لابس جوندي.
فكر داغر قليلًا ثم تحدث بثقة
_مش عارف ليه حاسس إن في لغز في الموضوع
يعني اللي عمل كدة مكسرش باب ولا حتى الخزنة، يعني معاه نسخة من المفتاح ده لو مكنش المفتاح نفسه، ممكن يكون امين الخزنة أو …..
التزم داغر الصمت ففهم خليل مغزى صمته وأكده قائلاً
_وده برضه نفس احساسي وده اللي مخلي صاحب الشركة بيصر على اتهامه.
انا هسلم القضية لشكري وهخليه هو اللي يدافع عنه.
_فعلاً القضية دي عايزة محامي متمكن وهتتحل بسهولة.
أيد رأيه
_إن شاء الله تظهر الحقيقة.

❈-❈-❈

في اليوم التالي

نزل داغر الدرج فوجد عمه يتناول افطاره
جلس على المقعد وهو يقول
_صباح الخير يا عمي صاحي بدري ليه؟
أخذ خليل فنجان القهوة يرتشف منه
_لأني راجع القاهرة دلوقت، في حاجات جدت في القضية وكمان عشان اسلم الورق لشكري.
رفع بصره إليه وقال بمغزى
_مش ناوي تقضي اليومين دول معايا ولا جات اللي اخدتك مني؟
ضحك داغر ورد بتأكيد
_متبقاش طماع بقا ياسيادة المستشار وسيب حاجة لغيرك.
نهض من مقعده وهو ينظر في ساعته
_ماشي ياسيدي تشبع بيك، يادوب بقا الحق اوصل القاهرة بدري.
خرج خليل وتطلع داغر إلى هاتفه وقام بالاتصال عليها
_صباح الخير.
ردت أسيل بنعاس
_صباح النور، صاحي بدري ولا انا اللي أخرت في النوم؟
داغر بابتسامة عريضة
_أنا منمتش أصلاً وحضرتك تقلانه عليا ومردتيش تردي.
شددت اسيل من وضع الغطاء عليها لشعورها بالبرودة وقالت
_كنت عملة الفون صامت مسمعتوش.
تطلع في ساعته
_ماشي يا ستي هصدقك المهم يلا بسرعة عشان نلحق نوصل بدري.
تمتمت أسيل بامتعاض
_مبلاش النهاردة لأني بردانة اوي
رد داغر بلهجة لا تقبل نقاش
_لا ارجوكي مش عايز اضيع يوم واحد من أجازتي، تقلي كويس ومش هتحسي بالبرد.

❈-❈-❈

انتهت أسيل من تبديل ملابسها وقد ارتدت كنزة ثقيلة لشعورها بالبرد منذ استيقاظها وارتدت القلنسوة(ايس كاب) التي أهداها إليها داغر ثم أخذت حقيبتها وخرجت من الغرفة
ترجلت مسرعة فوجدت أمينة تخرج من المطبخ وهي تحمل طبق به (سندوتشات) خفيفة وقالت بيأس
_برضه مصرة على اللي في دماغك؟
اخذت أسيل واحدًا منهم وقبلت أمينة
_هو النهاردة آخر يوم عشان هيسافر بعد بكرة.
همت بالخروج لكنها عادت تنظر إليها
_لو اخرت شوية متقلقيش، يلا باي.
رغم اعتراض امينة لما تفعله الا إن رؤية السعادة التي تراها بها لأول مرة جعلتها ترضخ لها.
اما أسيل فقد ازداد شعورها بالبرد ما أن خرجت من المنزل
وجدت داغر يقف جانبًا منتظر خروجها
فأسرعت تستقل مقعدها وهي تقول برعشة
_اقفل الازاز بسرعة لأن الجو برد أوي.

اغلق الزجاج وهو ينظر إليها بدهشة قائلاً
_ايه يابنتي الهدوم دي كلها انا شايف الجو دافي النهاردة.
اخذت تفرك يديها ببعضها تستمد الدفئ
_ده بالنسبة لك انت اما انا لأ.
_طيب اظهري وشك شوية انا مش شايفه حتى.
رفعت أسيل القلنسوة قليلاً وتطلعت إليه بغيظ
_ارتحت كدة.
غمز بعينيه قائلاً
_ايوة كدة مش عم شرابي اللي قاعد جانبي.
انطلق بالسيارة حتى وصل لليخت ولم ينتهي شعورها بالبرد رغم دافئ السيارة
فسألها بقلق
_أسيل انتي كويسة؟ تحبي نلغي الرحلة دي ونروح لدكتور؟
هزت راسها برفض
_لأ انا كويسة متقلقش يلا بسرعة عشان منأخرش.
نزلت من السيارة وقد شددت من وضع الكاب على رأسها ثم صعدت معه اليخت.
كان داغر يبحر بسرعة شديدة مما جعلها تشعر بالخوف وقالت بوجل
_داغر بالراحة شوية انا بدأت أخاف.
جذبها من يدها كي تقف بجواره فانتبه لسخونة يدها
رفعها إلى خده وقال بقلق
_ايدك سخنه أوي.
بدأت أسيل حقا تشعر بالاعياء لكنها حاولت ان تبدو جيدة كي لا يقلق عليها ونفت قائلة
_لأ ده من الهدوم اللي لبساها بس.
لاحظ أيضاً ارتعاشتها التي تحاول السيطرة عليها وغمغم بامتعاض
_لا انتي فعلا سخنة.
هدئ المحرك حتى اوقفه ثم استدار إليها بقلق
_انزلي ارتاحي على السرير لحد ما نوصل.
رفضت اسيل بإصرار
_قولتلك انا كويسة وبعدين انا عايزة افضل جانبك.
انتهى ثباتها عندما لفحتها نسمت هواء باردة واعترفت باستسلام
_انا فعلاً تعبانة أوي.
اسندها داغر وهو يقول برفق
_طيب تعالي.
ساعدها على الاستلقاء فوق الأريكة ثم جاء إليها ببعض الاغطية ووضعهم عليها رغم خطورة ذلك لكنه يريد تدفئتها حتى يصلوا للجزيرة والتي اوشكو على الوصول إليها
تمتم داغر بحنو
_هنزل اعملك حاجة سخنة تشربيها لحد ما نوصل الجزيرة.
سألته باعياء
_قدمنا كتير؟
طمئنها
_ربع ساعة بالظبط وهنكون وصلنا.

عاد داغر إليها بالكوب ليجدها تغط في سبات عميق.
وضع الكوب على الطاولة وجلس بجوارها كي يوقظها لكنها لا تجيبه
وضع يده على وجنتها التي تخضبت بحمرة تدعوا للقلق ووجد حرارتها قد ارتفعت أكثر

شعر بالاستياء من نفسه فقد اصابها الاعياء نتيجة ما فعله أمس.
عاد لتشغيل المحرك وابحر بسرعة أقوى حتى وصل في غضون دقائق
وجد چاك يقف على الشاطئ يشير إليه حتى اوقفه
قام داغر بحمل أسيل واسرع بالخروج من اليخت
فسأله چاك
_ماذا حدث؟
اجابه وهو يسرع بالدخول للمنزل
_تعانى من الحمى.
قام بوضعها على الفراش وقال له
_هل لديك ادوية لها؟
أومأ له
_نعم لدي.
خرج من الغرفة وعاد بعد قليل ببعض الأدوية وقال بهدوء
_خذ، اجعلها تتناولهم معًا حتى اعد لها حساء الدجاج، ويفضل ان تخفف عنها هذه الملابس كي لا تكتم الرطوبة بداخلها.
أخذ الادوية منه ثم جذب المقعد ليقربه من الفراش بجوارها وأمسك يدها يحسها على الاستيقاظ
_أسيل قومي ياحبيبتي خدي الأدوية دي.
همهمت أسيل بكلمات غير مفهومة وقد ازدادت حالتها سوء
ازداد قلقه عليها وقام بنزع القلنسوة وكذلك تلك الكنزة الثقيلة رغم اعتراضها
_معلش اتحملي شوية عشان البرد يخرج من جسمك.
جذبت عليها الغطاء بوهن ومازالت الرعشة تنتابها فقال برجاء
_أسيل قومي خدي الحباية دي عشان خاطري.
همهمت بصوت غير واضح.
_مش.. بحب.. الأدوية.
جلس بجوارها على الفراش واضعًا يده خلف ظهرها يرفعها
_معلش المرة دي بس.
وضع الدواء في فمها وساعدها في ارتشافه بالمياه
اعادها لوضعها وهم بالنهوض لكنها امسكت يده برجاء وتمتمت بوهن
_متسبنيش انا خايفة.
ربت على يدها التي تتشبث به وتمتم بوله
_عمري ما هسيبك هفضل جانبك العمر كله.
وكأن هذه الكلمة اشعرتها بالأمان إذ أغمضت عينيها وغطت في نوم عميق.

❈-❈-❈

عاد سليم من الخارج في وقت متأخر وقد شعر بألم حاد في رأسه
قام بتبديل ملابسه وذهب لغرفة الرياضة كي يمارس تدريبه حتى يتعب ويذهب إلى النوم
لكنه لم يستطيع المواصلة وشعر برغبة ملحة بتناول قهوته
خرج من الغرفة وهو يجفف عرقه ودلف المطبخ فيتفاجئ بها داخله.
تصلب سليم في وقفته عندما وجدها أمامه تقف أمام المقود غير منتبه لوجوده

ازدرد لعابه بصعوبة وهم بالعودة لكن قدماه أبت ذلك وكأنها ترفق بقلبه الذي ارهقه الشوق

يبدوا أنها كانت شاردة مثله حتى لم تنتبه لفوران اللبن وانسكب اغلبه على المقود

انتبهت له أخيرًا وقامت برفعه عن النار دون حاجز بينه وبين يدها فتصدر منها صرخة جعلتها هزت ذلك الجبل الصامت

استدارت ناحية المبرد كي تخرج ثلج تضعه على يدها كي يلطف الحرق قليلًا


وما إن استدارت حتى صدرت منها صرخة عندما وجدته أمامها

فتمتمت باعتذار

_انا اسفة بس اتفاجئت بحضرتك مش أكتر.

همت بالتحرك لكنه اوقفها بحزم

_خليكي مكانك.

اهتزت نظراتها عندما وجدته يقترب منها ناظرًا إلى يدها التي أصيبت بحرق طفيف لكنه شعر به يكوي قلبه

أخفت يدها خلف ظهرها عندما مد يده ليدها فبوغت بفعلتها ورفع عينيه إليها قائلاً

_وريني ايدك.

ازدردت جفاف حلقها وتمتمت باهتزاز

_مفيش حاجة دا حرق بسيط

تطلع إليها لحظات قبل أن يقول بلهجته الحازمة

_قلت وريني.

لن تستطيع الوقوف أمامه بنفس صموده لذا حسها عقلها على أن تلوذ بالفرار من أمامه لكن قلبها الأهوج أراد أن ينعم بلحظة مسروقة من الزمن معه.

رفعت يدها المصابة وتمتمت برهبة

_بسيط.

نظر إلى أناملها المصابة ثم تحدث بأمر

_تعالي ورايا.

بأقدام كالهلام سارت وعد خلفه فوجدته يتجه إلى غرفته

فكرت في التراجع لكنها تعرفه جيدًا لن يتركها تهرب منه كما فعل من قبل.

دلفت الغرفة وتركت الباب مفتوح لكنه تحدث بأمر

_اقفلي الباب.

اقفلت الباب منصاعة إليه ثم أشار لها بالتقدم بعد أن خرج من المرحاض يحمل قنينة صغيرة

تقدمت منه بأرجل مهتزة وتطلعت إليه فتجد أنه يجاهد كي يبعد نظراته عنها

جبل الجليد كما أطلقت عليه ولا تدري شيئاً عن النيران التي تشتعل بداخله.

بحنو بالغ فقد السيطرة عليه قام بوضع الدهان عليه فتتلامس اناملهم وكلاً منهم يتظاهر بالصمود أمام الآخر.

كلاهما يشعر بنفس الشوق وبنفس الألم لكن ليس بوسعهم فعل شيء

هذا قدرهم وعليهم ان يرضخوا له

دق ناقوس الخطر عندما استسلموا لنظراتهم فتتقابل العيون بعتاب أقسى من الكلام

طافت عينيه بملامحها التي ارهقته وجعلته لا يرى غيرها

وكأنها ساحرة ألقت تعويذتها على قلب لم يعرف الحب إلى قلبه سبيلاً

وبدون إرادة منه احتوى يدها الواهنة بين يده وأصبحت لغة المشاعر هي السائدة بينهم

نزلت نظراته إلى عينيها بسوادها القاتم كما حال خصلاتها

وترجلت بتباطئ حتى وصلت لثغرها بطلاءه الطبيعي وهنا عاد الناقوس يدق بشدة منبهاً إياهم لخطر مدمر لذا عاد يرسم الجمود على ملامحه وغمغم بأنفاس مضطربة

_اطلعي برة.

بوغتت بأمره وهمت بالتحدث لكنه منعها بحزم

_اطلعي واقفلي باب اوضتك كويس يا إما مش هكون مسؤول عن اللي ممكن يحصل.

لم تفهم مقصده لمدى براءتها

واخفضت عينيها بقهر ثم انسحبت من أمامه وخرجت من الغرفة فلم يجد أمامه سوى الطاولة الرخامية كي يخرج بها غضبه فأطاح بها لتتهشم على الأرض وحينها عاد لوجومه.

هكذا انشأ وهكذا شب

ألا يظهر مشاعره ولا يبديها لأحد حتى لو ملك روحه.

المشاعر ضعف وهو لا يريد أن يظهر ضعيفاً عليه أن يكون دائماً موضع قوة..

❈-❈-❈

ظلت أسيل مستلقية على الفراش لا تدري شيئاً من حولها وداغر جالسًا بجوارها يمسك يدها بقلق

يعاتب نفسه على تهوره وأنه السبب في مرضها.

وضع يده على جبينها فلاحظ أنها هدئت قليلًا

ملس بأنامله على وجنتها غزاها احمرار خفيف من شدة الحرارة

لا يعرف ماذا فعلت به حتى اسقطته صريعاً لها

لقد وصل عشقه لها حد الجنون وكأنها أصبحت قطعة من روحه إن فارقته قد تفارق روحه معها.

قرب يدها من فمه يطبع عليها قبلة بث فيها مدى عشقه لها.

لن يتركها تبعد عنه وسيفعل المستحيل كي تكون له.

ترك يدها عندما

دلف چاك وهو يحمل الحساء وقال لداغر

_اجعلها تستيقظ كي تتناول الحساء فالادوية التي تناولتها تحتاج لغذاء جيد.

شكره داغر وتناوله منه ثم وضعه جانبًا كي يوقظها أولًا

فقد قاربت الشمس على المغيب وهم مازالوا على متن الجزيرة

قد هدئت الحرارة لكن مازال جسدها لا يقوى على الحراك.

_أسيل قومي ياحبيبتي عشان تاكلي.

غمغمت أسيل بوهن

_يادادة سيبيني عايزة أنام.

وضع يده أسفل ظهرها يجبرها على النهوض وقال بغيظ

_لا انا عم عثمان مش دادة يلا اشربي الشربة دي عشان تفوقي شوية

حاولت الرفض لكنه أصر ووضع الوسادة خلف ظهرها فتمتمت بوهن

_مش قادرة يا داغر أرجوك سيبني أنام.

_معلش لازم تاكلي عشان العلاج اللي اخدتيه.

وافقت مجبرة ثم أصر داغر على أن يطعمها بيده رغم تمنعها وجعلها تتناوله بأكمله

وضع الطبق جانبًا ثم سألها

_ها أحسن دلوقت؟

أسندت رأسها على الوسادة خلفها وقد بدأت تسترد وعيها قليلاً وقالت بوهن

_حاسة بألم شديد أوي في جسمي.

_ده من اثر السخونة بس الحمد لله هدت شوية.

وضعت يدها على رأسها تشكو من ألمه ثم سألته

_هي الساعة كام دلوقت؟

نظر بساعة يده وتفاجئ بأنها تعدت الخامسة

_الساعة خمسة ونص.

شهقت بصدمة وسألته

_معقول انا نايمة كل ده، انا لازم أرجع دلوقت.

همت بالنهوض لكن الدوار أشتد بها ولم تقوى على الحركة.

_اهدي ياأسيل للأسف مينفعش نرجع دلوقت.

ردت بإصرار رغم وهنها

_لأ لازم أرجع دادة هتقلق عليا وممكن تتصل على سليم تقوله.

لم يفكر في ذلك الأمر حقًا

لكن أيضًا لن يستطيعوا العودة الآن وهي بتلك الحالة ستزداد حالتها سوء

_انا هتصرف واتواصل مع حد يروح لها البيت ويعرفها.

وافقت أسيل مجبرة بسبب الألم الذي اجتاح كامل جسدها

عدل داغر من وضع الوسادة خلفها عندما لاحظ رغبتها في النوم وقال بحنو لم ترى مثله من قبل

_نامي ومتقلقيش من اي حاجة.

أومأت اسيل وهي تحاول فتح عينيها بصعوبة، فقد اغدقها باهتمام افتقدته حقًا.

جذب داغر عليها الغطاء عندما استسلمت للنوم وخرج هو ليطلب من چاك الاتصال له بأحد معارفه.

❈-❈-❈

ظلت أمينة تزرع الردهة ذهابًا وإيابًا بقلق بالغ فقد تأخر الوقت ولم تعود حتى هاتفها قيد الإغلاق

لم يكن أمامها سوى الإتصال بحازم كي يتصرف هو

اسرعت بفتح الباب عندما سمعت صوت السيارة بالخارج فظنت انها عادت لكن خاب أملها عندما وجدته حازم الذي ترجل من السيارة وتقدم منها يسألها بقلق

_خير يا أمي في ايه؟

اخطأت حينما بعثت له لكن ليس أمامها غيره فقالت بريبة

_أصل بصراحة أسيل خرجت من الصبح ومرجعتش لحد دلوقت.

تطلع حازم في ساعته ليجدها تعدت الثامنة

سألها بقلق

_مقالتش هي رايحة فين؟

ازدردت جفاف حلقها بوجل لكن ليس بوسعها فعل شيء سوى مصراحته

_أصل.. أصل.. يعني.

تحدث حازم بنفاذ صبر

_أصل ايه وفصل ايه ما تقولي يا أمي؟

_بصراحة أسيل اتعرفت على كابتن بحار وهي راجعة، ومن وقت ما جات هنا وهما بيتقابلوا، بس النهاردة من وقت ما خرجت الصبح مرجعتش.

كان حازم يستمع لها وشياطين الدنيا تتراقص أمامه من شدة غيرته وقال باحتدام

_وانتي ازاي يا أمي تسمحي بالمهزلة دي؟

تحدثت أمينه بقلة حيلة

_اعمل ايه بس، البنت لأول مرة بشوف السعادة في عينيها ومن كلامها عنه حسيت انه انسان كويس وفعلاً بيحبها.

اهتاجت اعصابه أكثر من حديثها عنه وسألها بانفعال

_اسمه ايه؟

_معرفش كل اللي اعرفه عنه اسمه داغر وكابتن سفينة مش أكتر.

خرج حازم من المنزل وهو لا يرى أمامه من شدة غضبه

وتوجه إلى الميناء كي يعرف معلومات عنه

وجد أحد الأمن واقفًا على البوابة الرئيسية فتقدم منه يسأله

_لو سمحت السفينة اللي هتطلع مين الكابتن اللي هيبحر بيها، لأني عندي فوبيا من البحر وعايز اسافر وانا مطمن.

رد الرجل برحابة

_من حظك الكويس بقا ان كابتن داغر هو اللي هيطلع على السفينة الجاية دي وده بقا أفضل قبطان في الميناء كلها.

استدرجه حازم اكثر

_بس انا سمعت عنه انه يعني اخلاقه مش كويسة…

قاطعه الرجل بنفي

_لا كابتن داغر ده حاجة تانية شخصية محترمة جدا وابن ناس اكابر وعيلة كبيرة في اسكندرية.

_هو ساكن فين؟

هز الرجل رأسه

_مش عارف بصراحة(أشار على أحد العمال) بس عم حسن هو اللي عارف العنوان

نظر إلى حيث يشير فوجده رجل كبير السن ويغلق أحد الأبواب فتقدم منه يسأله بتهذيب

_انت تعرف عنوان الكابتن داغر أصلي عايزه في موضوع مهم جدا.

رد الرجل بقلق

_خير يا ابني في حاجة.

حمحم حازم باحراج وقال

_حاجة خاصة مش هينفع اتكلم فيها بس حقيقي الموضوع مهم.

وافق الرجل وأملاه العنوان بحسن نية وانسحب حازم متواجهًا إليه

ذهب إلى المنزل الكبير وسأل حارس الأمن

_السلام عليكم

رد الحارس السلام ثم سأله

_كابتن داغر موجود؟

_لأ مش موجود من وقت ما خرج الصبح باليخت وهو مرجعش.

زم حازم فمه يحاول السيطرة على غضبه ثم سأله

_هو متعود يغيب كدة في البحر.

_ده العادي بتاعه، تحب تسيبله رسالة لما يرجع؟

_لأ انا هجيله مرة تانية.

عاد حازم إلى المنزل وهو لا يرى أمام عينيه من شدة الغضب

سألته امينة ما إن دخل المنزل

_عملت ايه ياحازم؟

أجاب حازم وهو يجلس على المقعد مستندًا على مرفقيه

_ملوش اثر، وانتي ازاي ياأمي توافقي على المهزلة دي.

_اعمل ايه بس، انا لما شفت السعادة اللي باينة عليها مقدرتش امنعها، أول مرة أشوفها مبسوطة كدة.

اشتعلت نيران الغيرة بقلب حازم ونهض يوليها ظهره قائلاً بانفعال

_بس ده برضه ميدكيش الحق انك تسيبيها تعمل كدة

استدار لوالدته وسألها بانفعال أشد ناتج عن غيرته

_نعرفه منين عشان تثقي فيه بالشكل ده وتسيبيها تخرج معاه كل يوم.

رمقته أمينة بضيق

_احنا هنفضل نتكلم كتير وسايبين البنت كدة

انتبه كلاهما لصوت الباب فذهب حازم لفتحه فإذا به شاب يقول

_مش ده منزل الآنسة أسيل

رمقه حازم بشك وسأله

_انت مين؟

رد الشاب بتهذيب

_انا جاي من طرف كابتن داغر طلب مني اطمنكم عليها لأن المركب عطلت بيهم والصبح ان شاء الله هيوصلوا بالسلامة.

زم حازم فمه يحاول ضبط اعصابه فأومأ للشاب الذي انصرف مستقلاً سيارته وانطلق بها

❈-❈-❈

عاد داغر إليها فيجدها مازالت غارقة في سباتها

وضع يده على جبينها فوجد الحرارة انخفضت أكثر

شعرت به أسيل وفتحت عيونها بتثاقل وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة

أمسك داغر يدها واسرها بين يديه ينظر إليها بحب لم يشعر بمثله من قبل

نعم عرف الكثير والكثير لكن هذه وجد بها كل ما أراده.

ظل على حاله حتى أشرقت شمس الصباح تحاول التسلل خلسة من بين الستائر التي حجبتها عنهم

تململت أسيل في نومتها وفتحت عينيها لتجد عينين كغيوم السحاب آسرة تنظر إليها بعشق جارف

انشق ثغرها بابتسامة مشرقة اشرقت معها شمسه

فتمتم داغر بحنو وهو يقبل يدها

_صباح الورد.

اسبلت جفنيها تومأ له ثم سألها

_بقيتي أحسن دلوقت؟

خرج صوتها متحشرجًا من أثر التعب

_أحسن بكتير (اخفضت عينيها بإحراج) تعبتك معايا.

_متقوليش كدة وبعدين انا السبب في التعب ده لو مكنتش نزلتك المايه مكنش حصل اللي حصل.

تطلعت أسيل لساعة يدها فوجدتها قد تعدت الثامنة صباحاً

نهضت رغم تعبها وهي تغمغم

_انا لازم ارجع دلوقت عشان دادة زمانها قلقانه عليا.

❈-❈-❈

ساعدها داغر للصعود على متن اليخت ثم أعد لها مشروب ساخن كي يدفئها.

طرق الباب فسمحت له بالدخول

دلف داغر بابتسامة مشرقة أشرقت روحها.

_عاملة ايه دلوقت؟

اعتدلت أسيل في رقدتها فسحب هو مقعد ليجلس عليه بجوارها فتمتمت بامتنان

_متشكرة أوي على اهتمامك ده.

رفع حاجبيه متسائلاً بمكر

_إنتِ شايفه ده اهتمام؟ أصل أنا شايفه حاجة تانية.

ناولها الكوب وهي سألته بحيرة

_حاجة تانية ازاي؟

ابتسم وقال بخبث

_حب مثلاً.

تطلعت للكوب بين يديها وقالت بحزن

_بالنسبة ليا انا معرفش افرق بين الاتنين….رفعت عينيها إليه…..لأني مـجربتش حاجة منهم.

كل شيء وكل حديثها يؤكد أنها مرت بحياة صعبة للغاية وكعادته بها لن تبوح بشيء لذا غير مجرى الحديث قائلاً

_بقولك خلصي الكباية دي ونامي وانا هطلع فوق لأن الشيطان شاطر وبدأ يلعب في دماغي.

اومأت له بابتسامة فخرج من الغرفة وانهت هي مشروبها وعادت للنوم.

أوقف سيارته أمام المنزل وتطلع إليها باسف قائلاً

_للأسف الرحلة خلصت ومعرفناش نستمتع بيها.

ابتسمت أسيل وتمتمت بوهن

_يبقى نعوضها مرة تانية.

تمتم باستياء

_تتعوض فين بقا، انا مسافر بكرة الصبح ومش هاجي إلا بعد ١٥يوم، ومؤكد هلاقيكي رجعتي القاهرة وهناك مش هنعرف نتقابل.

تناست أسيل ذلك الأمر فقد تلاشى كل شيء من تفكيرها تلك الفترة التي قضتها معه فقالت بأمل

_هحاول اقنع بابا واجي تاني قبل ما ترجع.

افترى فمه عن ابتسامة

_بجد؟

اومأت له وهمت بالترجل لكنه تحدث برجاء

_هستناكي بكرة في المينا اشوفك قبل ما أسافر.

أهتزت نظراتها وتمتمت برفض

_مش هينفع انا مش بحب لحظات الوداع دي، وبعدين دادة مش هتوافق بعد اللي حصل.

نظر إليها برجاء

_نفسي تكوني اخر شيء جميل اشوفه وانا مسافر.

اتسعت ابتسامتها ولم تستطيع الرفض حينها فقالت بتسويف

_هحاول.

همت مرة أخرى بالترجل لكنه امسك يدها ليطبع قبلة حانية على باطنها وتمتم باشتياق

_هتوحشيني.

أومأت له بعينيها ثم ترجلت من السيارة فتتفاجئ بحازم يخرج من بوابة المنزل وحينها شعرت بأن دلو من الماء البارد سقط عليها

ازدردت لعابها وانتبهت لتوقف سيارة داغر فعلمت حينها بأن لم تتصرف بحكمة ستقوم مشادة بين الإثنين

همت بالتحرك لكنها شعرت بأن قدمها كالهلام لا تقوى على السير

لكن تحاملت وناشدة قوتها الواهنة أن تساعدها على الهرب من مشادة العيون تلك

سارت بضع خطوات لكنها كانت تقربها من حازم الذي وجه نظراته إلى داغر والذي بدوره ترجل من السيارة كي ينادي عليها

_أسيل

التفتت إليه بأعين مهتزة وتطلع هو إلى حازم متحدثًا بلهجة واضحة التحدي

_ابقى طمنيني عليكي، وإن احتاجتي أي حاجة كلميني أنا.

هزت راسها بإيماءه بسيطة ثم واصلت سيرها حتى مرت من جوار حازم الذي أمسك ذراعها يمنعها من الدخول مما أشعل نيران الغضب في قلب داغر وخاصة عندما قال لها

_كنتي فين؟

أجفلت أسيل عندما سمعت صوت صفق باب السيارة تلاها يد جذبتها بكل قوة لتخفيها خلف ذلك الظهر العريض وصوته الهادر يدوي

_إن إيدك اتمدت عليها تاني أقسم لك إني هخليك تتحصر عليها.

لم يصمت حازم أيضاً وصاح به

_انت واقف قدامي وبتهددني بصفتك ايه؟

بوغت داغر بسؤاله وأراد في تلك اللحظة أن يخبره بأنه مالك قلبها لكنه تراجع عندما سمع ذلك الصوت الحازم

_أسيل.

التفتت أسيل لأمينة التي وقفت تنظر إلى الموقف باستياء فجذبت يدها من يد داغر وأسرعت باللولوج للداخل

تقدمت منهم وتطلعت إلى حازم قائلة بحزم

_اتفضل ياحازم لأنك اتأخرت على المستشفى.

هم بالاعتراض لكنها أصرت بحزم

_قلت يلا.

استقل سيارته وهو ينظر لداغر بتوعد ثم انطلق بها

نظرت أمينة إلى داغر وتحدثت بتروي

_متشكرة أوي إنك تعبت نفسك ووصلتها لحد البيت، لحد هنا واتفضل انت كمان.

استطاع داغر التحكم باعصابه وعدم خوض جدال معها كي لا يخسرها فانسحب بهدوء وعاد إلى سيارته.

دلفت أمينة غرفة أسيل فوجدتها جالسة على المقعد ويبدو عليها التوتر

وعندما رأتها أسيل أسرعت إليها

_عملتي ايه يا دادة؟

رمقتها بعتاب

_ايه اللي انتي عملتيه ده يا اسيل؟ دي اخرت ثقتي فيكي؟

رمشت بعينيها وقد أخجلها عتاب أمينة ثم تمتمت

_كان غصب عني يادادة، انا تعبت أوي ومقدرش يرجع بيا إلا لما خفيت.

_وبيتي معاه فين؟

نفت أسيل سريعًا وبررت قائلة

_الموضوع مش كدة خالص، كل الحكاية إني تعبت ….

قاطعتها أمينة باحتدام

_تعبتي يبقى يرجعك ويجيبك هنا او يوديكي المستشفى انما انه يبيتك معاه ده غلط وغلط كبير اوي كمان، ازاي جاتلك الجرئة وتسمحي لنفسك بده

بررت أسيل لنفسها قبل ان تبرر لها

_انا مكنتش في وعيي لأني كنت سخنة أوي

تلاعب الشك في قلب امينة حتى تداركته أسيل وصححت قائلة

_بس مكناش لوحدنا، الحارس بتاع المنارة كان موجود، وبعدين انا مش صغيرة واقدر احافظ على نفسي كويس اوي.

ردت امينة بتهكم

_وكنتي هتحافظي على نفسك ازاي بقا وانتي بتقولي مكنتيش في وعيك.

اخفضت أسيل عينيها مما جعل أمينة تهدئ من انفعالها عليها وتقدمت منها لتقول بروية

_يا أسيل انا خايفة عليكِ، واللي بتعمليه ده غلط، حياة الجامعة اللي عيشتيها في ايطاليا غير الحياة هنا

هنا كل خطوة محسوبة عليكي وغلطة زي دي كانت ممكن تضيعك، ايه اللي كان يضمنلك أنه ميغدرش بيكِ وأديكِ بتقولي مكنتيش في وعيك.

نفت أسيل بثقة

_داغر مستحيل يأذيني.

_وعرفتي ازاي، من التلات ايام اللي قضيتهم معاه في البحر وانتي راجعه ولا الاربع ايام اللي خرجتيهم معاه هنا؟

تنهدت بتعب وتابعت بنصح

_يابنتي انا خايفة عليكي الدنيا مبقاش فيها أمان وده شاب حتى لو بيحبك وخايف عليكي ممكن يكون من النوع اللي بيضعف قدام رغباته ووقتها محدش هيجيب لوم عليه

اللوم كله هيكون عليكي.

تعلم جيدًا أنها لن تقتنع بنصحها لذا قالت بلهجة لا تقبل نقاش

_احنا هنرجع القاهرة النهاردة

حاولت أسيل الاعتراض لكن أمينة عارضت بحزم

_مش عايزة اسمع حرف تاني انا قلت هنرجع يبقى نرجع.

استسلمت أسيل لها وغادروا المكان بعد أن بعثت إليه رسالة تخبره بضرورة سفرهم للقاهرة

استمر غيابه عشرون يوماً ذاقت فيهم عذاب الاشتياق ولم يكن حاله افضل من حالها وهو يعد الدقائق حتى يعود لها

عاد والدها من سفره مع زوجته مما جعل أسيل تستاء من وجودها

فقد تزوج ابنة عمه بعد أن طلق والدتها.

دلفت مع والدها وهي تتأبط ذراعه بذلك الكبرياء والشموخ المعروف عنها

والتي تبالغ به في وجودها كأنها تخبرها بأنها هي الاحق به وأن والدتها لم تكن سوى غلطة دفع ثمنها

لذلك تبالغ في ملابسها الباهظة الثمن والعمليات التجميلة التي ذهبت إلى الخارج كي تعود ابنة العشرون عامًا وقد كان لها حقًا ما أرادت.

تقدمت منها وهي تطرق بحذاءها ذو الكعب العالي فيصدر صوت اشمئزت منه أسيل ثم خلعت نظارتها فتظهر تلك الرموش الكثيفة حول عينيها التي تنظر إليها ببغض لم تستطيع ابتسامتها اخفاءه

_ازيك ياأسيل كان نفسي أكون موجودة لما رجعتي بس كنت في امريكا بعمل شوبنج وكنت مستنية بابي ييجي ياخدني.

أومأت أسيل بعينيها ثم تركتها وتقدمت من والدها لتقبله وبادلها هو بفتور كعادته

_حمد لله على السلامة يا بابا.

وقفت شاهي تتطلع إليها وهي تقبل والدها والذي لم يهدئ فتوره معها تلك النيران التي تشتعل كلما وجدتها تقترب من والدها

تلك النسخة المصغرة من ليندا عليها ان تختفي من الوجود

استئذن حسين وهو يقول باقتضاب

_أنا داخل المكتب

تركهم دون ان يضيف كلمة اخرى وانتظرت شاهي حتى دلف وأغلق الباب خلفه فتتقدم من أسيل قائلة بتهكم

_انا قلت هترفضي ترجعي تاني بعد ما نفدتي بجلدك من هنا.

تحلت أسيل بالهدوء والذي تعلم جيدًا كم يستفزها وقالت ببرود

_عادي يا طنط ده بيتي ومسيري هرجعله.

اشعلت غضبها بتلك الكلمة وقالت باحتدام

_انا مش نبهتك كتير متقوليش الكلمة دي؟

واصلت أسيل برودها

_اومال هقولك ايه، فرق السن بينا مش قليل فلازم اندهلك يا طنط

تقدمت منها تمسك ذراعها تهزها بغضب

_انتي قليلة الأدب

وإن كانت ليندا معرفتش تربيكي انا اللي هعملها.

رفعت أسيل حاجبيها بدهشة مصطنعة

_كل ده عشان قولتلك يا طنط؟ مش بدل ما اقولك يا ماما انتي ناسية انك أكبر منها بسنة؟

يعني لوكنتي اتجوزتي في سنها كان زمانك مخلفة أكبر من سليم.

لم تتحمل شاهي حديثها وهمت برفع يدها لصفعها لكن يد أسيل أوقفتها وهي تضغط على معصمها بقوة وتقول بتحذير

_أياكي تكرريها تاني لإني مبقتش أسيل بتاعة زمان.

تركت يدها وصعدت الدرج متجهة لغرفتها ونظرات شاهي الحانقة تكاد تقتلها بحدتها

حقًا لم تعد تلك الفتاة الضعيفة التي كانت تتحكم بها وبمصيرها

عليها ان تكسر شوكتها كي تعود كما كانت وتتخلص منها بأقرب وقت كما تخطط لأخيها.

ألقت نظارتها وتلتها الحقيبة ثم نثرت خصلاتها ودلفت غرفة المكتب وهي تدعي البكاء
_اتفضل يا حسين بيه شوف بنتك واللي عملته فيا؟

رفع حسين نظره من الأوراق أمامه وتقدم منها يسألها بدهشة

_في ايه؟ وايه اللي عمل فيكي كدة؟

تظاهرت بالبكاء وهي تجيبه

_بنتك غلطت فيا وبهدلتني عشان بقولها تكلمني باحترام وبتقول انها مبقتش أسيل بتاعة زمان وكمان عايرتني اني مخلفتش منك.


انزعجت ملامح حسين ولم ينتظر ليسمع المزيد وخرج من مكتبه وهو ينادي عليها

_أسيل.

لم تكاد تصل لغرفتها عندما سمعت صوت والدها الجهوري فعادت لتنظر إليه من أعلى الدرج

_نعم يا بابا.

أشار لها بالنزول

_انزلي.

وجدت شاهي تخرج من غرفة المكتب وهي تنظر إليها بتشفي فعلمت أن الأمر سينتهي مثل كل مرة بالاعتذار لها

نزلت الدرج وتقدمت من والدها وقبل أن تتفوه بكلمة تهاوت صفعة حادة على وجنتها جعلت خصلاتها تتطاير حولها من شدتها

رفعت أسيل عينيها إليه فوجدته يرمقها بغضب وقال بهدر

_لو حياتك في ايطاليا نستك الاحترام يبقى الألم ده يفكر بيه واتفضلي اعتذري لشاهي على إهانتك ليها

كانت شاهي واقفة ترمقها بسخرية وتشفي

يحق لها ذلك إذا كانت تملك مثل ذلك الزوج الذي يراضيها على حساب أولاده

تطلعت إليه تناشد روح الأبوه بداخله وتمتمت بألم لم تستطيع اخفاءه

_بس يا بابا انا مغلطتش فيها هي اللي…….

قاطعها بغضب آمر

_قولتلك اعتذري من سكات.

ادعت شاهي التأثر وقالت بخبث

_خلاص يا حسين انا مسمحاها مفيش داعي للاعتذار

اشعل حديثها وصوتها المنكسر نار الغضب بقلب حسين حتى أنه تناسى تمامًا ان من تقف أمامه ابنته ومن صلبه وقال بحزم لأسيل

_مش هعيد اللي قولته تاني.

أخفضت أسيل عينيها بألم وتعلم جيدًا بأن الأمر لن ينتهي إلا باعتذارها

واهمة إن ظنت لوهلة أن بإمكانها الوقوف أمام تلك المرأة التي تعلم جيدًا كيف تتلاعب على أوتاره

ولم يقدر والدها بأنها لم تعد تلك الفتاة الصغيرة التي ترضخ للذل مقابل أن يتم العفو عنها

شيء بداخلها يدفعها الإعتراض لكن تذكرت حينما فعلتها يوماً وكان عاقبتها ألم تعاني من كسرته حتى الآن.

بأقدام واهنة تقدمت منها أسيل وهي ترمقها بأنكسار وتعترف لها بأنها دائماً الفائزة وتشيد لها بذلك، أغمضت عينيها وتمتمت بصوت واهن

_أنا أسفة.

تظاهرت شاهي بعدم الاستماع لذا سألتها بخبث

_بتقولي حاجة يا سيلا؟

ازدردت جفاف حلقها ربما تزدرد معه ذلك الهوان لكن يبدو أنها ولدت بملعقة الذل بفمها لذا عادت ترددها

_بقولك آسفة.

رغم التشفي الذي ظهر واضحًا بعينيها إلا إنها قالت بلؤم

_هو انا يا أسيل بعمل كدة عشان أخليكي تعتذري! لأ خالص، انا يا حبيبتي عايزة نكون حلوين مع بعض ومنزعجش بابا كل شوية بمشاكلنا، انتِ خلاص كبرتي ومش كل شوية بابي هيعلمك ازاي تكوني ذوق ومهذبة في كلامك مع الناس، أنا وبتحملك إنما غيري مينفعش يتحملك يا قلبي.

اظهرت أسيل أمام والدها بأنها المخطئة الوحيدة ها هنا لذلك جعلت حسين يتابع سخطه

_اتفضلي اطلعي أوضتك ومتنزليش منها إلا لما اسمحلك.

تطلع إلى شاهي وتابع

_تفضل في اوضتها والأكل يدخلها هناك متخرجش لأي سبب، فاهمة.

تظاهرت بالاستسلام وهي تقول برضى مزيف

_حاضر يا حبيبي بس بلاش تزعل نفسك عشان صحتك، يا حبيبي احنا ملناش غيرك.

كان سليم واقفًا أمام باب المنزل يستمع لما يحدث لكنه لم يملك الجرئة للدفاع عنها

لذلك ظل واقفًا مكانه يشاهد في صمت حتى وجد أسيل تصعد الدرج بانكسار آلمه.

لا يملك الجرئة بوجود تلك المرأة، ليس الآن على الأقل..

❈-❈-❈

ظلت أسيل في غرفتها تأبى تناول طعامها رغم محاولات أمينة معها.

فقد لاقت من الذل والانكسار ما جعلها تزهد كل ما حولها

حتى محاولات داغر لها بسماع صوتها والاطمئنان عليها

لكنها لا تريد أن تجيب وهي بتلك الحالة

لا يجب أن يعرف شيئاً مما تمر به

لن تقبل ان ترى نظرة عطف او رئفة بعينيه

لا تريد سوى رؤية الحب بهما وكفى.

ازدادت محاولات داغر بالاتصال عليها كأنه يعلم بما تمر به حتى يأس من ردها.

القى الهاتف على الفراش بجواره ثم نهض وهو يشعر بالضيق لعدم الوصول إليها.

فلم يجد أمامه سوى الهروب إلى أعماق البحر كعادته

توجه إلى الخزانة الصغيرة وإرتدى ملابس خاصة بالغطس لكنها ليست مكتملة ثم خرج إلى سطح السفينة

كان الموج عالياً والسفينة راسية تتراقص على لحن الأمواج العاتية

سقط في المياه مما جذب انتباه زمائلة في الكبينة فقال أحدهم

_داغر ده مجنون ازاي ينزل في مكان زي ده، وكمان مش اخد الادوات الكاملة معاه.

هز الآخر رأسه بيأس منه

_مفيش فايدة فيه كنت عارف انه هيعمل كدة.

امسك الهاتف وقام بالاتصال على كبينة المراقبة.

_نزل كاميرا تتبع للكابتن داغر تحسباً لأي خطر، ولو في اي حاجة كلمني فوراً.

❈-❈-❈

شعر داغر بالضيق عندما لمح كاميرا تتبع تسقط في المياه خلفه لكنه لم يعيرها اي أهتمام

يعلم جيدًا بأن يحيى زميله من فعلها كي يكون مطمئن عليه.

اخذ يغوص ويتعمق أكثر يريد أن يشغل تفكيره عنها قليلًا لكن يبد أن لا فائدة

فقدت استعمرت كل كيانه ولن يستطيع شيء ابعاد تفكيره عنها

ظل يتعمق أكثر دون أن يشعر حتى ابتعد أمتار عديدة

وحينها وجد أمامه هوة سحيقة في القاع

تطلع لسطح المياه فوجد أنه تعمق كثيرًا

رسى على مشارف تلك الهوة وأخرج الكاشف المضيء ليستكشفها فيجدها تشبه حفرة واسعة.

فكر في النزول إليها واستكشافها لكن تلك تعد مخاطرة قصوى

فكر في التراجع لكن روح المغامرة جعلته يفكر في المجازفة تلك.

تطلع إلى مؤشر الأكسجين فوجد أنه من الممكن ألا يتحمل كما أن الكاميرا المراقبة له لن تستطيع التصوير جيدًا داخل تلك الهوة.

لكنه قرر استكشاف المكان ولن يتراجع

نزل للأسفل وقد كان الظلام هو سيد الموقف والكاشف الضوئي يساعد بالقليل

اخذ يتعمق أكثر حتى لاحظ اعمدة تبدو أنها لسفينة

تعمق أكثر فبدأت تظهر أمامه سفينة قديمة غارقة في تلك الهوة

كانت اضاءت الكاشف محددة فلم يستطع تبينها جيدًا

لذا توقف وأخذ يمرر الكاشف على المكان فيرى أنها كبيرة وقد مر عليها عقود وقد كستها الطحالب البحرية فلم تظهر أمامه سوى هيكل لسفينة

تقدم منها أكثر وولج داخلها فيجد بها أسلحة قديمة وصناديق لا عدد لها

كانت بها غرف قليلة وكأنها مخازن لتلك الصناديق.

فتح أحد الصناديق الموضوعة جانبًا فوجد أنها مغلقة بإحكام

تلفت حوله يبحث عن شيء يساعده في فتحها

حتى سقطت عينيه على شيء يشبه الرمح مخصص للصيد

أخذه وقام بفتح الصندوق به، وبعد محاولات كثيرة فتح معه

رفع الغطاء وأسنده على الحائط خلفه

فوجد به اسلحة قديمة قد عفى عليها الزمن، يبدو أنها لأحد القراصنة القدامى

تركه وفتح الآخر وجد بداخله عملات ذهبية تعود لدولة إسبانيا قديمًا

أغلق الصندق وتطلع حوله فيجد حقيبة صغيرة معلقة على أحد الجدران.

تقدم منها وقام بفتحها فيجد بها صندوق صغير يحتوي على بوصلة ذهبية مرصعة بأحجار كريمة.

ابتسم عندما تخيل حبيبته أمامه ويهديها إياها.

انتبه فجأة لحركة قوية خلفه جعلته يستدير مسرعًا كي يعرف ماهيتها…

❈-❈-❈

في غرفة أسيل

طرق بابها فظنت انها أمينة فسمحت لها بالدخول

_ادخلي يا دادة.

انفتح الباب ودلف سليم بملامح جامدة عكس ما بداخله من تعاطف تجاهها

فقد تعود ان يكون حاد في تعامله كوالده

_سليم؟

اندهشت أسيل فور رؤيته وخاصة عندما تحدث

_مشفتكيش من امبارح مع إننا في بيت واحد، قلت تكوني تعبتي تاني.

تعجبت أسيل فهذه تعد المرة الاولي الذي يظهر اهتمام بها فقالت بنفي

_لا انا كويسة بس انت بترجع متأخر بكون نمت.

اومأ لها على نفس فتوره ثم خرج من الغرفة

توقف عندما نادته

_سليم.

التفت إليها يسألها بعينيه فقالت بعد تردد

_عايزة اسافر اسكندرية.

قطب جبينه مندهشًا من تعلقها بذلك المكان

_انتي مش لسة راجعة من قريب؟

ازدردت لعابها بصعوبة وقالت بتلعثم

_اه.. بس…

سألها بحيرة عندما توقفت

_بس ايه؟

رفعت بصرها إليه وتمتمت برجاء

_أرجوك يا سليم أنا مش متحملة اقعد في مكان واحد مع الست دي خليني اسافر يومين لحد ما اتأقلم على الحياة معها

تفاهم سليم مع حالتها لكنه تحدث برتابة

_بس ده أمر واقع ولازم هتعشيه، لو اصريتي على الهرب منه هتتعبي أكتر.

فركت يديها ببعضها وتمتمت برهبة

_معلش ريحني واقنع بابا إني اسافر يومين مع دادة.

اومأ لها بصمت ثم خرج من الغرفة.

❈-❈-❈

انقبض قلبه عندما استمع لصوت خلفه فالتفت مسرعًا ليجد أحد الأسماك التي سقط عليها باب الصندق والذي تنسى أن يغلقه

فتقدم منه ليحررها ثم أعاد غلقه حتى يبلغ السفارة الإسبانية بذلك.

تطلع للمؤشر الذي إنخفض كثيرًا وأوشك على النفاذ.

فاكتفى حتى الآن وقرر العودة للباخرة قبل أن ينفذ تمامًا

وأثناء خروجه من تلك الهوة سقطت الحقيبة من يده

حاول الوصول إليها قبل أن تسقط لكنها كانت ثقيلة بالقدر الذي جعلها تسبقه لتسقط داخل السفينة

أخذ المؤشر يصدر صوت تنبيها للنفاذ لكنه لم يبالي وعاد إلى السفينة ليصل للحقيبة لن يترك شيء وهبه لها

فقام بالمجازفة بحياته وعاد إلى السفينة

حتى انتهى الأكسجين تمامًا

تحامل على نفسه ووصل للحقيبة ثم قام بوضعها حول عنقه وخرج مسرعًا منها

لكن أعاقه تعلق الجهاز في أحد الأسياخ الجانبية في السفينة فحاول تخليصها لكن حاجته للهواء جعلت قوته واهنة

تطلع إلى أول الحفرة فوقه فشعر بها بعيدة بالقدر الذي لن يجعله يصل إليها دون أكسجين.

لم يجد حل سوى نزع الجهاز عنه والصعود للأعلى بأسرع وقت.

لكن بدأت عضلات قدمه بالتشنج فأصبحت حركته ضعيفة لاعتماده على قدم واحدة ولن يستطيع الوصول

ظل يعافر كي يخرج من الحفرة ويصل للكاميرا فينجده أصحابه لكن تشنجت قدمه الأخرى مما جعله يحمل على ذراعيه أكثر.

عليه أن ينجو ليس لأجله بل لأجلها

لن يكون سبباً في إحزانها بعد أن أقسم ألا تعرف الدموع إلى عينيها سبيلاً.

ظل يعافر وقد شعر بذراعيه تكاد تقتلع من شدة ضغط المياه عليها لكن لأجلها سيفعل المستحيل

بدأ الهواء ينفذ من رئتيه حتى أصبح على وشك الإغماء لكن لن يستسلم بتلك السهولة

هو وعدها بالعودة إليها وعليه أن يعود بهدية أخرى، وقد كانت تستحق أن يجازف لأجلها

فهي بوصلته التي مهما تاه وفرقهم الزمان عليها ان تعرف أن لا ملجأ لها سوى عشقهما

هي روحه التي حررتها من أسرها وجعلتها تهفو بنسائم عشق أذابته

لكن يبدو أنه اسرع دون أن يدري وبدأ يشعر بتنمل في ذراعه وكتفه الأيسر ونغزة حادة في صدره

بدأ عذاب وألم وعندها تشنج كامل جسده من شدة الضغط عليه وأعلن عن حاجته للتنفس وحينها توقف عن الحركة مستسلماً لمصيره

وكانت صورتها آخر ما رآه، وتساءل قبل أن يفقد وعيه

كيف سيكون وقع ذلك الخبر عليها؟

❈-❈-❈

دلف سليم المكتب مع والده كي ينهوا اعمالهم بشأن الفرع الجديد الذي يريدون تاسيسه في الخارج

وبدأوا الانشغال به

طرق الباب ودلفت العاملة وهي تحمل القهوة

وسليم يحاول بشتى الطرق عدم النظر إليها رغم صعوبة الأمر

وهي أيضًا تظاهرت بالثبات وهي تضع القهوة أمامه لكن عذابها هي أشد وأقوى

هو يستطيع السيطرة على مشاعره وثباته كما عوده والده بألا يكون عبدًا لعواطفه وأن يكون هو المتحكم وليس هي

عكس تلك الرقيقة التي تخرجت من الملجئ وعملت عنده مجرد خادمة

تهادت القلوب وتآلفت لكن دون وعود ولا أحلام واهمة

بل كان صريحًا معها من البداية” أحبك لكن لا أمل لمستقبل يجمعنا “

وعندما سألته لما قولتها إذًا

أجابها بذلك الهدوء القا.تل كي لا أكون حرمت قلبي من قولها

ومن وقتها وكل واحدٍ منهم يتظاهر بالثبات

ونيران الشوق تشتعل بداخلهم.

خرجت وخرجت روحه معها فروحه الخائنة لا تجتمع به إلا بوجودها

يتعذب ويشعر بالألم كلما تنفس الهواء التي تتنفسه في مكان واحد لذا يفضل دائمًا الهرب بعيدًا عن دائرتها

بذهن مشتت واصل عمله مع والده وتحتم عليه أن يكون منتبهًا معه

عليه أن يبعدها عنه كي يحميها من بطش والده

بعد الانتهاء تطلع سليم إليه قائلاً

_أنا عايز ابعت أسيل بكرة اسكندرية تقعد يومين هناك مع دادة أمينة

رد حسين باقتضاب دون ان يرفع وجهه عن الاوراق

_لأ.

_انا مش شايف سبب للرفض الفيلا هناك متأمنة كويس وهخلي عادل يكون معاهم

خلع حسين نظارته الطبية وتطلع لسليم قائلاً بجمود

_أسيل لازم تكون تحت عنينا لأن من صغرها وطبعها عاطفي، مقدرتش ازرع جواها اللي زرعته فيك بإن المشاعر ملهاش وجود في حياتنا يعني سهل أوي يضحك عليها

أوعى تفتكر إن حياتها في ايطاليا كانت بعيدة عن عيني، انا كنت متابع كل حركة وكل نفس بتتنفسه وهي كانت ملاحظة حاجة زي دي وعشان كدة هي كانت ماشية جانب الحيط بس لو حست إنها بحريتها هتنطلق فيها ووقتها الغلط هيكون مباح

يعلم سليم جيدًا بأنها نظرية خاطئة وإن ترك جزء بسيط من الحرية سيحاول الانسان بكل الطرق الحفاظ عليها

لكن ذلك السجن سيجعل الإنسان يحارب بكل الطرق كل ينول قسطًا منها

_بس دادة أمينة هي اللي مربياها واكيد هتخاف عليها زينا وكمان هخلي عادل عينه عليهم مش شايف أي سبب للرفض.

وافق حسين على مضد ليس لأنه وافق على الفكرة لكنه وافق فقط كي لا يرفض قرار سليم

فقد عوده من صغره ان يكون ذا كلمة تسمع وقرار يتبع كي يجعله بذلك الجمود

ولا يعرف شيئاً عن ذلك القلب المتخفي بنبضاته العاشقة.

ظلت أسيل حبيسة غرفتها لا تخرج منها حتى الطعام يأتي إليها

طرق الباب ودلف سليم بملامحه الواجمة وتمتم بجمود

_جاهزة بكرة الصبح للسفر ولا خليها آخر النهار.

لم تصدق أسيل ما أخبرها به سليم لذا سألته

_تقصد اسكندرية

أومأ لها فنهضت مسرعة وهو ترد بفرحة

_من دلوقت لو عايز.

انفلتت ابتسامة خافتة من اسرها على فمه ورد باقتضاب

_خليها بالنهار افضل عشان مقلقش عليكي، إن احتاجتي حاجة كلميني على طول.

اومأت له فخرج هو دون ان يضيف كلمة أخرى

❈-❈-❈

عاد إلى غرفته وخلع سترته ملقيًا إليها على المقعد أمامه ثم تلاها رابطة العنق والزرار الأعلى كأنه يشعر بالاختناق

ولما لا وكل شيء حوله يشعره بذلك وتلك القيود التي كلما كبر كلما أشتد وثاقها عليه

حتى عندما دق قلبه اختار المستحيل ليركض خلفه

فتح باب شرفته ليأخذ نفس عميق ربما يخفف من حدة الأختناق لكن مرت من امامه سارقة الأنفاس

تلك الفتاة التي صدمت به عندما كانت تهرب من ذلك الرجل الذي كان يطاردها لأنها لم تستطيع دفع أجرة السيارة التي نقلتها إلى فيلاتهم للعمل بها

تذكر كيف تحامت به ووقفت خلفه عندما دلف خلفها الرجل

فلاش باك

سار سليم في حديقة المنزل في يوم عطلته يستمتع بالسير بها وفي ذلك الوقت المبكر

حتى انه سمح للأمن بأخذ أجازتهم أيضًا كي يغلق البوابة الحديدية ويستمتع بذلك الهدوء وخاصة بعد انصراف أبيه وزوجته

تفاجئ بفتاة تدلف مسرعة من البوابة وتختبئ خلف أحد الأعمدة

قطب جبينه بحيرة وهم بسؤالها لكنه تفاجئ برجل يدلف خلفها يبحث عنها

فقال سليم بحدة

_في ايه؟

انتبهت الفتاة لوجوده وظنته عاملًا به فأسرعت تتحامى به وهي تقول برجاء

_الحقني ياخويا بسرعة الراجل ده عايز يسرقني.

_أخويا

ردد اللقب بتعجب وقد ازداد الامر عندما تقدم الرجل منهم وهو يقول بانفعال

_تعالي يا حرامية انتي فاكرة ان في حد هيخلصك مني.

تدارت الفتاة خلفه وهم الرجل بجذبها لكن سليم منع يده للوصول إليها وقال بلهجة حازمة

_أبعد ايدك.

كانت لهجته هادئة لكنها حازمة جعلت الرجل يتراجع وغمغم بامتعاض

_دي بنت حرمية ركبت معايا من حدايق القبة لحد هنا بعشرين جنية.

تطلع سليم للفتاة خلفه وسألها

_صحيح الكلام ده؟

هزت كتفيها باستسلام فعاد بنظره للرجل وهو يخرج بعض الأموال من جيبه ومده لهم تحت نظرات الفتاة المنبهرة بالمبلغ الذي اخده الرجل

_من ايد ما نعدمهاش يا باشا، تؤمر بحاجة؟

لم يرد عليه سليم فانسحب الرجل وهو يعد المبلغ بيده حتى خرج من المكان.

استدار سليم لينظر إليها فوجد فتاة بسيطة تدل ملابسها انها تعيش حياة بائسة حقاً

لكنها جميلة، بل اكثر من ذلك

فسألها

_وانتي مش هتمشي؟

ارتبكت الفتاة وردت بتلعثم

_مـ…ـش لما…اعرف الأول انت اديت كام للسواق؟

قطب جبينه بحيرة وسألها

_ليه؟

ردت مسرعة

_عشان اردلك الفلوس انت اكيد بتشقى بيها في البيت الكبير ده

رفع حاجبه بدهشة من وقاحتها وهم بالرد عليها لولا صوت شهد

_وعد..

التفت كلاهما لشهد التي تقدمت منهم بإحراج وقد باد عليهم انها سمعت جملتها الأخيرة فقالت بأسف لسليم

_انا أسفة أوي يا سليم بيه أصلها متعرفش حضرتك

جذبتها من ذراعها تدفعها أمامها وهي تقول بغيظ

_هتودينا في داهية منك لله.

باك

ابتسم سليم لتلك الذكرى لكن ابتسامته لم تلبس ولو قليلاً واختفت

ظلت عينيه تراقبها وهي تجلس وحيدة في حديقة المنزل وتمسح بيدها دموعها بين الحين والآخر

❈-❈-❈

في مكان آخر

ظل الرجل يزرع الغرفة ذهابًا وإيابًا بقلق بالغ حتى طرق الباب ودلف المحامي الخاص به

_ايه يا توفيق بقالي ساعة مستنيك.

وضع الرجل حقيبته على الطاولة أمامه وقال بانفعال وهو يجلس على المقعد

_بحاول ادور على اي ثغرة تخرج ابنك من المصيبة دي.

جلس حامد قبالته وسأله بقلق

_يعني ايه؟

_يعني الولد رافض يعترف على نفسه رغم المبلغ الكبير اللي اتعرض عليه

والمصيبة الكبرى ان المستشار اللي ماسك القضية نزيه مش بيقبل أي رشاوي يعني سكتنا مقفولة.

ظهر الخوف واضحًا عليه

_والعمل؟ لازم تشوف أي سكة للراجل ده.

رد المحامي بخبث

_ما هو ده بقا اللي جاي عشانه.

قطب الرجل جبينه بحيرة فيضيف المحامي

_خطة هتخلي المستشار ده ييجي يبوس على ادينا مش بس يلبس الولد ده القضية.

………….

اغلق خليل الملف أمامه ثم عاد بظهره للوراء وهو يتنهد بتعب

فتلك القضية معقدة حقًا

فذلك الشاب ينفي التهمة وهو بخبرته يستطيع معرفة إذا كان صادقاً أم لا

الجلسة القادمة ستكون الأخيرة وسيعمل بكل الطرق على اظهار الحقيقة

ضغط على الزر فيدخل السكرتير الخاص به

_اؤمر يا فندم

قدم الملف له وهو يقول

_اعملي نسخة من الملف ده وهاته فورًا

أخذ السكرتير الملف وذهب ليطبع النسخة أم شعر بالتعب وقرر الانصراف والعودة للمنزل

عاد خليل إلى المنزل فوجد فتاة في العشرين من عمرها تنتظر أمام البوابة الداخلية

تقدم منها ليسألها عن سبب وقفتها لكنها بدأت هي

_حضرتك خليل بيه.

رد خليل متعجبًا

_ايوة يا بنتي خير؟

فركت الفتاة يدها بتوتر وقالت

_أصل انا جاية تبع مكتب “مديرة منزل” كنت جنابك كلمتهم عشان عايز شغالة.

تذكر خليل ذلك الأمر

_اه اه افتكرت ادخلي جوه عند أم وجيه وهي اللي هتعرفك شغلك هيكون ازاي.

أومأت الفتاة ودلفت خلفه ثم أشار لها باتجاه المطبخ.
أغمض عينيه مستسلماً واخر ما رأته عيناه فريق الانقاذ الذي قفز مسرعًا يتقدم منه قبل أن يستسلم لذلك الالم الذي ذبح صدره.

اصوات صاخبة من حوله تنادي باسمه ودقات قلب غير رتيبة وتنفس يمزع رئتيه

ثم انتهى كل شيء من حوله

مر وقت لم يعرف كم ولا أين هو

فقط يرمش بعينيه قبل ان يفتحها وهو يشعر بألم شديد في صدره


حاول تحريك يديه لكن يد أخرى منعته

_متحركش ايدك.

تطلع بوهن لصاحب الصوت والذي لم يكن سوى يحيى أغمض عينيه بألم شديد ووضع يده موضع الألم وهو يتمتم بوهن

_حاسس بألم شديد أوي في صدري.

ربت يحيى على يده

_الحمد لله عدت على خير المهم إنك كويس دلوقت، انا مرضتش اتصل على عمك عشان ميقلقش.

حاول داغر النهوض لكن يحيى منعه

_يا ابني بلاش تتحرك الحركة غلط عليك.

عاد لوضعه وقد لاحظ أنه ليس بالسفينة

_أنا فين؟

رد يحيى بصبو

_إنت في المستشفى، حالتك كانت صعبة أوي ونقلناك على مستشفى في مدريد بس الحمد لله الدكتور طمنا وبقيت أحسن.

ردد الاسم قائلاً

_مدريد! ليه هو ايه اللي وصلني لي كدة؟

رفع يحيى حاجبيه مندهشاً

_انت بتسأل؟ يا ابني انت كنت نازل البحر زي اللي نازل ترعة ولولا الكاميرا اللي كانت مرقباك كان زمانك خلصت فيها من غير ما نحس.

تذكر داغر ما حدث معه وأولهم الحقيبة فقال مسرعًا وهو يتحسس موضعها

_كان في شنطة….

قاطعه يحيى

_موجودة متقلقش، لما خرجناك من المياه كنت داخل على ذبحة صدرية ولولا الدكتور كان معانا واسعفك كان زمانا بنصلي عليك والشنطة جبتها معايا في الشنط بتاعتنا لأن كان لازم ننقلك مستشفى.

أومأ له داغر وتمتم بضعف

_متشكر أوي.

ربت يحيى على كتفه وقال بصدق

_متقولش كدة احنا اخوات، ارتاح شوية ولما تفوق كلم عمك..غمز بعينيه….وأسيل عشان ميقلقوش عليك.

ابتسم داغر على مزاحه وسأله

_انا بقالي هنا اد ايه؟

_يومين بس بصراحة عايزك تطول على اد ما تقدر البنات هنا ايه…عض على شفته وهو يقول بمزاح….مزز يا داغر يا اخويا.

تألم داغر من الضحك وقال

_شكلي في مرة هسجلك وابعته لدينا خليها تنفخك.

_لا دينا دي بؤ على الفاضي

المهم نام شوية وانا كمان ارتاح لأني منمتش من وقت اللي حصل.

أشار للفون بجانبه

_الفون جانبك لو احتاجت أي حاجة كلمني.

اومأ داغر وخرج يحيى مغلقاً الباب خلفه

تطلع إلى الهاتف وفكر بالاتصال بها، لكنه اكتفى بإرسال رسالة يطمئنها فيها كي لا تسمع صوته المتعب وتقلق عليه.

❈-❈-❈

في اليوم التالي

محاولات كثيرة منها كي تصل إليه لكن لا فائدة، فقط رسالة مقتصرة فقط

هل غضب منها لأنها لم ترد عليه ولهذا يعاقبها؟

فقد مر يومين ولم يحاول الاتصال بها وترك هاتفه قيد الإغلاق.

أجلت سفرها لحين عودته وتحملت تلك الغرفة التي حكم عليها بالحبس داخل جدرانها.

لا تريد أن تذهب إلى هناك دونه.

دلفت أمينة الغرفة فتجدها منزوية في فراشها بصمت

تقدمت منها تسألها

_هتفضلي كدة كتير؟

ردت دون النظر إليها

_عايزاني اعمل ايه؟

_مش كنتي بتقولي عايزة أسافر اسكندرية وسليم وافق؟ ايه اللي خلاكي غيرتي رأيك؟

ردت أسيل بقلق

_مش عارفة داغر ليه فونه مقفول، وقلبي شاغلني عليه.

تنهدت أمينة بيأس منها وقالت

_أنا مش عارفة جبتي التهور ده منين، دا انا كنت بحاول اقنعك يكون ليكِ أصحاب وانتِ اللي تقولي لأ وتخافي، ليه قلبك جمد مرة واحدة كدة.

اعتدلت في رقدتها وقالت بحزن

_مجمدش ولا حاجة بس انا فعلاً مبقتش قادرة اتحمل الحياة دي، تعبت من الوحدة والخوف اللي عايشة فيهم.

_عايزة تفهميني إن ده السبب الوحيد؟

تنهدت بتعب وهي تقول

_لأ مش ده السبب، السبب الأساسي هو إني

حبيته يا دادة، كل يوم بيعدي بيخليني اتعلق بيه عن اللي قبله، مستعدة ارمي نفسي في النار عشانه، هو الوحيد اللي حسسني بحبه واهتمامه حتى لما بيبعد عني بحس باهتمامه برضه…تطلعت إلى أمينة وتابعت…..داغر يستحق فعلاً إني أجازف عشانه.

_طيب انا معاكي في كل ده، بس ليه مفكرش يتقدملك؟

قطبت جبينها بدهشة

_بالسرعة دي؟ احنا حتى لسة بنتعرف.

ردت أمينة بعقل

_طالما في حب وفيه قبول ايه اللي يمنع؟

_مش عارفة بس انا مينفعش اكلمه في حاجة زي دي.

_انا مش بقولك كلميه بس برضه لازم يكون في حدود للعلاقة دي ومتستمرش اكتر من كدة.

أومأت أسيل بتفاهم

_عندك حق.

_هروح اجيب الغدا ونتغدى انا وانتِ.

اومأت لها وخرجت أمينة لتعود أسيل لانزوائها الذي لم يدوم طويلاً عندما فتح الباب ودخلت شاهي ناظرة إليها بتشفي

_ازيك يا سيلا.

قلبت أسيل عينيها بضجر واعتدلت في فراشها قائلة

_الله يسلمك، خير.

رفعت شاهي حاجبيها وهي تتقدم منها وصوت حذاءها العالي يكاد يصيب أسيل بالصم

_كل خير يا حبيبتي اطمني، أنا بس جاية اطمن عليكِ وبالمرة اعرف منك عملتي ايه مع حبيب القلب.

قطبت جبينها بدهشة وسألتها بتوجس

_حبيب قلب مين اللي بتتكلمي عنه ده؟

رمقتها بسخرية وهي تميل عليها لتقرب وجهها من وجه أسيل وقالت بشر

_أوعى تكوني فاكرة إني نايمة على وداني ومش مراقبة كل تحركاتك ولا اليومين اللي عيشتيهم معاه على السفينة أو…..

التزمت الصمت قليلًا كي تتلاعب بها ثم قالت بمراوغة

_أو مجيه هنا قدام البيت يستناكي تحني عليه وتطلعيله.

انقبض قلب أسيل وظهر الخوف واضحًا عليها لكن شاهي طمئنتها قائلة

_انا كل ده ميهمنيش ولا هستفاد حاجة لو قلت لأبوكِ، كل اللي عوزاة تبعدي عن البيت ده لأنه من حقي أنا لوحدي.

البيت ده كان ملك لأبويا وحتى الشركة بس جدك ضحك عليه وخسره كل حاجة ويادوب سابله اسهم بسيطة في شركته بعد ما أخد كل حاجة

تابعت من بين أسنانها

_بس أنا رفضت استسلم زي أخويا ما عمل ووقفت وحاربت لحد ما خليته يطلق امك ويتجوزني …رفعت حاجبيها وهي تسألها بخبث…

عارفة عملت ايه؟

كانت اسيل تستمع إليها بصدمة وخاصة عندما تابعت

_مضيته من غير ما يحس على تنازل عن الشركة وسجلتها باسمي مظنش ينفع اخد أكتر من كدة لأنه وقتها هيحس أنه خسر كل حاجة وممكن وقتها يقتـ.ـلني فكان لازم أسيب حاجة يخاف عليها وكله هيرجع بالتراضي وأولهم إني اضغط عليه بالشركة وإنه يكون تحت أمري.

ازدردت أسيل لعابها بخوف من تلك المرأة وسألتها

_ليه جاية تقولي ليا الكلام ده؟

عادت شاهي لهدوءها وهي تعتدل قائلة

_لأنك عمرك ما كنتي تهديد ليا غير بالشبه اللي بينك وبين أمك، وصراحة مش عايزة غير أنكم تخرجوا من حياته عشان ميكنش له ضهر يتسند عليه، افهمي اللي بين السطور ووقتها هتلاقيني أول واحدة بدعمك.

خرجت من الغرفة صافقة الباب خلفها بعنف

تاركة أسيل في صدمة كبيرة.

❈-❈-❈

دلف داغر الغرفة بمساعدة يحيى وقد أصر على ترك المشفى بعد ان طمئنه الطبيب

استلقى على الفراش بتعب وقال يحيى

_يا ابني كنت استنيت يومين كمان اتأكدنا أكتر.

رد داغر بملل

_مش بحب جو المستشفيات ده لو فضلت كنت هتعب أكتر، وبعدين لازم اتصل على عمي واطمنه زمانه قلقان عليا.

_عمك برضه؟ ماشي يا سيدي انا هسيبك شوية لحد ما تطمن عمك وراجعلك.

سأله داغر

_المهم عملت اللي قولتلك عليه؟

_اه بلغتهم زي ما قولتلي وحددتلهم المكان حتى عرفتهم انك انت اللي اكتشفتها.

اومأ له

ثم خرج يحيى واتصل على عمه يطمئنه

_ازيك يا عمي.

رد خليل باستنكار

_يادوبك افتكرت ان لك عم تسأل عليه قافل الفون ليه؟

حاول داغر ان يبدو صوته ثابتًا

_مكنش مقفول ولا حاجة بس كنت مشغول، وبعدين مالك داخل عليا بالحامي كدة يا سيادة المستشار.

_أصلك كنت بتقرفني كل يوم باتصالك( تابع متهكماً) عامل ايه؟ وصحتك اخبارها ايه؟ والوش ده كله فلما تغيب كدة يبقى البنت اخدتك مني

_لاا بقولك ايه يا كبير مش من اولها هنبدأها شغل حموات اهدي كدة لأني بفكر الأجازة الجاية هخليك تخطبهالي.

_أخطبها ازاي وانا معرفش شكلها لحد دلوقت، وبعدين ليه حاسس من كلامك انكم هتعيشوا معايا؟

_اومال ايه يا كبير هسافر واسيبها لوحدها متخافش انا على قلبك ومش هتعرف تخلص مني.

_معنى كدة انك برضه هتمشورني وراك من القاهرة لاسكندرية.

انتبه داغر لقول عمه

والذي لم ينتبه له من قبل

فعمه بحكم عمله يبقى بالقاهرة ولا يذهب للإسكندرية إلا وقت أجازته والتي تماثل اجازة داغر

ماذا سيفعل بعد الزواج

هو لا يحب حياة القاهرة ويفضل العيشة بجوار البحر

ولن يستطيع تركها وحيدة اثناء غيابه هو وعمه.

_داغر انت روحت فين؟

انتبه لصوت عمه

_معاك يا عمي بس بصراحة مفكرتش في حاجة زي دي.

تحدث خليل بحكمة

_لا يا داغر لازم تفكر في كل كبيرة وصغيرة في موضوع الجواز بالذات، وخصوصاً انك بتغيب فترة طويلة ومش هتفضل مطلع عينها زيي من هنا لهنا.

تنهد داغر ورد بتيهة

_هتكلم معها في الموضوع ده وهنشوف حل.

أغلق داغر الهاتف وظل ينظر للأفق البعيد أمامه يفكر في ظروف عمله

فهو يتطلب منه السفر دائمًا وربما مع الوقت لن تقبل بتلك الحياة

وهو أيضاً لن يوافق على غيره بديلًا

لابد ان يتناقش معها في هذا الأمر لكن ليس الآن

عليه ان يتأكد من مشاعرها تجاهه أولًا

أغلق مع عمه ثم اتصل عليها

لم تصدق أسيل عينيها وهي ترى اتصاله

دلفت المرحاض كي تغسل وجهها كي لا يلاحظ عليها شيء

ثم عادت إلى الهاتف لتجيب عليه، تريد أن تشعر بالحب والأمان الذي تفتقده ويستطيع هو ببراعة أن يعوضها عن فقدانه

ظهر على الشاشة أمامها فتتبدل ملامحه المندهشة حينما رآى عيونها الذابلة وسألها بقلق

_حبيبتي انتي كويسة؟

حاولت أسيل التظاهر بالابتسام كي لا يشك بشيء

_امم كويسة بس كنت نايمة.

لم يصدق داغر لكنه لا يريد الضغط عليها، هي دائمًا شديدة الحرص من ان يعرف شيئاً عن حياتها داخل منزلها لذلك تركها كما تريد

فقال بشغف

_وحشتيني أوي.

حاولت التجاوب معه فترد بابتسامة لم تخفي مدى حزنها

_وانت كمان يا داغر وحشتني أوي.

_هانت يا عمري بكرة هكون في اسكندرية

اندهشت أسيل وسألته بشك

_بس انت قولتلي إن السفرية دي ١٥يوم.

داغر انت كويس؟

ابتسم يطمئنها

_اه كويس متقلقيش، دور برد مش أكتر.

لم يرتاح قلبها لكنها طمئنت نفسها بأنها ستراه غدًا فقال داغر

_استنيني بكرة في المينا عايز اشوفك أول ما أوصل.

_هحاول.

المهم نزلت البحر؟

استلقى داغر على فراشه ورد بحبور

_أكيد.

_وطلعت بأيه؟

لاوع داغر

_مش هتكون ببلاش لأنها المرة دي تقيلة أوي.

زمت فمها بغيظ

_يعني هتاخد مني مقابل.

أكد داغر بثقة

_اه طبعًا الأولى كانت ربط اتفاقية بس بعد كدة هيكون بمقابل.

_وأيه هيكون المقابل؟

غمز لها داغر وهو يقول بمكر

_ انا مش هطمع، يعني حضن ماشي بوسة….

قاطعته أسيل بغلق الهاتف في وجهه مما جعله يضحك على فعلتها

أعاد الاتصال بها لكنها لم تجيبه

فقام بارسال رسالة لها

“ايه يا قلبي قفلتي ليه؟”

فتحت الرسالة لتقرأ محتواها ثم ردت

“هتقول كلام من ده هقفل ومش هكلمك تاني”

“ايه اللي قولته يزعلك يا قمري”

“شوف انت قولت ايه”

“مش فاكر الصراحة بس ممكن تفكريني عادي، أصل أنا من وقت ما عرفتك وبقيت بنسى انا مين، يلا بقا عرفيني انا قلت ايه”

أغلقت أسيل الهاتف وألقته على الفراش

فلن تستطيع مجابهة ذلك الملاوع

تنهدت أسيل براحة ثم نظرت للهاتف بغيظ وقامت بغلقه مرة اخرى

لم يكف عن ذلك وظل يتصل حتى أجابته

_وبعدين معاك لما اكنسل أفهم إن في حد معايا.

_وانتي متعلقنيش بيكي والاخر تقفلي.

_اقفل ايه؟ داغر احنا يعتبر بنشوف بعض طول الوقت وصلت انك بتكلمني وانت في قلب المايه.

_مش انتي اللي طلبتي تشوفي البحر وقت العاصفة؟

تذكرت أسيل ذلك الوقت وكم شعرت بالخوف عليه وهو يحدثها من بين تلك الامواج العاتية وقالت برجاء

_أرجوك يا داغر بلاش تعمل كدة تاني، انا كنت هموت من القلق عليك.

تذكر ما حدث له وكيف كان على وشك الموت وتمتم بوله

_متخافيش يا عمري وبعدين بيقولك عمر الشقي بقي ولا بيقولوها ازاي.

انقبض قلبها خوفًا وقالت باندفاع

_بعد الشر عليك انت لو جرالك حاجة ممكن اموت فيها.

ابتسم داغر بحب

_اطمني متخافيش عليا وبعدين متحسسنيش إني عيل صغير.

_محسسني إن عندك خمسين سنة.

_انا فعلا مش صغير، تقدري تقولي كدة٣٣ سنة.

استندت بمرفقها على الوسادة وقالت بحيرة

_تصدق مكنتش اعرف عمرك اد ايه ولا فكرت اسألك…. ابتسمت بحزن وتابعت…… يمكن لأن العمر بالنسبالي بيتعد باللحظات السعيدة.

لم يحتاج داغر لفطنة كي يعرف مدى المعاناة التي عاشتها حبيبته في حياتها واقسم لنفسه في تلك اللحظة أن يعوضها عن كل ذلك

فقال بولع

_يبقى كدة نحسب عمرنا من الساعة اللي اتقابلنا فيها لأن السعادة معرفتش طريقها لقلبي الا وقت ما شوفتك واقفة على سور السفينة

متعرفيش انتي لفتي نظري اد ايه.

رمشت بأهدابها من لوعة كلماته التي خطفت قلبها وخاصة عندما تابع بكل ما يحمله من عشق

_أسيل أنا بحبك، من وقت ما دخلتي حياتي وانا حاسس إن بقى ليها معنى، الأجازة بالنسبة ليا مكنش ليها دافع، والشخص الوحيد اللي كان بيجبرني ارجع عشانه هو عمي، إنما دلوقت مبقتش عايز أسافر ولا أبعد عنك لحظة واحدة.

دق قلبها بعنف اثر تلك النسائم التي هبت من هاتفها حتى شعرت بأنها داخل حلم جميل لا تريد الاستيقاظ منه

_أسيل انتي معايا؟

لم تريد أسيل سماع المزيد يكفى اثر تلك الكلمات على قلبها البض فلن يتحمل سماع المزيد من شهد ذلك العشق

أغلقت الهاتف ووضعته تحت الوسادة واستلقت على الفراش

❈-❈-❈

سافرت أسيل إلى الإسكندرية كما طلب منها

وقد تركها حسين بعد تعليمات صارمة أجبرها عليها

لم تجعل فرحتها تبالي به كل ما يهمها أنها ستذهب إليه ليعوضها عن تلك القسوة التي تعيشها في هذا المنزل

ترجل داغر من السفينة وقد ظهر الوجوم واضحًا عليه

فمنذ الأمس ولم تجيب اتصاله

بعث إليها رسالة يخبرها بموعد عودته لكنها شاهدتها دون أن تجيبه

ماذا حدث جعلها ترفض محادثته

توقفت قدماه على بوابة الميناء عندما وقع نظره عليها وهي مستندة بظهرها على سيارته بملابسها التي لا تتغير

بنطال وبلوزة صوفية لكنها تلك المرة أضافت القلنسوة الخاصة به والتي اهداها لها على اليخت.

وأخفت عينيها الآسرة خلف نظارة شمسية لم تستطيع حجبها عنه

تقدم منها وهو يخطو إليها بتروي مؤخوذًا بسرحها الذي اسقطه صريعًا لهواها

خلع نظارته الشمسية ودنى منها ومع كل خطوة تقربه منها تجعل قلبه يهدر بقوة

تقابلت نظراتهم على نهج الاشتياق ولما لا وقد التاعت القلوب بذلك الفراق المتكرر

توقفت قدماه امامها ورمقها بعينيه التي تلتهم محياها وهو يرفع يده ليخلع عنها نظارتها قائلاً

_حد قالك قبل كدة انك زي القمر؟

رمشت أسيل بأهدابها وقد أخذ قلبها بسحر عينيه فهزت رأسها بنفي وهي تتمتم بخجل

_لأ.

تمتم بحب

_طيب من النهاردة هتسمعيها كل دقيقة وكل ثانية

اغمضت عينيها بخجل وابتسامة مشرقة اشرقت روحه وتمتمت بخجل

_حمد لله على السلامة.

رفع حاجبيه بمكر

_بس كدة؟ مفيش حضن مفيش وحشتني موت والكلام اللي بنشوفه في الافلام ده.

هزت كتفيها بلؤم

_اديك قلت كلام افلام.

ازدادت كلماته مكر وهو يتمتم

_طيب ماتيجي نمثل اتنين متجوزين بيستقبلوا بعض بعد غياب.

شهقت أسيل بعدم استيعاب لما قاله

_تصدق انا غلطانة إني وافقتك

همت بالانصراف لكنه جذب ذراعها وهو يقول برفق

_اهدي ياقلبي انا قصدي شريف انتي اللي ديمًا بتحدفي شمال.

رفعت اصباعها بتهديد أمام وجهه

_مفيش كلام من ده تاني فاهم ولا لأ؟

نظر إلى اصبعها وتظاهر بالغضب قائلاً

_ده تهديد ولا تحذير.

أشارت باصبعيها

_الاتنين.

تحول تظاهره بالغضب إلى استسلام

_ان كان كدة ماشي.

ضحك الاثنين وسألها داغر بعتاب

_ليه مقولتيش انك جاية؟

ازداد خجلها وهي تقول

_حبيت اعملها مفاجأة.

رمقتها عيناه بعشق جارف وتمتم بوله

_وحشتيني اوي.

اهتزت نظراتها من تلك الكلمات التي تلامس صدقها قلبها وردت بتلقائية خرجت من حبها له

_وانت كمان وحشتني.

رفع حاجبيه متسائلاً

_بس كدة؟

أومأت له ثم تحدثت بتحذير مرح

_اوعى تنتظر أكتر من كدة.

_لأ أنا راضي بالكلمة دي، يلا بقى اركبي عشان أوصلك.

ارتبكت أسيل وقالت بوجل

_مش هينفع.

قطب جبينه بحيرة

_ليه؟

اهتزت نظراتها وغمغمت باحراج

_في حراسة موجودة حوالين الفيلا ولو حد شافني نازلة من عربيتك هيقول لبابا.

استاء داغر من الأمر لكن لا يريد ان يكون سبباً في أي مشكلة لها فقال مقترحًا

_طيب خلينا ندخل نتكلم في العربية، في حاجات عايز أخد رأيك فيها.

_معلش خليها وقت تاني لأن بابا ممكن يرن في اي وقت

وقف ينظر إليها بحيرة وهي تشير إلى سيارة اجرة بعد أن اعادت النظارة إلى عينيها وكأنها تتخفى.

لا يعرف طبيعة حياتها داخل منزل والدها لكن كل ما يراه يؤكد بأن ما تمر به تلك الفتاة سلسلة من العذاب.

استقل سيارته وعاد إلى منزله على أمل بلقاء آخر معها.

❈-❈-❈

عادت أسيل مسرعة من الباب الخلفي حيث تنتظرها أمينة بقلق وقالت بتعنيف

_أتاخرتي كدة ليه، حسين بيه اتصل دلوقت وقولتله إنك في الحمام.

دلفت أسيل مسرعة وهي تقول بوجل

_انا مكملتش نص ساعة ومتخيلتش انه هيتصل بدري كدة

اتصلت أسيل عليه كي تؤكد وجودها على الهاتف الأرضي

فقد وافق بصعوبة على مجيئها ولأنها مازالت معاقبة حذرها من الخروج

اغلق حسين الهاتف ووضعه على مكتبه إثر دخول شاهي وهي تحمل ملف بيدها

تقدمت منه لتضع الملف أمامه وقالت بعملية

_امضي على العقود بتاعت الصفقة الجديدة عشان نبعتها على الفاكس.

اخذ الملف من يدها وقام بالتأكد منه قبل امضاءه وذلك ما يجعل شاهي تشعر بالحنق منه

فكل خططها حاليًا تبوء بالفشل بسبب عدم ثقته بها بعد ما حدث

انهى امضاءه وقدمه لها قائلاً

_اتفضلي ابعتيه دلوقت لأن المفروض كان اتبعت بدري عن كدة

ضغطت شاهي على الزر فتدلف مديرة مكتبه وهي تقول باحترام

_تحت أمرك يا فندم.

أشارت لها شاهي بأخذ الملف وهي تقول بأمر

_خدي الملف ووصليه بنفسك لمصطفى عشان يبعته فاكس بسرعة

أومأت الفتاة وخرجت من المكتب

وهنا التفتت إليه شاهي وهي تقول بمكر

_ايه رأيك يا حبيبي نسافر اسكندرية بكرة؟

عاد حسين بظهره للوراء وهو ينظر إليها بنفس فتوره المعتاد

_مش كفاية سفر ولا ايه؟ احنا لسة راجعين من أمريكا.

جلست على حافة المكتب امامه وقالت بدهاء

_يا حبيبي دي كانت رحلة عمل انا بتكلم عن يومين نقضيهم بعيد عن الشغل، يومين بس مش أكتر.

تلاعبت برابطة عنقه في محاولة منها لأقناعه وتمتمت بخبث

_وبعدين انا حاسة بالذنب إني كنت السبب في زعل أسيل وبصراحة عايزة اروح أراضيها

نروح بكرة الخميس ونرجع الجمعة اخر النهار مع أسيل ها قلت ايه؟

تنهد حسين ووافق مجبرًا كي يعرف ما تود الوصول إليه

خرجت شاهي من المكتب وابتسامة خبيثة مرتسمة على فمها

دلفت مكتبها وتناولت هاتفها لتعيد الاتصال بذلك الرقم وقالت عندما أجابها

_عملت ايه؟

_لسة راجعة من شوية بس لسة معرفتش طبيعة علاقتهم .

_تمام خلي عيونك عليها ووقت ما تعرف إنها خرجت ترن عليا فورًا

اغلقت الهاتف وألقته على المكتب امامها وهي تتمتم بغل

_نهايتك قربت يا بنت ليندا إن ما خليته يرميكي في الشارع زي ما رمى امك مبقاش انا شاهي.
في المساء

لم يهدئ هاتفها من اتصاله وتعلم جيدًا بأنه لن يهدئ حتى توافق على الخروج معه

لكن تأخر الوقت ولن تجازف بالخروج في الليل.

ردت عليه عندما يأست منه وقالت بغيظ

_وبعدين معاك قولتلك مش هينفع وبعدين انت لسة راجع من السفر لازم ترتاح.


اعتدل داغر في فراشه

_ايه..ايه براحة عليا بتخديني في دوكة كدة ليه.

جلست على الفراش وهي تتمتم بيأس

_اعمل ايه بحاول افهمك انه مينفعش وانت مصر.

ازاح داغر الغطاء عنه ونهض من فراشه متجهًا للمرحاض

_أنا بصراحة جعان أوي ولوحدي في البيت ومحتاج حد يحضرلي العشا.

زمت فمها بغيظ منه

_وعايزني بقا انا اللي اجي أحضره!

رد داغر ببساطة قبل أن يضع الفرشاة في فمه

_وايه المشكلة ما هو ده الطبيعي.

_لااا السفرية دي شكلها جننتك خالص وبعدين انت عارف صعب اخرج في وقت زي ده.

اعاد الفرشاة إلى مكانها وخرج من المرحاض ليخرج ملابس له وهو يقول

_انا هدخل اخد شاور تكوني جهزتي هعدي عليكي بالعربية من الباب التاني يلا باي.

أغلق الهاتف دون ان يستمع لردها

ودلف المرحاض.

ابتسمت أسيل على جنونه وفكرت في الخروج معه لكن تخشى من ذلك

فهي تعد مغامرة كبيرة ولن تجازف بها.

تنهدت بحيرة

قلبها يطلب منها الذهاب والنعيم بذلك الحب الذي يغدقها به لكن عقلها يأبى ذلك وفي ذلك الوقت خاصة

لكن لما لا وقد نامت أمينة وستذهب وتعود دون ان يعرف أحد..

ظلت حايرة لا تعرف ماذا تفعل

ظل داغر منتظرها في سيارته لكنها لم تخرج له حتى الآن

أخرج هاتفه ليبعث لها برسالة كان محتواها

“تحبي تخرجي من نفسك ولا اجي اخدك بالغصب؟”

تلقت اسيل تلك الرسالة فيزداد حنقها منه

هي تعلم جيدًا بأنه قادر على فعل ذلك التهور

فقررت الذهاب إليه واقناعه بالذهاب

أبدلت ملابسها وتسللت من الباب الخلفي فتجده منتظرها بعيدًا نسبياً عن المنزل

هزت راسها بيأس منه ثم توجهت إليه وهي تتمتم بحنق

_حد قالك إنك مجنون.

هز رأسه بنفي وتحدث بهدوء

_لأ ولا مرة، اول مرة اسمعها منك.

اغتاظت اكثر من بروده وخاصة عندما تابع ببساطة

_يلا بسرعة لإني فعلاً جعان أوي.

_قولتلك مينفعش لازم تمشي دلوقت عشان محدش ياخد باله.

تحدث بإصرار

_اركبِ انتِ وخلينا نمشي قبل ما الحد ده ياخد باله.

زمت فمها بغيظ منه واستدارت لترحل كي لا تقوم بقتلـه وهي تقول

_براحتك بقا

ترجل ليجذبها من ذراعها يمنعها

_سيلا متتعبنيش أنا لسة مفقتش من النوم ومحتاج افضل معاكي شوية.

وقفت اسيل حائرة أمامه فلهجته ترجوها أن توافق وهي خائفة من الذهاب معه في ذلك الوقت

وعندما لاحظ خوفها تحدث بلهجة بثت الاطمئنان بداخلها

_طول ما انتي معايا متخافيش من حاجة، لو خفتي من الدنيا كلها أنا لأ.

تطلعت إليه بعينيها لتنفي حديثه قائلة

_بس انا مش خايفة منك انت، انا بثق فيك أكتر من اي حد.

قطب جبينه بحيرة وسألها

_اومال خايفة من مين؟

اهتزت نظراتها عندما تحشر في الزاوية وتمتمت بخفوت

_مفيش حد.

_يبقى خلاص تيجي معايا واوعدك مش هنتأخر.

وافقت أسيل وذهبت معه ولم تنتبه لتلك العيون التي تراقبها

اخرج هاتفه ليخبرها

_ايوة يا هانم هي خرجت دلوقت معاه كان مستنيها قدام الباب الوراني.

انفعلت شاهي وقالت بغضب

_ومقولتش من بدري ليه؟

_يا هانم مكنتش اعرف غير دلوقت لولا إني كنت بمشط الفيلا مكنتش هاخد بالي.

فكرت شاهي قليلاً ثم قالت

_طيب اسمعني كويس ونفذ اللي هقولك عليه.

❈-❈-❈

اوقف داغر السيارة أمام منزله مما جعلها تنظر إليه باحتدام لكنه طمئنها قائلاً

_متخافيش انا وعدتك إننا مش هندخل جوه

انا هستناكي هنا وأدخلي انتي اعملي الأكل، كل حاجة موجودة في المطبخ وان احتاجتي حاجي رني عليا.

تمتمت اسيل بتردد

_بس….

_بس ايه تاني، انا قولتلك نتعاشى في اليخت قولتي لأ، طلبت نتعشى في مطعم قولتي حد يشوفنا اعمل ايه تاني.

التزمت الصمت قليلًا ثم تحدثت بجدية

_توعدني انك مش هتدخل لأي سبب من الأسباب.

أيد قولها

_أوعدك إني مش هدخل لأي سبب من الأسباب، ها حاجة تاني؟

أخرج المفتاح من سترته واعطاه لها

_ده المفتاح وانا هجهز المكان على البحر هنا لحد ما تخلصي.

وافقت أسيل وأخذ المفتاح ودلفت من البوابة الرئيسية حيث فتح لها الحارس قبل ان يترك المكان ويرحل.

دلفت أسيل المطبخ وشرعت في اعداد الأطعمة التي طلبها داغر

لم تستطيع العمل وحدها وارادت مساعدة منه

لكنها لن تفعلها

ظلت تضغط على نفسها حتى يأست وأمسكت هاتفها كي تحدثه

_ممكن تيجي دقيقتين وتخرج تاني.

لم يجيبها واغلق الهاتف وفي ثواني معدودة كان يدلف المطبخ وهو يغمغم بتعند مصطنع

_هما الستات كدة يغرقوا في شبر مايه، مش بيعرفوا يعملوا حاجة لوحدهم.

خلع سترته ورفع اكمامه وهو يسألها

_خير اعمل السلطة ولا اغسل المواعين.

ضحكت اسيل وأشارت على الطاولة

_اه السلطة وتشوح اللحمة.

تطلع إليها بغيظ

_يعني لغيتي السمك، ماشي يا ستي اعمل السلطة الأول وبعدين نشوح اللحمة عشان متبردش.

جلس على المقعد وأخذ يعدها وهو ينظر إليها بنظرات عاشقة

لم يعترف بالحب يوماً ولم يتخيل بأن يعيش تلك اللحظات ومع ذلك الجمال المرتسم أمامه

كم تمنى أن تكون زوجته الآن وهو يقف بجوارها يساعدها

نفى ذلك وشرد بأشياء أخرى

بأن يقترب منها ليغلق المقود ويحملها بين يديه ويصعد بها غرفتهما.

تمنى ذلك بكل الحب الذي يحمله بداخله لها

لكنه أحجم تلك الرغبة وتطلع إلى السلطة يشغل نفسه بها.

انشغلوا بإعداد الطعام حتى انتهوا في فترة وجيزة فسألها داغر

_ايه رأيك نتعشى هنا، بدل ما نطلع الأكل وندخله

انمحى الخوف من داخلها وحل مكانه الأمان

فقد استطاع داغر تعويضها بكل ما حرمت منه كأنه عوضها عن ذلك العذاب الذي عاشته.

_خلينا هنا أحسن.

رمقها داغر بابتسامة تؤكد لها بأنه سيظل على ثقتها به ولن يخذلها يومًا

شرعوا في تناول طعامهم وهم يتحدثون في امور عديدة حتى انتهوا

كان الوقت يمر دون أن يدرون بذلك ولا احد منهم يعلم شيئاً عن أحقاد تترصد لهم.

ساعدها داغر في غسل الأطباق واعادت باقي الأطعمة للمبرد فقد أخبرها بأنه لن يترك شيئاً منه

وقد استطاعت حلاوة كلماته تلك المرور إلى قلبها البض فتزداد سعادتها

اعدوا اخيرًا مشروبهم وناولته إياه قائلة برجاء

_خلينا نشربه في العربية لإني أخرت أوي.

اومأ لها داغر بتفاهم وقال

_طيب ثواني هطلع أجيب حاجة من اوضتي واجيلك نمشي على طول.

توقف بعد ان سار خطوتين والتفت إليها قائلاً ببراءة مزيفة

_بقولك ماتيجي معايا افرجك على الاوضة.

هزت راسها بيأس منه ولم تجيبه

فقال بملاوعة

_انتِ الخسرانة أنا بقول لو محتاجة تعديل تعرفيني ولا حاجة.

ابتسمت أسيل على ملاوعته ولم تجيبه، أخذت تتجول في صالة المنزل الكبير، تنظر إلى طرازه الهادئ

وهو بنفس حجم منزلها، لكن منزلها يفقد الدفء الذي شعرت به عندما دخلت إلى ذلك المنزل

راحة وطمأنينة لم تشعر بها من قبل، حتى في منزل جدها في إيطاليا

انتفضت أسيل من اليد التي امتدت إليها، فانسكب المشروب على الأرض

_بسم الله، ايه يا سيلا مالك خفتي كدة ليه؟

اخذ الكوب منها وشعرت هي بالاحراج من نفسها

_لا انا بس اتخضيت مش أكتر.

_خلاص هعملك غيره.

دلف داغر ليعد مشروب آخر ولفت نظر أسيل غرفة على يمينها مغلقة بلوحة تحكم.

تقدمت منها وهي تنظر إليها بحيرة رفعت اصبعها لتضعها على اللوحة فيوقفها صوت داغر

_لو ضغطتي عليه هتسمعي صوت مش هيعجبك ابدًا

تراجعت اسيل وهي تنظر إليه بحيرة

ناولها داغر الكوب وقال بتوضيح

_اي ايد بتلمسه غيري بيشتغل جهاز الانذار على الفون بتاعي او عمي

تطلعت إلى داغر بحيرة وسألته

_ليه؟

_تحبي تدخلي تشوفي بنفسك؟

جعلها الفضول تومأ له فقام داغر بالضغط على الازرار فتنفتح الغرفة ويسبقها للداخل كي يشعل الأضواء ثم أشار لها بالدخول

دلفت أسيل لتنبهر عينيها برؤية تلك الأشياء المرصوصة بعناية على جانبي الغرفة

سارت قدماها رغم الذهول الذي يعتريها واخذت تشاهد تلك التحف العجيبة

ما بين ساعة رملية تعد من العصور الوسطى

وخنجر صغير مُطعم باحجار كريمة

ومحار بكل أحجامه وأنواعه ويحتوي على لؤلؤ يكلف ثروة

وأخرى لوحة لطفلة تنفخ في الرماد فيتحول لفراشات جميلة والكثير والكثير

تطلعت إلى داغر وهي تقول بانبهار

_كل ده لقيته في البحر؟

كان مستمتع بانبهارها ورد بايماءة صغيرة

_امم.

تقدم منها وهو يرفع امامها صندوق صغير وفتحه أمام عينيها وهو يقول

_ودي كانت آخر حاجة لقيتها

اتسعت عينيها وهي تشاهد بوصلة ذهبية داخل ذلك الصندوق فترفع يدها تخرجها منه منبهرة بجمالها وتمتمت برهبة

_دي جميلة أوي يا داغر

تقدم منها داغر خطوة وتمتم بوله

_الجميل للجميل، دي هديتي ليكي، مش قولتلك كل سفرية اغبها عنك بهدية؟

انفرج ثغرها بذهول ونقلت بصرها بينهما وهي تقول

_بس دي غالية اوي يا داغر.

تقدم منها خطوة أخري ليرفع خصلة أخفت وجهها عنه ويضعها خلف أذنها وهو يتمتم بولع

_ولو قولتلك تقبلي كل التحف دي مهر ليكي تقبلي؟

اهتزت نظراتها وشعرت بأن قدميها أصبحت كالهلام لا تقوى على حملها

هل يطلب منها الزواج

هل ستنتهي معاناتها وتبتسم لها الحياة أخيرًا؟

تطلعت إلى عينيه التي ترمقها بحب ولوهلة شعرت بالخوف

هل ان الأوان لانتهاء معاناتها أم أن هذه اللحظات تعد السكون قبل العاصفة

اقلقه صمتها وخشية بداخله من ان تكون رافضه لطلبه لذا رفع كفه ليحتوي به جانب خدها وتمتمت بحب جارف

_وافقي يا سيلا وأوعدك إن عمرك ما هتندمي.

تجمعت العبرات بعينيها مما جعله يشعر بالخوف عليها وسألها بحيرة

_ليه الدموع دي؟

سقطت دمعة احرقت قلبه وهي تتمت بحزن

_خايفة؟

_من ايه؟

اهتزت نظراتها عندما انتبهت لقولها لا تريد أن يعرف شيئاً عن جحيمها

لا تريده ان يعرف بأنها شيء منبوذ لا يحق لها أن تفرح

تخشى إن علمت زوجة والدها تقنعه بالرفض وتلتف حول عنقها حبال الغدر

لن تتحمل بعدها عنه بعد ما اذاقها حلاوة عشقه

هل تؤجل ذلك القرار حتى تنعم بعشقه قبل ان يُحكم عليهم بالفراق؟

صمتها جعل الخوف يتملك منه لذا سألها

_أسيل انتي مخبيه ايه عني؟

رمشت باهدابها وحاولت التهرب منه لكنه احتوى وجهها بين كفيه يجبرها على مواجهته وسألها

_أسيل انا كنت صريح معاكي من البداية وحكتلك كل حاجة من غير ما أخبي، ليه انتي محاوطة نفسك بجدار وخايفة تتكلمي عن حياتك، سيلا انا بحبك…..

بوغت داغر عندما وجدها ترفع ذراعيها لتحيطه وتنخرط في البكاء وهي تشدد من احتضانه

تمزق قلبه من حالتها وازداد قلقه عليها

ظل يمسد على خصلاتها حتى هدئ نحيبها وهو يقسم بأنه سيعوضها عن كل تلك الدموع التي تذرفها

لا يريد ان يعرف شيئاً عن حياتها قبل معرفتها

هو يعشقها ويشعر بعشقها له لذا لا يريد شيئاً اخر

ابعدها عنه قليلًا وهو يقول بمزاح اراد به التخفيف عنها

_لا بقولك ايه ابعدي احسن احنا لوحدنا والشيطان شاطر

ضحكت اسيل وارتدت خطوة أخرى وقد تداركت الموقف حتى انها لا تعرف كيف اتتها الجرئة لفعلها فقالت وهي تمسح دموعها

_داغر انا لازم اروح الوقت اخر ومقولتش لدادة.

وافق داغر وخرجوا من الغرفة وأخذ مفاتيحه وخرج معها

توقف السيارة أمام المنزل وتطلعت إليه أسيل متمتمة برهبة

_داغر مينفعش تأجل موضوع الارتباط دلوقت.

تعجب داغر من قولها وسألها

_ليه يا سيلا. احنا نعرف بعض من تلات شهور ودول كفاية أوي.

التزمت الصمت قليلًا ثم تحدثت برجاء

_خلاص خليها الأجازة الجاية.

تنهد داغر بتعب

_اللي تشوفيه، اصلا عمي عايز يشوفك الأول.

ابتسمت اسيل لذكره وقالت

_انا كمان نفسي اتعرف عليه.

_خلاص هحدد معاه ميعاد الاجازة دي وتشوفيه والأجازة الجاية هخليه يطلبك.

ترجلت أسيل وانتظر داغر حتى تدلف لكنها تفاجئت بما حدث.

وقفت تحاول فتح الباب لكن يبدو ان احد اوصده من الداخل

اخرجت هاتفها كي تتصل بأمينة لتفتحه لكن هاتفها قيد الاغلاق

رن هاتفها وقد كان داغر لابد أنه قلق لعدم دخولها

_ايوة يا داغر الباب اتقفل من جوه.

_طيب اتصلي على دادة أمينة تفتحه

ردت بقلق وهي تحاول فتحه مرة اخرى

_فونها غير متاح مش عارفة اعمل ايه.

_طيب انا هجيلك واحاو…

قاطعته اسيل بخوف

_لا اوعى تيجي، انا جيالك.

عادت إلى السيارة وقالت بقلق

_وبعدين اعمل ايه؟

تنهد داغر وشعر بالذنب تجاهها وقال

_طيب حاولي تاني يمكن تكون فتحته.

_حاولت كتير ومفيش فايدة.

هم بالترجل وهو يقول

_طيب هحاول أنا.

منعته بخوف

_لأ خلاص خلينا هنا لحد ما تقوم وتفتح فونها.

ازداد الخوف بداخلها عندما تذكرت اتصالات والدها

_بس خايفة بابا يتصل.

_لو اتصل كانت دادة أمينة كلمتك متقلقيش

ضغط على الزر كي يرجع ظهر المسند للوراء وهو يقول

_نامي براحتك وانا هتابعها بالفون لحد ما تفتحه.

كانت تشعر بالنعاس حقًا وقام داغر بتشغيل المدفئة وقال بحنو

_متقلقيش يا حبيبتي ونامي.

رغم رغبتها الشديدة في النوم إلا إن القلق حال دون ذلك.

❈-❈-❈

عاد سليم من الخارج في وقت متأخر كعادته

جلس في حديقة المنزل وأسند رأسه على ظهر المقعد خلفه ربما يخفف ألم رأسه ولو قليلاً

كانت تراقبه من بعيد كي تملي عينيها منه

لم تلتزم بوعدها له بأن لا يرى احدهم الآخر

فعندما طلبت منه الذهاب للبحث عن عمل آخر رفض ذلك وأصر على بقاءها شرط ألا تظهر أمامه

التزم هو بوعده لكنها لم تستطع الالتزام مثله

واكتفت بالنظر إليه من بعيد دون ان يدري.

هكذا خيل لها ولا تعرف بأن ذلك القلب الجليدي كما تلقبه يشعر بانفاسها الثائرة وهي تراقبه.

من قال أنه لا يراها

إن كانت عينيه لا تراها فإن قلبه يراها وبكل جوارحه.

اغمض عينيه بشدة لا يعرف لما تكابلت عليه مصاعب الدنيا

والدته التي طردت من منزلها بتهمة لم ترتكبها وهو ظل صامتًا لحكم صغر سنه

وأخته التي تقهر أمامه ولا يستطيع فعل شيء لها

والفتاة الوحيدة التي أحبها يقف صامتًا أمامها ولا يستطيع حتى التقرب منها

يتذكر حينما ترجته أن يترك كل شيء ويبدأو معًا حياة جديدة بعيدًا عن قسوة ذلك المكان

لكنه أبى الرضوخ

لم يكن الأمر كما ظنت بأنه أختار حياة الرغد عنها لكن هو فعل ذلك كي يحميها من بطش والده.

لن يرحمها وربما يترك الأمر لزوجته لتدمرها كما دمرت والدته من قبل

نهض كي يرحمها ويرحم نفسه من عذاب قربها

لكن ما ان نهض وهم بالدخول إلا إنه وجدها تتقدم منه وهي تحاول بشى الطرق ان تبعد عينيها عنه حتى وقفت أمامه وقالت دون النظر إليه

_لو سمحت يا سليم بيه عايزة حضرتك في موضوع

لم يتحرك جبل الجليد بل ثبت نظراته عليها وهو ينتظر ما تود التحدث بشإنه فقالت هي

_انا لقيت شغل مناسب واتقبلت فيه وهبدأ من بكرة.

لم تتبدل نظراته بل ظلت باردة كما حالها دائمًا ثم قال باقتضاب بعد صمت دام للحظات

_لأ.

رفعت عينيها إليه وسألته

_ليه؟

_عشان أنا قلت لأ.

هم بالانصراف لكنها وقفت أمامه تمنعه

_مش هسمحلك تمشي إلا لما تقولي ليه.

طافت عينيه على ملامحها التي دائمًا بالنسبة له كتاب مفتوح وسألها

_انتي عايزة تشتغلي ليه؟

رمشت بعينيها مرات متتالية عندما بوغتت بسؤاله وتمتمت بتهرب

_لأنه مشغل كويس و…وهكون مرتاحه فيه.

_وانتي ايه اللي تعبك هنا؟

تعلم جيدًا أنها لن تستطيع مجارته لذا قالت بجمود

_انا اخدت قراري ومن بكرة أنا هسيب الفيلا وأروح الشغل الجديد.

نيران تشتعل بداخله لكنه لن يخرجها لإن فعل هتحرقها بلهيبه لذلك ظل فاترًا وهو يقول

_ولما انتي اخده قرارك جاية تقولي ليه؟

أشاحت بوجهها بعيدًا عنه وقالت بفتور مماثل

_عشان ميحصلش زي المرة اللي فاتت.

_وايه اللي حصل المرة اللي فاتت؟

احتقن وجهها عندما تذكرت كيف تهجم على صاحب المطعم عندما حاول التقرب منها وشاهد هو الموقف

لذا انهال عليه بالضرب حتى أخذت ترجوه حتى لا يقتلـ.ـه بيده

وجذبها حينها من ذراعها حتى كاد أن يخلعه من موضعه وأعادها إلى المنزل

ازدردت لعابها بصعوبة وتمتمت برهبة

_رجعتني تاني.

_بما إنك عارفة قراري يبقى اتفضلي على مكانك.

تخطاها ورحل ولم يفلح نداءها بلفت نظره حتى.

وكعادته يفرغ غضبه في غرفة الرياضة وكلما ازداد غضبه؛ كلما اشتد تعنفًا على الآلات حتى ينهكه التعب ويأخذ حماماً باردًا ويستلقي على فراشه لينام من شدة ارهاقه.

❈-❈-❈

نظرت أسيل إلى داغر الذي يتظاهر بالنوم وقالت بخفوت

_داغر.

غمغم داغر بنومه

_امم.

_انت نمت؟

_بحاول.

فتح عينيه وتطلع إليها ليقول بمكر

_بصراحة وجودك معايا في مكان مقفول صعب أوي، بحاول أنام عشان اترحم شوية.

ضحك داغر عندما زمت فمها بغيظ ثم اعتدل ليشغل محرك السيارة فسألته وهي تعتدل

_بتشغل العربية ليه؟

قال بمكر وهو يغمز بعينيه

_ما قولتلك وجودنا كدة غلط خلينا نقعد على البحر شوية.

لم تعترض لأنها شعرت بالضيق من تواجدهم بالسيارة

عاد بها إلى المنزل وهو يقول

_خلينا نقعد على البحر شوية.

شعرت بنسمة باردة عندما فتح باب السيارة فقالت

_بس الجو برد اوي.

_هدفيكي متخافيش.

ترجلت أسيل وانتظرت داغر الذي دلف لمنزله وعاد بعد قليل حاملًا أغطية خفيفة فيضع احدها على كتفيها وهو يقول بثقة

_دي هتدفيكي.

وفرش الأخرى على الرمال ليجلسوا عليها

سألته أسيل

_انت مش هتجيب واحدة ليك.

_لا يا ستي انا متعود على الجو ده متخافيش عليا، وبعدين أنا كتير اوي باجي بعد الفجر عشان اشاهد الشروق

بيبقى ليها متعة رهيبة.

_انا بقى عكسك في النقطة دي، بحب الغروب أكتر.

_طيب ايه رأيك نشوفه مع بعض وتحكمي الشروق افضل ولا الغروب

ضيقت أسيل عينيها بشك

_بترسم على ايه سيادتك.

ضحك داغر ورد بتصحيح

_ايه رأيك بقا إني اول مرة يكون غردي شريف.

زمت فمها بغيظ

_اول مرة؟

هز كتفيه باستسلام

_للأسف وقعت بلساني.

هزت راسها بيأس منه ثم نظرت للبحر أمامها وقد كان هادئاً على غير عادته

اقترب داغر منها وهو يتظاهر بالبرد

_ما تخديني تحت الكوڤيرتا لأن الجو برد أوي.

تشبثت أسيل بها وهي تضمها إليها وتمتم بغيظ

_لأ ادخل هاتلك واحدة غيرها.

ضغط على شفته ثم قال بمكر

_أصل الكوڤيرتا دي كبيرة وتسيع من الحبايب ألف، واحنا يادوب اتنين وقريب هنكون واحد.

هزت راسها بالنفي دون قول شيء

مما جعل داغر يتسطح على ظهره وهو يغمغم

_خلاص إن جاني برد يبقى ذنبي في رقابتك وخصوصاً إني هسافر بعد تلات ايام.

قطبت جبينها بدهشة وسألته

_انت هتنام هنا؟

وضع ذراعه أسفل رأسه ورد ببساطة

_اه ايه الغريب فيها؟

_هتبرد.

_ولما انتي عارفة كدة رافضة تدفيني ليه؟

تعبت من الجدال معه كحالها دائماً

لذا ظلت على رفضها ولم تبالي

بعد لحظات لاحظت أسيل ان انفاسه بدأت تنتظم مما يدل انه نام حقًا

اخذتها فرصة لتتأمل ملامحه

عينيه الرمادية التي تشبه الغيوم

وأنفه المستقيم الذي يزيده شموخًا

أما فمه فهو قصة أخرى وسط لحيته النامية.

دون ادراك منها وجدت نفسها تستلقي على جانبها بجواره ومازالت شاردة في محياه الأخذ

لقد وجدت به كل شيء

حب وحنان واهتمام وأمان

كل ما فقدته وجدته معه

فهل سيبخل عليهم الزمن أم يتركهم هانئين بعشقهم.

لا تعرف متى تسللت ذراعه أسفل رأسها ولا كيف تشاركا الغطاء

كل ما تعرفه أنها استيقظت على صوت هاتفها قبيل الشروق فتجد نفسها في هذا الوضع.

انتفضت أسيل في رقدتها واخذت تبحث عن هاتفها الذي يصدح في المكان

استيقظ داغر ليجدها تمسك هاتفها وتجيب عليه

_ايوة يا دادة.

صدح صوت امينة خارج الهاتف وهي تعنفها

_انتي فين يا أسيل؟

وقفت اسيل وهي تتمتم بوجل

_أ..أ..نا ..

_انتي ايه انطقي.

لم تستطيع الرد وهي تنظر لداغر بعتاب آلمه

نهض ليأخذ منها الهاتف وأجاب هو

_متقلقيش يا دادة أسيل معايا دقيقة بالظبط وتكون عندك

_معاك في وقت زي ده بتعمل ايه؟

نظر إلى أسيل التي شحب وجهها ثم رد برتابة

_احنا خرجنا امبارح وجيت ارجعها لقينا الباب مقفول حتى حاولنا نكلمك لقينا فونك برضه مقفول

مكنش ينفع أسيبها كدة، ومتخافيش انا اكتر واحد بيخاف عليها ومستحيل اعمل حاجة تضرها.

لم تتقبل حديثه وقالت بحدة

_ازاي بتقول انك مستحيل تعمل حاجة تضرها وانت تصرفاتك كلها ضرر ليها

لو حد من اهلها شم خبر أسيل مش هتعيش ثانية واحدة بعدها

كانت اسيل تستمع لصوت أمينة والخوف ظهر واضحًا عليها حتى إنها حاوطت نفسها بذراعيها

فقال بتفاهم

_خلاص اوعدك إن دي هتكون آخر مرة والأجازة الجاية هدخل البيت من بابه.

هدئت نبرة امينة عندما لاحظت صدق كلماته

_خلاص رجعها بسرعة قبل ما باباها يتصل.

أغلق الهاتف واعاده إليها ثم استقلوا السيارة وذهبوا إلى المنزل

ترجلت أسيل من السيارة وهي تشعر بانقباضه في قلبها لا تعرف سببًا لها

لم تنظر إلى داغر ولم تحدثه وأسرعت بفتح الباب والدخول وقد تناست امر هديته التي تركتها في السيارة

دلفت لداخل المنزل فتتفاجئ بمن يجلس على المقعد يضع قدم فوق الأخرى والجميع حوله واقفين في سكون تام
استيقظت وعد في الصباح على صوت شهد

_وعد قومي

فتحت وعد عينيها بتكاسل وهي تسألها بنعاس

_ايه يا شهد سيبيني انام

جذبت عنها الغطاء وقالت بغيظ


_تنامي ايه قومي عشان تحضري الفطار.

جذبت وعد الغطاء منها وقالت بضجر

_يا بنتي حسين بيه ومراته سافروا اسكندرية هعمله لمين.

_تعمليه لسليم بيه يا فالحة.

انتهبت وعد لاسمه واعتدلت في الفراش لتسألها بتعجب

_هو قالك انه هيفطر هنا؟

_ما انا استغربت زيك كدة بس هو طلب مني اقولك تحضري له الفطار وتطلعيه اوضته.

تنهدت ونهضت مجبرة لعلمها جيدًا سبب استدعائه لها.

أعدت وعد الإفطار وصعدت به لغرفته ودلفت حينما سمح لها بالدخول

كان جبل الجليد كما تلقبه واقفًا أمام المرآة يرتدي ساعته بهدوء تتعجب له

وضعت الطعام على الطاولة وهمت بالانصراف لكن صوته الحاد منعها

_أنا مسمحتش ليكى انك تخرجي.

ضغطت وعد على شفتها السفلية تحاول التحلي بالثبات مثله فاستدارت إليه لتسأله

_عايز حاجة تاني حضرتك؟

استدار يتطلع للطعام أمامه ثم عاد بنظره إليها وسألها

_انتي عارفة إني بفطر بدري كدة؟

حافظت على إبعاد عينيها عنه وردت بجمود

_لأ.

_اومال جيباه ليه؟

اندهشت من طريقته معها وذلك جعلها ترفع بصرها إليه لتسأله

_ممكن أفهم حضرتك عايز توصل لإيه؟

التزم الصمت قليلًا وهو يرمقها بنظراته الفاترة قبل أن يباغتها بكلماته

_انا مش قولتلك متظهريش قدامي لأي سبب من الأسباب؟

اهتزت نظراتها وقد شعرت بأن الهواء انسحب من الغرفة عندما تذكرت حديثه معها

“إياك تظهري قدامي لأي سبب من الأسباب لأنك لو عملتيها مش هبقى مسؤول عن اللي هيحصل”

ازدردت جفاف حلقها ليس خوفاً منه بل خوفاً عليه

هي تعلم جيدًا بأنه لن يؤذيها مهما تطلبت مشاعره لكن هي تخشى عليه من لوعة قلبه الذي لا يرحمه

مهما أخفى عليها لكنها تعلم مدى حرقة النيران المشتعلة بداخله

مجرد تهديد كي يجعلها تخاف من الظهور أمامه لكن هو لن يؤذيها ولن يفعلها يومًا.

أغرقت عيناها بالدموع ودون ارادتها رفعت عينيها إليه لتسأله بحيرة

_لأمتى؟

تظاهر بعدم فهم وأجاب سؤالها بسؤال

_لأمتى أيه؟

قطبت جبينها بحيرة

_لأمتى هتفضل حابسني كدة.

لم يتبدل حاله بل ظل على وجومه وتابعت هي ببراءة

_ليه رابطني جانبك؟ سيبني اعيش حياتي بعيد عن سجنك ده يمكن ألاقي اللي يعوضني.

توهجت النيران داخل عينيه قبل أن يحكمها سريعًا وسألها بتهديد مبطن

_عايزة تبعدي عشان تتجوزي وتعيشي حياتك؟

تداركت وعد حديثها وما فهمه منه وصححت قائلة

_انا مقصدش اللي فهمته العوض عمره ما كان في شريك الحياة

أحياناً بيكون حاجات تانية بعيد عن اللي فهمته.

لم يفلح تبريرها في اخماد النيران التي اشعلتها بعفوية حديثها

يعلم جيدًا مدى براءتها لذا اصر ان تبقى تحت عينيه كي لا تذوق مرارة الحياة ووحدتها

تحدث بغموض

_قريب أوي هسمحلك، بس لحد ما ييجي اليوم ده مش عايزك تظهري قدامي وتهديدي المرة دي مش مجرد تهديد ياريت تلتزمي بيه.

لأول مرة تشعر بالخوف منه لذا انسحبت بهدوء تحمل الطعام لتخرج به لكنه منعها بحزم

_سيبي الفطار وأخرجي.

اومأت له وخرجت مسرعة وقلبها ينبض بقوة

أسرعت بالذهاب إلى غرفتها وألقت بنفسها على الفراش وتترك العنان لى دموعها

لقد وافق على بعدها

سيجعلها ترحل دون عودة غير عابيء بمرارة فراقه عنها

كيف بإمكانها التحمل

لقد ظنت أن تلك الطريقة ستجعلها تنساه لكن عندما وافقها شعرت بمرارتها قبل ان تذوقها

❈-❈-❈

ألجمتها الصدمة وقد تصنمت مكانها عندما تفاجئت به جالسًا على المقعد وملامحه لا تبشر بخير مطلقًا

شعرت بأن الدنيا تلتف بها وخاصة عندما وجدته يتقدم منها بعد أن أشار للجميع بالانصراف ووقف أمامها لينسحب الهواء من المكان

همت بالتحدث لكن صفعة حادة تلقتها منه جعلتها تسقط على الأرض بقوة

فتصاب بالزعر عندما مال عليها ليجذبها من خصلاتها ويهدر بها بسخط

_بقا جايه هنا عشان تدوري على حل شعرك وتجبيلي العار زي أمك ما عملت.

صرخت بألم عندما جذبها من شعرها ليجبرها على الوقوف وقال بهدر

_كنتي فين ومع مين؟

صرخت بألم أشد عندما شدد من قبضته عليها وصاح بها

_قولي كنتي فين؟

نهضت شاهي من مقعدها وابتسامة متشفية مرتسمة على وجهها وانسحبت من المكان

بكت أسيل وتمتمت بتوسل

_أقسملك إني كنت على البحر.

هدر بها

_مع مين؟

بكت أسيل بحرقة وقالت بألم

_لوحدي.

ضرب رأسها في الطاولة أمامها وصاح بسخط

_وإزاي تخرجي وانا منعك من الخروج وكمان بالليل.

ازداد بكاءها من شدة الألم الذي كاد يقسم رأسها نصفين وتمتمت بنحيب

_انا مخرجتش غير الفجر لما قلقت ومجليش نوم

كان كذبها لأجل أن تحميه فإن علم بأنها تواعده فلن يرحمه لذا كان عليها ان تواصل كذبها لأجله

_صدقني دي الحقيقة ومش هتتكرر تاني.

ضربة أخرى وفي نفس المكان وهو يهدر بعنف شديد

_كنت عارف إن لو سيبتلك وغمضت عيني عنك هتعملي زي أمك بس اعملي حسابك هترجعي القاهرة وتتحبسي زي الكلاب في الأوضة حتى الشمس مش هتشوفيها.

اومأت له كي ترحم نفسها من ذلك العذاب ثم ازاحها من أمامه فتلتقفها أمينة قبل ان تسقط على الأرض مرة أخرى وقال بغضب

_خمس دقايق تكون غيرت هدومها وتجبيها العربية.

أومأت أمينة وأسندتها لتصعد بها للغرفة

❈-❈-❈

بعد مرور عشرة أيام

التاع فيهم داغر وهو يحاول الاتصال بها بشتى الطرق

لم ينسى هيئتها وهي مستندة على أمينة وتساعدها على الصعود للسيارة

فعلم حينها بأنها وقعت ببراثن والدها

شعر بالذنب تجاهها لكن قضي الأمر وعليه أن يخطو الخطوة التي أجلتها بنفسها

لن ينتظر أكثر من ذلك

كان مصر على طلبه في اليوم التالي لكن عمه نصحه بالتروي

فإن تقدم الآن سيزرع الشك في قلب والدها وطلب منه الانتظار حتى الأجازة القادمة

ومنذ ذهابه وهو يحاول الوصول إليها لكن هاتفها قيد الاغلاق

القلق ينهش قلبه دون رحمة ولا يعرف ماذا يفعل.

وقف على سياج الباخرة فشعر بيد يحيى على كتفه وهو يقول بمزاح

_تصدق شمتان فيك.

رمقه داغر باستياء

_ليه إن شاء الله.

_اصلك كنت عملي فيها سبع كدة ومفيش واحدة عجباك، وحب ايه وكلام فارغ ايه وكلام كتير كدة وانت من أول نظرة وقعت زي الجردل.

تنهد داغر وهو ينظر للمياه أمامه

_تصدق عندك حق، البنت دي زي ما تكون سحرتلي، بقيت بنام واقوم موريش غير التفكير فيها

هشوفها أمتى، هقابلها إزاي، بقيت هي الشغل الشاغل بصحيح، بقول يمكن بعد الجواز الأمور معايا تهدى شوية واشتياقي ده يهدى شوية.

ابتسم يحيى وهو يتأمل البحر قائلاً

_ومين قالك انها بتهدى بالعكس دي بتزيد أكتر

يعني انت دلوقت مهما كان قادر تتحمل فترة السفر، لكن بعد الجواز مش هتقدر تتحملها

مش هقولك عشان اللي بيجرب الحاجة مش بيقدر يستغنى عنها والكلام ده، تؤ

كفاية أوي إنك راجع وعارف إن في حد مستنيك وبيعد الساعات عشان ترجعله

ولما ترجع بتلاقي حضن ضافي بيضمك ويعوضك عن الغياب والبعد

اه الاحلام مبتبقاش وردية أوي لكن في حاجات بتخليك تعدي عشان اللحظات الجميلة دي

تلف وتدور وتكلم دي وتضحك مع دي بس في الآخر مفيش ادفى من حضنها.

كل ذلك وداغر يتخيل المشهد أمامه ويتخيلها تنتظر عودته وهي في غرفته وبأبهى طلة لها

فيغلق الباب بقدمه ويسير بغير هواده إلى تلك الابتسامة التي تشق ثغرها فتلهب انفاسه ويشاركها معها ليحترق كلاهما بذلك اللهيب

نفض رأسه من تلك الأفكار فربت يحيى على كتفه وهو يقول

_روحت فين ياوحش؟

تطلع إليه داغر باستياء

_هو انا كنت ناقصك، شوف رايح فين.

ضحك يحيى وقال بهوادة

_متضيعش وقت اكتر من كدة وروح لها من الباب لأنها متستحقش غير كدة.

تنهد داغر وقال

_إن كان عليا عايز اتقدم من أول أجازة بس هي اللي مأجلة ارتباطنا بس الأجازة الجاية هحسم كل حاجة وهتقدم لو غصب عنها.

ربت يحيى على كتفه قبل ان يتركه

_ماشي يا سيدي يبقى بس متنسناش من الدعوة.

❈-❈-❈

في غرفة أسيل

دلفت أمينة لتجدها مازالت مستلقية على جانبها في صمت مطبق.

فتحت أمينة النافذة لتضيء الغرفة فتحتج أسيل على ذلك قائلة بامتعاض

_في ايه يا دادة عايزة أنام.

تقدمت منها وهي تقول بتعاطف

_يا بنتي احنا بقينا الضهر واللي انتي بتعمليه ده غلط عليكي

جذبت الغطاء عليها تخفي به وجهها وهي تغمغم باستياء

_يعني هقوم اعمل ايه؟ سيبيني يا دادة الله يخليكي.

جلست على الفراش بجوارها

_دا انتي بقالك عشر ايام على الحالة دي ايه مزهقتيش.

ابعدت أسيل الغطاء عنها واعتدلت في الفراش لتسأل أمينة

_وبعد ما اقوم هعمل ايه؟ هفضل محبوسة في الأوضة لحد ما انام تاني

ازداد تعاطفها معها فمنذ ما حدث وهي ممنوعة من الخروج حتى هاتفها سحب منها

_قومي اتفرجي على الشاشة او حتى نتكلم مع بعض شوية.

ظلت أسيل تنظر إليها في سكون تام ثم قاطعته قائلة

_نتكلم عن ايه؟ ايه اللي شوفته في حياتي حلو اتكلم عنه؟

ماما اللي اتحرمت منها وانا عندي سبع سنين؟ ولما احتاجتني روحتلها وهي بتموت ملحقتش اشبع منها؟

ولا الجحيم اللي عشته على ايد بابا وانا بتعامل بذنب أمي واللي أصلاً كان من تأليف مراته التانية وهو صدقه.

اتكلم عن اهانته ليا ولا ضربه إن فكرت أخرج برة ولا ايه ولا أيه.

الحاجة الحلوة الوحيدة في حياتي خلاص ضاعت مني.

تنهدت بتعب وتمتمت

_سيبيني نايمة أحسن خليني أهرب من الجحيم ده

عادت إلى وضعها مما جعل أمينة تقف عاجزة أمامها

فقد ظهر الشحوب عليها وأصبحت تعاني من دوار مستمر حتى أوقات كثيرة تكاد تسقط أرضًا

تنهدت بضيق شديد ثم خرجت من الغرفة فتجد سليم يتجه إلى غرفته بعجالة

اوقفته قائلة

_سليم.

توقف سليم ليستدير إليها ويقول بضجر

_دادة لو هتفتحي موضوع أسيل تاني فأنا مشغول ومش فاضي لازم ارجع الشركة دلوقت، هي غلطت ولازم تتحمل نتيجة غلطها.

_بس انا مش بكلمك عن كدة، البنت دايخة طول الوقت من اثر الضربة اللي اتعرضت ليها على راسها

صحح لها

_تقصدي من النوم المستمر مش أكتر، بعد اذنك.

تركها ودلف غرفته ولم تجد أمامها سوى أن تظل هي بجوارها كي لا تتركها تستسلم لحالتها.

أما شاهي فقد كانت سعيدة بما حدث وشعرت بأنها على وشك الخلاص منها

لكن بقاءها في غرفتها دون التواصل مع حبيبها لن يجدي نفعًا

عليها أن توارب لها الباب كي تعاند وتذهب إليه عندما تتيح لها الفرصة وحينها ستقوم هي بدورها وتكون ضربة قاضية كي تتخلص منها إلى الأبد

أخذت هاتف أسيل الذي وضعه حسين في خزانته وخرجت من الغرفة لتنادي

_أمينة.

خرجت أمينة من غرفة أسيل

_نعم يا شاهي هانم.

_أسيل صاحية ولا نايمة؟

اندهشت امينة من سؤالها عنها وردت بحيرة

_نايمة، ليه في حاجة؟

_لأ مفيش، خلي حد من البنات يعملي فنجان قهوة.

اومأت لها أمينة وانتظرت حتى نزلت للاسفل ثم توجهت لغرفة أسيل

دلفت فور ان سمحت لها أسيل والتي تفاجئت بها في غرفتها فقالت شاهي بثبوت

_عاملة ايه دلوقت يا أسيل يارب تكوني أحسن.

لم تهتم اسيل لوجودها وعادت إلى وضعها وهي تجيب بنفور

_اه بقيت أحسن بس مصدعة وعايزة أنام.

اغتاظت شاهي من ردها لكنها اخفت ذلك وألقت الهاتف على الفراش بجوارها وهي تقول بنفس ثباتها

_انا قلت أجي ارجعلك الفون بعد ما طلبت من باباكي يسيبه.

تابعت بمكر ودهاء

_وكمان خليته يسمحلك إنك تخرجي من الأوضة بشرط أنه ميصدفش خروجك وجوده ياريت تكوني فهمتي.

خرجت شاهي من الغرفة وأسيل تنظر في إثرها بوجوم

هل ما قالته حقيقة أم هي لعبة من ألاعبيها.

غلبها الاشتياق وتطلعت إلى هاتفها بتردد دام للحظات ثم قامت بفتحه فتجده قد نفذ شحنه

نهضت لتضعه في الشاحن اثر دخول أمينة التي تفاجئت به معها وسألتها بحيرة

_إية اللي جاب التليفون معاكي.

ردت أسيل بوجوم ومازال الدوار يكتنفها

_شاهي هانم

قطبت جبينها بدهشة وسألتها بحيرة

_وايه اللي خلاها تدهولك؟

_بتقول إن بابا اللي سمحلها وكمان وافق إني أخرج من الاوضة بس وهو برة البيت.

لم تقتنع أمينة بحديثها وعلمت ان في الأمر مكر

مرت أيام أخرى وأسيل تخرج من الغرفة أثناء غيابه عن المنزل

لم يصادف خروجها سليم وكم كانت تود رؤيته لكنها معاقبة ايضًا منه

هي تعلم جيدًا مدى طيبته وحنانه الذي أخفاه والدهم بداخله وحرج عليه اظهارهم

لم تريد أن تجيب على اتصالات داغر المتكررة

فقط اكتفت بارسال رسالة له تخبره بأنها بخير

نعم اطمئن قلبه قليلًا لكن هو سيعود غدًا وعليه ان يقابلها كي يقنعها بالزواج منه

ها قد عاد ولم يمر حتى على منزله بالإسكندرية بل توجه مباشرةً إلى القاهرة

لن يضيع وقت أكثر من ذلك

في منزل خليل بالقاهرة

دلف داغر المنزل فيجد عمه جالسًا في مكتبه يراجع بعض القضايا

دلف داغر وهو يقول

_السلام عليكم.

رد خليل السلام وهو يصافحه ويقبل داغر رأسه

_وعليكم السلام، حمد لله على السلامة أول مرة تعملها وتيجي على القاهرة مباشر كدة.

جلس داغر على المقعد وهو يجيبه

_مش هلف وادور عليك انا عايزك تيجي معايا نخطب أسيل النهاردة.

تطلع خليل في ساعته وقال بهدوء

_هتروح تطلبها من ابوها دلوقت ومن غير ما تاخد ميعاد.

تنهد داغر بضجر

_عمي انت ليه بتعقد الأمور معايا.

ترك خليل الملف من يده وخلع نظارته ليضعها على المكتب امامه وتحدث بحكمة

_انا مش بعقد الأمور ولا حاجة بس انا بتكلم بالعقل انك تتكلم معها الأول في طبيعة شغلك لأنها لازم تتفهم حاجة زي دي

ومتنساش إنها هتكون مشتتة بين هنا واسكندرية، أنا مش هقدر اتواجد في اسكندرية كتير لحكم شغلي وفي نفس الوقت مش هكون مطمن عليها وهي هناك لوحدها، وانت مصر إنك تعيش معها في اسكندرية

يبقى لازم توصل معها لحل الاول قبل ما تتقدم رسمي.

مسح داغر بيده على وجهه ولم يرتاح لرأي عمه، لكنه صائب وعليه حقًا ان يتحدث معها في هذا الأمر فقال بثبوت

_تمام هحاول اوصلها واتكلم معها

_طيب يلا اطلع اوضتك خدلك شاور وانزل عشان نتعشى مع بعض

❈-❈-❈

في اليوم التالي مساءً

وقفت أسيل تنتظر عودة سليم

عليها التحدث معه

دلف بسيارته داخل المنزل وانتظرت حتى ترجل منها

خرجت من غرفتها و قفت تنتظر لكن ذلك الدوار عاد إليها تلك المرة وبقوة

أخذت تبحث عن شيء تتمسك به لكن لم تسعفها قدامها على التحرك خطوة واحدة

حاولت الوصول لمقبض الباب كي تتمسك به لكن يد سليم حالت دون سقوطها على الأرض

وسألها بقلق

_أسيل انتي كويسة؟

لم تستطيع أسيل الرد عليه من شدة الدوار فحملها سليم بقلق ودلف بها غرفتها ليضعها على الفراش بقلق بالغ

_نروح لدكتور؟

هزت راسها برفض وتمتمت بوهن

_لا شوية وهكون كويسة.

دلفت أمينة لتجدهم بتلك الحالة فسألتهم بقلق

_في ايه؟

رد سليم بثبوت

_تعبانة ورافضة تروح للدكتور

جلست على الفراش بجوارها وسألتها

_نفس الدوخة؟

أومأت بصمت وهي لا تقوى على فتح عينيها

فتطلعت أمينة إلى سليم بقلق فقال بحزم

_ساعديها تغير هدومها وخلينا نخدها المستشفى.

تمتمت أسيل برفض

_قلت مش عايزة.

قالت أمينة باقتراح

_هو حازم ابني جاي دلوقت نخليه يشوفها ويقول إن كانت محتاجة لدكتور ولا لأ

اومأ سليم وخرج من الغرفة وكأنه يهرب من مشاعره التي اصبح في الآونة الأخيرة فاقد السيطرة عليها.

جاء حازم وعندما سمع لوالدته أصر على الذهاب بها إلى المشفى

حاولت أسيل الاعتراض لكن حازم أصر قائلاً

_لازم نروح المستشفى ونعمل اشعة عشان نعرف سبب الدوخة والصداع ده.

وافقت أسيل مرغمة وقامت أمينة بمساندتها

خرجت السيارة من المنزل تحت انظار داغر الذي لم يرى أحد سوى حازم وأسيل فقط داخلها

اعمته غيرته لتواجدها معه في السيارة مما جعله يضغط على المقود بقوة حتى ابيضت مفاصله.

في المشفى

بعد عمل الأشعة عاينها الطبيب ثم طمئنهم

_انا شايف كل حاجة تمام قدامي والصداع ده نتيجة الضربة اللي اتعرضت ليها.

انا هكتبلها على أدوية تهدي الدوخة والصداع وان شاء الله يومين بالظبط وتبقى كويسة

عادوا إلى المنزل وكان والدها وزوجته جالسين في بهو المنزل

تطلع إليهم بسخط لخروجها دون علمه ولم يلاحظ حالتها

فقال لسليم بحدة

_في ايه ودي كانت معاك برة بتعمل ايه؟

اخفضت أسيل عينيها بانكسار لاحظه سليم فقال بفتور

_أسيل تعبت شوية وكنا عند الدكتور.

رد حسين بانفعال

_تعبت يبقى الدكتور ييجي هنا هي متخرجش لأي سبب من الأسباب والكلام ده انا قايله يبقى مينفعش يتكسر تحت أي ظرف.

نظر سليم لأمينة وقال بثبوت

_طلعيها يا دادة اوضتها ترتاح.

اخذتها أمينة وصعدت بها وانتظر سليم حتى دلفت الغرفة وأغلقتها ثم تطلع إلى والده وتحدث بجمود

_مع احترامي لحضرتك بس مينفعش كلمتي انا كمان تتكسر في البيت ده، كلامك يتنفذ لو أنا مش موجود معها.

ازداد شعوره بالحنق لدفاعه عنها والذي كان بدافع مشاعره تجاهها

لاو جود للمشاعر في قلب ابنه

لن يفعل ويسمح له بالوقوع في خطيئة المشاعر كما فعل هو من قبل عندما أحب فتاة واعطاها كل شيء وفي نهاية المطاف قامت بخيانته.

اخذ ينظر إليه وهو يصعد للأعلى بعد أن القى تحذيره المبطن بأنه لم يعد ذلك الطفل المتحكم به.

وقد لاحظت زوجته ذلك لذا كان عليها أن تسكب المزيد من الوقود على النار وقالت بخبث

_كل حاجة بدأت تخرج من بين ايديك يا حسين.

جملة قصيرة لكنها تعلم صداها جيدًا بداخله ونهضت لتتركه يحترق بناره

عليه أن يحكم قبضته كي لا تنفلت الأمور من بين يديه.

❈-❈-❈

ظل داغر يزرع الغرفة ذهابًا وإيابًا وهو يقبض على الهاتف بقبضته

مازالت صورتها وهي معه بالسيارة مطبعه بعقله

يعلم جيدًا بأنها لم تكن وحدها معه لكن تواجده معها يجعل غيرته الشديدة تشتعل حتى أصبحت كفوهة بركان

حاول الاتصال مرة أخرى ليخرج تلك النيران بها ولم يكن يدري بأنها أجابت تلك المرة كي يعوضها عن ذلك الجفاء الذي عاشت به بعيدًا عنه

لكنها تفاجئت به يصيح بها

_كنت فين يا هانم مع الزفت ده؟

لم تسرها غيرته عليها تلك المرة بل تفاجئت به يهاجمها باتهام مبطن

فتمتمت بعتاب

_هو ده كل اللي يهمك؟

انفعل أكثر وهدر بحنق

_أسيل متغيريش الموضوع انتي عارفة كويس إني منعك من الكلام معاه يبقى لما اشوفه خارج معاكي طبيعي إني انفعل بالشكل ده..

كانت لهجته حادة غاضبة وكأنها تتحدث مع شخص آخر

جربتها من قبل عندما رآها أول مرة مع حازم لكن لم تكن بتلك الشدة

فقالت بعتاب

_بس انا مكنتش لوحدي معاه كان معايا سليم ودادة

_ولو؛ ياريت اللي حصل ميتكررش تاني.

_حاجة تاني؟

تنهد داغر بغضب لكن تلك المرة من نفسه فمسح على وجهه يهدئ من روعه وتمتم بهدوء

_أنا آسف إن كنت انفعلت عليكي بس غصب عني بغير حتى من الهوا اللي بتتنفسيه.

_وانا قولتلك حازم زي أخويا مش أكتر من كدة.

أغمض عينيه وفتحها ثم قرر

التطرق في حديث آخر كى لا يزيد من غضبه فقال بعتاب

_ممكن بقا أعرف مكنتيش بتردي عليا ليه؟

اندهشت أسيل لتحوله لم تشاء أن يعرف شيئاً مما حدث لذا قالت بكذب

_الفون وقع مني واتكسر لسة مغيراه من يومين.

يعلم جيدًا بأنها تخفي الحقيقة لكنه يتركها كما تريد

_فكرتي في اللي قولتلك عليه؟

التزمت الصمت لا تعرف بماذا تجيب

تخشى من تحطم الأمل الوحيد المتبقى لها وتريد ان تنعم به ولو قليلاً

ماذا إن رفض والدها؟

هل تستسلم كعادتها؟

ام تحارب لأول مرة في حياتها لأجل شيء ترغبه وليس اي شيء بل كل حياتها

تعشقه حد الجنون وتخشى عليه من نفسها

انتبهت لصوته

_أسيل انتي معايا.

عاندت مصيرها لأول مرة حينما أجابته

_موافقة.

افترى فمه عن ابتسامة عريضة لكنها محت عندما تذكر حديث عمه فغمغم قائلاً

_خلينا نتقابل عشان احكيلك ظروفي وبالمرة اعرفك على عمي لأنه مصر يشوفك.

ما حدث معها يجعلها ترفض وبشدة لكنها تلك المرة ستعاند وتسير خلف قلبها لن تخاف لتسلم بعد الآن فسألته باقتضاب

_أمتى؟

فكر قليلًا ثم أجاب

_ايه رأيك بكرة الساعة ستة، ده الوقت اللي عمي بيكون فاضي فيه.

وافقت أسيل قائلة

_تمام بس بلاش نتقابل برة عشان ممكن حد يشوفني.

_اوك هستناكي بكرة

سمعت أسيل طرق على بابها فستئذنت منه

_هكلمك بعدين عشان حد بيخبط.

_تمام

اغلقت الهاتف وسمحت للطارق بالدخول

دلفت وعد والتي لم تتعرف عليها بعد بسبب تواجدها طوال الوقت داخل المطبخ

_تعالي يا وعد.

تقدمت وعد وهي تحمل كوب عصير وقالت بتهذيب

_عاملة ايه دلوقت؟

ابتسمت أسيل وردت بامتنان

_الحمد لله أحسن

وضعت الكوب على المنضدة

_اتفضلي العصير وان احتاجتي أي حاجة ابعتيلي.

اومأت أسيل لتلك الفتاة التي حدثتها امينة عنها وأخبرتها بعلاقتها الصامتة بسليم.

خرجت وعد واستسلمت أسيل للنوم بفعل المهدئ الذي أشاد به الطبيب.

عاد خليل من الخارج وفور دخوله وجد الفتاة التي تعمل لديه تعبث في أحد اللوح المعلقة على الجدار

اندهش من فعلها فسألها

_بتعملي ايه عندك؟

انتفضت الفتاة وأخفت شيء ما بجيبها ثم أشارت باليد الأخرى قطعة القماش وهي تقول بارتباك.

_ها.. لا ده انا بنضف الطابلوه عشان لقيت عليه تراب

قطب جبينه بشك

_في وقت زي ده؟

ازدردت لعابها بوجل

_مهو.. أصل النضافة مفيهاش مواعيد يا باشا واسفة إن كنت ازعجت حضرتك.

انهت حديثها وهي تنصرفت مسرعة إلى المطبخ
دلفت شاهي غرفتها وأغلقت الباب بإحكام عندما آتتها تلك المكالمة المنتظرة

فقد شارفت على الوصول لهدفها وأصبح الجميع في قبضتها

_ايوة يا شريف عملت ايه.

أجابها الرجل من الطرف الآخر

_زي ما حضرتك طلبتي سجلت كل المكالمات وهبعتهالك حالًا.


_تمام، حالاً تجيب خط جديد تتصرف فيه من اي مكان حتى لو تسرقه وتبعت كل الصور والمكالمات اللي وصلتلها، وبالنسبة للمبلغ هيكون أضعاف لو كملت اللي طلبته منك

_تمام يا هانم كل حاجة هتمشي زي ما طلبتي.

أغلقت الهاتف وانتظرت وصول تسجيل المكالمات

ووصلت تباعًا آخر مكالمتين بين داغر وأسيل والتي اتفقوا فيها على الذهاب لمنزله.

وآخرى مكالمة يخبرها بأنه ينتظرها بالقرب من منزلهم.

ابتسمت بخبث وهي تتمتم

_أخيرًا وقعتي في ايدي يا بنت ليندا

❈-❈-❈

وقف داغر بسيارته بالقرب من منزلها

ينتظر مجيئها على أحر من الجمر

فقد مر نصف ساعة ولم تأتي حتى الآن

أما أسيل فقد ظلت تراجع نفسها مرات عديدة وتفكر في عواقب فعلتها إن علم والدها بخروجها.

هي تعلم جيدًا بأن لا داعي لخروجها لأن لا شيء سيجعلها تتراجع عن حبها له أو الارتباط به

لكن شيء بداخلها يجذبها للتمرد وفعل ما تود هي فعله لأول مرة بحياتها

لا تريد أن تكون دمية في ايديهم بعد الآن

دلفت وعد وهي تسألها

_خير يا أسيل هانم

جذبتها اسيل من يدها وقالت بلهفة

_هطلب منك حاجة وياريت تنفذيها.

وافقت وعد بتردد

_أكيد طبعاً لو في مقدرتي.

جذبتها ناحية الفراش وجعلتها تستلقي عليه وقالت برجاء

_مش هتعملي غير انك ترقدي على السرير وتغطي وشك لمدة ساعة واحدة.

قطبت وعد جبينها بدهشة وسألتها

_ليه كل ده؟

_عندي ميعاد ضروري ولازم أروحه ساعة بالكتير مش أكتر.

شعرت وعد بالقلق وتمتمت بوجل

_بس لو حد عرف هيودوني في داهية غير كمان اللي ممكن يحصل معاكي لو حسين بيه عرف.

جعلتها أسيل تستلقي وجذبت عليها الغطاء وهي تقول

_محدش هيعرف متقلقيش خليكي انتي كدة وانا هرجع على طول.

وافقت وعد مضطرة واخذت أسيل حقيبتها وخرجت مسرعة من الباب الخلفي فوجدت داغر ينتظرها على بعد.

تلفتت حولها يمينًا ويسارًا ثم أسرعت بالذهاب إليه

استقلت مقعدها بجواره وقد أشرقت عينيها لرؤيته وخاصة عندما حدثها بصوته الرخيم وهو يتأملها

_وحشتيني.

ابتسمت بخجل وهي تتمتم

_وانت كمان.

رفع حاجبه بمكر

_وانتي كمان ايه؟

أغمضت عينيها بيأس منه فهي لن تستطيع الافلات منه حتى تنطقها

_مشيها وانا كمان.

_تؤ متنفعش، يا اسمعها يا أما مش متحكرك من مكاني.

تمتمت يتحذيى

_داغر.

رد بملاوعة

_قلب داغر، بس انا راجل مش بيرجع في كلمته عشان نكون على نور من أولها.

لا مجال للرفض وهي تعلم ذلك جيدًا فتمتمت بصوت خافت

_وحشتني.

تظاهر بعدم سمعها

_بتقولي ايه؟

ضغطت على حروفها

_بقولك وحـشـتـنـي

وضع داغر يده على قلبه ويعود برأسه للوراء

_يا قلب داغر اللي هيقف بسببك.

ضحكت اسيل فقام هو بتشغيل المحرك وهو يقول بمكر

_انا بقول كفاية كدة لحسن انا عارفه في الحته دي شاطر أوي.

ضحكت اسيل لفهمها مقصده

وانطلق داغر بالسيارة وقد تناست أسيل كل شيء سوى تلك الفرحة التي ترفرف داخل قلبها.

تحبه ويستحق ان تجازف بحياتها لأجله، وتعلم جيدًا بأنها أحسنت الاختيار ولا شك في ذلك..

❈-❈-❈

في منزل خليل

تسللت العاملة إلى المرحاض بعد أن تأكدت من ذهاب الجميع وأخرجت هي هاتفها بعد أن اغلقت الباب بإحكام وقامت بالاتصال على احد الأرقام وانتظرت حتى أجابها

_ايوة يا سهى عملتي ايه؟

_كل حاجة ماشية تمام مفيش حد في الفيلا نهائي وهو قاعد برة في الصالة

_شغلتي الكاميرا ولا لسة؟

_اه شغلتها في المكان اللي قولتلي عليه.

ارتبك صوتها بخوف

_بس انا خايفة.

احتد صوت الرجل وهو يقول

_خايفة من ايه يا…… هي اول مرة ولا أيه.

_لأ مش قصة اول مرة، بس خايفة ليموت فيها.

_لا متخافيش احنا عاملين حساب كل حاجة اقفلي ويلا نفذي اللي قولتلك عليه.

أغلقت الفتاة وخرجت من المرحاض دالفة إلى المطبخ كي تنفذ ما أمرها به

أعدت القهوة كما طُلب منها وخرجت متجهة إلى حيث يجلس خليل يتصفح هاتفه

وضعت القهوة على الطاولة أمامه وقال لها بروية

_متشكر يا سهى روحي انتي بقا.

نظرت الفتاة إلى الكاميرا وأومأت له دون قول شيء.

وقبل أن تتحرك من مكانها رن هاتفه وعندما اجاب عليه تفاجئت به ينهض قائلاً

_أمتى ده؟

_…….

تطلع في ساعته وقال

_تمام خمس دقايق وهكون عنده.

تطلع إلى سهى وقال

_داغر جاي دلوقت عرفيه إني روحت مشوار صغير وراجع على طول.

أومأت له وخرج هو مسرعًا إلى وجهته

انعطفت سيارة داغر فور خروج سيارة عمه مما جعله يتمتم بحيرة

_هو عمي رايح فين؟

سألته أسيل

_انت مش قلت انه مستنينا؟

اوقف السيارة امام الباب الداخلي وامسك هاتفه يتصل به وعندما اجابه فتح سماعة الهاتف كي تطمئن

_ايوة يا عمي انت رايح فين؟

اجاب خليل

_معلش يا داغر مشوار مهم مش هياخد مني ربع ساعة بالظبط اعتذر لأسيل وقولها مش هيأخر.

_تمام بس حاول متأخرش.

تطلع إلى أسيل وقال

_تعالي نستناه جوه

ترجلت اسيل معه ودلفت للداخل فوجد سهى تحمل القهوة كي تعود بها فأوقفها داغر

_القهوة دي بتاعة عمي.

ارتبكت سهى وتمتمت برهبة

_اه ملحقش يشربها.

تقدم منها ليأخذها وقال لأسيل

_احسن برضه شكلها من نصيبي.

اتسعت عين سهى بخوف وقالت

_طيب خليني اعملك واحدة غيرها

اندهش داغر من ارتباكها وقال بأمر

_سيبيها وروحي اعملي كوباية عصير.

اومأت مجبرة وعادت إلى المطبخ لتخرج هاتفها لتعيد الاتصال بالرقم

_ألحقني يا توفيق بيه، خرج وساب القهوة وابن اخوه بيشربها

_انتي بتقولي ايه يا متخلفة انتي انا قولتلك هو.

_اعمل ايه، بعد ما عملتها جاله فون وسابني ومشي ودخل ابن اخوه مع واحدة واخد مني القهوة.

فكر توفيق قليلاً ثم قال

_قاعدين في نفس المكان؟

_أيوة.

_خلاص سيبي البيت وامشي دلوقت

_بس…

_مبسش اعملي اللي بقولك عليه، ابن اخوه هيقوم بالواجب، وانا هخلي حد يعطله عشان ميلحقش اللي هيحصل ويمنعه.

في بهو المنزل حيث يجلس داغر وأسيل

_داغر انا خايفة عمك يأخر.

طمئنها داغر قائلاً

_متخافيش عمي في المواعيد بريفكت، خلينا نتلكم شوية لحد ما يرجع.

وضع فنجان القهوة الفارغ على الطاولة ثم استدار إليها ليتابع بجدية

_شوفي يا ستي طبعاً انتي عارفة ظروف شغلي كويس وعارفة إن ممكن سفري يستمر لأسبوعين وأحياناً أكتر

فطول فترة غيابي هتكوني هنا مع عمي ولما أرجع هنقضي الأجازة في اسكندرية.

عارف انك هتكوني مشتتة بس أنا مش هآمن عليكي تقعدي لوحدك في الفيلا وعمي أجازته بتكون يومين بس في الاسبوع فـ…

قاطعته أسيل بلهجة يشوبها الرجاء

_كل ده مش هيفرق معايا كل اللي عايزة منك إنك متخلنيش اندم اني عرفتك في يوم من الايام.

أمسك داغر يدها ليقبلها بحب ثم تمتم بكل العشق الذي يحمله بداخله

_انتي اللي متخلنيش اندم ان حبي ليكي بيزيد يوم بعد يوم انما اكون سبب في ندمك”هز رأسه بنفي” ده شيء مستحيل.

ابتسمت أسيل بحب وتطلعت إليه بعينيها التي تسحره بصفاءها وتمتمت بوله

_متشكرة اوي على وجودك في حياتي دي حاجة هفضل أحمد ربنا عليها العمر كله.

لم يجد الكلمات التي يصف بها ما يحمله لها لذا أكتفى بأن جذبها إليه ليضع رأسها على كتفه وتمتم باحتواء

_وانتِ أجمل حاجة دخلت حياتي ومفيش قوة في الدنيا تقدر تخرجك منها.

ابعدها عنه قليلًا ثم قال بمكر

_بقولك ايه متيجي افرجك على أوضتنا.

اغمضت عينيها بيأس منه

_تاني يا داغر.

_طول ما انتِ بتقولي داغر بالطريقة دي هقولها تاني وتالت ومليون لحد ما تدخليها إجباري.

ضيقت عينيها بتحذير

_أوعى تكون بتفكر تتشاقى كدة ولا كدة.

رفع حاجبيه بتمني

_مكدبش عليكي هموت واعملها بس بصبر نفسي لحد ما نتجوز بس ورحمة أمي وقتها “ضيق عينيه بخبث وتابع بجرئة” ما هـ…

وضعت يدها على فمه تمنعه مسرعة

_بس بس متكملش انت مصيبة.

رفع يدها عن فمه ليقبلها وقال

_انتِ لسة شوفتي حاجة اصبري بس.

لم تجد خلاص منه سوى ان تتطرق في أحاديث أخرى كي يكف عن تلك التلميحات

بعد وقت قصير بدأ داغر يشعر بأشياء غريبة تحدث له

جفاف حلقه

ضربات قلبه المتسارعة

ونظراته لأسيل التي لاول مرة تكون شهوانية بتلك الدرجة

أغمض عينيه وهو يزدرد ذلك الجفاف بصعوبة

لا يعرف ماهية تلك المشاعر التي اقتحمته فجأة

كان ينظر لأسيل وهي تتحدث لا يعي شيء من قولها

لأول مرة يشعر بأنه غير متحكم في مشاعره التي تطالبه بالتقرب منها

أغمض عينيه بشدة يحاول السيطرة عليها لكنها تزداد وتزداد

أصبح تنفسه ثقيلًا وعينيه تتابع تفاصيلها برغبة موحشة

ماذا يحدث له.

متى كان بتلك الهمجية

كان يرد عليها بكلمات مقتضبة وأحياناً تكون غير مفهومة بسبب ثقل نطقها

كانت نظراته مهزوزة كأنه يعارف معها كي تتزن

حتى إذا نظر إليها تكون مشتتة

لاحظت أسيل ذلك لذا سألته بحيرة

_داغر انت كويس؟

وضع رأسه بين يديه يحاول تنظيم انفاسه وأسئلة أسيل لا ترحمه

رفع رأسه إليها ورغبته بها تزداد شدة

عليه أن يبعدها.

عليه أن يحميها من نفسه.

حاول التفوه لكن لا يستطيع إخراج صوته ويجد صعوبة بالغة في ذلك.

حاول تنظيم أنفاسه ووضع كفيه على وجهه يحاول التخفيف تلك الرغبة لكن يشعر بها تزداد

عليه أن يبعدها أخذ نفس عميق كي يستطيع النطق

فتمتم بصوت بالكاد استطاع اخراجه

_امـ..شـ..ـي.

قطبت جبينها بحيرة وسألته

_داغر بتقول حاجة.

كم كان صعب عليه نطق الكلمة مرة أخرى

حاول أبعاد عينيه عن منحنياتها التي لم تفلح ملابسها المحتشمة بحمايتها منه وازدرد تلك المرة لعابه بأكثر صعوبة وهو ينظر لثغرها الذي انفرج قليلًا وهي حائرة من حالته

لم يستطيع خفض عينيه عن شفتيها المصطبغة بلونها الوردي الطبيعي بعدما وقعت عليها

وكلما تحركت بالحديث كلما اشتعلت رغبته أكثر

رغبة موحشة لم يشعر بها من قبل

يريدها بشدة وعينيه تجوب جسدها بشهوة قاتلة حتى أصبح غير مسيطرًا عليها

الدماء تندفع داخل اوردته بقوة وقلبه تزداد وتيرته بعنف لم يسبق له مثيل

حاول التحكم بتلك الرغبة ودفعها للذهاب لكن كلما حاول التحدث كلما اشتعلت مشاعره أكثر فأكثر

أغمض عينيه بشدة يريد أن يتحكم برغبته لكنه وصل إلى الحد الذي جعله لا يريد غير اشباع تلك الرغبة

حاول تنظيم أنفاسه الثائرة وهو يتمتم بصعوبة بالغة

_ا..هـ..ر..

لم يقوى على تكملتها وانتفض جسده عندما وضعت أناملها على كتفه لتزيد صعوبة الأمر عليه

واشتعلت رغبته حتى وصلت لأشدها وهي تنهض لتجلس قبالته وتناجيه أن يرد عليها

آه خافتة خرجت منه وهو يتطلع لشفتيها بعينيه

يريد بشدة ان يتذوق شهدها

بيد مرتعشة رفعها ليمررها على وجنتها ماراً بها على شفتيها الممتلئة فتجفل أسيل من فعلته وترفع يدها لتبعد أنامله عنها.

كان صوتها بعيد تمام البعد ورغم ذلك ألهب حواسه حتى وصلت حد الذروة

وفقد التحكم في شهوته فيجد يديه تمسك رأسها تقرب فمها من فمه فتتلاقى الشفاه في قبلة متطلبة بث فيها مدى رغبته بها

بوغتت أسيل بفعلته وحاولت الابتعاد عنه لكنه أحكم قبضته خلف رأسها كي لا تبتعد عنه.

اشتدت قبلته قوة آلمتها وهي جاثية على ركبتيها أمامه فتنفلت احدى يداه ليضعها حول خصرها يقرب جسدها إليه

ولم ينتبه ليدها الواهنة أمام جبروته وهي تدفعه عنها

لم يتزحزح جبل النار قيد انملة، فقط ترك شفتيها لتنتقل إلى عنقها الناصع فتشهق بقوة وهي تصرخ به

_داغر انت بتعمل ايه.

لم يستمع إليها كل ما يشعر به هي مشاعره التي تطالبه بها وأخذ يقبل عنقها بقوة آلمتها حد الصراخ

_داغر أرجوك متعملش فيا كدة.

لم يفلح شيء في ابعاده عنها وأخذت تصرخ لعل أحد يسمعها وينقذها من براثين ذلك الغادر

أخذت ترجوه لكنه قطع رجاءها بأن عاد إلى شفتيه يقبلها بعنف وشراسة جعلتها تصرخ من بين قبلاته

ابتعد عنها قليلًا لكنه مازال محكم قبضته حولها فتتفاجئ بعينيه حادة شديدة الإحمرار

وكأنه شخص آخر فتمتمت بتوسل لم يؤثر بذلك الجبل

_أرجوك سيبني.

هز رأسه دون وعي وكأنه بذلك يشرح لها مدى صعوبة الأمر عليه، وعاد إلى شفتيها

رفضت الاستسلام لذلك المصير وأخذت تدفعه عنها بكل قوتها لكن كأنها تتزحزح جبل شاهق كلما دفعته كلما غُرزت بداخله

وكلما قاومته كلما ازداد عنفه عليها

هم بالنهوض بها لكنها بمهارة استطاعت الإفلات منه والهرب، سقط هاتفها فلم تبالي به، الأهم أن تلوذ بالفرار

كانت المسافة بينها وبين الباب قريبة لكنها شعرت بها بعيدة وهي تسرع الخطى كي تهرب منه حتى كادت أن تصل لولا أن تعثرت في ركضها ليستطيع شيطانه الوصول إليها بكل سهولة عافرت معه رافضة الاستسلام

فتسقط ويسقط هو معها فيعتليها بجسده كي يحكم حركتها

كانت تتلوى اسفله تصرخ وتستنجد به تستنجد بذلك الحبيب الذي عاهدها ان يحافظ عليها وألا يخذلها يومًا لكنه مغيب لا يعي بشيء مما يفعله

فقط شبح الشهوة من يسيطر عليه

عالى صوتها بالصراخ عندما مزق بلوزتها ومال عليها ينهش بها بكل قسوة

وعندما حاولت ابعاده عنها قيد يديها بيد واحدة وتابع نهشه بها، فتمتمت بتوسل ونحيب

_داغر أرجوك أوعى تعمل فيا كدة.

لكن بدا كمن أصابه الصم لا يستمع لها

رغم أن صرخاتها تمزق القلوب من آلامها

نهض وهو يجذبها معه فظنت لوهلة انه اكتفى منها لكن عندما وجدته يجذبها ويصعد بها الدرج فترفض هي ذلك المصير وتحاول التملص منه

لكن صفعة قوية نزلت على وجهها جعلتها تشعر بالدوار وتفقد قوتها

كانت عينيه شديدة الإحمرار ويديه القاسية تجذبها من خصلاتها

ولم تشعر بشيء بعدها إلا وهو يلقيها على الفراش يعتليها مكملاً ما بدأه

وانتهى كل شيء عند صرخة خرجت من جوفها شقت سكون الليل وتلاها صرخات متتالية جعلتها تفقد الوعي

❈-❈-❈

في منزل حسين

عاد سليم مع والده في المساء

كان سليم طوال الوقت منشغل بأسيل يريد الاطمئنان عليها

فقد أخبره الطبيب بأن الضربة التي تلقتها قد تترك أثر قوي عليها.

توجه مباشرةً إلى غرفتها فيطرقها مرة واحدة قبل دخوله

وجدها مستلقية على الفراش تخفي وجهها فعلم أنها مازالت متأثرة بما حدث، فالوقت مبكر على ميعاد نومها ويعلم جيدًا بأنها تتظاهر بالنوم عندما تكون حزينة

لأول مرة قرر ان يتعامل معها بعاطفته لذا اقترب منها ونادها

_أسيل.

لم تجيبه وشعر برعشة جسدها اسفل الغطاء

فعلم انها تتظاهر بالنوم ولم يقبل هو بتركها فقام برفع الغطاء فيتفاجئ بوعد من تسلتقي أمامه

قطب جبينه مندهشًا وسألها بانفعال

_بتعملي ايه هنا؟ وفين أسيل.

نهضت وعد من الفراش ولم تستطيع الرد عليه.

امسكها من ذراعها يهزها

_بقولك فين أسيل؟

ارتعشت اوصالها وهي تتمتم بخوف

_معرفش.

عقد حاجبيه بغضب وهو يصيح بها

_بقولك راحت فين؟

_والله العظيم ما اعرف هي طلبت مني انام مكانها لأنها مخنوقة وعايزة تتمشى شوية.

دفعها سليم لتسقط على الفراش وخرج من الغرفة وغضب الدنيا قد تمكن منه

اخرجت وعد هاتفها من اسفل الوسادة وقامت بالاتصال بأسيل لكنها لا تجيب.

أما في غرفة حسين

وقفت شاهي تشاهد الصور التي بعثها الرجل إليها وهي تبتسم بخبث، فاليوم ستكون نهاية مؤكدة لها

خرج حسين من المرحاض فتظاهرت بالارتباك والذهول

قطب جبينه بحيرة وتقدم منها يسألها

_في ايه؟

تظاهرت شاهي بالخوف وقامت باخفاء الهاتف وهي تمتم بارتباك مزيف

_ها.. لأ لأ مفيش حاجة

تلاعب الشك بداخل حسين ودنى منها ليسألها

الفون في ايه وخبتيه ليه اول ما شوفتيني

هزت راسها بخوف مصطنع

_قولتلك مفيش حاجة

همت بالهرب لكنه

جذب ذراعها بقوة وأخذ الهاتف عنوة وقام بفتحه فيتفاجئ بصور لأسيل وهي مستلقية على الرمال في أحضان رجل لا يظهر وجهه جيدًا

وأخرى وهي معه بالسيارة مستلقية بداخلها وهو معها

وآخرها وهي معه بالسيارة وتدلف من بوابة منزل.

تلاعبت شياطين الدنيا أمام وجهه ونظر إليها بسخط

_مين اللي بعتلك الصور دي؟

هزت رأسها بخوف حقيقي من هيئته وغمغمت

_معرفش هما لسة واصلين ليا حالاً.

كشر حسين عن انيابه وهو يجذبها من خصلاتها ويقول بهدر

_انتي بتستغفليني، لسة شايفها ازاي والصور مبعتوه من ساعة يعني كنتي عارفة وبتخبي عليا

ارتعشت بخوف منه وقالت برجاء

_صدقني يا حسين معرفش حاجة كل اللي عرفته وسمعته النهاردة أنها كانت بايته عنده في الليلة اللي شوفناها راجعة فيها من برة ولما نصحتها تتراجع مسمعتش كلامي وخرجت من شوية

صفعة حادة سقطت على وجهها جعلتها تسقط على الأرض وهدر بها

_حسابك معايا بعدين.

تركها وخرج من الغرفة وتوجه مباشرةً إلى غرفة أسيل فيتفاجئ بها فارغة

❈-❈-❈

فتحت عينيها على ذلك الألم الذي يجتاح كامل جسدها فتجد أن ما مرت به لم يكن كابوس كما ظنت بل حقيقة مرة

لم تملك الجرئة للتأكد ونهضت بوهن وكل عضلة بها تئن من شدة الألم

تحاملت على نفسها ومدت يدها المرتعشة تجذب ملابسها الممزقة لترتديها

كانت الغرفة خالية من وجوده، رحل بعد أن دمرها وقضى عليها

خدعها وأوهمها بحب واهم وكان يفعل ذلك كي يوقعها في براثينه

انتهى كل شيء الآن وقضى ذلك الخائن على ما تبقى بداخلها من حياة

لم تفلح بلوزتها بسبب تمزقها لذا لم تجد سوى قميصه الملقى على الأرض لترتديه.

كانت رائحته تعبء كل شيء حولها حتى جعلتها تشعر بالنفور

لأول مرة تكره رائحته حتى كرهت جسدها الذي دُنس بيديه

خرجت من ذلك المنزل الذي لن تنساه وسيظل ذكراه بداخلها ما تبقى لها من حياة

لن تظل في تلك البلد بعد الآن ستلجئ إلى جدها ولن تعود إلى تلك البلدة الظالمة.

خرجت من المنزل وقد كان خالياً حتى من حارس الأمن على البوابة الرئيسية

فمن المؤكد أنه كان مستعد لفعل ذلك وجعل جميعهم ينصرفوا حتى لا يكون أحدًا منهم شاهدًا على فعلته….

توقفت سيارة الأجرة أمام منزلهم، أو بالأدق جحيمها فتترجل منها وتدلف المنزل كي تأتي بجواز سفرها وترحل في الصباح

انقبض قلبها عندما وجدت عين والدها الجحيمية تنتظرها في بهو المنزل

❈-❈-❈

صدح صوت مكابح سيارة سليم عندما اخبرته وعد بعودة أسيل

ألقى الهاتف على المقعد باهمال واستدار مسرعًا بسيارته كي يلحقها

فأبيه لن يرحمها تلك المرة

كان يقود بسرعة جنونية كي يصل مسرعًا وعندما انعطفت السيارة لداخل المنزل سمع صوت صراخها

فاوقف السيارة في المنتصف وأسرع إلى الداخل فيجد والده يكيل لها العذاب هم بانقاذها منه لكنه توقف مكانه عندما سمع والده يهدر بها، يصفعها وتعود هي للوراء تصرخ بألم

_جبتيلي العار يا ……، كنت عارف انك هتعملي كدة وتفضحيني.

هزت رأسها بنفي وهي تحمي وجهها بيدها

_محصلش والله كان غصب عني.

صفعة أشد أسقطتها أرضاً فتنصدم رأسها بالطاولة وقام بجذب خصلاتها قائلاً بهدر

_مش هو اللي كنتي بايته معاه يا….

كانت جاثية أمامه وهو يجذبها من خصلاتها

تارة يصفعها بكل كلمة، وتارة أخرى يضرب رأسها في الطاولة الرخامية أمامها

_مين اللي غلطتي معاه يا…….

لم تجيب أسيل من شدة الألم واخذ الجميع يشاهد ما يحدث لها مكتفيين بالبكاء حصرة عليها إلا سليم الذي وقف مصدومًا من قول والده

وكأنه داخل كابوس مزعج

لم يتخيل لوهلة أن يعاد ذلك المشهد أمامه ولكن تلك المرة حقيقة مرة

كانت صفعات والدها تدوي مع صرخاتها التي رجت سكون الليل وهي مستسلمة لمصير محتم آخره الموت

مشاعر متضاربة وحرب مشتتة بداخله

ما بين إنقاذها من يد والده وبين رغبة موحشة بقتلها على ما اقترفته في حق نفسها وحقهم

لأول مرة يشعر بأنه يود الهرب

الهرب من كل شيء يعيشه

فقط يختفي عن تلك الدنيا حتى لو كان بالموت

وبالأخير انصاع لرغبة والده عندما ألقاها أسفل قدمه وقال بأمر

_البنت دي متعيش يوم واحد تاخدها وتتخلص منها في أي مصيبة.

تطلع سليم إليها بوجوم وقد قذفها حسين أسفل قدمه بعد ما أصبحت كجثة هامدة

ظل لحظات ينظر إليها بتلك النظرة الباردة

والتي أكدت أنه أيد والده

مال عليها وجذبها بدوره من شعرها ليجبرها على الوقوف أمامه ثم جذبها إلى الخارج

لم تستطيع وعد الوقوف مكتوفة الأيدي وأسرعت بالذهاب خلفه

_سليم بيه.

لم ينظر خلفه ووصل بأسيل المستسلمة إلى سيارته وألقاه في المقعد الخلفي بعنف ثم اغلق الباب

اسرعت وعد تقف امامه وقالت برجاء

_سليم اوعى تعمل كدة.

نحاها سليم من امامه وفتح باب السيارة ليدلف بها وحلم ترجوه

_أرجوك يا سليم افتكر انها اختك، واكيد اللي حصل ده كان غصب عنها

شغل محرك السيارة وكأنه لا يستمع لها فصاحت به

_ارجوك يا سليم لو عملت كدة هتندم عمرك كله.

انطلق بسيارته وسقطت وعد على الارض تبكي على حال الفتاة وحال حبيبها

لن يرحمه ضميره إن فعل ذلك، فالاخوه نعمة لا يعرف قيمتها الا من حرم منها.
فتح داغر عينيه على ألم شديد في معدته ورغبة شديدة في التقيء

كانت الدنيا تلتف به وضربات قلبه متسرعة بطريقة تدعوا للقلق

انتبه لما حوله فيجد نفسه مستلقي على الأريكة في حديقة منزله

ازدادت رغبته في التقيؤ فاعتدل مسرعًا ليتقيء ما بجوفه وقد زاد الأمر بألم حاد في رأسه

انتهى أخيرًا وقد شعر بروحه تنسحب منه.


ماذا حدث، وأين أسيل؟

وما الذي جاء به إلى هنا؟

نظر لملابسه وازار قميصه المفتوحة

بحث عن هاتفه فلم يجده

دلف للداخل فيجد هاتفه ومفتاح سيارته على الطاولة كما تركهم لكن لا أثر أيضاً لأسيل.

قام بالاتصال عليها فيجد هاتفها قيد الاغلاق

وضعه في جيبه ثم زرر قميصه مسرعًا

ثم أخذ مفاتيح سيارته وخرج من المنزل

عليه أن يتواصل معها كي يعرف لما رحلت

قاد سيارته وهو بتلك الحالة وألم رأسه لا يرحمه حتى أن الرؤية أمامه أصبحت مشوشة

قلبه يتألم لا يعرف لما لكنه يتألم يشعر به يعاتبه

على ماذا؟

قاد سيارته بسرعة ليصل إليها عليه ان يعرف ماذا حدث ولما ذهبت قبل ان يصل عمه

كان الطريق لمنزل والدها يشعر به بعيدًا وكلما اقترب كلما شعر ببعده أكثر أخرج هاتفه كي يتصل على عمه لكنه سقط من يده دون أن يبالي ما أن رأها تمر بسيارة أخيها على الجانب الاخر مستندة برأسها على الزجاج ناداها بلهفة وقلب ملتاع

_أسيل.

لكن لم تنتبه له فقد كانت بعالم آخر لا تعي بشيء من حولها

استدار بسيارته مسرعًا كي يصل إليها

لكن لم ينتبه لتلك الشاحنة التي خلفه والتي صدمت سيارته بقوة فاطاحت بها بعيدًا منزلقة على الطريق ثم تنقلب وهو بداخلها وكان اسمها اخر ما نطقه قبل ان يفقد وعيه.

❈-❈-❈

أما هي فقد توقف بها سليم بسيارته على جانب الطريق ثم ترجل متجهاً ناخيتها من السيارة جانباً إياها من خصلاتها وهي مستسلمة تمامًا له

ليس فقط استسلام لمصيرها ولكنها أيضاً قد انهكت فلم يعد باستطاعتها شيء سوى الرضوخ حتى لو كان لموتها

جذبها بعنف ووقف بها على حافة المياه ثم أجبرها تجثوا أمامه وهو ينظر إليها بسخط.

لم تردعه دموعها التي كانت من قبل تحرقه

ولا شيء يبالي به سوى العار الذي جلبته لهم

رفع قدمه ليضعها بغضب على ظهرها كي يدفعها

لن يغفر ولن يسامح على تلك الخطيئة فهي تستحق الموت الآن ولن يردعه شيء عن فعلها

هم بدفعها لكن قدمه تيبست عندما رددت اسمها

_ماما.

شعر بنصل حاد يخترق قلبه عندما نطقت اسمها وتذكرها وهي ترحل من المنزل بعيون باكية وتوصيه على اخته

ضغط على اسنانه بغضب وهو يحاول طرد تلك الذكرى من رأسه وهم بقذفها لكن قدمه ظلت ثابتة ولم تطاوعه

حاول وحاول لكن لا فائدة فاسمها الذي يتردد بسمعه جعله يعجز عن فعلها فقام بكل غضب بركل الرمال فيتطاير حولهما ويسمح لمشاعره لأول مرة بالانطلاق

أخذ يصرخ بعلو صوته

يصرخ ويعلوا صوته حد البكاد

هنا انتهى كل شيء وانتهى ثباته وانتهى ذلك الشخص حاد المشاعر ولم يعد باستطاعته التظاهر بالجمود أكثر من ذلك.

ترك لنفسه العنان كي يخرج مكوناته التي تراكمت بداخله عبر تلك الأعوام

ثم سقط جاثياً على ركبتيه رافعاً رأسه للسماء وصرخاته تدوي في كل مكان.

يريد أن يقتلع من داخله ذلك الألم الذي ظل يتضاعف ويتضاعف حتى وصل لزروته..

❈-❈-❈

استيقظ حازم على صوت هاتفه

وكذلك هايدي التي فتحت عينيها بتثاقل وهي تسأله

_مين اللي بيتصل في وقت زي ده.

تناول هاتفه من على المنضدة وقال بحيرة

_تلقاه حد من المستشفى…..

اندهش عندما وجده رقم سليم فأعتدل في فراشه وأجابه

_السلام عليكم

رد سليم بهدوء

_وعليكم السلام انا مستنيك في…….. تعالى بسرعة ومن غير ما تعرف حد.

أغلق الهاتف دون ان يستمع رده مما جعل قلب حازم ينقبض بقلق فسألته هايدي

_مين يا حازم؟

رد وهو ينهض ليبدل ملابسه

_دي حاله متابعها وتعبت شوية.

ابدل ملابسه وخرج متوجهاً إلى حيث ينتظره سليم والقلق ينهشه

توقف عندما وجده واقفًا ينظر إلى البحر بشرود

ترجل من سيارته وتقدم منه يسأله

_خير يا سليم ايه اللي حصل؟

ظل صامتاً فترة وجيزة كأنه فقد النطق ثم تحدث بجمود

_هتلاقيها في العربية خدها وشوف لها اي مكان تعيش فيه بعيد عن عننا، مش عايزها تظهر قدامي لأي سبب من الأسباب لأني لو صادفتها هقتلها.

لم يحتاج حازم لفطنة كي يعرف مغزى حديثه

تطلع إلى السيارة فيجدها مستنده برأسها على النافذة في سكون تام.

تطلع إليه سليم وتابع

_وبكرة الصبح هتكون والدتك معها، ان حد سألك عنها فهي ماتت.

عاد سليم لينظر إلى تلاطم المياه أمامه، لا يريد أن يراها وهي ترحل دون عودة

لن يغفر لها خطيئتها حتى لو كانت دون إرادتها

تقدم حازم من السيارة بمشاعر متضاربة

عتاب تارة

وحنق تارة أخرى

يعلم جيدًا كم هي بريئة ونقية لكن وضعت في غابة من الذئاب وعندما سقطت في جحرهم نهشوها بكل قسوة.

فتح الباب ومد يده والعجيب في الأمر أنها لم ترفض وترجلت معه باستسلام تام

لم يستطيع رؤية ملامح وجهها من تلك الكدمات التي أخذت جزء كبير من وجهها

وتلك الدماء التي بجانب رأسها قد جفت مكانها.

أخذها بداخل سيارته وانطلق بها إلى منزلهم القديم

لن يستطيع الذهاب بها إلى شقته، عليه أن يجعل الأمر طي الكتمان حتى يصل إلى حل.

فلم يجد أمامه سوى منزله القديم.

اوقف سيارته واستدار لينظر إليها فوجدها مغمضة عينيها فظن أنها غفيت مكانها.

أخرج من درج سيارته المفتاح ثم

ترجل كي يفتح الباب الذي انهكه الصدئ

ثم توجه إليها ليحملها لكنه تفاجئ بها تصرخ وتدفعه بعيدًا عنها

أمسك يدها يحكمها كي لا تؤذي نفسها لكن فعلته تلك جعلت جسدها يشتد بشدة ثم تشنج وأخذ يهتز بقوة جعلته غير متحكم بها

جعلها تستلقي على المقعد الخلفي كي يستطيع التحكم بها أكثر

لكن شعر بالقلق عندما زادت حالتها سوء وأصبح جسدها ينتفض أكثر

لذا كان عليه الذهاب بها إلى المشفى

❈-❈-❈

جلست شاهي على المقعد تضع قدم فوق الأخرى تهزها بكل أريحية وهي تتحدث بالهاتف

_متقلقش باقي فلوسك هتوصلك بكرة الصبح، صحيح اللي حصل ده غير اللي توقعته بس النتيجة واحدة في الآخر.

اغلقت الهاتف وألقته على المقعد المجاور

وابتسامة سعادة مرتسمة على وجهها

_مكنتش مخططة لده بس انتِ اللي جبتيه لنفسك محدش كان له دخل.

كدة خلصت من واحدة باقي سليم ووقتها هكون رجعت كل حقوقي اللي اتخدت مني.

عاد سليم إلى المنزل بنفس الوجوم

كان يسير وكأنه يسابق الريح حتى وصل لبهو المنزل فيجد والده جالساً على المقعد يضغط على قيضته بشدة

وفور رؤيته نهض ليسأله بجمود

_عملت ايه؟

رد بكل فتور

_خلصتك منها، زي ما هخلصك مني انا كمان.

قطب جبينه مندهشًا وسأله

_يعني ايه مش فاهم؟

_يعني من بكرة هسافر امريكا أمسك الفرع اللي هناك ومش هرجع هنا تاني.

تقدم حسين منه وهو يضيق عينيه بشك

_ليه؟ مع انك كنت رافض تمسكه.

رد سليم بهدوء رغم النار المشتعلة بداخله

_مبقاش في سبب يخليني افضل يوم واحد في البيت ده، انا مش طالب منك غير إني امسك الفرع ده واستقل به.

عاد حسين إلى مقعده وأخذ يفكر لبرهة قبل أن يقول

_أيه اللي يخليني أوافق على إنك تبعد……

قاطعه سليم بحزم

_أنا مش باخد رأيك، سواء وافقت أو رفضت أنا مش هفضل يوم واحد في البيت ده، ده قراري ومش هرجع فيه، وبعدين القرار ده هيعجب شاهي هانم جدًا وأهي تضمن إن كل حاجة بقيت ملكها.

انفعل حسين بابنه

_وعشان كدة عايزك تفضل جانبي تكون ضهر وسند ليا.

_انت مكنتش ضهر ويند لينا عشان نكون ضهر وسند لك، صدقني أنا كنت قاعد في البيت ده بس عشان خاطر أختي وبما إنها خلاص راحت يبقى مليش مكان هنا.

ازداد انفعالها اكثر وقال بسخط

_بس هي كانت تستحق الموت.

رد سليم بحنق وهو يتقدم منه ليواجهه بحقيقته

_انت اللي وصلتها لكدة، انت اللي حرمتها زمان من حضن أمها وحرمتها من حضنك وقسيت عليها

خليتها تدور عليه برة لما فقدت الأمل تلاقيه معانا، ونسيت انها بنت ومحتاجها للحنان والاحتواء، دي كانت غلطتك وانا شاركت فيها.

أنا ماشي سواء وافقت أو رفضت أنا مش هستنى لحظة واحدة.

تركه وغادر من الغرفة كي ينوى ما أجله حتى الآن

لن يكون بعد الآن دمية في يد والده

ولن يتراجع عمّ انتواه

توجه إلى غرفتها يطرقها فتفتح وآثار البكاء مطبوعة على وجنتها انقبض قلبها خوفًا منه وسألته

_فين أسيل؟ اوعى تكون عملت فيها حاجة؟

لم يتركها تندهش كثيرًا واندفع داخل الغرفة ثم توجه إلى اغراضها يعبث بها

سألته بحيرة وهي تقف أمامه تمنعه

_انت بتعمل ايه؟

قاطعها بأن نحاها من امامه وأخذ يقلب حتى وجد ما يبحث عنه هم بالخروج لكنها وقفت امامه تمنعه

_انت اخد البطاقة بتاعتي ورايح فين؟

دفعها مرة أخرى من أمامه وخرج من الغرفة مغلقًا الباب خلفه كي لا تخرج وراءه

ثم توجه لغرفة أمينة التي جلست تبكي على حال ابنتها

دلف سليم بعد أن طرق الباب فسألته أمينة بخوف

_سليم فين أسيل أوعى تكون طاوعت ابوك وعملت فيها حاجة؟

رد بثبات

_جهزي شنطتك عشان هتسافري الصبح اسكندرية عند حازم.

لم يكمل باقي حديثه وخرج من الغرفة ومن المنزل بأكمله

❈-❈-❈

في المشفى

اسرع الجميع إلى حازم عقب دخوله بأسيل والتي لم يهدئ تشنجها منذ عشر دقائق.

دلفت غرفة الطوارئ وتركها حازم معهم

ولم يعد يتحمل قلبه رؤيتها بتلك الحالة

ظل واقفًا أمام الطوارئ ولم يبالي باتصالات هايدي ولا أمينة التي لا تعرف ماذا حدث للان

تعلم جيدًا بأن سليم لن يستطيع فعلها لكن أيضًا لم يخبرها أين مكانها

خرج الطبيب بعد وقت طويل فأسرع إليه حازم يسأله

_خير يا دكتور مراد

تطلع إليه الطبيب بامتعاض وقال باتهام

_انا مضطر يا كتور حازم إني اقدم بلاغ بالحالة

البنت متعرضة لضرب مبرح وخاصة في الرأس وده هيكون سبب في مشاكل كتيرة بعد كدة.

حاول حازم تهدئة الطبيب وقال بكذب

_دي أختي وللأسف كانت راجعة من شغلها وجماعة حرامية طلعوا عليها وضربوها لما رفضت تديهم الفلوس اللي معها، وانت عارف لو بلغنا الشرطة هتبقى شوشرة على الفاضي.

لم يقتنع الطبيب بحديثه لكنه وافق بحق زمالتهم وقال

_بس انت كدة بتدي الناس دي الفرصة عشان يكرروها

على العموم هي مش هتفوق دلوقت لأنها أخدت مهدئ قوي وربنا معها.

مسح حازم بيده على وجهه وقد حمد ربه بأنهم لم يكتشفوا أمر الاغتصاب

❈-❈-❈

في مشفى أخرى

انقلبت المشفى رأسًا على عقب فور دخول داغر والذي انتهى به المطاف بعد عملية جراحية استمرت أربع ساعات إلى غرفة العناية المشددة

وقف خليل بقلب ملتاع أمام النافذة الزجاجية يتطلع إليه بقهر

لم يخرج من الدنيا سوى به بعد ان رفض السفر مع والده وأختاره هو

ذلك العوض الذي ملئ فراغه يضيع منه الآن

بكى كما لم يبكي من قبل

واسند رأسه على الزجاج وهو يدعي ويتضرع إلى الله أن ينقذ ابنه الوحيد

أما هي فقد كانت مستلقية على السرير دون حراك فقط انفاس تدخل وتخرج ماعدا تلك الرؤى التي تتقاذف عليها بكل قسوة

تكرار وتكرار وصرخات تناجي من يسمعها

لكن لا من مجيب

فينتهي ذلك السكون بعد فترة ويتشنج جسدها تلك المرة بأشد وأعنف

تجمع الأطباء في غرفتها يحاولون السيطرة عليها لكن تلك المرة لم تهدئ إلا بعد محاولات عديدة.

❈-❈-❈

سلامًا على عزيز قلبٍ اشرقت الشمس بنوره

فتفيض الروح ترفرف في جنبات الشوق لعله يسمع نداه

ينادى ويستغيث بروحها ولكن لا من مجيب

مرت أيام وكل واحدٍ منهم في عالمه الخاص

كلاهما بعتاب حارق ألهب مشاعرهم

حركات واهنة ضعيفة لكنها طمئنت الجميع لعودته

أما هي فترفض بشدة العودة لواقعها

لا تريد

عليها أن تظل كما هي ترفض العودة لتلك الحياة القاسية

وقلوب أخرى أبت الرضوخ لقسوة الحياة وجابهة بشجاعة…

قامت وعد بوضع ملابسها داخل الحقيبة تحت نظرات شهد الباكية

_هتمشي تروحي فين بس هو احنا لينا مكان يتاوينا.

ردت وعد وهي تغلق الحقيبة

_بلاد الله واسعة وبعدين الناس اللي هشتغل عندهم ناس كويسين متقلقيش عليا.

_بس انا مش فاهمة ايه اللي خلاكي فجأة كدة تصري انك تسيبي الشغل هنا، الأول أسيل هانم اللي سافرت من غير حتى ما تودعنا وبعدها دادة أمينة ودلوقت انتي.

_معلش هي دي سنة الحياة.

بس اكيد هاجي ازورك، واول ما الظروف تتعدل معانا ناخد شقة ونستقر فيها.

رن هاتفها فقامت بإخراجه من حقيبتها فتفاجئت برقم سليم.

لم تجيبه وقامت بغلقه لقد انتهى كل شيء بينهم

ودعت صديقتها وخرجت من المنزل فيوقفها صوت رسالة لابد أنها منه

قامت بفتحها وكان محتواها

_انا مستنيكي بره اطلعي.

اغمضت عينيها بيأس وقررت أن تسير في طريقها دون الالتفات له

خرجت من البوابة الحديدية فوجدته يقف بسيارته بالقرب من المنزل

سارت في طريقها ولم تلتفت له

عليها الهرب من ذلك الجحيم

لن تعود له بعد ما حدث

اجفلت عندما وجدته يقود السيارة تجاهها مما جعلها تسرع الخطى هربًا منه

وكلما تقدم منها كلما زاد ركضها حتى أسرع ليقطع عليها الطريق فحاولت تجاوزه لكنها لم تستطيع عندما ترجل من سيارته وتوجه إليها فصرخت به قبل ان يقترب منها

_انت عايز مني ايه؟

دنى منها يجذبها من يدها ليتوجه بها إلى السيارة وهو يغمغم

_أمشي من سكات.

رفضت التحرك قيد انملة وقالت بانفعال

_مستحيل آمن نفسي مع واحد قا.تل زيك.

تحول ذلك الوجه الفاتر إلى فوهة بركان على وشك الإنفجار تراه لأول مرة مما جعل الخوف يزحف لقلبها عندما غمغم من بين أسنانه

_مش هقوله تاني امشي معايا من سكات.

جذبها بقوة وهي تحاول الفرار من قبضته ثم ادخلها السيارة بالقوة وأغلقها خلفها ثم توجه لمقعده وانطلق بها

_انت موديني على فين؟

لم يجيبها وظل ينظر إلى الطريق أمامه فعادت تسأله بانفعال

_رد عليا.

رمقها سليم بنظره غاضبة وغمغم بسخط

_صوتك ميعلاش.

لم تخاف بل تصدت إليه وهي تتابع بقوة

_لأ هيعلى، انا خلاص سيبت الشغل عندكم ومبقاش ليك أي صلة بيا وخاصة بعد ما قتلت أختك بإيدك.

صاح بها هادرًا

_متجبيش سيرة الموضوع ده تاني انتي فاهمة.

ردت بتحدي أشد وهي تراه يظهر أمامها على حقيقته

_لأ مش فاهمة والموضوع ده أصلاً مش هيخرج من جواك وصورة اختك وانت بتقتلها هتفضل قدام عينيك لحد اخر لحظة في عمرك.

لم يستطيع انكار حديثها، عليه ان يبقى الموضوع قيد الكتمان لأجل سلامتها

انعطف سليم حتى توقف امام بناية شاهقة ثم غمغم دون النظر إليها

_إنزلي.

تطلعت للأمام وقالت بعناد

_مش هنزل إلا لما اعرف أنا جاية هنا ليه؟

ترجل هو ثم توجه ناحيتها ليفتح الباب وينزلها بالاجبار

حاولت التملص منه لكنه احكم قبضته عليها وجذبها لداخل البناية

دلف المصعد وهنا جذبت ذراعها من قبضته وصاحت به

_انت جايبني هنا ليه وعايز مني ايه، اخرج بقا من حياتي.

ظهر وميض عشق بعينيه ولمحة من الرجاء ثم تمتم بغصة

_انتي اللي اقتحمتي حياتي وانا متعودتش اني امشي على هوى حد، دخلتيها يبقى تتحملي النتيجة.

لم تفهم معنى حديثه وقبل أن تسأله توقف المصعد وعاد يجذبها ثم توقف بها امام احد الأبواب وقام بوضع بطاقته فينفتح الباب حينها.

هم بالدخول بها لكنها هزت رأسها بخوف وتمتم بوجل

_انت جايبني شقتك ليه؟

تطلع إليها لحظات وقد أخمد ذلك البركان الثائر بعينيه وتمتم بشجى

_متخافيش.

رفضت أن تستسلم لذلك الشغف الذي رأته بعينيه وتمتمت برفض

_ازاي مخفش وكل حاجة بتعملها بتخليني اخاف منك أكتر.

ازدادت قضبة جبينه وتمتم بحنو

_لو خفتي من الدنيا كلها مينفعش تخافي مني.

جذبها لتدخل معه رغم رفضها وأغلق الباب خلفهم ثم جعلها تقف قبالته وتمتم بثبوت عندما اشاحت بوجهها بعيدًا عنه وقال بأمر

_بصيلي.

ظلت على عنادها مما جعله يمسك ذقنها يجبرها على النظر إليه وقال بحزم

_المأذون جوه ومعاه الشهود هنكتب الكتاب وبكره الصبح هنسافر.

اتسعت عينيها بذهول من حديثه حتى ظنت لوهلة أنها اخطأت السمع لكنها تأكدت عندما تابع

_هنسافر من غير رجعة متفكريش في يوم من الايام ترجعي هنا تاني.

قطبت جبينها بحيرة وسألته باحتدام

_وانا ايه اللي يجبرني أوافق وانا مفتقدة الأمان معاك؟!

عادت فوهة البركان تشتعل من جديد وتمتم بحزم مبطن بالتهديد

_الموضوع هيتم سواء برضاكي أو من غيره، بلاش تخليني اعملها بالاجبار

ادخلي الاوضة دي غيري هدومك عشر دقايق وتكوني جاهزة.

تركها ودلف الغرفة حيث يجلس المأذون والشهود

تم عقد القران وطلب المأذون حضورها كي تمضي على العقد أمامه

استئذن منهم وذهب إليها كي يستعجلها وما إن طرق الباب حتى فتحته وظهرت أمامه بذلك الثوب الذي أختاره خصيصًا لها

لكن لم يتخيل ان تكون بكل ذلك الجمال أمامه

وقد أضفى اللون الأبيض سحرًا خاصةً عاكس لون خصلاتها السوداء

أشاحت بعينيها بعيدًا عنه، لم تتقبل تلك الزيجة لكنها تعلم جيدًا بأنها لن تتحمل بعده ولن تتحمل أن تعيش وحيدة بدونه

نعم تبغض أفعاله وخاصة ما فعله مع اخته وقتله لها، لكن ماذا تفعل تلك الضعيفة التي لا مأوى لها في تلك الغابة السوداء

_متخافش انا موجوده مهربتش.

التزم الصمت لبرهة وهو يخترق عينها بعينيه يبحث عن نظراتها الواهنة التي كانت ترمقه بها فلم يجد لها أثر

وجد عينين حادة وكأنها لم تعرف الحب يومًا

فرد بصوت ثابت

_مين قالك إنك ممكن تهربي مني، لو في بطن الأرض هوصلك.

أشار لها باتباعه فوجدت الماذون يطلب منها الامضاء

كم أرادت أن تمزق تلك الوثيقة وتلقيها في وجهه لكن ماذا بعد

سيرحل ويتركها وحيدة تنهش بها ذئاب البشر.

بيد مرغمة مدت يدها تاخذ القلم وبدأت بكتابة اسمها بجوار اسمه

بارك لهما المأذون وانصرفوا جميعاً وتركها وحيدة معه

ماذا ينتظر منها؟

هل ينتظر ان تكون زوجته قولاً وفعلاً

وهاماً إن ظن ذلك.

لن تسلم نفسها لذلك القاتل مهما ترجاها.

همت بالذهاب لغرفتها لكنه اوقفها قائلاً

_استني عندك.

توقفت وعد وهي تدير وجهها بعيدًا عن مرمى عيناه التي تكاد تلتهمها

_هتباتي هنا النهاردة والساعة تسعة الصبح تكوني جاهزة.

كل حاجة محتجاها هتلاقيها في الشنط.

استدار ليخرج من المنزل لكنها تلك المرة من أوقفته

_انت رايح فين؟

أجاب دون ان ينظر إليها

_هرجع الفيلا عشان محدش ياخد باله من حاجة.

_وهي دي بقا الحياة اللي عايزني اعيشها معاك؟

استدار ليجيبها وقد عاد فتوره

_حاليًا معنديش غيرها لكن كل حاجة هتتغير لما ييجي الوقت المناسب.

عادت قطبت جبينها وهي تسأله

_على أساس إني هقبل بالحياة دي؟

_للأسف مفيش غيرها قدامك.

تركها وخرج من المنزل غير عابيء بندائها

لقد فعل كل ما بوسعه لأجلها لذا عليه الآن أن يفعل كل ما بوسعه لأجل نفسه.

عاد إلى منزله متجهاً لمكتب والده فيجده جالسًا بجبروت لم يراه بأحد من قبل

وكأنه لم تقتل ابنته الوحيدة منذ ايام قليلة بل ظهر أمامه بأنها علة وحلت عن كاهله

لذا تقدم منه بنفس جبروته وتحدث بجمود

_أنا مسافر الصبح وعايز توكيل عام قبل ما أسافر

عاد حسين بظهره للوراء وسأله باقتضاب

_ليه؟

_لأني مش ناوي ارجع هنا تاني زي ما قلت وهستقر هناك.

نهض حسين من مقعده وتوجه إليه ليقف امامه

_ وايه اللي خلاك مرة واحدة كدة تتخذ قرار زي ده؟

_دي حاجة احب احتفظ بها لنفسي، التوكيل يكون جاهز بكرة الصبح قبل ما أمشي.

اسرعت شاهي بالتخفي خلف أحد الأعمدة قبل ان يخرج سليم متجهاً إلى غرفته.

فقد آتتها فرصة أخرى للخلاص من سليم أيضا

دلفت المكتب فتجد حسين حائرًا يفكر في حديث إبنه

اغلقت الباب خلفها وتقدمت منه كي تبخ سمها بداخل اذنه

_سوري يا حبيبي بس سمعتكم بالصدفة وبصراحة انا مع سليم في اللي طالبه منك

تطلع إليها بحيرة وتابعت هي بدهاء

_الفرع ده محتاج لمجهود جبار عشان يقدر يقف على رجليه وده اللي عايزه سليم، عايز حاجة تشغله عن احساس الذنب اللي جواه من جهة أخته

وانا بفضل انه يفضل هناك وكمان تكتم طمعه بأنك تكتبله الفرع ده باسمه بحيث لما تنفذ وعدك ليا بإنك تكتبلي البيت باسمي يبقى ملوش حق يعترض ولا ايه؟

علم ما تود الوصول إليه وأنها تحاول بشتى الطرق ان تجعله يتنازل عن باقي املاكه لها وهنا سيضع ابنه تحت رحمتها وهذا لن يسمح به لذا تعامل بنفس دهاءها

_انا وعدتك لما ييجي الوقت المناسب هنفذ طلبك.

شعرت باللوع في حديثه وقالت باندفاع

_بس انت وعدتني لما أخدت فلوسي عشان تعمل بيها الفرع انك هتكتبه باسمي ودلوقت انت هتسيبه لابنك

جلس حسين على مقعده وتمتم بعدم اهتمام

_طول ما انا عايش هتبقى النسبة العليا باسمي وكفاية أوي عليكي الشركة ولا ايه

كتمت شاهي سخطها مجبرة فإن عاندت أمامه ستكون الخاسرة الوحيدة
في مكان اخر كان توفيق يحتفل بذلك النصر بعد ان تنازل خليل عن القضية، وانتهت تلك العقبة التي وقفت أمامه

فلم يحضر خليل الجلسة بسبب حالة ابن أخيه وترك تلك الشياطين تتلاعب بالقضاء

سألته سهى

_طيب والكاميرا اللي سيبنها دي.

اخرج توفيق بعض الأموال من خزينته وقدمها لها قائلاً


_خلاص معدش ليها لازمة، القضية بقيت في جيبنا وخلاص دورك انتهى لحد كدة.

❈-❈-❈

دلف سليم شقته بالخارج التي قام بشراءها لأجل ان يسكن بها مع من أحب

تنحى قليلاً كي يسمح لها بالدخول ثم قام بحمل الحقائب واغلق خلفه الباب

تطلعت إليه وعد بوجوم ومازالت على نفس موقفها منه فقالت بتبرم

_انا…..

قاطعها سليم كي يرفع عنها الحرج

_من غير ما تقولي حاجة أنا مش جايبك هنا لنفسي، أنا جايبك عشان تبني لنفسك شخصية تانية، شخصية ملهاش أي شوائب ولا نقطة ضعف تهزها

من الصبح هقدملك في جامعة خاصة تكملي تعليمك، ولو عايزة تستقلي بأوضة لوحدك مش هعارض ولا امنعك، هنا ليكي مطلق الحرية بس مش معنى كدة إنك تعملي حاجة تقل مني ومن كوني جوزك

خدي الوقت اللي انتِ عايزاه مش هجبرك على حاجة.

حمل حقيبته وهم بالتحرك لكنها أوقفته قائلة

_أوعى تفتكر إن كلامك ده هيغير حاجة، انا خلاص بعد اللي عملته قلبي اتقفل من نحيتك ومش بسهولة هيرجع يأمنلك تاني.

اومأ لها بصمت ودلف لأحدى الغرف على أمل أن تأتي خلفه

لكن خاب ظنه عندما سمع صوت إغلاق الغرفة المجاورة فعلم حينها بأنها وافقت على أن تمحي شخصيتها وتسعى لبناء أخرى.

❈-❈-❈

فقد خليل اعصابه عندما استمرت غيبوبة ابن أخيه ولم يستيقظ منها

فقال الطبيب يهدئه

_اهدى بس سياتك قولتلك الموضوع مسألة وقت.

انفعل خليل اكثر وقال بانفعال

_ازاي وانت بنفسك قولتلي ان حركت ايديه دليل على انه فاق منها.

اكد الطبيب حديثه

_دي حقيقة بس لما كشفنا على بؤبؤ العين ملقناش استجابة منها وده حاجة من الاتنين

يا إما حركة ايده واستجابته للوغز ده مجرد ردود وهمية يا إما…..

ضيق عينيه مستفهمًا فيتابع الطبيب

_يا إما يكون فقد بصره.

انقبض قلب خليل بخوف وتمتم بعدم استيعاب

_انت بتقول ايه؟

_انا مش متأكد بس كلمت دكتور الاشعة….

قاطعه خليل بحزم

_انا هجيب طيارة مجهزة وأسافر بيه على أمريكا.

حاول الطبيب اثناءه عن رأيه

_صدقني….

قاطعه خليل بلهجة لا تقبل نقاش

_مش عايز اي اعتراض.

وافق الطبيب على مضض وقاموا بالفعل بتجهيز طائرة خاصة بحيث تكون مهيئة لحالته وقام خليل بطلب اجازة مفتوحة كي يظل بجوار ابن أخيه.

❈-❈-❈

في المشفى وبعد مرور اسبوعين

عادت أسيل لوعيها بعد أيام طويلة حاولت فيها بكل الطرق التهرب من واقعها لكن يبدو أن الدنيا لن ترحمها واعادتها إلى جحيمها.

وما إن فتحت عينيها حتى تكابلت عليها الذكريات بأشدها فتعود الرجفة تنتابها

لكن تلك اليد التي أمسكت يدها جعلتها تهدئ قليلًا وصوتها الحاني يقول

_أنا جانبك متخافيش

تطلعت أسيل إلى أمينة التي ظلت جوارها ولم تتخلى عنها لحظة واحدة

حاولت التحدث فإذا بصوتها مختنق لا تقوى على التحدث، شعرت بها أمينة وتمتمت بحنو

_الأيام الصعبة دي خلاص عدت ودلوقت بقيتي حرة وبعدتي عن أذاهم.

اغمضت عينيها بألم وتمتمت بصوت مختنق بالدموع

_بس التمن كان غالي أوي.

لم تقصد سلبه لها اعز ما تملك بقدر ما تقصد صدمتها به، قلبها يؤلمها بشدة وروحها معذبة وقد كانت القشة التي قصمت ظهر البعير.

انتبهت لفتح الباب ودخول أحدهم وعندما أقترب منها سمعته يحدثها

_حمد لله على السلامة.

تطلعت بوهن إليه فتجده ينظر لها مبتسمًا

اومأت بضعف ثم قام بمعاينتها

_لااا بقينا أحسن بكتير.

أومأت له بوهن وقالت أمينة

_أنا بقول كفاية كدة وخلينا نروح، أنا خايفة حد يعرف بوجودها.

طمئنها حازم بروية

_متقلقيش يا أمي أنا عامل حساب كل حاجة من النهاردة هتكون حور صالح وهتبدأ حياة جديدة بالاسم ده أسيل مش هيكون لها وجود من بعد النهاردة.

تطلعت أمينة لأسيل تنتظر ردها لكنها كانت بعالم آخر لا تبالي بما يقوله ولن تبالي بشيء بعد الآن.

تابع عندما لم يجد منها رد

_انا هكلم الدكتور مصطفى واخليه يكتبلك على خروج.

خرج حازم وبدأت العبرات تتجمع بعينها

فتضغط أمينة على يدها اكثر وتقول بثقة

_خلاص يا أسيل كله عدى ومر، احنا دلوقت ولاد النهاردة واللي فات صفحة وانطوت مش هنقلب فيها.

هزت رأسها بضياع وهي تتمتم بصوت واهن

_مش بالسهولة دي، يارتني كنت سمعت كلامك.

تأثرت أمينة بحالتها

_محدش بيتعلم ببلاش.

أخذت أسيل تنتحب وتمتمت بألم

_بس التمن كان غالي أوي.

_وعوض ربنا أغلى بكتير، احمدي ربنا انه فوق سليم في الوقت المناسب و….

قاطعتها أسيل بشجن

_ياريته كان موتني وارتحت من العذاب ده.

_متقوليش كدة بكرة تنسي كل حاجة وتعيشي حياة هادية بعيد عن الرعب اللي كنتي عايشة فيه.

قاطع حديثهم دخول حازم ومعه الطبيب المعالج لها وفور رؤيته سألها مبتسمًا

_عاملة ايه دلوقت يا أنسة حور.

لم تفهم أسيل شيء لكن إيماء حازم لها بأن تجارية جعلها تجيبه باقتضاب

_كويسة.

قام بمعاينتها

_بقينا احسن بكتير

تطلع إلى حازم وتابع

_تقدر تخرج عادي بس لازم تتابع معانا كل فترة عشان نطمن أكتر، وبفضل انك تعرضها على دكتور نفسي عشاني الصدمة اللي اتعرضت لها متأثرش عليها.

أومأ له حازم وخرج الطبيب ثم دنى منها ليقول بتروي

_الحمد لله الدكتور طمنا هخلص اجراءات المستشفى تكونوا جهزتوا واروحكم

سألته بحيرة

_بيت مين؟ ومين حور دي؟

_أولا يا ستي البيت ده يبقى بيتنا القديم اللي هتعيشي فيه انتي وأمي من النهاردة، وبالنسبة لحور فمن النهاردة هتكوني مكان حور أختي اللي غرقت في البحر وهي صغيرة.

❈-❈-❈

_أ..سـ..ـيل.

عاد داغر إلى عالمه وهو يردد اسمها بتثاقل

كان يشعر بأنه داخل دوامة شديدة وكلما حاول الخروج منها تسحبه أكثر داخلها

لكن عليه ان يعافر لأجلها، عليه أن يعود لها ليس له حياة بدونها.

هي روحه التي لا يستطيع العيش بدونها فإذا فارقته فارقته الروح معه

بصعوبة أشد ردد اسمها

_أ…سـ..يل.

يناديها يريد أن يصرخ بعلو صوته كي تسمعه وتعود إليه

أري بك الطمأنينة والسكون ..

أري بك الحب والأمان …

وأري فيك جمال الدنيا وعشقها …

وأري فيك لذة الحياه وشغفها ..

أراك بعين قلبي العالم وما فيه ..

وكلما نظرت إلي طريق..

أري كل طرقي وجميعها تقودوني إليك ..

لأنعم فيهم بالهدوء والأمان الذي لا أجده إلا معك….

فأنا دائما أراك كلماتي وهمساتي…

وأراك دائما أول سطر في أحرفي..

لأغزل بك أجمل سطور روايتي..

التي لاتكتب نهايتها أبدا إلا لك ….

خاطرة بقلمي…

Rasha Saber

اسرع إليه خليل الذي غفى على الأريكة وسأله بلهفة

_داغر انت سامعني.

ضغط على الزر بجوار الفراش فوجد الطبيب وخلفه الممرضة دالفين الغرفة فيسأله الطبيب

_ماذا حدث؟

رد خليل وهو يسمح للطبيب بمعاينته

_لقد تحدث الآن وقام بتحريك جفنيه لوهلة.

سأل الطبيب داغر

_سيد داغر هل تسمعني؟

أومأ داغر بحركة واهنة منه فعاد الطبيب يسأله

_هل تستطيع فتح عينيك، إن كان بإمكانك فعلها فلتفعل الآن.

فتح داغر عينيه ثم أغلقها واعاد الكرة لكنه لم يستطيع الرؤية

هو لا يعرف أين هو، ولا مع من يتحدث فأعاد الطبيب قوله مما جعل داغر يتحامل على نفسه وتمتم بخفوت

_لا أعرف… لا …أستطيع… فعلها.

قام الطبيب بأخراج جهاز اضاءة صغير واضاءه امام عينيه

_هل بإمكانك رؤية ذلك الضوء.

لا يعرف إذا كانت عينيه الآن مفتوحة أم مغلقة لكن في تلك الحالتين هو لا يري أي شيء

حقيقة مرة لكنها أصبحت واقعه

في لمح البصر فقد كل شيء ولم تفلح العمليات التي تكررت في إعادة بصره المفقود

وآخر ما أخبره الطبيب بأن العامل هنا يعد نفسي والموضوع مسألة وقت

لم يفكر في اعاقته كما يفكر بها

أين هي؟

لم تسأل عنه؟

ألم تسمع عن الخبر؟

أم سمعت وفضلت الإنسحاب؟

كان في غرفته عندما سمع صوت والده في الخارج يتشاجر مع عمه

_ايه يا خليل اللي انت عملته ده، بقا توصل انك تلغيني من حياة ابني وهو في الحالة دي؟

حاول خليل التحدث بروية معه

_أهدى يا وجدي مش كدة.

علا صوت وجدي

_اهدى ازاي وانا باعرف اللي حصل لابني بالصدفة مكنتش هتعرفني.

حاول خليل التحدث بتروي كي لا يزيد من انفعاله

_صدقني في الوقت ده مكنتش في وعيي، داغر كان بيموت بجد ومن خوفي عليه مفكرتش أعرفك.

_عمي.

انتبه كلاهما لصوت داغر فتقدم وجدي أولاً يدلف الغرفة وكان داغر جالساً على حافة الفراش فقال بلهفة

_داغر ابني الف سلامة عليك.

رفع داغر يده يوقف والده عندما شعر بخطواته تتقدم منه وقال بحزم

_أنا قلت عمي.

بوغت وجدي برده وتمتم بإحراج

_بس انا موجود يا داغر.

علا صوت داغر نسبياً

_وانا مطلبتش غير عمي.

حاول وجدي البحث عن تبرير لموقفه

_أقسملك يا داغر ما كنت أعرف حاجة عن الحادثة دي ولو كنت اعرف عمري ما كنت هتأخر.

_انا مش بعاتب حد كل اللي طالبه خصوصية مع عمي.

شعر وجدي بالحرج أكثر وخرج من الغرفة

تقدم خليل منه وهو يقول بعتاب

_عيب أوي الأسلوب اللي اتكلمت بيه ده، دا مهما كان أبوك.

نهض داغر ليتحسس الارض بقدمه العارية كي يصل للمقعد بعد أن رفض حمل العصاه وتمتم بهدوء يخفي بداخله إعصار غاضب

_عمي لو سمحت انا مش عايز جدال ملوش لازمة

جلس على المقعد وتابع

_أنا عايز اطمن على أسيل، أكيد عرفت الخبر وقلقانه عليا.

تعب خليل من التحدث معه في هذا الأمر وقال بضجر

_لو قلقانة عليك كانت اتصلت يا داغر.

رفض الاعتراف بذلك وقال بتسويف

_لأ أكيد في حاجة منعتها عايز أكلمها واطمن عليها.

وافقه خليل وقام بتناول هاتفه من الطاولة بجواره وقام بالاتصال بها لكن مثل كل مرة هاتفها قيد الإغلاق.

_الفون مقفول زي كل مرة.

لم يتقبل الأمر وقال برجاء

_معلش حاول تاني.

قرر المحاولة لكن لا فائدة

استاء خليل عندما لاحظ الحزن عليه لذا ربت على ساقه وقال بثبوت

_أنا هحاول اوصلها واطمنك عليها.

لم يتقبل الانتظار وقال برجاء

_طيب دور في الرسايل أكيد بعتت رسالة تسأل عليا..

بحث خليل لكن لا رسائل بينهم منذ يوم الحادث.

_مفيش يا داغر أي رسايل من وقت الحادثه، ياريت نهدى كدة ونفكر في نفسنا، الدكتور أكد إن حالتك دي نفسية فياريت متجهدش نفسك بالتفكير.

وضع رأسه بين يده يسب ذلك العجز الذي جعله مقيد لا يستطيع الوصول إليها فتحدث خليل بتعاطف

_متقلقش انا النهاردة هطمنك عليها.

رفع رأسه بضياع وقال بانفعال

_قلت الكلام ده قبل كدة ومفيش حاجة اتنفذت منه، عمي متخلنيش أحس بالعجز أكتر من كدة انا بقالي تلات شهور محبوس في الضلمة دي ومحجوب عن العالم كله

حاول خليل تهدئته قائلاً بروية

_طيب أهدي وأنا حالاً هعرفلك كل أخبارها.

قام خليل بالاتصال بأحد معارفه وطلب منه محاولة التواصل معها.

لم يجد وجدي داعي لبقاءه في المشفى وابنه لا يسمح له بالتقرب منه

لا يعرف لما ذلك الجفاء

طلب منه السفر معه لكنه هو من رفض واصر على البقاء مع عمه وزوجته.

إذا كان بعده ما يريد فليفعل ما يشاء.

ظل داغر ينتظر ذلك الرد على أحر من الجمر

يسأل عمه كل دقيقة حتى تعب منه وقال بثبوت

_أهدى يا داغر الرجل اول ما يقدر يوصل لحد من الشغالين ويعرف حاجة هيقولنا.

قاطع حديثه صوت هاتفه وقال بحبور

_اهو يا سيدي الراجل متأخرش.

رد عليه وأخذ داغر يستمع إلى حديثه معه بترقب حتى انهى المكالمة

التزم خليل الصمت لا يعرف كيف يخبره بما سمعه وعندما طال صمته سأله داغر بتوجس

_خير يا عمي؟ ساكت ليه؟

_أصل….

سأله داغر بقلق

_في ايه يا عمي ما تتكلم على طول، أسيل جرالها حاجة؟

لم يعرف خليل كيف يصيغ كلماته لذا قرر ان يتحدث بصراحة فغمغم قائلاً

_البنت سافرت ايطاليا، وبيقولوا انها استقرت هناك ومش هترجع تاني.

قطب جبينه بحيرة وسأله

_إيطاليا. ليه؟

_معرفش الشاب اللي كلفته يتحرى عنها سأل واحد من الأمن وقاله أنها سافرت إيطاليا تاني عند جدها.

ازدادت قضبة جبينه بحيرة وهو يتساءل عن سبب ذلك

ولما لم تخبره؟

هل أغضبها منه عندما كانت معه لذا قررت السفر؟

لكنه لم يتذكر.

لم يتذكر اي شيء سوى استيقاظه في المشفى بالخارج

إن كان قد ضايقها لما لا تعاتبه.

لما فضلت الهرب على أن تقتص منه.

أم أن هناك سبب أخر وهو الفرار من عجزه

لابد ان الخبر قد وصل لها

هو على يقين من ذلك لذا كان عليها الهرب

وضع رأسه بين يديه لا يعرف كيف خدع بها

من ظنها ملاكًا قامت بطعنه بكل غدر ولم تبالي لحاجته إليها

نعم يحتاجها وبكل جوارحه

اراد ان تكون دافعًا له للشفاء

الآن اسودت الدنيا بعينه ولم تعد للدنيا أي أهمية..

❈-❈-❈

كانت أسيل ملتزمة الفراش بسبب ذلك الدوار الذي لا يتركها فقد ازداد في الآونة الأخيرة وأصبح ملازمًا لها.

رمشت بعينيها عندما أقتحم الضوء الغرفة مرة واحدة عندما فتحت أمينة النافذة

فقالت أسيل باعتراض وهي تخفي عينيها

_ايه يا دادة في ايه؟

دنت منها لتجلس على الفراش بجوارها وتقول بتعنيف

_وبعدين معاكي هتفضلي كدة لحد أمتى؟

اعتدلت أسيل لتستند بظهرها على الوسادة وغمغمت بتعب

_عايزاني اعمل ايه بس؟

_تقومي تخرجي تقعدي في الهوا شوية، بلاش كاتمة الاوضة اللي هتتعبك أكتر دي.

جذبت ذراعها كي تجبرها على النهوض

_قومي نقعد على البحر شوية.

تمتمت أسيل برجاء

_بس انا فعلاً تعبانة النهاردة أوي، حاسة إن الدوخة دي بتزيد.

لم تتقبل أمينة اعتراضها وقالت بإصرار

_متهيئلك قومي بس معايا نحضر الفطار مع بعض ونفطر برة على البحر.

طاوعتها أسيل لكن ما ان وضعت قدمها على الأرض حتى شعرت بالغثيان وأسرعت بالذهاب للمرحاض تحت نظرات أمينة التي وضعت يدها على قلبها تخشى من شكها

عادت أسيل وهي تضع يدها على بطنها وقالت بألم

_تقريباً يا دادة أخدت برد في معدتي.

هزت أمينة رأسها وهي تتمتم بشك

_وممكن ميكنش برد.

قطبت جبينها وسألتها بحيرة

_تقصدي إيه؟

ظهر الخوف على ملامح أمينة وهي تسألها

_انتي مش ملاحظة غياب حاجة؟

ازدادت قطبة جبينها للحظات قبل ان تفهم مقصدها

انقبض قلب أسيل عندما فهمت مغزى أمينة ثم تحولت انقباضته لضربات سريعة جعل الدوار يعود إليها

هزت راسها بنفي لا ليس حقيقة لن تتحمل المزيد من المصائب فوق رأسها

تطلعت إلى أمينة وسألتها

_تقصدي ايه؟

هزت راسها بحيرة

_اقصد اللي فهمتيه بس خلينا نتأكد الأول.

قطبت جبينها بدهشة وعادت تسأل

_أتأكد إزاي؟

_مفيش غير إننا نروح للدكتور عشان نتأكد.

اهتزت نظراتها وقد شعرت بأن الدنيا تنهار من حولها.

تعالت ضربات قلبها من شدة الخوف وسالتها بتوجس

_وإن طلع حمل؟

هزت أمينة كتفها بحيرة

_مش عارفة يا بنتي بس حاجة زي دي ترجعلك انتي عايزة تحتفظي به هكون معاكي عايزة تنزليه انتي حره بس ده هيكون قتل روح بريئة.

تطلعت إليها بغرابة وتمتمت بضياع

_وروحي انا اللي اتقتلت.

ازاي هقدر اشيل جوايا حته منه بعد اللي عمله فيا

_والطفل ده ذنبه ايه

صاحت بعذاب

_وانا ذنبي ايه؟ ليه هو يعيش حياته وأنا أعيش بغلطته باقي حياتي وكمان اتحمل مسؤولية طفل منه

تفتكري لما يتولد أسجله ازاي؟

لو سألني فين ابوه أقوله ايه؟

نظرة المجتمع ليا وله هتكون ازاي؟

مستحيل أخليه في بطني لحظة واحدة.

ذهبت أسيل مع أمينة إلى المشفى وقد طلبت منها عدم أخبار حازم بذهابهم

لن تستطيع مواجهته إن تأكد شكهم

إن أكدت لهم الطبيبة ستطلب منها إجهاضه وتتخلص منه دون ان يدري بى اى شيء

دلفت غرفة الكشف فسألتها الطبيبة

_انتي متجوزة بقالك قد ايه يا مدام حور؟

اهتزت نظرات أسيل لكنها تحلت بالثبات قائلة

_من تلات شهور.

أشارت لها بالتسطح على السرير لعمل السونار

فتبدأ الطبيبة عملها ويظهر أمامها صورة الطفل الذي بدأ تكوينه، رفضت أسيل النظر إليه كي لا تضعف

كانت الطبيبة تشرح لها وهي بعالم آخر لا تريد أن تسمع شيء.

لا تريد أن تراه

ضربات قلبها تنبض بقوة آلمتها لكن عليها أن تكون أقوى من ذلك.

بعد الانتهاء قالت الطبيبة

_هكتبلك على مثبتات عشان….

قاطعتها أسيل وهي تنهض من السرير

_بس أنا جاية عشان أنزله.

اندهشت الطبيبة وبدا الشك يظهر عليها فقالت أمينة تصحح لها

_أصل في مشاكل بينها وبين جوزها وهما دلوقت على وشك الطلاق.

لم تقتنع الطبيية بقولها لكنها قالت

_على العموم معنديش مانع بس عايزة موافقة الزوج الأول.

سألتها أسيل

_ولو موافقش.

ردت الطبيية

_والله حاجة زي دي مرفوضة تمامًا إلا لو كان عن تعدي بنفضل اننا نساعد البنت ونخلصها من الفضيحة فـ….

قاطعتها أسيل بجمود

_بالظبط كدة لو سمحتي خلصيني منه.

اومأت الطبيبة لها ثم قالت

_عندنا طريقتين إنك تاخدي ادوية والجنين بينزل في خلال اسبوع بالكتير أوي أو عملية…

قاطعتها أسيل بثقة

_عملية ودلوقت.

كانت تريد أن تنهي الأمر قبل أن تتراجع فقد بدأ قلبها يحن إليه

وافقتها الطبيبة وطلبت منها الذهاب معها إلى أحد الغرف في الطابق الأخير

استلقت أسيل على السرير ودموعها تنزل بغزاره وقلبها يطلب منها التراجع

لكن عقلها يأبى ذلك عليها ان تتخلص منه لأجله وليس لأجلها

اغمضت عينيها عندما وجدت الممرضة تقترب منها وبيدها امبول الحقن

ودون إرادة منها وجدت دموعها تزداد حتى عالى صوت نحيبها

تقدمت الطبيبة منها كي تهدءها لكن لفت انتباهها صوت عالي بالخارج.

أشارت للممرضة بأخفاء الحقن وجذب الستار على أسيل

لكن دخول ذلك الطبيب حال دون ذلك وهو يهدر بها

_انتِ يا دكتورة فاكرة نفسك فين؟ وازاي تعملي جريمة زي دي في مستشفى بالمكانة دي.

ارتعبت الطبيبة

_يا فندم انا……

انفعل الطبيب أكثر

_بلا فندم بلا زفت انتِ متحولة لمسائلة قانونية وهما يشوفوا شغلهم معاكي، اتفضلي برة.

تطلع الطبيب إلى أسيل التي تبكي بصمت فتقدم منها لتنصدم ملامحه عندما عرفها

_أسيل؟!!

❈-❈-❈

وقف في شرفة منزله شاردًا كعادته بها

لا تترك مخيلته لحظة واحدة هل حقاً كما أخبروه أنها رحلت دون عودة؟

لما؟

هل لأنها علمت باعاقته؟

إن كان ذلك لن يلومها

ما الذي يجبرها على البقاء مع ذلك العاجز الذي فقد كل شيء بلحظة.

نظره، وعمله، وبيئته.

فقط يعيش بظلام دامس لا يعرف نهاره من ليله

فقد أصبحت حياته ليلاً ويبدو أن لا نهاية له

قلبه يسامحها ولا يعرف كيف

يشعر بغصة حادة توجعه كأنها تناديه

لكن أين هي؟

يريد الوصول إليها أن يعرف منها سبب ذلك البعد وما حدث بتلك الليلة.

اسئلة كثيرة يريد الإجابة عليها

لا يتذكر سوى دخولهم للمنزل وحديثهم القليل ثم غاب كل شيء وكأن احدهم ضربه بمطرقة على رأسه أفقدته الوعي ولم يستيقظ إلا هنا في بلد أخرى.

سقطت دمعة حارقة على خده وحنين جارف يطالب بها

يريدها، يشتاقها يصرخ بصمت ينادي عليها عليها لعها يومًا تجيبه

لكن لم يجد سوى صدى صوته يعود إليه يواسيه.

سقط على ركبتيه حينما بلغ الألم مبلغه وأخذ يبكي.

يبكي على كل شيء ضاع منه وأولهم حبيبته

مازال قلبه الخائن يعشقها حد الجنون يطالب بها

لا حياة له بدونها وهي حقيقة لن يستطيع أحد ردعها.

اسند جبهته على السور الرخامي وأخذ ينتحب بشدة

لم يعد يستطيع تحمل ذلك الألم

لم يعد باستطاعته الصمود وهو في البداية

لو كانت معه لو كانت بجواره لهونت عليه كل شيء.

❈-❈-❈

وضعت العاملة كوب العصير أمام أسيل التي انتهت من سرد كل شيء لذلك الطبيب والذي آلمه حقاً ما مرت به.

انصرفت العاملة وقال عاصم

_اشربي العصير هيهديكي شوية

مسحت أسيل دموعها وتمتمت بألم

_مفيش حاجة هتقدر تهدي النار اللي جوايا يا عمي.

نهض ليجلس على المقعد المقابل لها وقال بتعاطف

_انا حاسس بكل اللي بتمري به، بس دي حاجة خارجة عن إرادتك محدش يقدر يدينك فيها.

تطلعت إليه بابتسامة مغمزة بالمرارة

_دا اقرب الناس ليا ماقلش كدة فمبالك الغريب، مكنش قدامي حل غير إني أجهض الطفل ده.

_بس مش يمكن ده يكون عوض ليكِ.

ردت بألم

_يمكن بس تفتكر بعد ما يتولد هسجله إزاي

لما يسأل عن أبوه هقوله ايه.

رد عاصم بحكمة

_شوفي يا بنتي ربنا قال في كتابه العزيز( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) يعني ربنا مش بيخلق حاجة عبث وخلاص أكيد له حكمة في ده وعشان كدة بقولك احتفظي بيه وبكرة أما تشيليه بين اديكي هتنسي كل حاجة مش هتفتكري غير حبك له وخلاص.

نهض من مقعده وقال

_تعالي يا ستي نطمن عليه بعد الحالة اللي كنتي فيها.

وافقت أسيل وقام عاصم بعمل السونار لها وأشار لها على صورته

وعند تلك اللحظة تنتهي أي ضغينة تحملها بداخلها بل تحولت لفرحة عندما بدأ يريها تفاصيله

ويشرح لها ما عليها فعله كي يكون بصحة جيدة

وعلمت حينها بأنه ربما يكون عوضها عن ذلك العذاب الذي عاشته ومازالت تعيشه.

أما هو فقد ظل حابسًا نفسه داخل غرفته لا يسمح لأحد بالولوج ولا يريد أن يخرج منها

انتهى كل شيء بعد رحيلها

أصبحت حياته قاحلة فلم يعد يرغب بها

وفقط سؤال واحد أصبح محور حياته

لما تخلت عنه؟

لقد كان في أشد الحاجة إليها

فلتعود ولن تكون إعاقته عبء عليها

فقط
مرت الأيام وكل منهم في وادي سحيق

لا يستطيعون الخروج منه

يتظاهرون بالقوة وأن ما حدث ولىٰ وانتهى لكن ذلك أبعد بكثير

فقلوبهم تلتهب شوقاً إلى بعضهم البعض رغم قسوتهم

يعاتب كلاً منهم الآخر من القلب للقلب


حتى تعبت القلوب وسيطر العقل على كل مشاعرهم ليحل محلها الانتقام

وكلما ازداد الشوق كلما ازداد الكره بداخلهم حتى وصل ذروته

ثم تحول إلى رغبة في الثأر

بدأ الحمل يظهر عليها فبدأت تتدرى أكثر كي لا يلاحظ أحد حملها

“حور” تلك التي اخذت أسمها فلا تريد أن تدنسه لذا كان عليها ان يظل الحمل طي الكتمان

فقط تكتفى بالجلوس قليلًا في الشرفة ثم تعود مسرعًا حينما تهاجمها الذكريات وتتنفس بعمق وتخرجه متمهلاً

هكذا اخبرتها الطبيبة النفسية التي وصاها عاصم عليها.

أما هو فقد زهد كل شيء وتصالح مع ظلامه

لكن لم تترك صورتها مخيلته لحظة واحدة

حاول بشتى الطرق ان يخرجها لكن قلبه العاصي تشبث بها يأبى الرضوخ له وأعلنها مستسلماً أن لا ملجأ له سواها.

مازال عاشق ولن يرضخ لسطوة عقله.

جاء موعد تدريبه والذي أصر عليه عمه كي يشغله قليلًا، حاول الرفض لكن هو يريد الاعتماد على نفسه فقد أصبح واقع وعليه الرضا به

دلفت الفتاة وهي تضع حقيبتها على الأريكة التي يجلس عليها وقد كان خافضاً رأسه يستند بمرفقيه على ساقه

_صباح الخير مستر داغر.

رد داغر باقتضاب ومازال على وضعه

_صباح الخير.

علمت من هيئته بأنه لا يريد التحدث وأن تبدأ عملها مباشرة

بدأ الفتاة عملها

_اين وضعت حقيبتي.

رد داغر بثبوت

_على يميني بمقدار خطوة واحدة.

عادت هي خطوة للوراء دون ان تصدر أي صوت.

_وأنا؟

_ابتعدتِ عنها خطوة واحدة بعد أن كنتِ بجوارها.

ابتسمت لفطنته وتعلمه السريع

_لقد تعديت المرحلة الأولى في وقت وجيز.

هل انت مستعد للمرحلة الثانية.

اومأ لها مستسلماً فقالت بروية

_إذا علينا الخروج من الغرفة.

رفض داغر قائلاً

_لن أخرج خارج هذه الغرفة.

_لكن لابد من ذلك، لن تظل داخل تلك الغرفة للأبد عليك الخروج من تلك الدائرة التي وضعت نفسك داخلها، لقد أخبرك الطبيب أن حالتك الآن نفسية وليست طبية، فعليك أن تساعد نفسك كي تخرج من ذلك الظلام الذي أحاطك.

تمتم داغر وهو على وضعه

_لم تعد للحياة أهميها.

جلست الفتاة على المقعد قبالته وقالت برتابة

_من قال ذلك، هل معنى فقدانك لشخص عزيز ان يجعلك بذلك اليأس!

الحياة لا تقف عند أحد إذا اختارت هي البعد فكن مثلها وإختار الصمود ومع الوقت ستكون ماضي عابر مر يوماً بحياتك.

قم معي وابدأ أولى خطواتك خارج هذه الغرفة ولا تسمح لشيء أن يهد ذلك الجبل الشامخ، كن كجبل النار لا يستطيع أحد اطفاءه.

وافقها مجبرًا ليس لطوي صفحات الماضي ولكن كي لا يشكل عبء على أحد بعد الآن

خرج من الغرفة ثم واصلت الفتاة عملها

_عليك ان تخلع حذاءك بما انها المرة الأولى سيساعدك ذلك باكتشاف المكان أفضل.

فعل ذلك وبدأت ترشده كيف ينزل الدرج بعصاه وكيف يقيس الدرجات مع كل درجة وكذلك الصعود

تدرب على كل شيء حتى الأنفاس التي تخرج ممن بجواره هل رتيبة تكون عادية أم لاهثة ام مرتبكة

حتى الخطوات وكل شيء متعلق بالحياة من حوله.

انتهى تدريبه مع انتهاء مدة حملها وجاء موعد ولادتها.

كانت ولادة عسيرة أرهقتها واستغرقت وقت كبير، شعرت بوحدة قاتلة ولم يخفف من حولها من حدتها

فمن تحتاج لوجودهم لم تجد احدًا منهم، بل تخلى عنها الجميع

لم تستطيع أمينة ولا هايدي تعويضها في تلك اللحظة

لم تحتاج لغيره

تريده في ذلك الوقت معها لا أحد غيره يستطيع التخفيف عنها

ستغفر وتسامح فقط يعود

فليعود من حاربت الكون لأجله، من تحملت ويلات العذاب لعشقه

صدحت صرخة قوية باسمه وبعدها أعلن الصغير خروجه للحياة

وفي ذلك الوقت كان داغر يشعر بغصة مؤلمة حادة بقلبه لا يعرف سببها.

يشعر بها تناديه، تستغيث به لكن أين؟

وضع يديه على اذنه ربما يخفف من ذلك الصوت الذي اقتحمه فجأة وكأنها بجواره

يشعر بقلبه الملتاع يأن ألمًا ولا يعرف سبباً لذلك.

يصرخ بدوره باسمها يناشدها أن تعود هي وحدها من لا يخجل من اظهار ضعفه أمامها

وهو الآن في اكثر أوقاته ضعفاً

جثى بركبتيه على الأرض وسمح لنفسه بالانهيار

يصرخ ويصرخ ويناجيها أن تعود

سيغفر بدوره ويسامح فقط تعود

ولم يدري شيئاً عن حالة عمه وهو يسمع صرخاته ولا يستطيع الإقتراب منه

يرفض أن يواسيه احد حتى لو كان عمه

وانزوى ذلك اليوم داخل غرفته ولم يستطيع أحد اخراجه من تلك الحالة.

❈-❈-❈

دلف عاصم الغرفة فيجد أسيل تحمل طفلها بين ذراعيها تتطلع إليه بشرود

_عاملة ايه يا حور دلوقت؟

رفعت عينيها إليه وابتسمت له بامتنان

_الحمد لله أحسن، متشكرة اوي يا عمي مش عارفة لولا وجودك كنت عملت ايه.

جلس على المقعد بجوارها وقال

_بصراحة لو حد يستاهل الشكر ده فهو حازم، انا معملتش أي حاجة تذكر جانب اللي عمله.

التزمت الصمت ولم تجيبه فقال عاصم

_ها مقولتيش هتسميه ايه؟

عادت تنظر لطفلها الذي تمسك بقبضته الصغيرة اصبعها وتمتمت بحزن

_على قد ما وجوده خفف عني كتير على قد ما تعبني وهزني وانا حتى مش عارفة اسجله زي أي طفل، بفكر اسجله باسم بابا بس خايفة يعرف بأي طريقة ويكتشف إني لسة عايشة، وفي نفس الوقت مش هينفع اسيبه كدة.

تحدث عاصم بعقلانية

_يبقى تعملي اللي العقل بيقول عليه وتروحي لأبوه تعرفيه، على الأقل يسجله باسمه ولو بعقد عرفي وبعدها كل واحد يروح لحاله.

تطلعت إليه بوجل وقد اهتزت نظراتها وعادت إليها ذكريات حاربت كي تنساها

ارتعش جسدها وبدأت الدموع تتجمع بعينيها وهي تهز رأسها برفض

_لأ… مستحيل.

_بس انتِ مجبرة يا أسيل مش عشانك عشان خاطر ابنك من حقه يكون له اسم وعيلة

مش بقولك ارجعيله كل اللي بقوله إنك تروحي لأبوه وتعرفيه انه له ابن ولازم يحمل اسمه.

_ممكن يرفض.

قالتها بقلب ملتاع لكن عاصم نفى بثقة

_مستحيل أب يشوف ابنه ويرفضه

على العموم فكري كويس وخلي ابنك مصلحته فوق الجميع.

تركها وخرج من الغرفة فيصادف خروجه دخول امينة وهايدي التي تحمل الطعام بيدها

_معلش يا حور اخرنا عليكِ.

مسحت دموعها سريعًا وتظاهرت بالابتسامة لهايدي التي لم تتركها لحظة واحدة وظلت بجوارها

فقاات بامتنان

_مأخرتيش ولا حاجة انا اللي تعبتك أوي.

أخذت أمينة الطعام من يدها وقالت

_تعبك راحة يا بنتي متقوليش كدة.

اخذت هايدي الطفل من يدها وقالت

_سيبيلي انا القمر ده واتغدي انتِ.

تطلعت أسيل للطعام وقالت برجاء

_ارجوكِ يا دادة مليش نفس بلاش تغصبي عليا.

ردت أمينة بإصرار

_مش هينفع لازم تاكلي انتِ ما أكلتيش حاجة من امبارح.

تحدثت هايدي بحزم

_لازم تاكلي يا حور عشان خاطر ابنك.

وافقت أسيل على مضض وتناولت القليل ثم اصرت على عدم إكماله

اخذت هايدي تشرح لها كيفية التعامل معه

وهي شاردة في حديث عاصم

لا تعرف ماذا تفعل هل توافقه وتذهب إليه لأجل طفلها؟

لكن ماذا إن رفض الاعتراف به؟

سيزيد ذلك من بغضها له وربما وقتها يهدئ ذلك القلب الملتاع لمعذبه وتنطوي تلك الصفحة للأبد.

اعادها لشرودها حازم الذي دلف مرحباً بالجميع

_السلام عليكم.

رد الجميع

_وعليكم السلام

تابعت هايدي

_ممكن اعرف حضرتك كنت فين كل ده؟

رد وعينيه تتطلع إلى أسيل

_معلش كانت في حالة صعبة ومكنش ينفع اسيبها

عاملة ايه يا حور دلوقت.

ابتسمت له بامتنان

_الحمد لله أحسن.

تطلع لهايدي وتحدث بجدية

_هايدي خدي الولد اكشفي عليه واتأكدي إن كل أموره تمام.

شعرت هايدي بأنه يود التحدث مع اخته لذا قررت تركهم وخرجت به من الغرفة

_حاضريا حبيبي بعد اذنكم.

خرجت هايدي وتطلع إلى أسيل يسألها

_ها يا اسيل فكرتي فاللي قولتلك عليه؟

قررت أمينة تركهم كي لا تخجل أسيل من وجودها رغم رفضها لذلك القرار الذي اتخذه ابنها

ليس لأنها ترفض أسيل لكن لأجل زوجته التي لم يرى منها سوى كل خير.

خرجت أمينة وتطلعت أسيل إليه بعرفان

_شوف يا حازم انا فتحت عينيه على الدنيا دي لقيتك قصادي

كنت بتعوضني عن جفاء سليم معايا حتى قسوة بابا كنت بتعوضني عنه

لما كنت بعيط محدش كان بيواسيني غيرك عشان كدة كبرت وانا شيفاك أخ، كنت بتمني إن الانسان اللي هرتبط به يكون زيك، بطبتك بحنيتك بقلبك الكبير بس بصراحة صدمتني لما جيت صرحتني بمشاعرك

كان لازم أرفض لأن مينفعش البنت تتجوز أخوها، ولا حتى النهاردة ينفع.

_بس انا لسة بحبك.

_وانا لسة شيفاك حازم اخويا، وبعدين انا حبيت هايدي واتعلقت بها أوي ومستحيل أكون سبب في دمار حياتها

انا لسة محتجالك ويمكن النهاردة اكتر من اي وقت، انا وابني محتاجين لوجود أخ نعتمد عليه مش أكتر من كدة، ابني مش هيتسجل غير باسم ابوه، انا قررت اروح وأعرفه بوجوده عشان يسجله وبعدها هاخده واسافر ايطاليا ومش هرجع هنا تاني.

حاول الاعتراض

_بس…

قاطعته أسيل

_ده قراري الأخير ومش هغيره، ارجوك يا حازم ساعدني وبلاش تقف قصاد لأن مبقاش ليا غيرك.

طرق الباب ودلفت هايدي وهي تطمئنهم بابتسامة حاولت بها إخفاء مشاعرها وهي تعيد الطفل لأسيل

_اطمني يا حور ابنك زي الفل ربنا يخليه.

تطلعت لحازم الذي لم يلاحظ نظرات العتاب بعينيها وقالت

_ها يا حبيبي هنروح دلوقت ولا ايه الدكتور طمنا وقال إننا نقدر نروح.

اوما لها وقال

_ساعديها تغير هدومها وانا هشوف الدكتور قبل ما نمشي..

❈-❈-❈

بعد مرور شهر

وقفت سيارة الاجرة أمام المنزل الذي شهد على لحظات لم تمحيها السنين

هنا قضت معه أسعد أيامها وتغنى كثيرًا بعشقهم.

لم تتخيل يوماً أن تأتي إلى ذلك المكان بتلك الطريقة بل كانت تحلم بأن تأتيه بثوب زفافها وهي تحمل كعروس وليس طفلاً بيدها آتية كي تتضرع له بالاعتراف به

انتبهت على صوت السائق يسألها

_هستنى حضرتك ولا أمشي.

فكرت قليلًا ثم قالت

_استنى متمشيش.

اومأ لها السائق وهمت بالترجل لكن لم تقوى على ذلك

لا تملك القوة لمواجته لن تستطيع الدخول ورؤيته

عليها الهرب الآن قبل ان تراه أمامها

تطلعت لطفلها الذي أخذ يبكي كأنه يعترض على ذهابها.

مما جعلها تزدرد جفاف حلقها بصعوبة ثم تمسكت بطفلها وترجلت من السيارة وقد ازدادت وتيرة دقاتها

تقدمت من المنزل بأقدام واهنة حتى وصلت للبوابة الكبيرة

تفاجئت بالحارس يخرج منها وسألها

_في حاجة يا هانم.

حاولت اسيل البحث عن صوتها فخرج مهزوزاً وهي تسأله

_كنت جاية اسأل عن كابتن داغر.

تعجب الحارس من سؤالها

_بس داغر بيه مسافر من فترة طويلة أوي.

ظنت أسيل أنها رحلة عمل لذا سألته بتوجس

_متعرفش هيرجع امتى؟

هز رأسه بنفي

_حقيقي معرفش بس مظنش انهم هيرجعوا دلوقت.

اندهشت لصيغة الجمع التي يتحدث بها ثم سألته مستفهمة

_هما مين؟

_هو وخليل بيه الاتنين سافروا من سنة تقريبًا ده كل اللي اعرفه لأني مستلم الشغل جديد.

تركها الرجل وعاد للداخل فتتجمع الدموع بعيونها واخذت تنظر إلى المنزل بضياع

فقد فعل فعلته ولاذ بالفرار.

استدارت لتمضي وقد أقسمت ان تنتقم منه يوماً أشد انتقام

فقط يعود وستعمل بكل الطرق على اسقاطه.

عودة للحاضر

انتبه داغر لصوت الباب ليعيده لواقعه

وحاول أن يظهر صامدًا بعد تلك الذكريات التي داهمته

قام بوضع البوصلة في موضعها داخل الخزانة لكن لم ينتبه جيدًا فتسقط علبة اخرى بالخطأ كانت بجوارها

انتبه لسقوط شيء ما فقام بتحسس مكان الأخرى لكن لم يجدها

يبدو انها من سقطت على الأرض.

مال على الأرضية وأخذ يتحسس بيده يبحث عنها، عليه أن يجدها، لا يجيب أن تراها

أخذ يتحسس الارضية يبحث عنها بيده حتى استطاع إيجادها

أغمض عينيه براحة لم تدوم طويلاً عندما وجدها فارغة

إذا لقد سقط ما بها، ضغط أكثر على أسنانه وكره عجزه الذي اوصله لتلك المرحلة من العذاب

واصل تحسسه لكن لا أثر لهم

لكنه لم ييأس عليه ان يجده بأي شكل لكن انتبه لنفسه عندما لامست يداه قدمها حينها أجفل وشعر بكم ضئالة لم يشعر بمثلها من قبل

هاجت أعصابه وبدات عينيه الرمادية تتحول لسحب محملة بالغيوم وفمه الحازم يتشنج من شدة غضبه

ثم غمغم بلهجة حازمة أخفى منها مدى سخطه

_اطلعي برة.

رمقته أسيل بنظراتها المتشفية وقد أصبح أمامها ذليل لعماه، انفعل أكثر عندما لم يسمع خطواتها وهدر بها ساخطاً

_قولتلك برة.

كان صوته تلك المرة يحمل غضب الدنيا بأكمله مما جعلها ترمقه باستخفاف وخرجت من الغرفة.

شعور بالرضى تظاهرت به لكنها تعلم جيدًا بأن ذلك القلب الخائن يأن ألماً عليه وعلى ما وصل إليه

انسحبت بهدوء كي لا يشعر بها يكفي ما رأته حتى الآن

عليها ان تنتقل لخطتها الثانية وبعدها سيكتمل انتقامها وترحل من تلك البلد دون عودة.

عادت أسيل إلى المنزل في وجوم تام

لا تعرف ما سبب تلك الغصة التي تشعر بها

مؤكد بأنها ليست لأجله

اندهشت أمينة من عودتها مبكرًا فتقدمت منها لتجلس بجوارها تسألها

_ايه يا أسيل اللي رجعك تاني.

اسندت رأسها على ظهر الأريكة وقالت بإرهاق

_حسيت نفسي تعبانة شوية قلت اروح أرتاح

تطلعت إلى وجهها الشاحب وسألتها بقلق

_انتِ أخدتي العلاج الصبح؟

وضعت يدها على رأسها وتمتمت بألم

_مبقاش بيجيب نتيجة، عايزة أروح للدكتور تاني واطلب منه يغير العلاج

اعتدلت لتتلفت حولها تبحث عنه

_اومال فين إياد؟

_لقيت جسمه دافي اديته دوا للسخونة ونام.

انقبض قلبها بقلق وقالت بلهفة

_طيب اتصل على هايدي تيجي تشوفه.

_كلمتها وهي اللي قالت اديله دوا للسخونة متقلقيش.

نهضت اسيل بقلب لهيف

_مقلقش ازاي انا هدخل أشوفه.

دلفت الغرفة مسرعة فتجده نائمًا في فراشه قامت بحمله والتأكد من حرارته فوجدتها ليست طبيعية

دلفت أمينة خلفها وهي تقول

_يا بنتي قولتلك كويس بتقلقيه ليه بس.

شددت أسيل من احتضانه وصورة والده وهو منكب على الأرض لا تترك مخيلتها فتمتمت بحزن

وهي تتطلع إليها بقلق

_بس جسمه لسة سخن.

_لسة اخد الدوا دلوقت ملحق يعمل مفعول اطمني.

حاوط ابنها عنقها بيديه الصغيرة ووضع رأسه على كتفيها باعياء

_انتِ متأكدة انها سخونة بس، انا بقول أكلم هايدي تيجي تشوفه أحسن.

_اطمني هي قالت لما تخلص الشيفت بتاعها هتعدي تطمن بنفسها.

جلست على الفراش وهي مازالت تحتضنه وهو غافي على كتفها وشعور بالذنب يكتنفها

فمهما وصل تعبه لا تستطيع الخروج به من المنزل وتنتظر مجيء هايدي التي حقيقة لا تتأخر عنه وتعامله كطفلها.

تنهدت بتعب وقالت

_حاسة بذنب كبير أوي من ناحيته

_وبعدين معاكي يا أسيل هتفضلي محملة نفسك الذنب لحد أمتى، انا اتخدعت فيه زيك بالظبط مش لوحدك وبعدين هو نصيبه من الدنيا كدة

_مش عارفة هيفضل لحد امتى كدة مش عارفة اسجله.

_ما حازم…

قاطعتها أسيل بإصرار

_قلت لأ هو ملوش ذنب يتحمل غلطة غيره ارجوكي بلاش كلام في الموضوع ده تاني

_خلاص تروحي لأبوه وتعرفيه.

تنهدت أسيل وسألتها

_وإن اخده مني هعمل ايه وقتها.

_ميقدرش يعملها.

_مين قالك كدة، اللي زي ده ممكن يعمل أي حاجة لأن الخيانة في دمه

كنت فاكرة إني هعرف انتقم منه بس اكتشفت إني اضعف من كدة بكتير، وأضعف من إني اقف قصاده، والآخر طردني

لاحت صورته أمامها

_او يمكن عشان لقيته عاجز قدامي فقلت عدل ربنا مفيش افضل منه، بس مقدرش اجازف واعرفه انه له ابن.

سألتها أمينة

_يعني خلاص هتسيب الشغل عنده.

أومأت أسيل وهي تنظر لصورته المصغرة

_خلاص معدش له لزوم.

ربتت امينة على ساقها وقالت بسرور

_كدة أفضل سيبي الملك للمالك هو اللي هياخدلك حقك وانتي في مكانك.

يلا نيمي ابنك ونامي جانبه شوية

اومأت أسيل ووضعت ابنها في فراشه ونامت بجواره

اخذت تحسس على وجنته الناعمة وتدقق في تفاصيله التي لم تترك شيء من أبيه

هل هذا عقاب آخر أن يظل بحياتها حتى بعد خروجه منها؟

لكن من قال انها استطاعت اخراجه من داخلها

واهمة إن ظنت ذلك

فمنذ ان وقعت عينيها عليه وعاد القلب ينبض من جديد

فكلما حاولت إخراجه نظرة واحدة لطفلها تعيد إليها ذكريات لا تنسى.

❈-❈-❈

في منزل

دلفت فايزة غرفة ابنتها فتجد أنها مازالت نائمة

_هايدي هتفضلي نايمة كدة؟ مش هتروحي المستشفى؟

نهضت هايدي بتكاسل وتمتمت

_لأ اخدت اجازة النهاردة كمان، حاسة بتعب شديد اوي.

_ده أكيد من الحمل، قومي افطري معايا وخلينا نتكلم شوية.

كانت هايدي تتلاعب بطعامها تمثل فقط بأنها تأكل ولم يخفى ذلك على والدتها فسألتها

_انتي ناوية على ايه يا هايدي.

رفعت عينيها عن طبقها

_اعمل ايه في ايه؟

_في جوزك اللي مصر على رأيه.

ابتسمت بحزن عميق وقالت بعدم اهتمام

_مش فارقة

_يعني ايه مش فاهمة؟

تركت الملعقة من يدها وأجابت

_يعني وجودي في حياته زي عدمه، كنت مجرد زوجة بتلبي احتياجاته وخلاص بس الزوجة دي جابت اخرها ومبقتش بتحس معاه بالأمان فالافضل لها انها تنسحب بهدوء وتخرج من حياته بكرامتها.

لم تقتنع برأيها

_بس يا هايدي انتي بقالك خمس سنين متجوزين عمرك ما شكيتي منه وكنت بشوفكم مبسوطين اوي مع بعض.

لاح الحزن بنظراتها

_ده اللي كنت بضحك على نفسي بيه واقول كفاية أنه بييجي آخر الليل ينام في حضني انا مش واحدة غيري

بس طلعت غلطانة لأن غيري هي اللي مالكة كل جوارحه مش بس قلبه

وصلت انه ينطق اسمها وهو في حضني يعني وهو معايا فاكرني هيا

تدحرجت دمعة على عينيها وتابعت

_وفوق كل ده رافض يخلف مني، أكيد من جواه بيفكر لو قدر يوصل لحببته هيبقى الخلاص من طفلين أفضل من تلاتة

مسحت دمعتها وتابعت

_عشان كدة انا مش هنزل الحمل ده ومش هرجعله.

_بس انا شايفة انك بتظلمي حازم لأنه مش بـ….

قاطعتها هايدي بفتور

_لو سمحتي يا ماما الموضوع ده منتهي مش عايزة كلام فيه، انا بقالي خمس سنين بقول بكرة يرجع ومينفعش اهد بيتي بايدي، بس هو اللي هده باديه

الحل الوحيد قدامي هو الطلاق غير كدة لأ

ضربت فايزة على صدرها

_طلاق؟! انتي اتجننتي؟

هزت راسها بتأكيد فقالت فايزة باستنكار

_لااا انتي شكلك اتجننتي فعلاً.

_لا يا ماما متجننتش كل الحكاية اني عايزة احافظ على اللي باقي من كرامتي.

انفتح الباب ودلف منه فريد وهو يقول

_اتفضل يا حازم ادخل.

نهضت هايدي لتتوجه إلى غرفتها لكن والدتها امسكت رسغها تمنعها

_عيب مينفعش تسيبيه وتمشي.

شدت يدها ودلفت لغرفتها تحت نظرات حازم المبغضة.

تحدث فريد بتعاطف

_معلش يا ابني اعذرها هي بس اخده على خاطرها منك، ادخل وراها وحاول تراضيها.

اومأ حازم وتوجه إلى غرفتها

نظرت فايزة لفريد وقالت باستياء

_ليه متكلمتش معاه الاول

جلس فريد على المقعد وتحدث بحكمة

_لما نشوف الاول هيعملوا ايه، بنتك بتحبه وهو بيعرف يأثر عليها، هيرجعوا لبعض وكلمتنا احنا اللي هتقف يبقى نهدى كدة ونشوف هيعملوا ايه

في الداخل

دلف حازم الغرفة فوجدها جالسة على الفراش في سكون تام

آلمه قلبه لحالتها لكنه مجبر لأجل مصلحتها

تقدم ليجلس بجوارها ثم تطلع إليها يسألها بروية

_ممكن اعرف سبب للي بتعمليه ده؟

لم تنظر إليه وظلت على وضعها فمد يده إلى يدها وقربها لفمه يطبع عليه قبلة اشتياق وتمتم بحشرجة

_وحشتيني، بقالك يومين بعيدة عني.

سحبت يدها بهدوء لكنه لم ييأس وتسللت يده لخصرها يقربها منه وتابع حميته

_ايه موحشتكيش.

طبع قبلة صغيرة على وجنتها قبل أن يتسلل لثغرها وهو يتمتم من بين شفتيها

_الليلتين دول كانوا اصعب ليلتين مروا عليا وحشتيني أوي.

ابعدت ثغرها عن مرمى فمه مما جعله يزفر بنمق وسألها

_في ايه يا هايدي كل ده عشان أوهام في دماغك؟

التفتت إليه بحدة وقالت باستنكار

_أوهام؟ بعد كل اللي قلته ده وتقولي اوهام؟

وضع يده على وجنتها وتمتم بثبات

_هايدي انا بحبك ومفيش في حياتي واحدة غيرك.

_بس قلبك فيه غيري.

تنهد بيأس منها وقال بتسويف

_محصلش انا ……

نبهته بتحذير

_اوعى تكدب عشان مش بحب الكدب

_بس انا عمري ما كدبت عليكي، انا بحبك انتي.

_وحور؟

بغت بسؤالها وضيق عينيه بشك

_حور أختي.

ابتسمت بسخرية ونهضت قائلة

_حور مش أختك، لأن حور ماتت من سنين اللي معاكم دي أسيل حسين النعماني حلم حياتك

جذبها حازم من ذراعها يسألها بحدة

_انتي بتقولي ايه؟

جذبت ذراعها من يده وقالت بثقة

_بقول الحقيقة وأوعى تنكرها لأني اتأكدت بنفسي.

غمغم برفض

_مش حقيقي.

_لأ حقيقي وأكبر دليل على كدة اقناعك لها انك تسجل اياد باسمك ومتخافش اوي كدة عليها انت عارف كويس معزتها عندي لأني شفت بنفسي قد ايه بتحاول تتجنب وجودك عشاني يعني انا مقدرش اقول فيها حاجة

انا بتكلم عنك انت.

مسح بكفه على وجهه ثم سألها

_انتي عايزة ايه دلوقت؟

اشاحت بوجهها وقالت بتحدي

_نتطلق.

_نعم؟

قالها حازم بعدم استيعاب ثم تابع بحدة

_يظهر انك اتجننتي وعايزة اللي يرجعك لعقلك

امسك ذقنها كي يواجه عينيها وقال باحتدام

_طلاق مش هطلق ولو السما اتطربقت على الأرض، وبالنسبة للحمل ..

تحولت نظرات التحدي لرجاء فتابع هو
في الخارج

ظلت فايزة تسلط عينيها على باب الغرفة تنتظر خروجهم فقال فريد

_في ايه يا فايزة هتفضل عينك على الاوضة كدة؟

ردت بضجر

_اعمل ايه قلقانة أوي.


_طمئنها فريد بثقة

_ان شاء الله خير هايدي عاقلة وهتعرف تصلح امورها غير إن حازم عرف قيمتها بجد، ياريتها كانت عملت كدة من الأول بس أنا اللي ضغطت عليها بحجة إنها تحافظ على بيتها.

نفت فايزة حديثه

_هايدي حافظت على بيتها لأنها بتحبه مش عشان ضغطك عليها، وصدقني هي حاليًا بتكابر بس من جواها نفسها ترجع معاه دلوقت.

تفاجئ كلاهما بأصواتهم العالية فلم ينتظر احد منهم ودخوا الغرفة

_في ايه يا ولاد.

رد حازم بامتعاض

_الهانم طالبة الطلاق.

تطلع إليها فريد بحنق

_صحيح الكلام ده؟

ردت بعناد

_اه يا بابا صحيح

تطلع فريد إلى زوجته وقال بحدة

_عقلي بنتك يا فايزة

تطلع إلى حازم

_وانت يا حازم تعالى معايا.

في المكتب

جلس فريد بجوار حازم وتحدث بعقل

_اللي اعرفه يا حازم ان اي راجل في الدنيا كلها بيتمنى عزوة واولاد يملوا عليه البيت، فلما تيجي انت تقول مش عايز الحمل ده ولازم ينزل يبقى أكيد في سبب قوى له، فإذا امكن يعني تحكيلي ايه السبب.

لم يعد هناك داعي للكتمان فقال بثبوت

_ياعمي الموضوع ده صعب عليا أكتر منها بس في سبب قوي يخلينا نعمل كدة.

قطب فريد جبينه بحيرة وسأله

_يحقلي اعرف السبب ده؟

أومأ له ثم تحدث بصعوبة

_بصراحة هايدي مينفعش تخلف تاني.

قطب جبينه مندهشًا وسأله

_يعني ايه؟ ياريت توضح أكتر.

تنهد حازم بتعب وقال

_للأسف هايدي في التوأم أصرت انها تولد طبيعي مع ان حالتها كانت صعبة زي ما الدكتورة قالت قدامك وده سببلها مشاكل في الرحم يعني مش هيتحمل ولادة تانية ولا هيتحمل حجم جنين أصلاً

تألم فريد بحالة ابنته وتمتم

_ لا حول ولاقوة إلا بالله، طيب يا ابني ليه مصرحتش هايدي بالحقيقة دي.

اخفض عينيه بحزن عميق وقال

_لأن الخبر ده هيبقى صدمة كبيرة اوي عليها وعشان كدة كتمته جوايا ومقولتش لحد عشان اضمن انه ميوصلش ليها.

تأكد الآن من حقيقة مشاعر حازم تجاه ابنته

_بس يا ابني انت لازم تقولها

هز رأسه بنفي

_لأ مش لازم تعرف.

_يعني هتسيبها كدة على عماها؟ طيب والحمل هتعمل فيه ايه؟

تنهد حازم بتعب وتمتم رغم صعوبة نطقها

_لازم اخلص منه.

_ازاي؟

نهض حازم وهو يقول بثبوت رغم شعور الألم بداخله

_لما ييجي وقته هعرفك.

خرج حازم دون أن يضيف كلمة أخرى وهو يشعر بغصة مؤلمة في قلبه

لا يعرف إذا كان منها أو عليها

استقل سيارته وانطلق إلى المشفى كي ينهي ذلك الأمر.

❈-❈-❈

في القاهرة

جلس حسين في بهو المنزل يتطلع إلى ابنه الذي يترجل من الدرج حاملاً حقيبته في وجوم تام.

وشاهي جالسة بجواره تضع قدم فوق الأخرى تهزها بكل أريحية ونظرات التشفي التي ترمق بها سليم هي السائدة الآن

فالأمس علم أن والده سجل الفيلا باسمها ولم يتبقى سوى بعض الممتلكات التي لازالت بإسمه

توقف سليم امامه وهو يسأله بفتور

_انا ماشي.

لوهلة ظهرت نظرة رجاء بعين حسين لكن لم تلبث كثيرًا وحل محالها الجمود

_برضه مش ناوي ترجع.

رد باقتضاب وهو يتطلع إلى شاهي التي ترمقه بتشفي

_لأ.

حافظ حسين على جموده وضغط على يديه يمنع تلك الرجفة التي أصابته في الآونة الأخيرة

_اللي تشوفه، بس ياريت الزيارة الجاية تكون أطول من كدة.

أومأ له سليم وحمل حقيبته خارجاً بها من ذلك المنزل

لكن تلك المرة بلا عودة

في منزل سليم بأمريكا

عاد سليم وهو يشعر باشتياق شديد لها

فرغم رفضها التام له إلا انه حقاً يشتاق إليها ان غابت عنه ولو ليوم واحد.

قريباً سيأتي الوقت المناسب ويخبرها بالحقيقة لكنه ينتظر منها أن تقبله كما هو.

لم يخبرها بعودته لأنها لم تسأله مرة واحدة في كل المكالمات التي دارت بينهم والتي كانت أغلبها مقتطبة

جلس على الأريكة بارهاق وتطلع بعينيه إلى غرفتها

شعر برغبة ملحة ان يدلف إليها وينهي ذلك الخلاف معترفاً بكل شيء لكن لم يحين الوقت بعد.

تطلع في ساعته فوجدها الواحدة ليلاً فقرر الدخول إلى غرفتها للاطمئنان عليها ثم يعود إلى غرفته.

فتح باب الغرفة لكنه أجفل حينما لم يجدها

انقبض قلبه بخوف ودنى من المرحاض يطرقه لكن ما من مجيب

خرج مسرعًا وقلبه ينبض بقوة ثم توجه إلى باقي الغرف لكن لا اثر لها

اخذ هاتفه من على الطاولة وقام بالاتصال بها لكنه تفاجئ به بغرفتها

خرج مسرعًا من شقته وتوجه إلى الشقة المقابلة لهم يطرقها

خرجت له فتاة لم يتعدى سنها العشرون عامًا

_ابيه سليم، حمد لله على السلامة.

حاول سليم الابتسام

_الله يسلمك، هي وعد عندكم.

_لأ دي لسة راجعة شقتكم من شوية، خير في حاجة؟

ازداد الخوف بداخله

_لأ مفيش اسف على الازعاج.

عاد إلى شقته

ولا يعرف لما ساقته قدماه إلى غرفته وبالفعل وجدها مستلقية على فراشه تحتضن منامته التي تركها على الفراش وقت ذهابه

بأقدام واهنة تقدم منها وهو مأخوذ بسحر تلك اللحظة

مستلقية على جانبها بمنامة قطنية قصيرة وخصلاتها المتماوجة مستلقية على الوسادة بجوارها وأخرى على جانب وجهها والباقي يرسو بأريحية على منامته هو.

شعر برغبة ملحة بأن ينضم إليها ويشاركها ذلك الفراش كما تمنى طوال تلك الأعوام

ولم يتردد لحظة واحدة في ذلك

فجلس بكل حذر على الجانب الآخر بعد أن خلع سترته وحذاءه ثم استلقى واضعًا رأسه على الوسادة ويرمقها بمشاعر لم يعد باستطاعته التحكم بها

أخذ يتطلع إلى محياها يتنقل بعينيه بين ملامحها ببطئ حتى وصلت لثغرها

وقد كانت نظرة خاطئة منه إذ شعر بتدفق الدماء بأوردته حتى هدرت بقوة

وتساءل هل إذا دنى منها أكثر وذاق مذاقها بقبلة خاطفة ستشعر به؟

تفكيره بشأن تلك البادرة جعلت الدماء تندفع أكتر حتى انفاسه أصبحت ثقيلة

رفع انامله ليبعد بها تلك الخصلة المتمردة عن وجهها

فيتصلب جسده عندما يجدها تفتح عينيها وتنظر إليه بهيام تعجب منه رددت اسمه بخفوت ثم عادت لسباتها

لكن صوتها الرخو محى على تعقله ووجد نفسه يدنو منها يتنفس انفاسها مكتفياً بذلك كي لا يهدم تلك اللحظة

فأغمض عينيه يناشد النوم بجوارها

❈-❈-❈

ظل داغر يتقلب على جمر ملتهب كلما تذكر رؤيتها له وهو قابعًا أسفل قدميها يبحث عن ضالته

كيف لم ينتبه لدخولها؟

ما كان عليها ان تراه بذلك الضعف

اعتدل في فراشه وأخذ يتحسس المنضدة حتى عثر على سجائره وأشعل أحدها بغضب شديد

لعن عجزه ولعن قلبه الذي اساء الأختيار من البداية

اسأله كثيرة يود اجابتها وأولها

يريد ان يعرف لما تعمل كممرضة

ولما أخفت هويتها

هل هربت من أهلها؟

هل جعلته يعشقها كي ينتشلها من براثين والدها وعندما علمت بعجزه لجأت لذلك الطبيب؟

يكاد يجن ولا احد يستطيع الوصول للحقيقة

إلى متى سيظل على ذلك الحال

ضغط على ساعة يده فعلم انها الخامسة صباحًا

نهض من فراشه واخذ يتحسس طريقه دون عصاه

لن يلجئ لها بعد الآن

لا يجب أن تراه عاجزًا مستندًا على عصا

خرج من الغرفة وتوجه للخارج فتلفحه نسمات باردة اشعرته برعشة تكتنفه

ظل يسير على الرمال حتى وصل للمياه

ورائحة اليود تخترقه

أخذ نفس عميق وجاءته رغبة بالذهاب برحلة على متن يخته الذي يقف على بعد عدة امتار منه

عامان لم يبحر به ولم يعد بامكانه فعلها

لكنه قرر أن يكون دافعًا له كي يشفى من ذلك الداء

عليه الذهاب لتحديد العملية الأخيرة

رغم ان الطبيب أخبره بأن الأمر يعد نفسي ولا يحتاج إليها لكنه لن ينتظر

اما هي فقد جفاها النوم وظلت تفكر فيه تارة وتارة أخرى تتأمل طفلهم

تفكر في مصيره عندما يكبر ويسألها عن والده

لقد رفضت عرض حازم لها بأن يتبناه لن تنسبه سوى لوالده.

لم تكاد تغمض عينيها حتى سمعت طرق على باب المنزل

نظرت في ساعتها فتجدها السابعة صباحًا

فتحت الباب فإذا به سائقه يقول باحراج

_انا اسف إني جاي في وقت زي ده بس كابتن داغر بعتني عشان اجيبك دلوقت.

لم تفهم اسيل شيء فقد طردها أمس ويأتي اليوم ليعيدها

_بس انا سيبت الشغل …

قاطعها برجاء

_ارجوكي تيجي معايا تقولي الكلام ده بنفسك لأنه مش هيقتنع باي اعذار.

وافقت أسيل مسرعة عندما سمعت بكاء طفلها وقد لفت نظر السائق فقالت بوجل

_طيب استناني في العربية وانا جاية دلوقت.

وافق صالح واغلقت هي الباب ودلفت مسرعة لغرفتها

حملت صغيرها والذي اخذ يبكي باعياء دخلت على اثره أمينة تسألها بقلق

_ماله في ايه؟

قالت أسيل بقلق

_مش عارفة بس جسمه سخن اوي.

جثت امينة جبينه فتجد انه حقاً محموم

_لا ده سخن أوي خلينا نتصل على هايدي تيجي تشوفه.

طرق الباب مرة أخرى فارتبكت أسيل حينما سألتها أمينة

_مين اللي بيخبط ده؟

ردت اسيل بتلعثم

_ده..ده.. السواق.

قطبت جبينها بدهشة وسألتها

_سيباه مستني ليه اعتذري النهاردة

ارتبكت أسيل أكثر وردت باحراج

_مش هينفع.

_هو ايه اللي مش هينفع؟ وبعدين انتِ مش قولتي انك سيبتيه

ازدردت لعابها بصعوبة وتمتمت بتشتت

_مش عارفة بس هو مصر

هتفت امينية باستنكار وهي تأخذ منها الطفل

_أسيل اطلعي اعتذري وعرفيه انك مش هتروحي وتعالي اقعدي جانب ابنك هو محتاجلك اكتر من اي حد.

اخذت أسيل تفكر في حل

هي لن تستطيع ترك ابنها بتلك الحالة وأيضاً تريد أن تكمل خطتها

حسمت امرها عندما سمعت الطرق مرة أخرى فقامت بفتح الباب وقالت باعتذار

_زي ما قولتلك مش هقدر اتواجد النهاردة وبكرة الصبح هكون موجودة.

وافق مجبرًا وذهب

أما أسيل فعادت مسرعة إلى طفلها وقد ازداد قلقها عليه

_دادة اتصلي على هايدي بسرعة خليها تيجي تشوفه.

قامت أمينة بمهاتفة هايدي وأخذت أسيل ابنها لتضع رأسه اسفل المياه كي تهدأ حرارته حتى مجيء هايدي.

جاءت هايدي وهي تسألهم بقلق

_ماله إياد قلقتوني.

قالت أسيل بوجل

_سخن اوي ومش مبطل عياط.

قامت هايدي بمعاينته ثم قالت بقلق

_الحرارة مرتفعة أوي، لازم نعمله كمادات عشان تهديها مع العلاج

اخرجت بعض الادوية من حقيبتها وتابعت

_والعلاج ده هيساعد معانا خلينا ندهوله

بعد وقت هدأ بكاءه واستسلم الصغير للنوم بفعل الأدوية فتطلعت أسيل إليها بقلق

_نومه ده عادي.

ابتسمت هايدي وقالت بتعاطف

_اه عادي متقلقيش ان شاء الله لما يصحى هيكون احسن بكتير.

تمتمت أسيل بامتنان

_متشكرة اوي يا هايدي تعبتك معايا

ربتت على يدها قائلة

_متقوليش كدة احنا اخوات.

نظرت لإياد وتابعت

_وإياد زي على وعمر بالظبط.

ظلت هايدي معها حتى هدئت حرارته

_الحمد لله الحرارة نزلت وبقى أحسن بكتير، مضطرة امشي عشان عندي شيفت في المستشفى لو حصل اي حاجة كلميني.

وافقت أسيل قائلة

_متشكرة أوي مش عارفة لولا وجودك كنت هعمل ايه.

ردت هايدي بمغزى

_كنتي هتعملي اللي العقل يقولك عليه، ان ابوه يعرف بوجوده.

رمشت أسيل بارتباك وتمتمت برهبة

_باباه مسافر زي ما قولتلك و…..

قاطعتها هايدي

_مفيش داعي انك تخبي عليا انا عارفة كل حاجة، وعشان متظلميش حد انا سمعت حازم وهو بيتكلم في الفون مع طنط.

أمسكت ذراع أسيل لتجلسها على الأريكة وتجلس بجوارها

_أسيل وخليني اندهلك باسمك الحقيقي، ابنك لو قدرتي تخبيه عن الدنيا دلوقت بكرة مش هتعرفي، وكمان حرام عليكي انك تسبيه من غير هوية، قوليلي لما يكبر ويحتاج يروح مدرسة هتعملي ايه؟

هتسجليه باسم والدك؟

ولو عملتي كدة الناس هتبصله على انه ابن حرام، طالما اتسجل باسم جده يبقى مجهول النسب، ولما يكبر ويفهم نظرته ليكي هتكون ازاي، صحيح ده كان غصب عنك بس هو ملوش ذنب.

رمقتها أسيل بحيرة

_عايزاني اعمل ايه؟

ردت هايدي بعقل

_تروحي لأبوه وتعرفيه انه له ابن ولازم يحمل اسمه.

انقبض قلب أسيل بخوف وتمتمت باستنكار

_وإن أخده مني؟

ردت بثقة

_ميقدرش لأنه في حضنتك وسهل أوي انك ترجعيه لحضنك بعد ما يسجله باسمه

قطبت أسيل جبينها ببخوف وغمغمت باعتراض

_انتي بتتكلمي كدة عشان متعرفيش حاجة، متعرفيش الانسان ده غدار قد ايه؟

انا اللي شوفت غدره وانكويت بيه لحد النهاردة

وصلني لسابع سما وكنت مستعدة اقف قدام الدنيا كلها عشانه بس اتفاجئت بيه بيغدر بيا من غير رحمة

صدقيني لو كان ينفع كنت عملتها بس ده انسان حقير وسهل اوي ياخده مني ويسافر زي ما دبحـ.ـني وسافر من غير حتى ما يعرف ايه اللي حصلي.

_مهما كان يا أسيل انتي مجبرة تروحيله طالما وافقتي تحتفظي بحملك.

فكري في كلامي كويس لأن مفيش حل غيره.

ربتت على يدها ثم تركتها وغادرت إلى المشفى.

حل عليها الليل وهي تفكر في حديث هايدي معها

هي محقة عليها أن تتنازل لأجل طفلها

لكن كيف؟

كيف باستطاعتها الوقوف أمامه وإخباره بأنها حملت منه واحتفظت به؟

ماذا إن رفض تصديقها واتهمها بالكذب

وهي لن تقبل ان يرفض نسبه أو أن يطالب بعمل تحليل له كي يتأكد

ماذا أيضًا إن أجبرها على الزواج منه …..

انتبهت اسيل لتلك الكلمة

الزواج.

ماذا إن اوقعته في شباك حور وجعلته يتزوج بها

سيكون باستطاعتها اثبات نسب طفلها دون إخباره

لكن أيضًا كيف ذلك وحينها سيسجل باسم حور وهي لا تملك هوية بذلك الإسم

أغمضت عينيها تحاول التفكير في حل لتلك المعضلة

ولم تجد سوى تلك الطريقة كي تحتفظ بطفلها

أما هو فقد ظل طوال النهار على جمر ملتهب منذ أن رفضت المجيء اليوم

خرج من الغرفة عندما ازداد شعوه بالاختناق جراء غيابها

هل تعمدت ذلك ردًا على طرده لها؟

أم أنها حقاً متعبة ولم تستطيع العمل اليوم.

عاد ذلك الاشتياق يقتحمه من جديد ولكن تلك المرة أشد وأقوى.

لقد ظن لوهلة انه استطاع اخراجها من قلبه لكنه اكتشف بأنه كان مخطأً

خرج من المنزل وهو ينادي سائقه

_عم صالح.

اسرع إليه صالح

_نعم يا داغر بيه.

_جهز العربية وتعالى.

❈-❈-❈

أخرج خليل الكارت من سترته وقام بوضعه بهاتفه فوجد مقطع فيديو يصور ردهة منزله

أخذ يمرر الوقت حتى وصل لوقت انتظاره لداغر وحبيبته

هم بتسريعه لكنه انتبه لمجيء العاملة

_خليل بيه في واحدة ست برة عايزة حضرتك ضروري.

تعجب خليل ثم قال لها

_خليها تتفضل.

ذهبت العاملة وعادت بعد قليل تتقدم سيدة في عقدها الأربعين فقال بترحيب وهو ينهض ليستقبلها

_اهلاً وسهلاً.

قالت السيدة بإحراج

_انا اسفة إن كنت جيت في وقت غير مناسب بس الموضوع مهم جدا.

اشار لها بالجلوس

_طيب اتفضلي اقعدي

جلست المرأة على المقعد قبالته وقالت

_انا ابقى مرات محمد السيوفي اللي البنك حجز على مصنعه.

وسمعت انهم عرضوا عليك تمسكه.

حمحم خليل بإحراج

_انا…

قاطعته بثبوت

_شكري حكالي انك رافض بس انا جاية لحضرتك اطلب منك انك انت اللي تمسكه.

سألها بحيرة

_اشمعنى انا؟ في غيري كتير وهيكونوا انسب مني.

اومأت له وهي تخفض عينيها بحزن

_يمكن يكون كلامك صحيح بس انا عايزة حد يكون نزيه، انت عارف طبعاً البنك لما بيحجز على حاجة بيموتها عشان بعد كدة يشتريها بالبخس، وعشان كدة انا عايزة حضرتك اللي تمسكه عشان توقفه على رجله من تاني يمكن اقدر ارفع عنه الحجز وارجعه.

رد خليل بتردد

_بس انا ليا ظروف خاصة بأني مقدرش استمر في الإقامة هنا في القاهرة.

_وانا مش هضغط عليك بس عايزة اقولك كلمتين وامشي بعدهم

انا لما اتجوزت محمد السيوفي كان اكبر مني بعشرين سنة والظروف وقتها اللي اجبرتني عليه خلفت منه اتنين زين عمره ١٧سنة ونور عمرها عشر سنين بعد موت باباهم مبقاش ليهم حد غيري

واخواتهم من أبوهم مسافرين وعمرهم ما فكروا في يوم يكلموهم ويطمنوا عليهم وخاصة لما عرفوا ان أبوهم كتبلي المصنع باسمي، ويمكن هما اللي ورا اللي حصل للمصنع

انا حياتي وحياة ولادي دلوقت متوقفة على المصنع لو عايز تساعدني توافق وتمسكه انت وهيكون جميل عمري ما هنساه.

نهضت وهي تتابع

_فكر كويس ورد عليا.

اخرجت بطاقة من حقيبتها وناولتها له

_ده الكارت بتاعي فيه كل أرقامي اتصل عليا في اي وقت، بعد اذنك.

خرجت المرأة وتركت خليل يفكر في طلبها

هو يود حقاً مساعدتها لكن أيضًا لن يستطيع ترك ابن أخيه في ظروفه تلك.

وخاصة بأن عليهم السفر لإجراء عملية أخرى.

فقرر بالأخير ان يعرض الامر على داغر ويطلب منه البقاء معه في القاهره.

❈-❈-❈

عادت السخونة لطفلها مما جعل خوفها عليه يزداد أكثر

قامت بالاتصال على هايدي وقالت بلهفة

_هايدي اياد جسمه سخن تاني.

_عادي يا قلبي انها ترجع خليكي ماشية على الكمادات والعلاج اللي عندك وهيكون كويس ولو عايزة تطمني أكتر هبعتلك اسم نوع على الواتساب هيساعد أكتر.

قامت هايدي بإرسال اسم الدواء وتذكرت أسيل أنها وحيدة بالمنزل فقد خرجت أمينة لشراء لوازم المنزل

نظرت لطفلها الذي مازال غافيًا فقررت الذهاب والعودة قبل استيقاظه

خرجت مسرعة واغلقت الباب خلفها وهي تسرع الخطى كي تعود بأسرع وقت

توقفت السيارة أمام منزلها وقال السائق

_وصلنا يا فندم.

أومأ له داغر وترجل من السيارة وهو بسأله

_على بعد اد ايه؟

رد السائق

_عشر خطوات لحد الباب.

أغلق باب السيارة وبدأت خطواته بالعد حتى وصل للباب

هم بطرقه لكنه توقف عندما سمع بكاء صغير مما جعله يندهش

سأل سائقه

_انت متأكد إن ده البيت؟

اومأ السائق

_أيوة هو انا كنت هنا الصبح وشوفتها بنفسي.

طرق الباب وانتظر حتى يجيبه أحد لكن لا يوجد سوى البكاء

تدخل السائق

_في جرس للباب.

ضغط عليه لكن لا من مجيب وبكاء الطفل يشتد أكثر

لا يعرف لما لامس بكاء ذلك الطفل المجهول قلبه فقال لصالح

_مفيش باب تاني؟

التف صالح حول المنزل فلم يجد

عاد إليه يخبره

_مفيش غير الباب ده.

ازداد بكاء الطفل الذي يمزع قلب داغر مما جعله يقول بأمر

_أكسر الباب.

تطلع إليه بذهول

_بس يا فندم.

هتف بلهجة حازمة

_قولتلك اكسر الباب.

وافق صالح على مضض وعاد داغر للوراء قليلاً كي يوسع له المجال

وعند اول محاولة انفتح الباب وقال صالح

_الباب اتفتح.

دلف داغر بعصاه وأخذ يتحسس الطريق وهو يصغي إلى صوت ذلك الطفل

لا يعرف المكان لذلك أخذ يتخبط مرات متتالية حتى بالأخير اصتدم بطاولة صغيرة فسقطت على الأرض

أسرع إليه صالح

_انت كويس يا ابني.

رد داغر بثبوت

_اه كويس متقلقش، هو الصوت جاي من فوق صح؟

أيد صالح

_اه جاي من فوق تحب اطلع أنا؟

قلبه رفض قبل عقله وتمتم بثبات

_لأ انا اللي هطلع، السلم على شمالي؟

اومأ صالح

_ايوة على شمالك خطوة واحدة

تتبع الصوت حتى ساقته قدماه إلى أُولى درجات السلم

فتردد كثيرًا لكن قلبه أجبره على المسير فأخذ يصعد الدرجات وهو يجد صعوبة شديدة به لذا نادى صالح الذي أسرع إليه

_لو سمحت هات الStick اللي في العربية بسرعة.

اومأ صالح واسرع باحضارها واعطاها له وسأله

_تحب اجي معاك؟

رفض داغر

_لأ خليك انت.

أخذ داغر يقيس المسافات حتى وصل للأعلى وأخذ يتابع مكان الصوت وهو يشعر بألم عجيب في قلبه

شعور لم يختبره من قبل

وكأن صوت البكاء يسحب روحه منه

أخذ يتحسس الجدران كي يصل للباب لكنه تعصر وكاد أن يسقط

استند على عصاه التي كرهها في تلك اللحظة وكره عماه الذي جعله لا يستطيع القيام بابسط الاشياء

فجاة شعر بألم حاد في عينيه مما جعله يغمضها بحدة كي يهدئ ذلك الألم

ليس الآن وصوت ذلك الطفل يمزق نياط قلبه

فتح عينيه بصعوبة فيتفاجئ بوميض أبيض ظهر أمامه لكنه أختفى في لحظة.

ازدرد جفاف حلقه بوجل

ثم أغمض عينيه يحاول معرفة ذلك الضوء الذي ظهر أمامه لكن لم يجد سوى الظلام.

ظن انها مجرد عرض للحظة ثم

عاد يتحسس الجدران حتى استطاع بعد عناء الوصل للباب

أخذ نفس عميق يهدئ به مشاعره الثائرة ثم

طرق مرتين ربما يجد إجابة لكن لا شيء سوى البكاء

فتح الباب ودخل وهو يتحسس بعصاه الغرفة وقد عاد إليه ذلك الوميض مرة أخرى لكن تلك المرة بوضوح أكثر جعل ضربات قلبه تتسارع بقوة

أعاد الكرة وأغمض عينيه وفتحها لكن لم يجد سوى الظلام

ما هذا الذي يحدث له؟

واصل تحسسه حتى صدم بالفراش الذي يبكي عليه الطفل

ثم بيد مرتعشة لا يعرف سببها تحسس الفراش حتى وصل له فينتفض قلبه عندما قام الطفل بالتشبث به وقد علت وتيرة أنفاسه

ازدرد لعابه بصعوبة وقام بحمله فيلامس وجنة الطفل الناعمة وجنته الملتحية قليلًا فتهتز بؤبؤ عينيه بشعور عجيب يكتنفه لأول مرة.
…………….
كان بكاء الطفل يمزق نياط قلبه ولا يعرف سبباً لذلك فقام بتهدئته قائلاً بحنو
_هششش خلاص أنا جانبك
اندهش داغر عندما وجده يتشبث به ولم يهابه
بل بدأ بكاءه يهدئ قليلًا ويندهش أكثر عندما وجده يضع رأسه على كتفه
ازدرد لعابه بصعوبة وقد شعر بسخونة جسده.
وضع يده على ظهر الصغير يثبته على صدره فتزداد ضربات قلبه المتسارعة بشعور عجيب يجتاحه لأول مرة
نادي على سائقة
_عم صالح.
أسرع إليه صالح الذي كان ينتظره بالأسفا
_خير يا ابني.
رد داغر وهو يربت على ظهر الطفل
_هو ولد ولا بنت.
دقق السائق بملامحه مما جعله يندهش من تقارب الشبه بينهم
لم يرى عينيه جيدًا من شدة بكاءه لكن الشبه واضح
_ده ولد.
_طيب خده مني ويلا نروح بيه للمستشفى.
السائق بتردد
_بس كدة أهله هيقلقوا لو رجعوا وملقوش ابنهم.
رد داغر بعدم اهتمام
_لو بيقلقوا مش هيسيبوه لوحده بالحالة دي.
وافق السائق وهم بأخذ الطفل لكنه تشبث بداغر أكثر ورفض صالح الذي حاول أخذه.
منعه داغر
_خلاص سيبه، امشي قدامي عرفني الطريق.
سار صالح أمامه يشرح له الطريق حتى وصلوا للدرج، كانت خطوات داغر حذرة ليس خوفاً على نفسه بل خوفاً على ذلك الصغير
نزل أولى الدرج دون أن يستند على السياج وذلك جعل نزوله أصعب بكثير
كان يتنفس عد كل درجة ويواصل صالح إرشاده
تعركل في نزوله وكاد أن يسقط لكن يد صالح انقذته.
ولأول مرة يسمح بأن تساعده يد أخرى لكن عليه ذلك كي يصل بالطفل للأمان.
تنفس بأريحية عندما انتهت معاناته عند آخر درجة
خرجوا من المنزل ثم توجهوا للسيارة التي انطلقوا بها للمشفى
وطوال الطريق والطفل يتشبث بعنقه وكأنه طوق نجاة له
كانت أنفاسه المحمومة على عنق داغر تقلقه أكثر عليه مما جعله يشدد من احتضانه له حتى وصلوا للمشفى..
وقفت أسيل في الصيدلية تنتظر الدواء والذي بدأ الطبيب بالبحث عنه ثم عاد إليها بأسف
_خلص للأسف بس لو عايزاه ضروري استنى خمس دقايق بس.
ترددت أسيل لكنها وافقت مجبرة فأشار لها بالجلوس والانتظار حتى يأتي به
لم تمضي ثواني وقالت بقلق
_ارجوك بسرعة لأني سيباه وحده في البيت.
رد بتفتهم
_دقيقتين بالظبط وهيكون معاكي.
ظلت أسيل تنتظر حتى جاء الدواء وأخذته لتعود إليه مسرعة.
لم تنتبه لتلك السيارة التي مرت من جوارها ولم ترى أحد سوى الطريق الذي سيصلها لابنها.
وصلت للمنزل فحمدت ربها عندما لم تسمع صوت بكاءه فظنت انه مازال نائمًا
أخرجت المفتاح من حقيبتها وهمت بوضعه في مكانه لكنها وجدته مفتوح
ظنت لوهلة أن أمينة قد عادت فنادتها
_دادة.
لم يجيبها أحد فانتبهت للطاولة الساقطة على الأرض فشعرت بالخوف وأخذت تنادي
_دادة أمينة.
لكن ما من مجيب
صعدت الدرج وقلبها ينبض بشدة حتى وصلت لغرفتها فوجدتها مفتوحها على مصراعيها
أخذ قلبها يهدر بعنف وتطلعت للداخل فتجد الغرفة فارغة.
رمشت بعينيها مرات متتالية وعقلها يرفض ما تفكر به.
اخذت تنادي مرة اخرى
_دادة أمينة انتي هنا؟
لكن لم يجيبها أحد
بأرجل كالهلام اخذت تبحث في الغرف لكنها لم تجد أحد
فتتصلب أرجلها عندما وجدت أمينة تدلف وحيدة من الباب وهي تقول بحيرة
_مين اللي كسر الباب كدة.
لم تستوعب الصدمة وكل شيء حولها يؤكد لها بأن ابنها قد تم خطفه فسقطت أسيل مغشياً عليها
❈-❈-❈
دلف داغر المشفى وقد غفى الطفل على صدره
لم يستطيع استخدام عصاه وهو يحمل الطفل فترك امر الإرشاد إلى صالح حتى وصلوا للطوارئ
تقدمت منه أحد الممرضات وهي تسألهم
_خير في حاجة؟
قال داغر
_الطفل جسمه سخن أوي وجاي اسأل على دكتور أطفال
ردت الممرضة
_دكتورة هايدي لسة جاية من شوية اتفضلوا معايا
لم تنتبه الممرضة لإعاقة داغر إلا عندما وجدت من معه يخبره بالتحرك ويرشده للطريق
تحصرت عليه وقالت في نفسها
_يا خسارتك في العمى
دلفت غرفة هايدي وهي تقول
_دكتورة هايدي في حالة برة بس ايه حاجة من الآخر
ابتسمت هايدي وسألتها
_هو مين بقى، الطفل ولا ابوه.
ضحكت الممرضة
_انا لما شفت ابوه مأخدتش بالي من أي حاجة تانية بس الحلو ميكملش كفيف.
_طيب يا ستي دخليه.
فتحت أسيل عينيها على صوت حازم الذي يحسها على الاستيقاظ
لم تنتبه لنفسها للحظات ولا تعرف أين هي او ماذا حدث لكن ألم قلبها الذي شعرت بغصته جعلها تنتبه لنفسها ولما حدث فتمتمت بتيهة
_ابني فين؟
لم يفهموا منها شيء وقالت أمينة بقلق
_فوقي يا بنتي وفهمينا في ايه؟ وفين إياد؟
ازداد شعور الدوار عندما سمعت أمينة والتي تؤكد بأن ابنها لم يكن معهم وقد تم بالفعل اختطافه فهزت رأسها برفض وتمتمت بتيهة
_ابني راح مني…ابني فين
نهضت أسيل بوهن وهي تتلفت حولها
_ابني رجعت ملقتهوش… ابني راح مني…اياد….
سألها حازم بحيرة
_اهدي بس وفهمينا اللي حصل.
نهضت أسيل وهي تتلفت حولها
_إياد….رد عليا …إياد حبيبي……
أخذت تتخبط في سيرها وحازم خلفها يحاول ايقافها وفهم ما حدث
_انتي رايحة فين اهدي يا أسيل وفهمينا ايه اللي حصل.
اجابت أسيل وهي تتخبط في كل شيء حولها
_ابني مش…موجود… اتخطف….حد خطف ابني.
الفتت إلى أمينة وتمتمت بتوهان
_ابني خرجت…. اجيبله الدوا…
(هزت راسها بضياع) رجعت ملقتهوش.
اهتزت نظراتها وهي تتابع بوهن
_هاتلي ابني يا حازم …. هاتولي ابني.
تطلعت لحازم وتمتمت برجاء
_حازم….ابني ياحازم…ابني ارجوك…إلا أبني لو جراله حاجة…اموت فيها…ارجوك
تعذب حازم لرؤيتها بتلك الحالة ووقف عاجزًا لا يعرف ماذا يفعل
فلا احد يعلم بوجوده
ولن يستطيع الذهاب إلى أقسام الشرطة
وما يقلقه اكثر أن يكون والدها قد علم بوجودهما وهو من وراء اختفاءه
تطلعت أمينة لحازم وقالت بقلق
_اتصل على هايدي تكون رجعت تاني وأخدته.
_هايدي هتاخده ازاي من غير ما تقول.
لم تستمع أسيل لحديثهم ولا شيء سوى عينين تبحث في كل مكان وقلب تزداد وتيرته بغصة مؤلمة
هل ضاع ابنها منها؟
ذلك العوض الوحيد الذي خرجت به من ذلك الزمن الغادر
هو وحده من جعلها تتشبث بالحياة بعد ما زهدتها، لا لن تتحمل فقده
إن حدث له شيء لن تستطيع العيش لحظة واحدة
أخذت تبحث في كل انش بالمنزل ولا أمل لإيجاده
تمتمت بضياع وهي تنظر إليهم
_ابني لقى الباب مفتوح وخرج لما ملقاش حد فينا.
ساقتها قدماها للخارج فتصادف البحر الهائج في طريقها يثور وترتفع أمواجه بشموخ وعلو
كأنه يخبر الجميع بأن واهم من فكر في مجابهة ثوراته.
لم تبحث معهم بالخارج ولم ترى شيء سوى صورة ابنها وهو يسير باكيًا على الرمال حتى وصل للبحر وخطفته أمواجه الغادرة
هزت راسها برفض
محال
محال أن تسمح له بأخذه
فإن أخذ طفلها فليأخذها معه فليس لها حياة بدونه.
بأقدام واهنة تقدمت منه
لم تتراجع ولم تخاف تلك الموجة العاتية التي لن ترحم من يجابهها ولا يتحدى قوتها إلا من جاء يبحث عن الموت
اغمضت عينيها عندما وجدتها تقبل عليها مستسلمة لمصير محتم بالموت، يكفي ما عاشته من عذاب حتى الآن، وقد راح الداعم الوحيد لها
تطلعت إلى الموجة العالية التي تتقدم منها تنذرها بعدم الوقوف أمامها فالغدر من طباعها وليس بوسعها شيء
لكن كان للقدر رأي آخر وانتشلتها يد قوية وسقطت معها أرضًا فلم تستطع الموجة أن تسحبهم وهم ثابتين على أرضهم، فاستحت الموجة ان تعود إليهم.
_أنتِ مجنونة، كنتِ عايزة تموتي نفسك؟
لم تجيبه بل استسلمت لصمت مطبق ولم تنتبه ليدي أمينة التي تساندها كما تفعل دائماً
فقط مستلقية على الأريكة تضع رأسها على ساق أمينة تهدئها بكلماتها الحانية
خرج حازم كي يبحث عنه ويتساءل
هل حقاً كما ظنت أسيل بأن وقع في البحر لكنه لن يستطيع الوصول للباب ولا فتحه.
إذاً فقد تم اختطافه.
لكن من؟ ولما؟
هل علم والدها به وبعث من يقوم بأخذه
لم يكن أمامه سوى الاتصال بهايدي
دلف داغر المكتب وهو مازال يحمله وقال
_السلام عليكم
ردت هايدي بابتسامة
_وعليكم السلام اتفضل حضرتك الكرسي على شمالك
تحسس داغر وجلس على المقعد فسألته هايدي
_خير حضرتك؟
لم يعرف داغر ماذا يقول أو بماذا يخبرها فهو حتى لا يعرف اسمه ولا والديه ولا يعرف مما يشكو ذلك الصغير
ولا يعرف أيضاً سببًا لفعلته سوى مشاعر عجيبه حسته على المجيء به هنا
فأشار على طفله وهو يقول
_الولد جسمه سخن اوي.
نهضت هايدي قائلة
_طيب خليني اعاينه
التفت وتقدمت من داغر كي تأخذه منه لعدم استطاعته السير جيدًا واندهشت كيف لوالدته ان تأمن عليهما.
مدت يدها تأخذ ذلك الغافي منه وتركه داغر لها
لكن تسمرت أرجلها عندما وجدت إياد ابن أسيل بين يديها
تطلعت لداغر الذي يجلس ثابتًا ولا يظهر أمامها بأنه خاطف.
لكن ما لفت نظرها أكثر هو مدى الشبه الذي بينهما وخاصة الأعين، وكأنها ترى صورة مصغرة له.
تطلعت لإياد الذي كان غافيًا بين يديها
ماذا حدث؟
هل هذا حقاً والده؟
هل علم بمكان أسيل وقام بأخذ طفله منها عنوة؟
حاولت ايجاد صوتها لكنها لم تستطع التفوه بكلمة
ازدردت لعابها بصعوبة وتمتمت
_اومال…. مامته… فين؟
وجدته يقطب جبينه ويتمتم قائلاً
_ليه؟
لم تعرف بماذا تجيب فغمغمت بارتباك
_اقصد يعني …إن ولدته هفهم منها…حالته أكتر.
رد بوجوم
_هو قدامك اتفضلي شوفيه.
اومأت بوجل ثم
وضعته على (الشزلونج) وهي لا تعرف ماذا تفعل.
هل تبعث رسالة لأسيل تخبرها، أم تخبر حازم وتطلب منه الإسراع إليها لكن كيف ذلك فإن علم بأنها كشفته فربما يأخذه ويرحل قبل مجيء حازم.
اسبلت عينيها براحة عندما رن هاتفها فعلمت دون ان تنظر إليه بأنه حازم.
تركت إياد وتحججت قائلة
_ثواني هرد على الفون.
ازدردت لعابها بوجل عندما وجدته حازم بالفعل ولم تستطيع الخروج من المكتب كي لا يشك بأمرها
فأجابت بحرص
_ايوة
سألها حازم بلهفة
_هايدي إياد معاكي؟
تطلعت هايدي إلى داغر بتوجس وأجابت
_اه موجود.
تنهد براحة لكنه اندهش عندما سمعها تقول
_لو وصلت دلوقت هتقدر تلاقيه.
سألها بحيرة
_يعني ايه مش فاهم انتي جيتي وأخدتيه
_لا هو اللي جاه تعالى وانت تشوفه.
أغلقت الهاتف ونظرت لداغر بعينيه المتصلبة ثم عاينت إياد الذي كان نائمًا وآثار الاعياء واضحة عليه.
لم يفهم حازم شيء لكن الأهم الآن أنه وجده وعليه ان يطمئنها.
اتصل على والدته والتي أجابته مسرعة
_خير يا حازم لقيته؟
اعتدلت أسيل وخطفت الهاتف من يدها
سألته أسيل برجاء أن يكذب عليها ويطمئنها
_لقيت اياد يا حازم؟
تفادى حازم تلك السيارة التي مرت من أمامه ولم ينتبه أنه يسير في الطريق المعاكس فقال
_اه الحمد لله لقيته
اغمضت عينيها براحة وتمتمت بشكر
_الحمد لله.
قال حازم وهو يحاول تفادي السيارات التي تقابله
_طيب انا هقفل معاكي لأني لازم اروح المستشفى دلوقت.
قالت بلهفة
_في ايه؟ اياد حصله حاجة؟
طمئنها حازم بروية
_لأ كويس بس هو عند هايدي وهروح هناك واطمنك
_طيب خدني معاك؟
_هتروحي بصفتك ايه سيبيني خليني اشوف في ايه.
بوغتت أسيل برده والذي يؤكد حقيقة مرة مهما حاولت الهرب منها
من هو؟
ومن هي بالنسبة له؟
لا يشيء يثبت ذلك.
ربتت امينة على كتفها وقالت بتعاطف
_الحمد لله إن اياد بخير.
تنهدت أسيل بشرود وهي تجيب
_للأسف يادادة اياد عمره ما هيكون بخير.
انتهت هايدي من معاينته
وحمحمت كي يخرج صوتها طبيعي ولا يشك بشيء ثم جلست على مكتبها وضغطت على الزر فتدلف الممرضة
_نعم يا دكتورة؟
قالت هايدي بثبوت لداغر
_هو ابنك محتاج يتحجز الليلة دي في المستشفى لأن الحرارة مرتفعة أوي ولازم يكون تحت الملاحظة.
رد داغر بنفس ثبوتها
_اكتبي كل الحاجات اللي محتاجها وانا هبعت السواق يجيبها لكن حجز لأ.
ازدردت لعابها بوجل ثم رفعت عينيها للممرضة وقالت
_طيب يا هدى هتيلي كانيولا اركبها عشان المحلول.
اومأت هدى وخرجت من المكتب ثم قامت بارسالة رسالة إلى حازم
__”تعالى بسرعة مفيش وقت الولد في خطر”
ثم أغلقت الهاتف
سألها داغر
_الموضوع هيطول؟
ردت بنفي
_لأ خالص خمس دقايق وهتروحوا.
اومأ لها وأخذت هايدي تنظر إليه بتوجس
ماذا حدث؟
وكيف عثر عليهما؟
وما قصة بصره ومتى فقده؟
بغتت عندما تحدث داغر
_هتفضلي مركزة معايا كتير؟ ولا بتضيعي وقت لحد ما حد منهم يوصل.
اهتزت نظراتها بوجل وسألته
_ليه بتقول كدة؟
ابتسم داغر بسخرية وقال
_صوتك اللي اتغير لما شيلتي الطفل وأخدتي بالك منه، المكالمة اللي بتأكدي فيها إن الطفل عندك، وطلبك إن الطفل يأخر لحد ما حد من اهله ييجي
نهض متابعًا
_أنا مش خاطفه ولا حاجة بس أنا كنت رايح للممرضة بتاعتي وسمعت صوته فاضطريت اخده واجيبه المستشفى لما لقيته بالحالة دي
بعد أذنك دوري انتهى لحد كدة.
اندفع الباب ودلف منه حازم والذي تسمر بدوره عندما وجده أمامه
لم يصدق ما يراه
لم تتركه هايدي يفكر كثيرًا وقاطعته قائلة
_تعالي يا دكتور حازم ابنك بخير متقلقش.
تدفقت الدماء بعروق داغر عند نطق اسمه واشتعلت نيران الغيرة بقلبه لكنه استطاع ببراعة أن يتحلى بالثبات وتحدث بهدوء
_بما إن والده جاه استئذن أنا.
خرج داغر تاركًا حازم في صدمته
لا يعرف ماذا يحدث
تطلع إلى هايدي وسألها
_ايه اللي جاب ده هنا؟
تأكد شك هايدي فقالت بهدوء
_يظهر إنه المريض اللي حور اشتغلت عنده ولما مراحتش النهاردة جاه عشان يطمن عليها لقى إياد في البيت لوحده وتعبان بالشكل ده، قام بدوره وجابه هنا عشان يكشف عليه.
ابتلع ريقه بصعوبة بالغة وتطلع إلى إياد الذي بدأ يعود لوعيه
فتقدم منه يحمله وقال بثبات
_انا هروحه لحور لأنها قلقانة عليه، وارجعلك تاني لأن في بينا كلام كتير لازم نخلصه.
اوقفته هايدي ودونت بعض الادوية وهي تقول
_هات الدوا ده بسرعة لأنه السخونة عاليا أوي.
اخذ منها الورقة وقال
_تمام متروحيش إلا لما ارجعلك.
خرج حازم من المكتب دون ان يستمع لردها
وأخذ يسرع بخطواته كي يلحقه ويتأكد أكثر ربما يكون أخطأ
وبالفعل وجده ينزل الدرج وقد لفت نظره تلك العصاه التي تساعده في النزول بقياس المسافة
متى حدث ذلك؟
نزلت الدرج حتى وصل قبالته وهنا تمتم الطفل دون قصد
_با..با
رد حازم بصوت مسموع وهو يمر من جواره
_انت مع بابا متخافش.
شعر داغر بأنه تعمد ذلك لكنه لم يهتم واستقل مقعده بالسيارة وقال للسائق
_اطلع بينا على عيادة دكتور منتصر.
❈-❈-❈
دلف حازم المنزل فيجد والدته جالسة على الأريكة منتظره عودته
وعند رؤيته حمدت ربها على عودته
_الحمد لله.
تقدم منها حازم ليضعه بين يديها وسالها
_أومال أسيل فين؟
_ادتها حباية مهدئة ونامت خفت لو فضلت صاحية يجرالها حاجة.
_طيب نيمي اياد جانبها وانزلي عشان عايزك ضروري.
صعدت أمينة ووضعته بجوار أسيل التي نامت بفعل المهدئ فلا تدري بشيء حولها.
عادت إلى حازم تسأله وهي تجلس بجواره
_ايه اللي حصل وهايدي اخدته أمتى ؟
تنهد حازم وقال بدون مقدمات
_انتي كنتي عارفة إن أسيل بتشتغل عنده؟
لم تفهم سؤاله في بادئ الأمر لكنها انتبهت لمقصده فلا داعي للكذب لذا ردت بروية
_معرفتش غير امبارح.
سألها بحدة
_وليه مقولتيش يا أمي؟
_ما تفهمني ايه اللي حصل الأول.
رفع حاجبيه متسائلاً
_اللي حصل؟!
تعرفي اللي حصل ده خلاه يتجرأ ويدخل بيتي وياخد اياد ويمشي بكل بساطة.
قطبت جبينها بدهشة وسألته
_ازاي؟
قص عليها ما حدث وأمينة تستمع إليه بصدمة
_معقول ده؟
رد حازم بلهجة حادة
_اه معقول، لما تخبوا عليا حاجة زي دي يبقى مستغربش اي حاجة تحصل بعد كدة.
علىٰ صوته بادانة
_ازاي يا أمي توافقيها على حاجة زي دي، وهي وافقت تشتغل عنده بناءًا على ايه؟
رد أمينة بقلة حيلة
_اعمل ايه بس يا ابني، انا معرفتش غير امبارح ولما سألتها قالت إنها وافقت عشان تنتقم منه..
قاطعها حازم باحتدام
_يبقى لسة بتحبه يا أمي، لسة جواها والانتقام حجة عشان تشوفه، معقول نسيت اللي عمله فيها
قالت أمينة بدفاع
_محصلش صدقني، اسيل منسيتش ولا عمرها هتنسى، كل الحكاية إنها عايزة تنتقم منه زي ما قالت.
_هتعمل ايه يعني؟ هتقتـ.ـله مثلًا؟ ما هو اصلًا بقى شبه ميت، ايه اللي عايزاه غير إن قلبها حن له وعايزة تكون جانبه لا وكمان شغالة عنده ممرضة.
نهض من مقعده وتابع
_أنا ماشي دلوقت ولما تفوق هيكون في كلام تاني، هبعتلكم حد يصلح الباب.
خرج حازم واستقل سيارته عائدًا إلى شقته كي يبدل ملابسه المبتلة ثم عاد إلى المشفى.
❈-❈-❈
عادت وعد إلى شقتها وهي تشعر بالارهاق
فقد تأخر السائق عليها فاضطرت لركوب الحافلة
جلست على المقعد ثم نظرت بساعتها فتجدها قد تعدت الثانية مساءً
ميعاد عودته
وبالفعل قبل ان تقوم من مقعدها وجدته يدلف من الباب.
_مساء الخير
قالها سليم بلهجته الهادئة وهو يضع مفاتيحه على الطاولة ويجلس على المقعد فترد هي بفتورها المعهود وخاصة بعد أن استيقظت ووجدته بجوارها على الفراش
_مساء النور
تابعت وهي تنهض
_ثواني هقوم اجهزلك الغدا.
منعها سليم
_خليكي أنتِ شكلك لسة راجعة.
لم تخبره بأن السائق تأخر عليها كي لا يعاقبه على ذلك فقالت بنفي
_لأ مش تعبانة
نهضت لتدلف غرفتها كي تبدل ملابسها ثم خرجت فتجده دلف غرفته كي يبدل ملابسه بدوره
دلفت المطبخ واخرجت الاشياء من المبرد وبدأت بإعداد الطعام
انتبهت لصوته خلفها يسألها
_تحبي اساعدك في حاجة؟
كانت تود الرفض لكنها حقاً متعبه وتريد مساعدة
اومأت له وبدأ هو يساعدها في إعداده
كانت نظراته لها تحمل اشتياق شديد لكنها مازالت تعاقبه على ما فعله بأخته
كان باستطاعته ان يخبرها بالحقيقة لكنه لا يريد عودتها إليه بتلك الطريقة
يريد أن تعود إليه وهي تتقبله بكل مساوئه
وحينها سيخبرها بكل شيء
وقف بجوارها امام المقود مما جعل اكتافهم تتلامس دون قصد بالنسبة لها
لكنه كان يحترق بنارها كلما تلامسوا
أغلقت وعد المقود ووضعت الطعام على السفرة الصغيرة في المطبخ وكذلك فعل هو.
كان الصمت سيد الموقف لكن قلوبهم تحكي الكثير
سألها سليم
_عاملة ايه في الجامعة؟
ردت بعدم اهتمام
_في حاجات كتير بتسقط مني بس بحاول افهمها من اصحابي.
قطب جبينه بحيرة وسألها
_اصحاب مين؟ وساكنين فين؟
ردت وهي تتظاهر بعدم الاهتمام
_عرب وساكنين قريب من الجامعة.
ترك الملعقة من يده وسألها بغيرة
_اقصد بنات ولا شباب؟
رفعت نظرها إليه لترى مدى غيرته فأرادت اشعالها حقاً كما يفعل معها ويتناول طعامه مع نساء بحجة عشاء عمل.
_كدة وكدة.
ازدادت عقدت جبينه وغمغم بانفعال
_وازاي حضرتك تسمحلي لنفسك تكلمي شباب حتى لو بدافع الدراسة.
تركت هي أيضاً الملعقة من يدها وقالت بفتور
_زي ما حضرتك بتتعشى مع ستات بحجة عشاء عمل والكلام الفاضي ده.
انفعل اكثر من ردها وقال باحتدام
_بس ده شغل.
ردت بتحدي
_ودي دراستي.
ضيق عينيه مستفهمًا رغم علمه بأنها تستفز غيرته
_يعني ايه؟
_يعني زي ما انت بتحلل لنفسك بدافع الشغل انا كمان بيكون بدافع الدراسة.
رغم سروره بغيرتها عليه إلا إنه لم يقبل طريقتها بالحديث معه ولا بتحديها له فقال بلهجة حادة وحازمة
_الكلام اللي اقوله يتنفذ من غير نقاش، مفيش كلام تاني مع اي شاب حتى لو كان دكتور الجامعة نفسه، فاهمة؟
تطلعت إليه بعتاب ورأت نفسها أسيل أخرى وهي ما لن تسمح به، فليتركها تعود لعالمها البسيط لا تريد تلك الحياة بقيودها حتى وإن كانت قيود ألماس.
هزت رأسها برفض
_وانا مش هقبل أكون أسيل التانية.
ضربته بمقتل عند ذكر أخته وما عانته معهم
ماذا تعرف هي عمّ عاشته أسيل كي تقارن وضعها به
تقدم منها خطوة عادتها هي للوراء حتى صدم ظهرها بالمبرد خلفها
ورغم غضبه الشديد منها ورغبته في معاقبتها إلا إن رؤية الخوف بعينيها جعله يتراجع عمّ انتواه وخاصة عندما تابعت بعتاب احرق قلبه
_مش عايزة الحياة دي، مش دي الحياة اللي اتمنتها معاك، انا بحبك واتمنيت اكون من نصيبك بس انت دمرت كل حاجة باللي عملته في أختك، خلتني افقد احساسي بالامان اللي محستوش إلا معاك.
استطاعت بكلماتها أن تنهى على من تبقى من غضب وعاد العشق يأخذ موضعه داخل عينيه وتمتم برق
_وانا اتمنيت أعيش حياة أفضل من دي معاكي، لا إنتِ ادتيني حبك ولا حسيتي معايا بالأمان، يعني كل واحد منا مستني التاني يبدأ
ملس بأنامله على خدها وتابع بهمس
_بس أنا حقيقي اديت كل حاجة، اديتك قلبي وحبي وعمري واديتك اسمك، مفكرتيش تدي حاجة واحدة من دول حتى قلبك استكترتيه عليا
بقيت بدور عليكي وانتي قدامي، لأنك ببساطة مبقتيش البنت اللي حبتها
بقيتي واحدة تانية شكاكة ومتطلبة حتى فقدت ثقتها في نفسها.
متستنيش مني اديك لأني اديت كتير
جلس داغر على الجهاز أمام طبيبه الذي سأله باهتمام
الاعراض دي جاتلك قبل كدة؟
رد بنفي
_لأ اول مرة تحصل معايا.
دقق الطبيب النظر في الجهاز أمامه
_الضوء استمر مدته اد ايه؟
تذكر داغر ذلك الوميض ورد بايجاز
_ثانيتين بالكتير.
_المرتين كانوا على تباعد ولا ورا بعض.
مل داغر من أسئلته ومن تلك الجلسة التي تمنعه من الحراك
_بتباعد، دقيقة او أقل.
نهض الطبيب بعد أن ابعد الجهاز عن عينيه وقال
_دي بشرى كويسة.
عاد داغر للمقعد وسأله
_ازاي؟
رد الطبيب بعملية
_انا قولتلك إن حالتك دي نفسية لأن العملية الأخيرة كانت ناجحة جداً ومفيش اي سبب عرضي لها
وأكبر دليل إنك لما اتحطيط تحت ضغط وكان دافع قدامك شوفت الضوء ده، وده بقى سبب رئيسي يخليني أقولك ابعد عن أي جراحة تانية وأمشي على التمارين اللي قولنا عليها، وخلي عندك دافع انك تشوف من تاني
أومأ داغر رغم عدم اقتناعه وخرج من العيادة متجهاً إلى منزله
وقبل أن يترجل من السيارة قال للسائق
بكرة الصبح تروح تجيبها في نفس الميعاد.
اوما صالح
_حاضر.
_لو رفضت متمشيش إلا لما تتحرك معاك فاهم؟
❈-❈-❈
فتحت أسيل عينيها إثر تلك اللمسات الحانية
على وجنتيها وصوت صغيرها بضحكته الرنانة والتي تطرب أذنها وتكتفي بها عن الدنيا بأكملها.
_ما..ما.
ابتسمت أسيل لسماع تلك الكلمة والتي ظنت لوهلة أنها لن تسمعها مرة أخرى.
ابتسمت بكل الحب الذي تحمله بداخلها حتى ادمعت عينيها
وجذبته لحضنها فيستسلم صغيرها لها وشددت من احتضانه حتى بكت بكاءً يهشم القلوب.
بكت بكل الآلام التي عاشتها
وذكريات من الماضي الأليم تقتحم مخيلتها وبقوة
لا تريد شيء من تلك الدنيا سواه
لا تريد سوى أن تتركهم هنيئين دون آلام
لكن يبدو ان الدنيا استكثرت عليهم ذلك وتحاول بكل الطرق إخضاعهم لرغباتها
توقفت عندما شعر طفلها بالخوف وبدأ يبكي بخوف
ابعدته عنها قليلًا كي تمسح دموعه وقالت بابتسامة تخفي بها بكاءها
_متخافش يا حبيبي انا جانبك ومش هسمح لحد أنه يبعدك عني.
نهضت أسيل وهي تحمله وسارت به إلى المطبخ تعد له طعامه
كانت تداعبه وهي تعد.طعامه فيضحك هو بسعادة بريئة لها.
ابتسمت أمينة عندما وجدتهم في المطبخ وضحكت إياد تملئه بهجة
_صباح الخير
تطلعت أسيل لأمينة التي دلفت المطبخ وبدأ إياد يهلل برؤيتها و ألقى نفسه عليها
_تـ..ـيـ..ـتا
التقفته أمينة بسعادة وقالت بحب
_قلب تيتا انت يا حبيبي.
وضعت يدها على رأسه ثم قالت
_الحمد لله الحرارة نزلت.
نظرت إلى أسيل وسألتها
_وانتي عاملة ايه يا حبيبتي ؟
ابتسمت اسيل تطمئنها.
_أحسن بكتير، خدي إياد وانا هحضر العشا بسرعة لأني بصراحة جعانة اوي.
_طيب خليكي انتِ وانا هحضره، انتِ لسة تعبانة.
هزت راسها بنفي
_لا خالص انا بقيت زي الفل.
انتهت أسيل ووضعت الطعام على السفرة ونادتهم
_يلا يا دادة الأكل جاهز.
جلست أسيل واصرت على إطعام طفلها وأمينة تنظر إليها بتعاطف
وتساءلت هل جاء الوقت الذي تعترف فيه أسيل بالحقيقة
فما حدث اليوم جعلت الأمور تتبدل
هو أخطأ وهي تعلم ذلك جيدًا لكن من حقه أن يعلم بطفله كما من حق ذلك الطفل أن يعلم من أبيه
فقالت بمغزى خفي
_هتعملي ايه يا أسيل لو ابوه عرف بوجوده؟
رغم علم أسيل بما تريد أمينة التوصل إليه لكنها قالت بمراوغة
_ليه السؤال ده؟
ردت أمينة بتسويف
_انا بقول مثلاً
ردت أسيل وهي تتناول طعامها بشهية
_مش هيعرف، ولو عرف بوجوده مش هيلاقينا.
عقدت حاجبيها بعدم فهم وسألتها
_ازاي.
تركت الملعقة من يدها ونهضت قائلة وهي تحمل طفلها
_هكون وصلت للي انا عايزاه واسافر.
تركتها ودلفت المرحاض كي تغسل يدي ابنها في صمت مطبق
لم تفهم أمينة مقصدها لكن عليها أن تخبرها بما حدث اليوم
وأثناء مكوثهم سألتها أسيل
_بس ايه اللي خلى هايدي تاخد إياد من غير ما تقولنا.
لم تجد حل آخر سوى قول الحقيقة فقالت بمراوغة
_بس هايدي مش هي اللي أخدته
قطبت جبينها بدهشة وسألتها
_اومال مين اللي اخد ابني ووداه عندها
ردت أمينة بعد تردد
_ داغر جه هنا النهاردة وهو اللي أخد إياد للمستشفى.
نزل الخبر كالصاعقة على أسيل ورمشت بعينيها تحاول استيعاب ما سمعت وكأنها اخطأت به
تطلعت إليها وهي تسألها بعدم استيعاب
_جه فين مش فاهمة؟
امينة باستسلام
_داغر كان جاي يسأل عنك وتقريباً لما سمع صوت ابنه كسر الباب هو والسواق واخدوه على المستشفى ومن كرم ربنا أن هايدي كانت موجودة في المستشفى.
رمشت بعينيها مرات متتالية وعقلها يرفض ما تسمعه، فإذا علم داغر بوجوده فسوف يأخذه منها..
انقبض قلبها خوفًا وسألتها بتوجس
_عرف حاجة؟
طمئنتها أمينة
_متخافيش معرفش حاجة، هو سابه مع حازم ومشي، تقريباً لما جه عشان يقنعك ترجعي كان إياد صحي وبيعيط عشان كدة كسروا الباب ولما لقوه لوحده أخده على المستشفى هو قال كدة لهايدي.
لم يرتاح قلبها لذا قررت ان تعود له غدًا كي تنهي ما انتوت فعله بأسرع وقت وبعدها ستأخذ طفلها وترحل دون عودة، الأهم ان تثبت طفلها حتى تستطيع السفر به.
قالت أمينة
_انا شايفة يا أسيل إنك تعرفيه بالحقيقة أفضل ده مهما كان ابنه.
صرخت بها أسيل بغير وعي
_متقوليش ابنه.
أومأت لها أمينة بتفاهم مع حالتها
_بس دي الحقيقة مهما انكرتيها ومسيره في يوم هيعرف، دي حاجة عمرها ما هتستخبى.
_قولتلك وقتها هكون اختفيت بابني ومش هيقدر يوصلنا.
❈-❈-❈
في المشفى
انهت هايدي عملها وقامت بحمل حقيبتها كي تعود لمنزلها لكنها تفاجئت به يدلف مكتبها
كانت نظراته لها تحمل عتاب وكأنه هي المخطأة الوحيدة بذلك.
أغلق الباب خلفه وتقدم منها يسألها
_ماشية؟
ردت بفتور رغم ذلك الحنين الذي يجذبها إليه
_اه ماشية عندك مانع؟
لم يعجبه ردها لكنه تحلى بالصبر كي تعود معه
_مش هيبقى عندي مانع لو روحتي معايا.
اشاحت بوجهها بعيدًا عنه فتقدم هو منها وقد شعر باشتياق شديد إليها
فتلاعب على وتر عشقها له وقال بعتاب
_هتفضلي بعيدة عني كدة كتير؟
التزمت بثباتها وردت باتهام
_انت السبب مش أنا.
ابتسم وهو يضع يديه حول خصرها يقربها منه وتمتم بحمية
_انا مقولتش سيبي البيت وأمشي
ابعد خصلاتها عن وجهها يضعها خلفها وتابع بهمس
_البيت وحش أوي من غيرك، متخيلتش إن يومين يعملوا فيا كدة.
عاندت قلبها الذي يطالبها بالرضوخ له لكنها واصلت فتورها
_عايز ايه؟
همس بجوار أذنها وهو يطبع قبله حانيه خلفها
_عايزك ترجعي معايا.
_ولو قولتلك لأ.
تطلع إليها بنظرات عاشقة تراها بعينيه لأول مرة وتمتم بوله
_أنا عمري ما أجبرتك على حاجة بس المرة دي لو واصلتي عنادك غصب عني هجبرك.
وضع وجهها بين كفيه وتابع بصدق
_أنا بحبك انتِ مش حد تاني، ده كان وهم وفوقت منه لما بعدتي ودقت مرارة فراقك، اكتشف إن مفيش حياة من غيرك.
لأول مرة تشعر بصدق كلماته والتي لامس صدقها قلبها لكن لن تعود بتلك السهولة فسألته بتوجس
_وحملي؟
بوغت بسؤالها مما جعله يبتعد قليلاً كي ينظر إليها.
_هايدي انتي ليه مصرة على الحمل ده؟ انا شايف إن عمر وعلي محتاجين اهتمامنا أكتر من كدة، محتاجين إننا نعوضهم غيابنا أغلب الوقت عنهم، ليه مصرة تشغلي نفسك بطفل تالت وفي الآخر تسيبيهم لمامتك.
هزت راسها بنفي
_ده مش سبب يخليك تجبرني اقتل ابني، لو عايزني أرجع يبقى تسيبني احتفظ به.
زم حازم فمه يحاول السيطرة على اعصابه
_ولو رفضت.
نظرت إليه بخذلان وقالت
_يبقى تطلقني.
ضيق عينيه مستفهمًا
_أفهم من كلامك إنك بتفضلي الحمل ده على جوزك.
ابتسمت بسخرية لقلب الأمور لصالحه
_لأ مش ده السبب الأساسي يا دكتور حازم
وانت عارف كويس اوي أنا اقصد ايه.
ابتعدت عنه وحملت حقيبتها لتتابع بقوة
_اللي عندي قولته ولو سمحت سيبني أروح عشان أتاخرت على الولاد.
تركته وخرجت من المكتب محررة تلك الدمعة التي أسرتها داخل عينيها طوال مكوثها معه فقامت بارتداء نظارتها السوداء كي لا يرى أحد دموعها
تعترف بأنها ضعيفة أمامه وأن حبها له لن يستطيع شيء ردعه
وذلك القلب الأهوج ينبض بقوة معترضًا على تركه.
لكن عليها مجابهة ذلك العشق كي تحافظ على ما تبقى من كرامتها.
عادت إلى المنزل ولم تجف دموعها فاتجهت إلى غرفتها قبل أن يراها أولادها بتلك الحالة
استندت بظهرها على الباب وأطلقت لدموعها العنان
لما عليه أن يكون بهذه القسوة معها
لما لا يلين قلبه أمام حبها
ماذا تفعل أكثر من ذلك كي يرأف بها ويعشقها كما تعشقه
لوهلة صدق قلبها الغادر كلماته المعسولة لكن بان كذبه الذي لم يستطيع مواصلته.
فلما عليها ان تكون بذلك الضعف أمامه.
مسحت دموعها بيدها عندما طرق الباب
فابتعدت عنه قليلًا كي تفتحه فتجد والدتها أمامها.
حاولت إخراج صوتها ثابتاً كي لا تشعر بشيء
_أهلاً يا ماما.
لم تحتاج فايزة لفطنة كي تعلم سبب تلك الدموع المتعلقة باهدابها فقالت بتعاطف.
_وبعدين يا هايدي هتفضلي كدة لحد أمتى.
لم تريد شيء سوى الارتماء داخل أحضانها
ولم تجد أفضل من حضن والدتها ولا أحن منه ليحتويها في تلك المحنة.
……..
اغلقت فايزة الباب خلفها ووضعت العصير أمام ابنتها وهي تقول بحب
_اشربي العصير ده هيهديكي شوية
تناولت منها الكوب لتحبسه بين يديها فقالت فايزة بحكمة
_انا عارفة إن الكلام اللي هقوله ده مش هيعجبك بس لازم تسمعيه
الواحدة مننا لما بتحب بتدي من غير حساب
وكل ما حبت جوزها أكتر كل ما ادته أكتر حتى لو على حساب نفسها
وده اللي انتِ عملتيه اديتي بزيادة لدرجة انك خلتيه ميطلبش وهنا ده افتكرأنه حق مكتسب
معلمتهوش يحتاج أو يطلب ولا حتى يشتاقلك لأنك في البيت والشغل قدامه
والحب اساسه اشتياق يا حبيبتي
وهو عمره مشتاقلك عشان يتعلق بيكي
العطاء لازم يكون بحدود وحتى حبك لازم تكوني متحكمة فيه وتكوني مسيطرة عليه
عارفة إن كلامي بيجرحك بس دي الحقيقة اللي لازم تعرفيها
انا أمك وأدرى واحدة بمصلحتك
اثبتي على قرارك وخليه يحس بغيابك، خلي حبك اللي مش حاسس بيه جواه يخرج لما يحس فعلاً إنك بتضيعي منه.
هزت هايدي راسها دون ان ترفعها عن الكوب الذي بيدها وتمتمت بخفوت
_بس هو عمره ما حبني.
ردت فايزة بنفي
_مش حقيقي، حازم بيحبك بس زي ما قولتلك مفيش حاجة بتعمليها تشغله بتدي ومكفية وناسية إن البُعد لو بحدود بيعمل اشتياق، ولما تتقابلوا عوضيه بزيادة خليه طول ما هو في الشغل يتكوي بغيابك ويتمنى يخلص بسرعة ويرجعلك ولما يرجع ادي بزيادة عشان يكون دافع أكتر أنه يرجعلك، خليه ليلة ينام لوحده ويحس بنار غيابك
فكري بكلامي ونفذيه ومش هتندمي، بس حطي في بالك البعد بزيادة بيعلم القسوة
وعايزة تجننيه أكتر اتعاملي معاه في المستشفى عادي بحكم عملكم عادي جدًا كأنه مجرد زميل.
فهمتيني.
أومأت هايدي
_فهمت يا ماما.
ربتت على يدها وقالت
_انا هقوم احضر العشا عشان بابا زمانه جاي.
خرجت فايزة وظلت هايدي تفكر في حديث والدتها لتعرف بالأخير بأنها وحدها المخطئة.
❈-❈-❈
استلقى داغر على فراشه مستنداً بظهره على الوسادة وأخذ يفكر بما حدث اليوم.
تذكر ذلك الطفل وتشبثه به والذي دون إرادته تعلق به بشيء مهيب
تذكر كيف تعلق بعنقه وكيف نام على كتفه
وبكاءه الذي هدئ ما إن حمله بين يديه.
ابتسم رغمًا عنه وشعر بحنين إليه
لو لم تهرب منه لكانا الآن ينعمان بطفل بعمره.
لكن الغريب في الأمر
لما ترك حازم طفله عندهم وهو بهذه الحالة؟
واين والدته من كل ذلك.
تذكر أن أسيل أخبرته بأنه متزوج من طبيبة مثله
تذكر أيضاً أنها أخبرته باسمها لكنه لا يتذكره جيدًا
مد يده على المنضدة يتحسس علبة سجائرة لكن يده تعسرت في كوب الماء وسقط على الأرض
مال قليلاً كي ينتشل الزجاج من الأرض
فيصاب إصبعه
لم يهتم له وظن أنه جرح طفيف حتى عندما شعر بذلك السائل ظن أنه ماء لذلك واصل جمع الزجاج ووضعه بسلة المهملات الموضوعة بجانبه
نهض ليدلف المرحاض يغسل يده كي يتأكد من عدم تعلق أي زجاج بيده
ولم يلاحظ الدماء التي تسيل من يده والتي طبعت على مقبض الباب ومقبض المياه حتى المنشفة التي جفف بها يده
وعاد إلى فراشه
كان يشعر بوغز بسيط لكنه لم يبالي به واستلقى على فراشه لينام لكن ذلك الشعور جعل النوم يهرب منه.
❈-❈-❈
استلقت على الفراش بجوار طفلها تناشد النوم بعد يوم شاق مليء بالمآسي
تطلعت لطفلها بحب وأخذت تملس على وجنته الناعمة
رن هاتفها فنظرت إليه فإذا بها هايدي تتصل لتطمئن عليه
_ازيك يا اسيل إياد عامل ايه دلوقت؟
ابتسمت وهي تنظر إليه بحب
_أحسن بكتير.
_الحمد لله انا قولتلك إن كل ده عادي عشان سنانه المهم هتعملي ايه مع ابوه.
لم تندهش أسيل لمعرفتها بالحقيقة فهي كانت تشك بذلك فردت بهدوء
_مش هعمل حاجة، هو ميعرفش انه له طفل وانا مش هعرفه.
تحدثت هايدي بعقل
_بس ده مش بمزاجك للأسف يا أسيل، هو من حقه إن يعرف بوجود ابن له زي ابنك ما من حقه يعرف، بلاش تفكري فى دا دلوقت فكري في بعدين لما يكبر ويسألك مين أبوه، وحطي احتمال إن ابنك يعرف الحقيقة وتلاقي نفسك متهمة قدامه، مفيش قدامك حل تاني، المرة دي عدت وأحمدي ربنا أنه كفيف لأنه لو شافه مكنش هيشك لحظة واحدة انه ابنه.
تنهدت أسيل بتعب
_عارفة كل ده وهشوف له حل بس بعيد عن انه يعرف، مستحيل أجازف وأخليه يعرف انه له ابن ويحرمني منه.
_ما يمكن يطلب يتجوزك عشان يثبته ويعتذر عن اللي حصل، وبعدين يا أسيل الشخص اللي أنا شوفته النهاردة ده شكله ابن ناس ومحترم اللي خلاه يتأثر بطفل ميعرفوش وياخده بظروفه دي ويوديه المستشفى ده مستحيل يكون بالحقارة اللي حكيتي عنها.
ابتسمت أسيل بمرارة
_حكيت عنها؟! أنا عشتها وجربتها
ارتعشت أوصالها للذكرى
_انتي مش متخيلة اللي عمله معايا ولا الطريقة اللي اخدني بيها، ده لو بنت ليل كان هيرأف بيها شوية، إنما ده مرحمنيش وانا بترجاه يسيبني
تفتكري واحد زي ده ممكن يرحم ويسبلي ابني.
تأثرت هايدي بقصتها لكنها حقاً لا تتقبل ان يكون ذلك الرجل الذي رأته اليوم بتلك القسوة
_ما يمكن بعد اللي حصله ده اتغير، ويمكن برضه بيدور عليكي عشان يطلب منك تسامحيه، بصراحة طنط النهاردة حكتلي كل حاجة وحكتلي انك بتشتغلي عنده دلوقت وأكيد لاحظتي أي تغير فيه.
_التغيير الوحيد اللي حصل أنه ظهر على حقيقته مش أكتر.
لم تريد هايدي الضغط عليها فقالت بتروي
_فكري كويس في إبنك لأن الاولاد هما اللي يستاهلوا إننا نحارب عشانهم.
أغلقت أسيل الهاتف وأخذت تفكر فيما انتوت فعله..
❈-❈-❈
في منزل حسين
بدأ حسين يشعر لأول مرة بالوحدة وقد فارقه الجميع.
وبدأت شاهي تسيطر على كل شيء من حوله
فعلم أن أولاده كانوا له حصن منيع لكنه لم يعلم ذلك إلا بعد فوات الاوان
حاول كثيرًا مع سليم وطلب منه العودة لكنه يأبى الرجوع فعلم انه لم يغفر ولن يسامح
لكن ما الذي ينتظره منه وقد رآى بعينيها أنها عادت من هروبها محملة بالعار
تذكر رجاءها وهي تقسم له بأن ماحدث لم يكن بإرادتها
لكنه لم يستمع إليها ولم يرحمها بل واصل تعذيبه لها بكل جبروت
❈-❈-❈
أما سليم فقد ظل يمنع ذلك الحنين الذي يطالبه بأن يطمئن عليها
لكن غضبه منها يرفض ذلك
هو يعلم جيدًا بأن ما حدث رغمًا عنها لكن أيضًا هي من وضعت نفسها في طريق الهلاك
لقد ابتعد وأصر على البقاء هنا كي لا يضعف أمامها ويذهب إليها
حتى عندما عاد إلى مصر حارب شوقه لها بكل الطرق وخاصة عندما وجدها بالمصعد.
هل ظنت ان باخفاء وجهها عنه لن يعرفها!
ابتسم بحزن للذكرى
فقد رآها بقلبه قبل عينيه
حتى ضربات قلبها المتسارعة كان يسمعها بوضوح ولذلك اوهمها بأنه لم يراها ولم يعرفها كي لا تفزع منه.
يعلم جيدًا بأنه لن يستطيع مواصلة عناده وخاصة عندما اصبح ذلك الفرع خاص به وحده وأصبح واقفاً على أرض صلبة..
❈-❈-❈
استيقظت أسيل من نومها على صوت طرق الباب
نهضت بصعوبة فقد ظلت مستيقظة حتى الفجر.
فتحت الباب فتتفاجئ بصالح أمامها
_صباح الخير يا بنتي، اتفضلي غيري هدومك ويالا قبل داغر بيه ما يصحى.
_صباح النور يا عم صالح، حاضر دقيقة بالظبط وهكون جاهزة.
صعدت أسيل وهي تنوي ما قررت خوضه دون تردد
قامت بتبديل ملابسها ودلفت غرفة أمينة
_صباح الخير يا دادة
نهضت أمينة من على المصلى وقالت باستياء
_يعني مصرة تكملي؟
أومأت بتأكيد
_اه مصرة، أنا ماشية دلوقت ولم نرجع هيكون بينا كلام تاني، بعد أذنك.
خرجت أسيل من المنزل واستقلت السيارة
وأثناء ذهابهم أرادت أسيل أن تستفسر عما حدث فسألته
_هو ايه اللي حصل امبارح يا عم صالح؟
رد صالح وهو ينعطف تجاه المنزل
_كابتن داغر أصر أنه يجيلك امبارح لما رفضتي تيجي ولما قربنا من البيت سمعنا صوت طفل صغير……
انتهى من قص ما حدث وهي تستمع إليه بقلب منقبض
_بس يا بنتي الغلط عليكم الولد كان سخن أوي وغير كمان انه صغير على انكم تسيبوه لوحده في البيت.
تنهدت أسيل وقالت بشرود وهي تنظر من نافذة السيارة
_كان غصب عني بس مش هتتكرر تاني.
❈-❈-❈
توقفت سيارة خليل أمام المنزل وترجل من السيارة بوجوم تام ثم دلف المنزل وكأنه يتوعد لمن يراه أمامه.
صادفته سلوى التي قالت بابتسامة
_صباح الخير يا خليل بيه احضر الفطار دلوقت؟
رد خليل باقتضاب وهو يصعد الدرج
_لأ.
صعد لغرفة داغر فيقتحمها دون ان يطرق بابه فيجده نائمًا في فراشه وكعادته يترك الضوء يملئ الغرفة
تطلع إليه باستياء
وهم بالخروج لكن لفت انتباهه الدماء المطبوعه على الفراش الأبيض ويده التي تغطت بالدم بصورة تدعوا للريبة..
انقبض قلبه وتقدم مسرعًا منه يتطلع إلى الدماء فيجد يده تنزف ويوجد بقايا زجاج على الأرض
تقدم مسرعًا منه يتطلع إلى يديه فيجد أنها جروح طفيفة لكنها نزفت.
قام بايقاظه
_داغر…قوم.
استيقظ داغر وفتح عينيه بصعوبة متسائلاً بنعاس
_عمي!….جيت أمتى؟
رد عليه باقتضاب
_دلوقت.
ساعده على الجلوس تحت دهشة داغر ثم جذب المنشفة متسائلاً
_ايه اللي عمل في ايدك كدة؟
لم يفهم داغر شيء حتى لهجة عمه معه تعجب منها فسأله بحيرة وهو يتحسسها
_مالها؟
دلف خليل المرحاض بمنشفة كي يبللها بماء دافئ وهو شتان بين قلقه وغضبه ثم عاد إليه
شعر داغر بوغز حينما وجد عمه يمسح يده بمنشفة فيهدئ قلقه قليلًا حينما وجد أن الدماء تجمدت على يده وتوقف النزيف
_ ايه الجرح اللي في ايدك ده؟
شعر بألم عندما شعر بالمنشفة تضغط عليه وقال
_ممكن أكون انجرحت وانا بلم الإزاز.
تطلع خليل للزجاج الملقي في السلة ثم قال معنفاً
_وانت مالك بالإزاز مسبتوش ليه؟ قوم اغسل ايدك لحد ما اشوف الممرضة جات ولا لسة.
اومأ له ونهض ليدلف المرحاض
أما خليل فخرج كي يسأل عن عودة الممرضة وقبل ان ينزل الدرج وجدها تدلف من المنزل
رمقها بنظرة مبهمة للحظة ثم قال بأمر
_تعالي يا…حور.
تقدمت أسيل منه وقد شعرت من نظراته أن هناك أمر ما
وقفت أمامه على الدرج وسألته
_نعم حضرتك.
تطلع إليها بصمت لبرهة ثم تحدث بجدية
_تعالي معايا.
جلست أسيل على المقعد امام داغر الذي ترك يده لها باستسلام تام رغم النيران التي اشعلتها بذلك التلامس
كانت تطيب جروحه بيد مرتعشة وذكريات تلك اللية تقتحمها بشدة
كانت تجد صعوبة في التحكم بارتعاشتها حتى لا يلاحظ أحد ذلك
لكن عينين خليل كانت تراقبها بتمعن لم تلاحظه
لم تلاحظ شيء سوى تلك اليدين التي اذاقتها العذاب ألوانًا.
انتهت أخيرًا وانتهت مراقبة خليل لها وقبل ان تقوم من مقعدها قال لها خليل
_بعد ما تخلصي اعملي فنجان قهوة وهاتيه على مكتبي.
أومأت أسيل وخرجت من الغرفة
فتطلع إلى داغر وسأله بجمود
_انت تعرف حور دي؟ شوفتها قبل كدة؟
تعجب داغر من سؤال عمه وبدأ الشك يتلاعب بداخله، هل عرفها؟
لكنه لم يراها كي يتعرف عليها
اعاد خليل سؤاله
_بسألك شوفتها قبل كدة؟
اندهش من إصراره وسأله بمراوغة
_بتسأل ليه؟
راوغه خليل أيضاً
_أصلي حاسس إني شوفتها قبل كدة معاك، صح ولا انا غلطان.
مسح داغر بيده السليمة على وجهه ورد بتسويف
_كـ اسم لا معرفهاش لكن كـ شكل مقدرش افيدك.
لم يكذب بل راوغ مما جعل خليل يومى له
_تمام.
تركه وخرج إلى مكتبه وانتظر حتى دلفت أسيل وهي تحمل القهوة وتضعها أمامه.
_اتفضل القهوة.
رد بتعاطف
_متشكر يا بنتي.
اومأت له وهمت بالخروج لكنها اجفلت عندما نداها
_أسيل… مش أسيل برضه ولا انا غلطان
رمشت بعينيها وهي مازالت توليه ظهرها وكأنها لم تسمع جيدًا
استدارت بغير وعي دون النطق بشيء فتابع
_اقفلي الباب وتعالي اقعدي.
❈-❈-❈
أخذ سليم ينظر إلى الكوب بيده وغير عابئ بتلك التي تتحدث بجواره ولا لأي شيء سوى من شغلت عقله وتفكيره منذ أن رآها للمرة الأولى.
لم يشعر بأي فرحة بذلك التعاقد مع شركة كبيرة جعلته يقطع الطريق على والده في إجباره على العودة
لا يريد العودة للمنزل رغم اشتياقه لها لعلمه ماذا يفعل به ذلك الاشتياق وهو يتطلع طوال الليل إلى الجدار الذي يفصله عنها
وعندما يأتي الصباح يأتي معه عذاب أكبر وهى تجلس أمامه وقت تناول طعامهما.
انتبه لها تسأله
_سليم ماذا بك؟
زم فمه بعدم اكتراث
_لا أعرف.
علمت سبب حالته لكنها سألته
_تفكر في زوجتك؟
تنهد سليم بتعب وهو يضع الكوب على الطاولة أمامه
_لا شيء غيرها يشغل بالي حالياً، حتى تعبت من كثرة التفكير.
_إذاً فانت لم تحاول كما يكفي أو كما هي تريد.
هز رأسه بنفي وتحدث بثبوت
_ليس حقيقي لقد فعلت المستحيل ولا تريد أن تعود اليّ، قلبي يشتاقها بشدة وكذلك مشاعري لكنها تأبى التقرب مني، لازلت ذلك المتهم بقتـ.ـل أخته ولا تريد ان تغفر أو تسامح.
_انا معها في تلك النقطة وأخبرك بأنك مخطئ، عليك ان تخبرها الحقيقة وتضع حدًا لذلك البعد.
زم فمه بأسف وقال بتمني
_أريد أن تقبلني كما أنا، بكل أخطائي.
تعجبت من تفكيره
_لكن ما حدث ليس مجرد خطأ، انت بالنسبة لها قا.تل، وقا.تل أخته ولن يجعلها ذلك تشعر بالأمان معك، انتما تعاندان بعضكما وهذا ليس جيد.
حملت حقيبتها وهي تنهض قائلة
_لا تتمادي في اختبار غيرتها فتلك الطريق تبعد المسافات أكثر لا تقربها، إلى اللقاء غداً.
ذهبت إيمي وتركته هو في حيرته
هل يوافقها ويعترف بكل شيء؟ ام ينتظر على أمل قبوله كما هو
عاد إلى منزله فيجد ضوء غرفتها مضاء
ساقته قدماه إليها وكم أراد في تلك اللحظة أن تكون زوجته حقًا عائدًا إليها يلقي نفسه في أحضانها
كم أراد في تلك اللحظة أن ينعم بها بين ذراعيه وينولها بعد شقاء استمر يؤرقه لسنوات
أسند رأسه على الباب وعاتب قلبه الذي جعله يستجدي قلبها ولا تجيبه
ولم يعرف بأنها أيضاً واقفة خلف بابها تحارب شوقها بالذهاب إليه
تريده كما يريدها وتشتاقه بكل الحب الذي تحمله له لكن سيظل دم أخته بينهم ولن تشفع كل أفعاله.
عادت لفراشها عندما سمعت صوت إغلاق باب وتتساءل إلى متى؟
❈-❈-❈
_هتفضلي ساكتة كدة كتير؟
رمشت بعينيها مرات متتالية وعقلها يرفض ما يحدث
نهض خليل ليقترب منها وقال بروية
_متخافيش داغر ميعرفش حاجة وإن حور هي أسيل.
اهتزت نظراتها دون إرادتها وأخذت تلف ذراعيها حولها كما يحدث دائماً كلما شعرت بالخوف
رأف خليل بها وشعر بما تمر به الآن فقال بتعاطف
_تعالي يا بنتي متخافيش.
انتفض جسدها عندما مد يده لذراعها يجذبها منه فأبعد يده عنها قائلاً
_هنقعد نتكلم بس، تعالي.
طاوعته أسيل وسارت معه في سكون حتى جلست على المقعد وجلس هو على الأريكة
لم يجد الكلمات المناسبة يبدأ بها حديثه معها
لن يستطيع اخبارها بأنه علم ما حدث من الكاميرا التي وضعها ابن أخيه كي يسجل ما حدث فغمغم بأسف
_بصراحة انا مش عارف اقولك ايه ولا أبدأ معاكي الحوار ازاي بس أنا حقيقي مش متصور اللي ابني عمله، لكن بحاول ادور له على أي عذر أو أي حاجة تشفعله اللي عمله، لأني حقيقي دي مش اخلاق داغر أبدًا.
قطبت أسيل جبينها وارتسمت على فمها ابتسامة مغمزة بالمرارة وتمتمت بشرود
_أخلاق؟!
هو اللي يعمل كدة يعرف حاجة عن الاخلاق؟!
رفعت عينيها لخليل الذي كان التأثر مختلط بالاسف بعينيه وتابعت رغم ارتعاشت جسدها التي تزداد
_اللي يخون قلب وثق فيه واداله كل ما يملك يبقى ميعرفش يعني ايه أخلاق.
تعجب خليل من رجوعها إذا كانت لازالت تبغض فعلته لها منا جعله يسأله بشك
_طيب رجوعك ده أفهم منه ايه؟
عادت تخفض عينيها وقالت بمرارة
_انا مرجعتش بمزاحي، بس دكتور عصام يبقى صاحب بابا ولما عرف باللي حصلي ساعدني كتير وشغلني في المستشفى عنده
قصة عليه ما حدث وتابعت
_مش هكدب عليك واقولك إني مكنتش اعرف انه هو، عرفت ووافقت لأني لقيتها فرصة عشان انتقم منه
بس لما شوفت حالته لقيته إنه أضعف من إني انتقم منه، وإن انتقام ربنا كان أقوى.
رغم تعاطفه معها إلا إنه لم يقبل فعلتها تلك فقال بمحايدة
_انا معاكي انه غلط وغلطة كبيرة أوي ولا تغتفر بس انا واثق بل متأكد إن داغر اللي انا ربيته عمره ما يعمل كدة، انتي متعرفيش كان بيكلمني عنك ازاي وكان ناوي فعلا يتقدملك بس…..
لم يجد كلمات يدافع بها عن ابنه والذي رأى بعينيه ما حدث
لو سمع عن الأمر ما صدق ذلك ولكنه رآه واضحًا بعينيه فقال مستسلماً
_بصراحة مش لاقي كلام اقوله، بس انا معاكي في كل حاجة غير الانتقام ده….لأن داغر ابني ومليش غيره في الدنيا، وبعدين انتي قولتي بنفسك إن عقاب ربنا كان اشد وأقوى، فـ متحاوليش تأذيه بأي شكل حتى لو بكلمة وأنا اوعدك إني هساعدك بكل اللي تأمري بيه، انتي زي بنتي واللي مقبلوش عليها مقبلوش على بنات الناس..
هدئت ارتعاشتها قليلاً وتمتمت بألم
_انا قولتلك إن اللي حصله هدى النار جوايا بس…..
قطب جبينه بحيرة وسألها
_بس ايه؟
رمشت بعينيها مرات متتالية وتمتمت برهبة
_في حاجات هتجبرني إني أكمل معاه بس ياريت متسألنيش عنها، دلوقت على الأقل.
تلاعب الشك بداخله وسألها بتوجس
_ازاي عايزاني اساعدك ضد ابني، اه انا معاكي وهجبلك حقك منه بس قدامه مش من وراه، ده مهما كان ابني ومليش غيره، انا هكلمه وأخليه يتجوزك…..
قاطعته برجاء ونحيب
_لأ أرجوك أوعى تعمل كدة، مش عايزاه يعرف بوجودي ولا حتى عايزاه يتجوزني، انا شاركت في الغلط زيه لما وثقت في شاب مهما كان غريب وآمنتله وده كان جزاتي.
تنهد خليل بيأس
_طيب عرفيني انتِ عايزة توصلي لأيه، ومن غير أذيه له لأني مش هقبلها تحت أي مسمى.
أغمضت عينيها تحاول التحكم في بكاءها وقالت
_طيب خلينا نأجل أي كلام دلوقت وأنا اوعدك إني هقولك على كل حاجة.
وافق خليل مستسلماً
_خلاص اللي تشوفيه.
❈-❈-❈
_حمل ايه يا حازم اللي بتتكلم عنه، انا مش معرفك كل حاجة من الأول.
كان هذا رد الطبيب عندما أخبره حازم بحملها
عدل من وضع نظارته وقال
_انا اتفاجئت زيك وهي مأخدتش احتياطها كويس لأنها متعرفش.
رد الطبيب باحتدام
_ودي غلطتك يا دكتور حازم وقولتلك الكلام ده لو تفتكر، وأدي النتيجة، هايدي كانت لازم تعرف الحقيقة عشان نتفادى اللي حصل.
زم حازم فمه دلاله على قلة حيلته وقال
_اعمل ايه بس يا احمد خفت عليها من الصدمة.
_مش احسن من اللي انت فيه ده دلوقت واديها برضه هتعرف.
زم وجهه باستياء
_اللي حصل بقا، المهم هعمل ايه معها؟
تعجب الطبيب من سؤاله
_انت بتسأل لازم الجنين ينزل طبعاً
ملس حازم على جبينه يحاول السيطرة على آلام قلبه وسأله
_امتى؟
_النهاردة إذا امكن.
تنهد حازم وقال
_ربنا يسهل.
خرج حازم من المكتب ثم توجه إلى مكتبها يطرقه حتى سمحت له بالدخول
دلف فيجدها تعاين احد الأطفال وهي تداعبه ببهجة
انتظر حتى انتهت ثم تطلع إليها
_هايدي في حاجة لازم أقولك عليها.
علمت من نظراته ما يود التحدث به لذا قالت بثبوت
_لو جاي تكلمني في موضوع الحمل….
قاطعها حازم باندفاع
_هايدي انا عايز الحمل ده زيك ويمكن اكتر منك كمان بس في ظروف بتحتم علينا اننا ننزله.
قطبت جبينها بدهشة وسألته بتهكم
_وايه هو السبب ده اللي يخليك تغضب ربنا وتقتل ابنك؟
تنهد بضيق وهو يرى صعوبة في نطقها وفي الأخير قالها
_لأن ده كلام الدكتور مش كلامي ولو مش متأكدة اسألي دكتور احمد وهو هيأكد كل كلمة بقولها وهو إن الحمل ده خطر عليكِ.
قطبت جبينها بحيرة وعقلها لا يستوعب ما نطق به وقالت بعدم استيعاب
_يعني ايه كلامك ده؟
رد بدون مقدمات اخرى
_يعني ولادة التوأم كانت صعبة زي ما انتِ عارفة وأصريتِ على الولادة الطبيعية وده عمل مشاكل في الرحم وخليته غير قادر على تحمل حمل تاني، ولو عاندتي والحمل ده كمل هتبقا اضرارة شديدة وممكن لا قدر الله يحصل مضاعفات خطيرة.
رمشت بعينيها وقد الجمتها الصدمة للحظات ودن إرادتها وضعت يدها على جوفها لتتمت بتية
_بس انا مش حاسة بأي فرق.
_لسة الحمل في أوله فبالتالي لسة مضغطش على الرحم ولا الرحم هاجمه وكل ما الحمل نزل بدري كل ما كان أفضل.
هزت راسها برفض وتطلعت إليه قائلة بإصرار
_لأ.
❈-❈-❈
ترجل داغر الدرج وهو ينادي
_سلوى.
ردت سلوى وهي تخرج من المطبخ
_نعم يا داغر بيه.
ترجل داغر الدرج وهو يسألها
_هي فين؟
قطبت جبينها بحيرة وسألته
_هي مين حضرتك؟ اه تقصد الممرضة
انفتح باب المكتب وخرجت منه أسيل
_اهي جات، محتاجني في حاجة؟
هز رأسه بنفي
فانصرفت سلوى وأخذ هو ينصت لخطواتها والتي شعر بها تدوس على قلبه في كل خطوة تقربها منه، ورائحتها التي ظل محتفظ بها طوال أعوام تهفو حوله منذ عودتها
إذًا عليه أن يعترف جيدًا بأنه مازال عاشقًا لمعذبته
وحتى إن فعلت أكثر من ذلك سيظل قلبه الغادر يسامح ويغفر.
وكان للعقل رأي آخر إذا رفض ذلك الهوان
وتحلى بالجمود وهو يقول
_عمي فين؟
ردت بفتور بدأ يعتاده
_في المكتب.
_جهزي الفطار.
رد باقتضاب مماثل وتركها متوجهاً إلى مكتب عمه.
طرق الباب ودلف حينها ورغم أنه لا يرى نظرات العتاب في عين عمه إلا إنه شعر بها في صوته منذ عودته.
_صباح الخير يا عمي.
رد خليل وهو يجاهد ليخرج صوته ثابتًا ورد باقتضاب
_صباح النور.
تعجب داغر من فتوره وسأله بحيرة
_عمي انت كويس؟
أغمض خليل عينيه بضيق من نفسه، فمهما حدث هو الآن بحاجته ولا يجوز أن يحمل عليه الآن
سينتظر حتى يعود إليه بصره وحينها سيلقي بوجهه ذلك الخبر الذي قصم ظهره هو قبل تلك المسكينة التي قضى عليها وتركها تعيش ذلك الهوان.
تنهد بتعب شديد وقال
_اه كويس بس تعبان من الطريق مش أكتر.
شعر داغر بالقلق عليه وقال باهتمام
_طيب اطلع ارتاح في اوضتك.
عاد خليل بظهره للوراء وتمتم بثبات
_هطلع بس في موضوع مهم لازم آخد رأيك فيه.
سأله باهتمام
_خير يا عمي؟
قص عليه كل ما حدث من تلك المرأة حتى انتهى
_هي طالبة مني اقف جانبها بس أنا حقيقي مش عارف إن كنت هقدر ولا لأ، المصنع متضرر أوي ومحتاج مجهود مضاعف ومظنش إني هقدر عليه.
رد داغر بحكمة وعقل
_لا يا عمي هتقدر انت قدها وانا واثق من ده، غير كمان الست دي محتاجة حد أمين يكون معها يعني انت انسب واحد للموضوع ده.
_بس انا لو وافقت هيكون صعب أوي أسافر معاك للعملية، وبرضه تواجدي هنا هيكون صعب فعشان……
قاطعه داغر بإصرار
_خرجني مرة واحدة بس من حساباتك واعمل اللي فيه الصالح، مينفعش إنك تسيب واحدة استنجدت بيك في ظروفها دي
مسح خليل بيده على وجهه متحير من حديث داغر
فذلك هو ابنه الذي رباه على يده وجعل منه رجل يفتخر به، لكن ما رآه جعله يحتار
لم يكن هذا داغر مؤكد لم يكن هو
_عمي انت سامعني.
_اه يا داغر سامعك، هشوف الموضوع ده وأول ما أوصل لقرار هبلغك، المهم ايدك عاملة ايه؟
تحسس داغر يده المصابة وقال
_احسن، هي جروح بسيطة مش مستاهلة قلقك.
تحرك خليل ليجلس على المقعد المقابل له وتحدث بحنو
_ولو مقلقتش عليك انت اقلق على مين.
ربت على يده وتابع بمغزى
_انت ابني اللي ربيته وعلمته يكون راجل يعتمد عليه ويكون ثقة وفوق مستوى أي شبهات
حتى إن غلط اكيد هيكون بدون إرادته.
لاحظ داغر إن هناك كلمات بين السطور وأن عمه يتحدث معه بمغزى هم بالاستفسار منه لكن دخولها جعله يلتزم الصمت
_الفطار جاهز.
اومأ لها خليل ورد بتهذيب
_تمام.
خرجت أسيل وتطلع خليل لداغر التي تبدلت ملامحه فور دخولها
فسأله بمكر
_كويسة أوي البنت دي، مش كدة؟
لاحظ خليل انه يعافر كي يحافظ على هدوءه فتابع بمكر
_بفكر كدة لما نسافر للعملية ناخدها معانا.
رد داغر بوجه لا يعبر شيء
_اللي تشوفه يا عمي انا مش فارق معايا.
تحدث خليل باستسلام
_ماشي يا سيدي يلا خلينا نفطر ونقعد على البحر شوية.
على السفرة
وضعت أسيل الطبق أمامه وبدأت تبين له نوعية الطعام وأماكنه
كان خليل ينظر إليها بتعاطف لما وصلت إليه
وما آلمه أكثر أن ابنه من اوصلها لذلك الهوان الذي يراه أمامه
تحولت نظراته لعتاب يرمقه بها
لكن هو على ثقة تامة ان هناك شيء خفي من اوصله هو لذلك
من رآه بالفيديو لم يكن ابنه مطلقًا وهو على يقين من ذلك وسيعرفه بأقرب وقت
استأذنت أسيل بالانصراف ثم تحدث خليل
_ناوي تسافر أمتى؟
_سؤال غريب أكيد وراه حاجة
قطب خليل جبينه بحيرة وسأله
_ليه بتقول كدة؟
رد داغر بفطنة وهو يترك الشوكة من يده
_بعرفك لما بتراوغ معايا او عايز توصلي حاجة، اتكلم على طول أفضل.
لم يندهش من فطنته لذا تحدث بمغزى
_هتكلم على طول بس هأجله دلوقت لحد ما نخلص من العملية، وبعدها هيكون في كلام كتير أوي.
عاد يتناول طعامه ورد بعدم اكتراث
_اللي تشوفه.
هز خليل رأسه لتبدل حاله حتى شعر بأنه شخص آخر
وبعد الانتهاء جلسا معًا على الشاطئ
بدأ داغر بالحديث
_هتعمل ايه في العرض اللي اتقدملك؟
عاد خليل بظهره للوراء وتمتم
_انا بفكر أوافق بس بعد ما نرجع من برة، لو نظرك إن شاء الله رجع هقبل الشغل ده لأنك أكيد هترجع لشغلك وهتبعد تاني، ولو لا قدر الله محصلش مش هسيبك تحت أي ظرف.
_بس انا من رأيي توافق من دلوقت وإن كان على سفري فأنت طلبت إن الممرضة تروح معايا.
عقد حاجبيه متسائلاً
_لوحدها؟
رد داغر ببساطة
_ايه المشكلة؟
اندهش خليل من البساطة التي يتحدث بها
_بصفتها ايه؟
رد بمراوغة
_بصفتها ممرضة.
_وافرض رفضت.
رد بثقة
_مش هترفض.
_مين فينا اللي بيراوغ دلوقت.
رد بنفي
_مش برواغ ولا حاجة بس مستني لما اتأكد من حاجة كدة وبعدين هقولك.
لم يريد الضغط عليه وتركه كما يريد.
في غرفة داغر
دلفت أسيل الغرفة وهي تحمل الحقيبة كي تغير الضمادة له
كان جالسًا على الفراش وعينيه الواجمة ثابتة على الفراغ أمامه
تطلعت إليه بوجل وقدميها ثابتة على الأرض لا تساعدها على التحرك
انتفضت فجأة على صوته
_هتفضلي واقفة عندك كتير؟
رمشت بعينيها وهي تحاول الثبات كي لا يشك بأمرها ثم تقدمت منه بأقدام واهنة وعقل مشتت تحاول صد تلك الذكريات كي لا تلقي الحقيبة من يدها وتلوذ بالهرب من أمامه الآن وتفشل خطتها.
وما إن تقدمت منه حتى صدحت منها صرخة عندما جذبها ملقيًا إياها على الفراش.
صدحت منها صرخة فزع عندما جذبها من ذراعها وألقى بها على الفراش ومال عليها قليلًا مغمغمًا من بين أسنانه
_بلاش تحسسيني إني شرير أوي كدة ولو قربتي مني هغتصبك.
ضغط على حروف كلماته
_أنا واحد أعمى أخري أقربك مني بالشكل دة مقدرش اعمل اكتر منها.
ازاحته أسيل بكل قوتها ونهضت قائلة بتحذير
_اللي حصل ده ميتكررش تاني انت فاهم؟
رفع حاجبيه بمكر
_أنا عملت ايه؟
كانت نبضاتها تتسارع بقوة من شدة الخوف تارة ومن غضبها لفعلته تارة أخرى وتمتمت باحتدام
_اللي عملته.
تحدث بسخرية
_ملاحظ إن صوتك عالي أوي.
كانت لهجته تحمل تحذير لذا هدأت من روعها وقالت بحزم
_ممكن تخليني اغيرلك على الجرح عشان ميعاد انصرافي.
حسس بيده الأخرى على أنامله المصابة وتمتم قائلاً
_أنا شايف إنكم مكبرين الموضوع أوي، ولا أنا عشان أعمى مش شايف الجروح ومدى حجمها، ويمكن برضه فقدت معاه الإحساس.
كانت تنظر إليه بازدراء وكم أرادت في تلك اللحظة ان تواجهه بحقيقته لكنها احجمت تلك الرغبة، عليها التروي قليلاً
فتابع قائلاً
_على العموم اتفضلي.
سحبت أسيل المقعد ووضعته أمامه على بعد مسافة تسمح لها بمداوات يده
ولم تكن تعلم ما فعلته به بتلامس أناملها الرخوة ليده
رائحتها التي لم تتركه لحظة واحدة.
خصلاتها التي كانت تلامس أنامله رغماً عنها
فتترك يده كي تبعدها وتعود إليه
تذكر حركتها تلك والتي كانت تصيبه بالجنون بعفويتها وتساءل
_هل مازالت بذلك الجمال الذي خطفه تجاهها منذ اول مرة؟
بدأ تنفسه يثقل ورغبة ملحة بداخله تطالبه بخطفها داخل أحضانه مرتويًا من ذلك الظمأ الذي ارهقه منذ أن رآها ومعاقبتها على تركها له
كانت تعمل في سكون تام تتظاهر بالثبات وهي ابعد ما يكون عنه
تلك اليد التي كانت داعمة لها هي نفس اليد التي قضت عليها وحكمت عليها بالعذاب.
دون إرادتها رفعت عينيها إليه بعتاب لو رآه لسقط راكعاً أمامها يطلب عفوًا لا سبب له.
كلاً منهم يدين الآخر ولا يعرف أحد منهم سبباً له.
وكلاهما يعاتب الآخر وكلاً بذهنه
والأدهى من كل ذلك أن قلوبهم مازالت تنبض بذلك العشق الذي ظنوا لوهلة أنه حل عن صدورهم.
لم يعلم كلاهما أنه هو وحده المتحكم بهم ولا شيء غيره.
انهت عملها ونهضت من مقعدها لكن ارتعاشت يدها جعلت الحقيبة تسقط منها فتمتمت بإحراج
_انا اسفة.
لم يرد عليها وبقى ثابتًا مكانه وبدأت هي بتجميع الادوات ووضعها بالحقيبة
وقبل أن تنهضوقع نظرها على ذلك الخاتم الذي سقط منه وبحث عنه كثيرًا ولم يجدها
كانت ظاهرة أسفل الفراش فمدت يدها دون إرادتها تمسكها وتنظر إليها
فينقبض قلبها عندما قرأت اسمها منقوش داخلها “أسيل وردتي الشائكة”
اتسعت عينيها بذهول وهي تنظر إلى اسم ذلك اللقب الذي كان يختم به رسائله لها.
ازدردت لعابها بصعوبة وشعرت أن الدنيا تلتف بها ما معنى ذلك.
تطلعت له ولعينيه بحيرة وعيونها تتساءل عن معنى ذلك
هل كان ينتوي الزواج منها؟
أم كانت لعبة أخرى من آلاعيبة كي يسقطها في براثينه
لم يتركها لشرودها وسألها بجمود
_خلصتي؟
أخفت الدبلة بجيبها ثم نهضت قائلة
_اه خلصت بعد أذنك.
همت بالخروج لكنه اوقفها
_استني عندك
استدارت له أسيل وسألته
_نعم.
_مين الطفل اللي كنتم سيبينه لوحده ده؟
اهتزت نظراتها وتوقفت عن التنفس للحظات لكنها غمغمت برهبة
_ده ابن أخويا.
كور قبضته المصابة بشدة اخرج فيها غضبه وغيرته من ذلك الرجل الذي يلقيه القدر في طريقه دائمًا ثم سألها بثبات يتنافى تمامًا عمّ بداخله من غضب
_وعادي كدة كلكم تسيبوه وتمشوا.
ردت بنفي
_لأ بس هو كان نايم ولما لقيته سخن خرجت أجيب له علاج للسخونة.
واصل استجوابه
_اومال مامته فين من كل ده؟ معقول جالها قلب تسيب ابنها تعبان كدة؟
ازدادت ضربات قلبها خوفًا وردت بوجل
_مامته بتسيبه عندنا لأنها دكتورة ولما بتخلص الشغل بتعها بتعدي تاخده، وبعدين هو مكنش تعبان كدة لما جابته.
تذكرت داغر تلك الطبيبة وقال
_الدكتورة دي اسمها هايدي مش كدة؟
رمشت بعينيها تحاول ضبط صوتها
_بالظبط.
اومأ لها
_فهمت إنها تعرفه أول ما أخدته مني بس متخيلتش أنه يكون ابنها من….
تظاهر بالتفكير وهو يقول
_اظن اسمه حازم مش كدة.
انقطع الأكسجين عن الغرفة لحظات ومن ثم اخذت انفاسها بوجل وردت بتلعثم
_اه…هو.
واصل تلاعبه بها وهو يردد اسمه كاملاً
_حازم وجدي حمدان، متهيألي سمعت الإسم ده قبل كدة، كأنه مش غريب عليا.
اغمضت عينيها بخوف حتى قدميها أصبحت واهنة من الصدمات التي تتلقاها.
فتمتمت بتيهة
_تشابه اسماء مش أكتر.
أكد حديثها بثقة مزيفة
_فعلاً ممكن يكون تشابه اسماء
على العموم تقدري تروحي دلوقت، صالح هيوصلك.
_لأ مفيش داعي أنا….
قاطعها بلهجة حازمة
_قلت صالح هيوصلك.
اومأت له وخرجت من الغرفة.
❈-❈-❈
خرجت وعد من الجامعة تتلفت على السائق
تفاجئت بالفتاة التي تعمل مع زوجها تتقدم منها
تطلعت إليها بازدراء وهمت بتخطيها لكن إيمي وقفت أمامها تمنعها من الذهاب
_وعد دعينا نتحدث قليلاً.
اشاحت وعد بوجهها
_ليس بيننا ما يقال، دعيني أذهب.
_لا بيننا سوء تفاهم وعلينا حله، ثقي بي.
تطلعت إليها وعد بامتعاض لكن إيمي تطلعت إليها بإيماءه أن تطاوعها
وافقت وعد على مضد وقالت إيمي
_دعينا نتناول القهوة في المقهى القريب من هنا.
في المقهى
جلست إيمي وأشارت للنادل أن يقترب وسألت وعد
_هل تودين شرب القهوة.
اومأت لها فانصرف النادل وهنا تحدثت وعد
_تفضلي.
تطلعت إليها إيمي لوهلة ثم قالت بتحذير
_ما سأقوله الآن عليه أن يظل سرًا بيننا، سليم لا يجب أن يعرف عنه شيئاً.
انقبض قلبها بخوف وسألتها بلهفة
_هل حدث شيء لسليم؟
طمئنها مسرعة
_لا اطمئني هو بخير، لكن بعدك عنه لا يتركه يشعر بالخير.
اشاحت بوجهها بعيدًا عندما علمت ما تريد التحدث بشأنه فتابعت إيمي بنصح
_وع ون
د، سليم بريء لم يقتل أخته كما ظننتي، كان عليّ ان احتفظ بسره لكن رؤيته يتعذب بذلك الشكل جعلتني انحث بوعدي.
تطلعت إليها بشك وقالت
_وما الذي يجعلني اصدق حديثك.
_وما دافعي من الكذب؟ وأد سأكون صريحة معكِ لقد كنت احب سليم حاولت معه مراراً وتكراراً أقربه مني لكنه رفضني وأخبرني أنه يحب زوجته ويخلص لها
وفي يوم جعلته يثمل كي يقضي ليلته معي لكن رغم ثمالته إلا إنه رفضني بشدة
استدرجته في الحديث وعلمت منه قصتكم وسبب بعدك عنه، أخبرني بأخته التي تدعى أسيل وما حدث لها وأنها الآن تعيش مع مربيتها.
نهضت لتحمل حقيبتها وتابعت
_لقد أخبرتك ولا مصلحة لي من وراء الكذب، الأهم ألا تخبرِ سليم بما قولتله لكِ هو يريدك أن تقبليه بكل أخطاءه وحينها هو من سيخبركِ بالحقيقة.
ذهبت وتركتها في حيرتها لا تعرف ماذا تفعل
لقد أخطأت في حقه كثيرًا واتهمته بأنه قا.تل ولا أمان معه.
عاملته بكل جفاء في الوقت الذي كان يستجدي منها حنانًا وراحة بين أحضانها
ماذا تفعل الآن
هل تذهب إليه وتقول له بأنها علمت الحقيقة؟
أم كما قالت إيمي يريدك أن تقبليه بكل أخطاءه
هي لا تعرف أنها قبلته بكل أخطاءه منذ ان فرض عليها الزواج لكن حزنها على أسيل جعلها تبغضه
مر وقت طويل وهي جالسة وحيدة في المقهى لا تريد الإنصراف
لن تستطيع النظر بعينيه بعد ما فعلته به
أخذت حقيبتها وخرجت تسير بخطوات بطيئة ناحية الجامعة ظنًا منها أن السائق مازال بانتظارها
ولم تعرف شيء عن ذلك الذي أخذ يجوب الشوارع بسيارته بحثًا عنها
كانت تسير بشرود ولم تنتبه تلك السيارة التي اصدرت صرير مزعج بجوارها وترجل منها صاحبها يغلق الباب بغضب متقدمًا منها بسخط
_انتِ ازاي تخرجي من غير ما تقولي، ومش بتردي على فونك ليه؟
رفعت عينيها إليه فوجدته يرمقها بغضب لم ترى مثله من قبل
لم تجيبه بل تطلعت إلى عينيه بعتاب وحب وحيرة
لما لم يخبرها بالحقيقة ورحمهم من ذلك الشقاء الذي عاشا به طوال ذلك العامان
اختفى صوته الغاضب وكل شيء من حولها فقط عينيه التي تحمل غضب يشوبه راحة
هي من تراها أمامها
قاطعت تعنيفه المتواصل عندما تركت حقيبتها تسقط أرضًا وألقت نفسها داخل حضنه متشبثة به بكل قوتها
تعشقه حد الجنون وهو ما لا يعرفه لكنها لن تخبئ حبها بعد الآن فتمتمت ببكاء
_بحبك يا سليم بحبك.
بوغت سيلم من فعلتها واستمر على تلك الحالة لحظات قبل أن يرفع يديه يخيطها بهما وهو لا يعرف سبب تلك الغصة التي تتحدث بها.
تركها تبكي على صدره رغم قلقه عليها وانتظر حتى انتهت نوبة البكاء ثم أبعد رأسها عنه قليلًا وعيونه تحمل حنان الدنيا لكن يشوبها قلق وسألها
_مالك؟ حد ضايقك؟
هزت راسها بنفي فوضع وجهها بين يديه قائلاً بحنو
_اومال مالك بتعيطي ليه؟
رفعت عينيها الباكية إليه وتمتمت بخفوت
_تعبت من بعدي عنك وخلاص معدش قادرة أقاوم أكتر من كدة.
لم يقتنع بردها لكن صدق عينيها اقنعه لذا اعادها داخل أحضانه ينعم بها وبلحظاتهم.
❈-❈-❈
أصبحت الحياة لا تطاق في منزله
يفتقد كل شيء به
وأولهم وجودها
ضحكتها التي كانت تخصه بها
حتى فراشه أصبح باردًا يفتقر الدفئ التي كانت تغدقه به
لم يتحمل البقاء به ثانية واحدة وخرج متجهاً إلى منزل والدته
ولم تحتاج أمينة لفطنة كي تعلم ما سبب وجومه
فتحدثت بحكمة
_ما تروحلها يا ابني وترحم نفسك من العذاب ده.
تنهد حازم ورد بسؤال
_أقولها ايه؟
_تقولها الحقيقة تعرفها إنك بتعمل كدة لأنك خايف عليها.
أسند ظهره على ظهر الأريكة ورد
_عرفتها يا أمي حتى لما عرفت الحقيقة برضه مش موافقة، هايدي مستحيل تجهض نفسها مهما كان السبب.
_بس لما ييجي قصاد صحتها لازم توافق.
اسمع كلامي يا ابني واقنعها بالراحة، انت لو عملت كدة غصب عنها عمرها ما هتسامحك.
تنهد حازم بتعب شديد وتمتم بألم
_يا أمي انتي متعرفيش حاجة هايدي
أخدت الموضوع عند قصادي يعني برضه مش هتوافق
هزت رأسها بحيرة
_مش عارفة اقولك ايه بس ربنا يخلف ظن الدكتور ويطلع الحمل عادي مفيش اي ضرر.
رد حازم بتمني
_يا رب يا أمي، البيت من غير الولاد صعب أوي.
_من غير الولاد ولا من غيرها هي؟
رد حازم بتشتت
_هكدب عليكي لو قولتلك الولاد بس، بُعدها ده خلاني افتقدها بجد، صحيح الإنسان مش بيعرف قيمة اللي في ايده إلا لما يروح منه.
سألته
_مفتقد ايه بالظبط يا حازم….مفتقدها هي نفسها ولا طلباتك اللي بتتنفذ من قبل ما تطلبها.
اسند رأسه على ظهر الأريكة ورد باعتراف
_كل حاجة يا أمي كل حاجة
❈-❈-❈
ظلت أسيل شاردة طوال الطريق تنظر إلى الخاتم تارة وإلى النافذة تارة أخرى
ما معنى ذلك؟
إذا كان حقاً يريد الزواج بها واستعد لذلك لما إذًا قام بذلك الفعل المشين.
اغمضت عينيها بتعب شديد وعقلها لا يستوعب كل ذلك.
تطلعت إلى الدبلة بين يدها تقلبها بحيرة وتذكرت حينما وجدته جاثياً على الأرض يتحسسها
إذا فقد كان يبحث عنها
لكن لما احتفظ بها كل تلك المدة.
ولما أيضاً تذكرها الآن؟
تحسستها بأناملها وشعور غريب يجتاحها
كم حلمت بها وكم طاقت إليها لكنه دمر كل أحلامها.
جاءتها رغبة ملحة بأن تضعها بإصبعها وتختبر ذلك الشعور.
لكن لم تستطيع فعلها
أعادتها للحقيبة عندما توقفت السيارة أمام المنزل وترجلت منها متجهة للداخل فتتفاجئ بحازم يقف أمامها
رمشت بعينيها وقد الجمها رؤيته في ذلك الوقت خاصة فتمتمت ليخرج صوتها مهزوزا
_مساء الخير.
تنحى جانباً كي يجعلها تدلف فتهتز أوصالها أكثر وتدلف في استسلام
دلف خلفها وحينها اغلق الباب وسألها بحدة
_برضه مسمعتيش كلامي؟
ازدردت لعابها بوجل وتمتمت باعتراض
_حازم لو سمحت أنا مش عايزة كلام تاني في الموضوع ده لأنه منتهي بالنسبة ليا، أنا هكمل للاخر عشان ابني.
_بس انتِ مش محتجاه في حاجة و….
قاطعته أسيل
_ابني اللي محتاجه مش أنا، وأول ما أوصل للي أنا عايزاه مش هيشوفني تاني.
ضيق حازم عينيه بشك
_معناه ايه كلامك ده؟
ردت بغصة
_هاخد ابني واسافر إيطاليا عند جدي ومش هرجع هنا تاني.
اتسعت عينيه بصدمة وسألها
_ليه؟
رفعت حاجبيها بعدم استيعاب
_ليه!!
وانا ايه اللي شوفته هنا حلو يخليني افضل عشانه، أنا حياتي هنا عبارة عن صفحات كتاب سودة لو هحسب عمري بالسعادة فده معناه إني متولدتش أصلاً
هزت راسها بآسى
_حتى الإنسان الوحيد اللي حبيته وقلت هو عوضي عن السنين اللي عشتها في عذاب
تطلعت لحازم وتابعت
_لقيته هو الدمار الأكبر في حياتي…
قاطعها حازم
_لأن أختيارك كان غلط.
_القلب مش بيختار يا دكتور حازم مش بيختار.
أرادت أسيل أن تقطع اي أمل له معها
_ومش بيكره، لو حب مش بيكره(تابعت بصدق رغمًا عنها) حتى بعد اللي عمله فيا ده عمري ما كرهته.
رمقها بنظرة يلمؤها العتاب
_للدرجة دي بتحبيه؟
ملئت عينيها المرارة وهي تجيب بصدق
_كنت فاكرة إنه خرج من قلبي وأن خلاص معدش له وجود في حياتي بس أول ما شوفته اكتشفت اني كنت بضحك على نفسي الفترة دي كلها (سقطت دمعة على وجنتها مسحتها سريعًا وهي تتابع) وإني هفضل ديمًا ضعيفة قدامه فـ أفضل حل إني أهرب من هنا وأبعد يمكن اقدر أنساه.
_وأنا فين من كل ده؟ أسيل أنا….
قاطعته أسيل بثقة
_متقولهاش لأنك عمرك ما حبتني، أنا بالنسبة ليك أختك الصغيرة اللي اتربت على ايديك وديمًا كانت بتجري وراك في كل مكان، قارن بيني وبين هايدي وفكر انت قادر تتحمل بعدها عنك؟
قادر تقعد في مكان هي مش فيه؟
فكر لو هايدي اصرت على الطلاق حياتك هتكون ازاي من غيرها وقارن.
لامست كلماته أوتار عقله وخاصة عندما تابعت
_هتلاقي إنك سهل أوي أبعد عنك وأخرج من حياتك لكن هايدي لأ، كل الحكاية انك مدتش لنفسك فرصة تختبر مشاعرك لها.
صدقني يا حازم انا واحدة مفيش منها أمل بقايا من أسيل اللي كنت تعرفها مش أكتر.
بعد أذنك
تركته أسيل وصعدت إلى غرفتها
أما هو فقد أخذ يفكر في حديثها وهو يقود سيارته في سكون تام
وانتهت مقارنته بأن لا حياة له بدون زوجته ولا أولاده
❈-❈-❈
دلفت وعد المنزل وهو خلفها وعندما أغلق الباب استدارت إليه فتمتمت بحرج
_ثواني هغير هدومي واحضر الغدا.
منعها سليم قائلاً
_لأ ارتاحي انتِ وهبعت أجيب أكل من المطعم.
وافقت وعد لأنها حقاً مرهقة فدلفت غرفتها وحديث إيمي يتردد بأذنها
ماذا تفعل الآن
لقد ظلمته كثيرًا وأخطأت بحقه لا تعرف ما عليها فعله.
هل تذهب إليه وتقص عليه ما اخبرتها به إيمي
أم تنهي الماضي عند تلك النقطة وتطوي صفحته ببداية صفحة جديدة بعيدًا عن أوجاع الماضي.
ظلت على حالها حتى انتبهت لطرق الباب وصوت سليم يسألها بقلق
_وعد انتِ كويسة.
مسحت دموعها سريعة وردت بثبات
_اه كويسة، خارجة حالاً.
أبدلت ملابسها وخرجت بعد قليل وهي تتهرب بعينيها بعيدًا عنه
أكد له ارتباكها ما شك به منذ ان القت نفسها بحضنه والتمست منه الحنان لكنه تركها كي لا يضغط عليها الآن
_الشنط في المطبخ فضيها في الاطباق لحد ما أخد شاور.
اومأت له بصمت ودلفت المطبخ تجهز الطعام وتضعه على السفرة
خرج سليم بعد قليل وهو يتطلع إلى عينيها التي لا تقوى على النظر إليه
جلس على مقعده وبدأ بتناول الطعام وهو يراقب شرودها حتى أخرجها منه قائلاً
_انتِ شوفتي ايمي النهاردة؟
اهتزت نظراتها مما اكد له شكه وخاصة عندما تلعثمت قائلة
_اه… أقصد لأ، بتسأل ليه؟
ترك الملعقة من يده وشبك يديه أمام وجهه قائلاً
_قالتلك ايه؟
ازدردت لعابها وتمتمت بخفوت
_مقالتش حاجة احنا كنا…
قاطعها بحدة
_قالتلك ايه؟
اخفضت عينيها بحزن وتمتمت بصوت بالكاد يسمع
_الحقيقة.
زم فمه قبل أن يقول بفتور
_وليه مقولتيش؟
_منعتني اقولك.
رفعت عينيها إليه وتابعت بعتاب
_ليه خبيت عليا وسيبتني اتهمك الاتهام ده.
التزم الصمت قليلًا وهو ينظر إلى عينيها بعتاب قاسي، كيف صدقت أن باستطاعته إيذاء أحد حتى يأذي أخته ثم غمغم قائلاً
_كنت بتمنى تقبليني بعيوبي وانتظرت كتير بس محصلش، بعد أذنك.
تركها ودلف غرفته مغلقا الباب خلفه
أما هي فأخذت تنظر في اثره وهي حائرة
لا تعرف ماذا تفعل الآن
هل تدلف خلفه وتعتذر منه أم تتركه قليلاً وبعدها تتحدث معه.
قامت بحمل الاطباق ووضعها بالمبرد ثم ذهبت لغرفتها
❈-❈-❈
في مكتب شاهي بالشركة
لم يكف هاتفها عن الإتصال وكل مرة تتطلع إليه بازدراء ثم تتركه
وعندما يأست من توقفه أجابت بفتور
_أهلاً يا وائل خير .
رد ذلك الشخص من الجانب الآخر
_لا مفيش انا بس قلت اباركلك على الشركة لإني عرفت بالصدفة إن حسين كتبها باسمك.
ردت بسخط
_شيء ميخصكش وكفاية عليك أوي الفلوس اللي ببعتهالك كل شيء غير كدة متسألش.
همت بغلق الهاتف لكنه اوقفها
_ايه حيلك كدة وبالراحة عليا، انا بس بكلمك عشان اعرفك إن بنت حسين لسة عايشة شوفتها من فترة كدة راكبة عربية بسواق إنما ايه من الآخر.
اندهشت شاهي وسألته بصدمة
_انت بتقول ايه، أسيل ماتت من زمان.
_وانا بقولك عايشة ولو مش مصدقة….
قاطعته شاهي
_ميهمنيش عايشة ولا ميتة المهم أنهم بعدوا عني وخلاص ده اللي يهمني.
أغلقت شاهي وأخذ ذلك الشخص يتطلع إلى هاتفه وهو يتمتم بوعيد
_ماشي يا شاهي بس كله هيبقى ليا في الآخر.
❈-❈-❈
في مكتب هايدي
انتهت أخيرًا من مناوبتها وهمت بالخروج من الغرفة لكنها وجدته يدلف المكتب دون استئذان
_ازيك يا هايدي.
لم تجيبه وتوجهت إلى الباب كي تخرج لكنه منعها بأن امسك يدها قبل أن تصل للباب.
_خلينا نتكلم شوية.
هايدي برفض
_مبقاش فيه بينا كلام يتقال.
جذبها من ذراعها ليقربها منه وتمتم بحمية
_لأ فيه كلام كتير واعتذار أكتر
تطلع بعينيها التي حملت حزن دفين هو السبب الرئيسي به وتابع
_من وقت ما سيبتيني وانا بموت يا هايدي، واكتشفت إني عمري ما حبيت غيرك
ملس بأنامله على وجنتها وتابع بهمس حميمي بجوار أذنها
_وحشتيني أوي.
طبع قبلة أسفل أذنها يهز حصونها الرادعة ثم طبع أخرى على جانب ثغرها قبل أن تسعر بالدوار يكتنفها وصوته الهامس يقول
_أنا آسف.
بدأ جفنيها بالتثاقل لكنها تحاول جاهدة فتحه وهي تتمتم بكلمات واهنة قبل ان يلفها الظلام
_لأ…يا… حازم…أرجو…..
وقفت وعد أمام غرفته لكنها لم تملك الشجاعة للدخول إليها
فمازال يتجنبها منذ أن علم بمقابلتها لى إيمي
يبدو أنها اخطأت حينما أخبرته بذلك لكنها لا تحب الخداع فكان عليها أن تصارحه
هي تحبه بل تعشقه لكن لم تنسى جبروته وهو جاذبًا أخته ويلقي بها داخل السيارة بكل عنف وهي مستسلمة لمصير محتم بالموت
لكنه أخلف ظنها ولم يستطيع فعلها
إذًا لم يعد ذلك عائقاً بينهما لذا ستذهب إليه وتعتذر منه حتى يصفح عنها بعد أن عاد الأمان إلى قلبها.
بيد مترددة ضغطت على مقبض الباب ودلفت إليه فتجده واقفا في شرفته ينظر للأضواء بسكون تام
أغلقت الباب خلفها وتقدمت منه تقف أمامه لكنه لم يعيرها أي انتباه وظلت عينيه تنظر للفراغ أمامه
_سيلم.
لم يلتفت إليها لكنها لم تيأس
مدت يدها إلى يده التي يضعها بجيبه واحتوتها بحب بين يديها وتابعت بخفوت
_أنا آسفة.
أخفض نظره إليها والتي لاح بها عتاب تارة وتارة أخرى حب لن يمحيه شيء، سألها رغم معرفته بالإجابة
_على ايه؟
اخفضت عينيها بإحراج
_على اني اتهمتك…..
قاطعها بوجوم
_وبعدين؟
اهتزت نظراتها ولأول مرة تشعر بالجفاء بينهما
لا لن تيأس وستتحمل عقابه كما تحمل هو عقابها فقالت برجاء
_سليم خلينا ننسى اللي فات أنا الفترة اللي فاتت دي كنت بتعذب أكتر منك بس الموقف اللي شفته كان صعب اوي وخوفني منك.
لاح الغضب بعينيه لوهلة وهو يتذكر ذلك اليوم وكم كانت نيته قتلها بالفعل لكنه لم يستطيع
لم يستطيع قلبه فعلها لذا كان عليه أن يخفيها بعيدًا عن الجميع وبعيداً عنه أيضا
_بس انا مغلطتش هي كان تستحق القت.ل فعلاً
كل الحكاية إني ضعفت أمامها…
قاطعته وعد
_ده مش ضعف ده حب أخوي مفيش حاجة في الدنيا تقدر تغيره، اللي حصل ده أكيد غصب عنها كان لازم تسمعها الاول وتحكم، صدقني يا سليم محدش يعرف قيمة الأخوة غير اللي محروم منها.
حاول سليم اخفاء حنينه لأخته والذي لاحقه منذ ذلك اليوم فيزيد من عذابه أكثر لذا غمغم بألم
_صدقيني الموت كان أرحملها في الوقت ده،
بس مقدرتش وقتها
كنت كل ما اعاند واضغط على نفسي عشان اعملها كنت بلاقي نفسي بضعف ومقدرش فكان الحل الوحيد إني أبعدها بس سيبتها في ايد أمينة عارف انها هتحافظ عليها
تنهد بكل التعب الذي يكتنف بداخله وتابع
_اسيل بالنسبة ليا كانت كل حياتي بس أنا اتعودت إني مبينش مشاعرى لأني زي ما فهمت من حسين بيه المشاعر ضعف وانا مكنش ينفع ابقى ضعيف لأني لو ضعفت شاهي هتدوس عليا زي ما عملت في أسيل
كنت عايز اعمل منها سليم تاني بس هي كانت رقيقة اوي ومعرفتش تتأقلم مع الحياة اللي عاشتها معايا عشان كدة كان سهل أوي يضحك عليها
سألته بحيرة
_طيب هي فين دلوقت؟
تنهد بتعب وقال بتسويف
_لسة مجاش الوقت اللي أصرح فيه بمكانها، ومن هنا لحد ما ييجي اليوم ده مش عايز اي كلام عنها، ده لمصلحتها هي.
اومأت له بتفاهم وقالت بتمني
_بس أمتى اليوم ده هييجي.
ابتسم برضا على تعلقها بأسيل والتي لم تصاحبها إلا لشهرين فقط
_قريب، قريب أوي كمان وهجبها تعيش معانا هنا.
قالت بلهفة
_ياريت يا سليم أسيل اتعذبت كتير أوي في حياتها وجه الوقت اللي لازم ترتاح فيه ونعوضها عن الحياة الصعبة اللي عاشتها.
أومأ لها بتمني
_إن شاء الله.
تطلع إليها لحظات وعينيه بداخلها آلاف الأسئلة التي يريد طرحها
لكن ليس الآن
لقد ترك لها زمام الأمور وعليها أن تخطوا هي إليه
تلاقت الأعين بحديث ابلغ من الكلام
وبلغة لا يفهمها سواهم
وكان مبتغاها بأنها هي من تركت بيده زمام الأمور
كل امورها تركتها بين يديه فكانت الخطوة الأولى في طريقه إليها رافعاً راية الاستسلام أمام عشق صبر كثيرًا حتى كتبه بأحرف من نور فكان لقاءهم بالنهاية مليء بالورود وفقاعات وردية جمعتهم أخيراً بعد ذلك الشقاء
تحدث القلب إلى القلب
وتلاقي المحبين يخيم على عرش حبهم فراشات ربيعهم الأول.
كانت مستسلمة له وهو كان أحن عليها من نسمات الهواء التي اقتحمت غرفتهم والتي شهدت على لقاءهم الأول والذي اكد فيه بأنه لن يكون يوماً سبباً في ايلامها
❈-❈-❈
قبلة ناعمة طبعها سليم على رأسها الذي تراخى على صدره العاري وسألها بحنو
_مش هتنامي؟ انتِ عندك جامعة الصبح.
وضعت يدها على صدره وقالت برفض
_مش هروح بكرة، وانت كمان بلاش تروح خلينا نقضي يومين مع بعض.
ابتسم سليم بحب
_وانا تحت أمرك، يومين كمان مش النهاردة بس.
انتبه اثنتيهم لصوت الباب فسألته وعد بحيرة
_انت مستني حد؟
هز راسه بنفي
_لأ بس ممكن تكون دليدا محتاجة حاجة.
جذب قميصه ليرتديه ثم نهض متوجهاً إلى الباب ليفتحه فيتفاجئ بأبيه أمامه.
❈-❈-❈
ظلت أسيل طوال الليل تنظر إلى الخاتم بشرود
وتتساءل ما معنى ذلك؟
إذا كان يريد حقًا الزواج منها وأنتوى ذلك لما إذاً قام بفعلته
تذكرت حينما كان يستجديها أن توافق على الزواج منه
فلاش باك
كانت تقف أعلى اليخت تستند على سياجه وعينيها تتطلع إلى طيور النورس ترفرف في السماء تشدوا بصوتها العذب أجمل الألحان.
شعرت به يقف بجوارها فالتفتت إليه بابتسامتها التي تسحر قلبه واندهشت عندما وجدته يرمقها بصمت أخجلها فسألته بخجل
_بتبصلي كدة ليه؟
زم فمه بتردد دام للحظات وقال بخبث
_أقولك ومتزعليش؟
قطبت جبينها بحيرة وسألته
_هي حاجة تزعل؟
رد بنفي
_لأ خالص بس بتزعلك انتِ مش عارف ليه.
ابتسمت أسيل تطمئنه
_بس انت عارف إني عمري ما هقدر ازعل منك.
رفع حاجبيه بمكر
_أكيد مش هتزعلي؟
اومأت له ببراءه فقال هو بدهاء
_هو حلم صغير بس بالنسبة ليا كبير أوي وهموت واحققه.
لم تستطيع ببراءتها استنتاج ما يرمي إليه
حتى وجدته يقترب بوجهه من أذنها وقال بهمس
_عايز بوسة.
شهقت أسيل بصدمة وحينها تراجع هو للوراء مدعياً البراءة
_ايه يا سيلا بتشهقي كدة ليه؟ انا قلت حاجة غلط؟
رمقته بغضب وهي تسأله بغيظ
_واللي قولته ده مش غلط؟
هز كتفيه بعدم اهتمام
_انا قلت بس منفذتش، انتِ اللي مصرة تعرفي انا ببصلك كدة ليه واديني عرفتك.
وبعدين انا قصدي شريف، انا بقول بوسة أخوية مش الشمال إياها.
زمت فمها بغيظ
_والله؟
أكد لها
_اه طبعاً اومال إيه، بالنسبة للشمال اللي في دماغك لأ دي اول ما نكتب الكتاب هتتنفذ فوري.
اغمضت عينيها تحاول ضبط اعصابها وقالت بحنق
_تصدق انا غلطانه إني وافقت آجي معاك تاني، يلا رجعني.
رفع حاجبيه بذهول
_أرجعك فين؟ انتِ فاكرة نفسك راكبة تاكسي، وبعدين يا قلبي انا بس بصارحك بمشاعري وأحاسيسي ناحيتك مش أكتر.
ردت بغيظ
_لا احتفظ بها لنفسك متقولهاش تاني.
تحولت لهجته لتحمل مزيداً من العشق وهو يقول
_طيب ما انتِ نفسي يبقى يحقلي احتفظ بيكِ ولا أيه؟
اين لها من ذلك الماكر الذي يعرف جيدًا كيف يأسر قلبها وروحها أكثر وأكثر.
فتابع
_ما تيجي نختار الدبل مع بعض بحيث لما باباكي يوافق نلبس على طول.
باك
عادت لواقعها وعادت معه احزانها
تذكرت الحب الذي كان يغدقها به ..
تذكرت تلك الليلة وحالته قبل أن يعتدي عليها لقد دخلوا المنزل بسعادة لا توصف ثم بعد ذلك تبدلت حالته لسكون تام قبل أن تهب عاصفتهم.
تطلعت لأبنها الذي غفى بجوارها وأخذت تملس على وجنته الناعمة
لأجله ستفعل المستحيل وأوله أن ترضخ أمام ذلك القاسي وبعدها ستكون المواجهة التي ستقضي عليه وسترحل حينها دون عودة.
استيقظت في الصباح على صوت الباب.
تطلعت في ساعتها فتجد أنها الثامنة صباحاً
تطلعت إلى مكان طفلها فلم تجده
علمت انه استيقظ واخذته أمينة وهي نائمة.
نزلت للأسفل وقامت بفتح الباب فتتفاجئ بخليل أمامها
ارتبكت أسيل وقالت بوجل لم يخفى عليه
_خليل بيه.
ابتسم خليل قائلاً
_ايوة يا ستي خليل بيه ايه مش هتقولي اتفضل.
اهتزت نظراتها وتمتمت برهبة
_أهلاً بحضرتك اتفضل.
دلف خليل وهو يتفحص ذلك المكان المتواضع التي تسكن به أسيل وقال
_انا عارف اني جيت من غير ميعاد بس كان لازم اتكلم معاكِ بعيد عن داغر.
تطلعت أسيل إلى غرفة أمينة حيث يقبع ابنها ثم تمتمت بارتباك
_متقولش كدة البيت بيتك تشرف في اي وقت.
لاحظ ارتباكها والخوف الظاهر عليها لكنه لم يعرف سبباً لذلك وقبل أن يتحدث سبقته هي
_ثواني هعمل لحضرتك القهوة.
اومأ لها واسرعت هي بالدخول لغرفة أمينة فتجدها على سجادة الصلاة وإياد نائمًا على الفراش في سكون
تنهدت براحة ثم دلفت المطبخ تعد القهوة وعادت إليه
_اتفضل حضرتك.
اخذ منها القهوة وهو يقول
_متشكر يا ستي اقعدي بقا خلينا نتكلم في الموضوع اللي جاي عشانه.
انتبهت له أسيل فتابع هو
_شوفي يا بنتي انا فكرت كويس ولقيت انه انسحب حل إننا نواجهه بالحقيقة، انا شاكك إن داغر ممكن يكون اتعاطى حاجة هي اللي وصلته لكدة.
_لأ.
قالتها أسيل باقتضاب لكنها كانت حازمة
لن تطاوع قلبها وتبحث عن مبررات لفعلته
لكن خليل تحدث بعقل
_يا بنتي داغر مكنش بيبطل كلام عنك، تفتكري لو كان عايز يعمل كدة من الأول ايه اللي يخليه يطلب مني نروح نخطبك؟
ردت بعناد لقلبها الذي يؤيده
_يمكن كانت خطة عشان يبعد أي شبهة عنه مش أكتر.
_نفترض زي ما بتقولي وبإيدنا دلوقت إننا نصلح اللي انكسر ليه نعاند و…..
توقف خليل عن الحديث عندما انفتح باب الغرفة وخرجت أمينة وهي تسأل
_مين يا يبنتي اللي كان بيخبط.
نقلت اسيل نظرها بينها وبين خليل وقبل ان تتفوه بكلمة وجدت إياد يظهر من خلف أمينة ويتقدم منها يلقي نفسها بحضنها وهو يتمتم ببراءة
_ما..ما..
❈-❈-❈
فتحت هايدي عينيها بتثاقل وهي تشعر بألم شديد في جوفها
وضعت يدها عليها لكن يد أخرى منعتها
_متحركيش ايدك.
اغمضت عينيها بألم من سماع صوته
فهو آخر شخص تريد رؤيته
لا تريد منه التماساً
لا تريد شيء سوى ان يختفي من أمامها
جذبت يدها منه وأشاحت بوجهها بعيدًا عنه ثم تساقطت عينيها بألم وهي تتمتم بصوتها الواهن
_اطلع برة.
تأثر حازم بدموعها حتى أنه شعر بقلبه يعتصر حزناً عليها فتمتم بأسف
_اهدي يا هايدي عشان صحتك.
هزت راسها بألم
_اطلع برة مش عايزة أشوفك.
اخذ نفس عميق يهدئ به مشاعره التي تثور عليه وتمتم برجاء
_هايدي انا …..
قاطعته بانفعال رغم وهنها
_قولتلك اطلع برة مش عايزة اشوفك اخرج من حياتي كلها.
مسح حازم على وجهه وقلبه يعتصر حزناً عليها ثم تمتم بروية
_حاضر هخرج بس اهدي.
أخذت تبكي بانهيار وتطلب منه الابتعاد عنها فلم يجد أمامه سوى حقنها بمخدر كي تهدئ من ذلك الانهيار
رفضت ان تستسلم له لكنه استدعى إحدى الممرضات كي تساعده.
فهي لا تعرف أن حالها ليس أفضل من حاله وكم صعب عليه الأمر لكن ليس بوسعه فعل شيء.
لن يتركها تدمر حياتها ويقف مكتوف الأيدي يشاهدها وهي تقضي على حياتها أمامه.
بدأت تهدئ رويداً حتى أغمضت عينيها ونامت أما هو فقد ظل بجوارها لا يستطيع مفارقتها أو ترك يدها لحظة واحدة
كيف لم يكتشف حبه لها سوى الآن
كيف سمح لنفسه أن يعيش نفسه في وهم
حبه لأخرى وناسيها هي
فأسيل عوضته عن أخته التي فقدها في نفس عمرها ولذلك ظن ان ما يشعر به تجاهها حباً
وهو ابعد ما يكون عن ذلك.
تلك هي محبوبته الوحيدة هكذا صرح بها قلبه وعقله ولن يقبل بغيرها بديلاً
ملس على وجهها وتمتم بوله
_آسف، اسف بجد.
بعد قليل طرق الباب ودلف والديها
اسرعت فايزة إليها
_هايدي حبيبتي
تطلعت لحازم بانفعال
_انت عملت فيها ايه؟
مسح حازم على وجهه يهدئ من اعصابه
فرد فريد
_عمل الصح يا فايزة ولا كنتِ عايزاه يسيبها تموت نفسها.
ردت فايزة بحدة
_برضاها مش غصب عنها(تطلعت لحازم وقالت) كدة ضيعت اخر خيط بينكم يا حازم.
لم يستطيع حازم الصمود أكثر من ذلك وانسحب بهدوء خارجاً من الغرفة والمشفى بأكملها
لا أحد يشعر به ولا بالنار المشتعلة بداخله
من قائل إن الأمر هين عليه
بل اصعب منها بكثير لكن لا يريد شيئاً سواها
الآن فقط علم كم يعشقها
الآن فقط بعد فوات الآوان
ضاع كل شيء منه ولم يعد يملك شيء
لا يوجد سوى وحدة قا.تلة سيعاني منها وحيدًا
اراد أن يصرخ ويخرج تلك النيران التي تلهب قلبه لكن لم يعد حتى باستطاعته فعلها….
❈-❈-❈
_ماما؟
ردد خليل الكلمة بذهول وهو يرى تلك النسخة المصغرة من ابن أخيه يتعلق في عنق أسيل والتي بدورها اهتزت نظراتها وكأنها تريد أن تنشق الأرض وتبتلعها
فسألها بذهول
_الولد ده ابنك؟
لم تستطيع أسيل النطق بحرف فكان الصمت هو ردها الوحيد فعاد يسألها
_ردي عليا.
تدخلت أمينة قائلة
_مين ده يا أسيل؟
تطلعت إليها أمينة باستنجاد ولم تستطيع النطق، فعادت تسألها عندما وجدتها بتلك الحالة
_في ايه؟ ردي عليا.
رد خليل باستنكار
_ما تردي يا أسيل وقولى لها انا مين.
اهتزت نظراتها اكثر وغمغمت بلتعثم
_ده خليل بيه اللي بشتغل ممرضة عنده.
انقبض قلب أمينة بدورها وتطلعت إليه بتوجس
_أهلاً وسهلاً بحضرتك اتفضل اقعد.
نظر إلى الطفل الذي تطلع إليه ببراءة وكأنه يشاهد داغر وهو بسنه
فقال بأمر
_اقعدي يا أسيل خلينا نتكلم.
تطلعت إلى أمينة باستنجاد لكنها اومأت لها بأنها بجوارها ولن تتخلى عنها.
جلسوا جميعاً لكن إياد أخذ يتطلع إلى خليل بابتسامة شقية مما جعل خليل يبتسم له وأشار له قائلاً
_تعالى يا حبيبي اسمك ايه.
تقرب منه إياد بخطوات متعثرة فحمله خليل وأجلسه على ساقه قائلاً
_اسمك ايه؟
ردت أمينة بدلا منه
_إياد.
_عمره اد ايه؟
لم تستطيع أسيل التفوة بكلمة وهي ترى كل شيء ينكشف رغماً عنها فأجابت أمنية
_سنة وتلات شهور.
نظر إلى أسيل التي مازالت تتهرب بعينيها ثم تحدث برتابة
_انا مش هقولك ليه خبيتي عليا حاجة مهمة زي دي بس كل اللي هقوله إن كفاية اوي لحد كدة وداغر لازم يعرف الحقيقة.
اتسعت عينيها بصدمة وشعرت بأن الدنيا تلتف بها لكنها ابت ان تظهر ضعفها وقاومت كي تظل يقظه وقالت برفض
_مستحيل.
سألها بحيرة
_ليه ده حقه إن يعرف إن له ابن.
صرخت به أسيل وهي غير واعية
_لأ مش من حقه، (علىٰ صوتها غير منتبهة لما تتفوه به ولا تستطيع أن تجمع الحديث) مش من حقه أبدًا بعد اللي عمله فيا، محدش احق بيه غيري أنا.
تفاهم خليل مع عصبيتها لكن عليه ان يكون حازماً معها لاجل ذلك الطفل الذي شعر بالخوف وأسرع إلى أمينة يختبئ بحضنها
_أهدي شوية عشان ابنك، وبعدين انا عارف كل ده ومقدره بس خليكي واقعية انتِ قدرتي تسجلي ابنك؟
اهتزت نظراتها فعلم بأنه لم يسجل حتى الآن فقال بامتعاض
_طبعاً متسجلش.
ومستنية ايه بقا لما يكبر ويخرج للناس ويسألوه عن أهله؟
أشاحت بوجهها وهي تقول بتعند
_هسجله بأسمي.
رد خليل باستنكار
_ليه؟ عشان أيه تحريمه من اسم ابوه وعيلته.
رددت جملته بتهكم
_اسم أبوه؟ هو فين ابوه ده، ده حتى مفكرش يسأل راحت فين ولا ايه اللي حصلها.
رد خليل بثقة
_داغر فضل شهرين بين الحياة والموت وأول ما فاق سأل عليكي
لما طلبنا من حد يعرفلنا أخبارك قالوا إنك سافرتي ومش هترجعي تاني، انا عارف انه غلط وغلط كبير أوي كمان بس هو أكيد كان ناوي يصلح غلطه عشان كدة سأل عليكِ أول ما فاق.
اشتد الألم برأسها لكن الخوف من خسارة ابنها جعلها لا تبالي به لذا عارضت بإصرار
_ميهمنيش كل اللي بتقوله ده، لو كنت اهمه بصحيح مكنش عمل فيا كدة، انت متعرفش اللي حصلي بعدها ولا العذاب اللي شوفته فأرجوك مش عايزة كلام تاني في الموضوع ده.
_بس يا بنتي احنا دلوقت الظروف بتحكمنا والطفل ده له حقوق علينا لازم نلبيها مهما كانت قسوتها.
لم تلين قيد أنمله فقال بعد تفكير
_طيب اسمعيني في الاقتراح ده ولو مش هيعجبك ارفضيه.
❈-❈-❈
استيقظ داغر وهو بشعر بألم حاد في رأسه وخاصة عينيه لا يستطيع رفع جفنيه من شدة الألم
نهض وهو يضع يده على رأسه الذي شعر به سينفجر من حدة الألم
تحسس المنضدة بجواره ثم ضغط على الزر فتدلف في ثواني سلوى
_صباح الخير يا كابتن داغر.
لم يستطيع فتح عينيه وقال بتعب
_عمي صحي ولا لسة؟
_صحي من بدري وخرج قالي ابلغك انك تستناه على الفطار.
_وهي جات ولا لسة؟
ضيقت عينيها بحيرة
_هي مين؟
انفعل داغر ومازال يخفي عينيه بيده
_الممرضة هيكون مين غيرها.
_اه تقصد حور؟ لأ لسة مجتش عايز حاجة اعملهالك؟
رد بحنق
_لأ روحي انتِ.
همت بالخروج لكنه اوقفها
_اول ما توصل خليها تجيني.
أومأت له واضافت
_طيب أنا مش هكون متواجدة النهاردة عشان هعمل اوراق السفر وبعد اسبوع هسافر لجوزي.
زفر بضيق وسألها
_هترجعي أمتى؟
_بكرة ان شاء الله.
أومأ لها برأسه
فخرجت سلوى وتركته هو بألمه الذي يكاد يفتك برأسه
عاد يستلقي بهدوء على الفراش وضغط على ساعة يده كي يعرف الوقت
فقد تعدت التاسعة ولم تعود حتى الآن
هل تأخر عليها صالح أم أنها هي من أخرته.
حاول رفع جفنه فيجد صعوبة بالغة في ذلك.
تحامل على نفسه ونهض من الفراش ليدلف المرحاض واضعاً رأسه أسفل المياه ربما بخفف من ذلك الألم ولو قليلاً
رفع رأسه عن المياه ثم حاول فتح عينيه فينتفض قلبه بوجل عندما تفاجئ بضوء واهن لكنه لم يدوم سوى لبرهة واحدة.
ازدردت وتيرة دقاته وقد أغمض عينيه يضغط عليها بشدة ثم فتحها بروية لكن لم يرى شيء
تسارعت انفاسه وحاول إغماض عينيه وفتحها مرة أخرى لكن لم يتكرر ما حدث.
وازدادت حدة الألم بعينيه
عاد يضع رأسه أسفل المياه الباردة ربما تخفف ذلك الألم لكن لا فائدة.
فتح عينيه على أمل أن يعاود إليه ذلك الضوء لكن لم يتكرر.
ضرب الحوض بقبضته وهو يلعن ذلك العمى الذي دمر حياته وجعله بذلك العجز
حياته أصبحت غير محتملة ولم يعد بوسعه الصبر أكثر من ذلك.
حتى قلبه الخائن لم يعد باستطاعته الصمود.
رغم تخليها عنه إلا إنه مازال يريدها ويشتاق إليها يريد ان يبصر فقط ليرى محياها الذي مازال يشتاقه حد الجنون
خرج من المرحاض ووقف أمام الخزانة ليخرج ملابس له ويرتديها
غضب شديد يكتنفه من نفسه ومن كل شيء حوله
جلس على مقعده وقد هدئ الألم قليلاً لكن لم يهدئ غضبه.
طرق الباب فسمح للطارق بالدخول فإذا به قلبه يهدر بعنف عندما شعر برائحتها تخترق دواخله
كانت خطواتها رتيبة لكنها كانت قاسية على قلبه الذي مازال عاشقًا لها
وقفت بالقرب منه تسأله بوجوم
_نعم؟
رفع حاجبيه متسائلاً
_نعم ايه؟
حاولت الرد بثبات
_سلوى قالتلي إن حضرتك عايزني.
تذكر ذلك بالفعل ثم سألها
_عمي جه ولا لسة؟
_اه جه تحت، احضر الفطار دلوقت؟
نهض داغر ليمر من جوارها متجهاً للباب
_عشر دقايق ويكون جاهز.
نزل الدرج وشعر بخطواتها تمر من جواره تسبقه إلى الأسفل لكن بقيت رائحتها التي حركت مشاعر بداخله ظن لعامين أنها تلاشت من داخله فتعيدها هي بلا رحمة
ولا رأفة به.
ناده عمه
_داغر تعالى أنا هنا.
تقدم داغر من عمه الذي علم مكانه بمصدر الصوت ثم تقدم منه ليجلس على المقعد
_صباح الخير يا عمي.
تطلع إليه خليل بخذلان لكنه رد بهدوء
_صباح النور، ايدك عاملة ايه دلوقت؟
رد داغر بعدم اكتراث
_كويسة
هم داغر بسؤاله عن سبب فتوره معه منذ عودته لكن قاطعته أسيل التي تقدمت منه تقول
_الفطار جاهز.
اومأ لها خليل وقال بحنو
_تمام يا بنتي جايين حالاً.
انصرفت أسيل وقال عمه
_انا النهاردة عندي مشوار مهم في القاهرة واحتمال آتاخر شوية هطلب من حور تفضل موجودة لحد ما أرجع….تابع بتحذير… بلاش تضايقها وتبطل حركاتك دي، هي مش عبده عندك فاهم؟
رد داغر بكل هدوء
_أكيد فاهم متقلقش.
_طيب قوم خلينا نفطر لأن يادوب الحق أسافر.
نهض داغر وجلس مع عمه على السفرة وتقدمت منه لتخبره بأماكن الطعام
همت بالذهاب لكن خليل أوقفها
_استني يا حور.
التفتت إليه تسأله
_نعم.
_النهاردة هتتأخري شوية لأن سلوى مش هتكون موجوده النهاردة وانا مسافر ضروري وهاجي متأخر هتستني بس لحد ما أرجع وهخلي السواق يوصلك.
اتسعت عينيها بصدمة وتطلعت إلى داغر الذي اخذ يتناول طعامه بعدم اكتراث مما جعلها تهز رأسها بنفي وكأن المشهد سيعاد أمامها…
دلفت شاهي خلف حسين وهي تنظر إلى سليم الذي الجمته الصدمة بخبث ولما لا وقد علمت بأمر زواجه من تلك الخادمة وستكون فرصة ذهبية للخلاص منه للأبد
_ايه يا سليم مش هتقولنا اتفضلوا.
قال حسين بعتاب
_بتصل عليك مش بترد قلت آجي بنفسي اشوف السبب.
اهتزت نظراته وحمحم قائلاً
_سوري اتفضلوا.
دخل حسين وشاهي التي جلست على المقعد بأريحية تضع قدم فوق الأخرى وتتطلع إلى الشقة باعجاب وقالت بمكر
_جميلة اوي شقتك يا سليم ومرتبة أوي، أكيد الخدامة اللي عندك ذوقها على أوي، اقصد نضيفة أوي.
لم يحتاج لفطنة كي يعرف إلى ما ترمي، فقال بمغزى
_أعلىٰ مما تتخيلي.
خرجت وعد وهي تشدد من وضع المئزار حولها
_مين يا سليم……
الجمتها الصدمة عندما وجدتهم جالسين في البهو وشاهي تنظر إليها باستهزاء، أما حسين فقد اتسعت عينيه بصدمة وهو يرى أمامها وعد خارجة من غرفة ابنه، تلك الخدامة التي خرجت من الملجأة تقطن بشقة ابنه الوحيد ووريثه
فتمتم بعدم استيعاب
_الخدامة دي بتعمل ايه هنا؟
تطلع إليه سليم قائلاً بحنق
_مسمهاش خدامة.
أشار لها بالتقدم تجاهه
_تعالي يا وعد رحبي بضيوفك أقصد حماكي.
استمتعت شاهي بتلك المواجهة وأخذت تهز قدميها وهي تشاهد ما يحدث في سكون تام.
نهض حسين وقد تجمع غضب الدنيا أمامه وقال ساخطاً
_انت اتجوزت دي وحطيت راسنا في الطين؟
رد سليم بسخط مماثل
_قولتلك ماسمهاش دي اسمها وعد حرم سليم النعماني أي مسمى تاني مش مقبول.
انصدم حسين من رد ابنه الذي لأول مرة يقف أمامه ويتحدث معه بتلك الطريقة
_انت بتكلمني انا بالطريقة دي؟
رد سليم بتحدى وقد انتهى ثباته الذي اجبر نفسه عليه طوال عمره وتقدم منه ليجيب بتأكيد
_لما تغلط في مراتي واللي شايلة اسمي واسم العيلة لازم اغلط، لما متحترمش وجودها في بيتها وتقول عليها خدامة يبقى طبيعي أرد عليك الرد ده.
أمسكه حسين من تلابيبه وصاح به بغضب
_انت لازم تطلقها مستحيل ولادها يشيلوا اسمي طول ما انا عايش حتى بعد ما أموت مش هيحصل.
جذب سليم يدي حسين يبعدها عنه وقال بنفور
_صدقني أنا نفسي مش عايز ولادي يحملوا اسمك ولا حتى أنا، عارف ليه؟
توحشت نظرات حسين وهو يستمع له فيتابع سليم
_لأنه هيبقى نقطة سودة في حياتهم زي ماهو نقطة سودة في حياتي، بلاش تحسس نفسك أنك حاجة كبيرة أوي لأنك ببساطة اصغر من كدة بكتير أوي عارف ليه؟
.أشار على شاهي وتابع….. لأنك خليت واحدة زي دي تلعب بيك وتدمر حياتك وحياة ولادك
همت شاهي بالدفاع عن نفسها لكنه منعها بصوته الهادر
_اخرسي ولا كلمة.
تطلع إلى والده وتابع بسخط
_مش بس حياة ولادك لأ دي دمرت مراتك لما عملت خطة دنيئة زيها ودخلت الراجل ده البيت
تطلع حسين إلى شاهي التي هزت رأسها بفتور
_محصلش.
أكد سليم بانفعال
_لأ حصل والشغالة اللي أكدت لجنابك أنه بيجلها في فترة غيابك هي اللي اعترفتلي بكل حاجة قبل ماتموت وإن دي…اشار على شاهي….هي اللي اجبرتها تقول كدة وهددتها بعيالها.
كان حسين يستمع إليه بذهول وتابع سليم
_دمرتنا كلنا مش بس أمي،عملت مني انسان بارد معندوش أي مشاعر وأكتر واحدة اتعذبت مني هي أسيل.
فاكر أسيل؟!
أسيل اللي خليت حياتها جحيم لدرجة انها دورت على الحب اللي مفتقداه معانا مع حد تاني ورغم كل ده خلتني اقتلها بإيدي.
تقدم منه خطوة ليقول بازدراء
_مرحمتش احساسي وقتها ومرحمتش انها إختي وإني هعيش حياتي كلها اتعذب على قتلي لها.
بس لأ مهمكش حاجة زي دي ولا يهمك العذاب اللي عشته بعدها
تطلع إليه بسخط وقال
_ انت انسان تستحق بجدارة انك تكون المغفل الوحيد في الليلة دي كلها اللي مجرد ست قدرت تلعب به وتدمر حياته بالشكل ده.
كانت وعد تستمع إليه وهي تبكي بحرقة على حال حبيبها
أما شاهي فقد اخذت حقيبتها وانسحبت بهدوء لا تريد شيء بعد الآن فقد حصلت على مبتغاها لذا ليست خاسرة بعد تلك المواجهة.
تابع سليم
_ودلوقت اتفضل لأن وجودك غير مرغوب فيه.
❈-❈-❈
في منزل خليل
وقفت أسيل حائرة وقد طلب منها خليل أن تظل معه حتى عودته
كيف يطلب منها ذلك وهو يعلم حقيقة ما حدث منه
ازدردت أسيل لعابها بوجل وتمتمت برهبة
_بس حضرتك مش هقدر اتأخر عن البيت فترة طويلة و…..
قاطعها خليل برجاء
_عارف إنه صعب بس مش هقدر آمن حد غيرك يبقى في البيت لحد ما أرجع واوعدك إني هرجع في اسرع وقت
كان داغر يستمع لعمه وهو يضغط على الملعقة بغضب فتمتم بغضب
_عمي…
تطلع خليل لأسيل
_طيب اتفضلي انتِ دلوقت.
أومأت له وذهبت تاركة ذلك الذي يزم فمه بحنق سأله خليل
_في ايه؟
رد داغر بانفعال
_انت اللي في ايه يا عمي، انت هتترجاها عشان تقعد مع ابنك الصغير لحد ما ترجع؟
_لأ مش بترجاها عشان تقعد معاك، بترجاها عشان تفضل في البيت ملهاش اي علاقة بجنابك.
مسح داغر بيده على وجهه وقال باحتدام
_برضه متترجاش حد.
لم يريد خليل الجدال معه لذا تحدث بهدوء وهو ينهض
_تمام انا ماشي دلوقت وبلاش اسلوبك المستفز معها البنت دي ممرضة مش خدامة حضرتك.
تنهد داغر بتعب وقال بروية
_حاضر، حاجة تاني؟
أخذ هاتفه ومفاتيحه
_خلي بالك من نفسك.
تركه وخرج من المنزل مما جعل داغر تتيح له الفرصة كي ينتقم برتابة استعداداً للانتقام الأكبر.
خرج خليل من المنزل فيجدها منتظرة في الحديقة ويبدو عليها الارتباك
وفور رؤيته اسرعت إليه قائلة
_حضرتك ازاي عايزني افضل معاه لوحدي، مستحيل أوافق.
تعاطف خليل معها وقال بهدوء
_انتِ خايفة من ايه؟ تفتكري واحد في ظروفه دي هيقدر يعمل حاجة؟
ارتعشت أوصالها للذكرى وتمتمت برهبة
_مش هيقدر بس أنا كمان مش هقدر افضل معاه في مكان واحد ده انسان….
قاطعها خليل بحزم
_لازم تقدري عشان نكمل الخطة اللي اتفقنا عليها، وبعدين انتِ لازم تقدري وضعي انا ده مهما كان ابني ومش هقبل أبدًا بأي حاجة تأذيه أو حتى تأذي مشاعره.
فركت يديها ببعضها تحاول السيطرة على رجفتهم
_اللي انت بتطلبه مني ده صعب أوي أوي.
_واللي برضه بترفضيه ده صعب أقبله، ده حفيدي اللي بتلعبوا بمستقبله ده، طالما مش عايزاه يعرف يبقى لازم تنفذي اللي اتفقنا عليه.
رمشت بعينيها وقد انتابها الخوف من القادم
_بس..بس… انا خايفة.
طمئنها خليل بثقة
_قولتلك انا معاكِ متخافيش وبعدين دي الطريقة الوحيدة اللي نقدر نثبت بها إياد وكمان تكون معاكِ قسيمة جواز لو حبيتي تكملي حياتك مع حد تاني.
لاحت ابتسامة مغمزة بالمرارة وهي تمتم
_حد تاني؟ انا خلاص مبقتش انفع لحد تاني ولا تالت.
تأثر خليل بحالتها
_والله يا بنتي انا مش عارف اقولك ايه بس اللي واثق منه إن داغر مش كدة أبداً واللي واثق فيه اكتر انه حقيقي بيحبك
تنهد وتابع
_على العموم انا هسافر اخلص الإجراءات والأوراق اللازمة وهرجع على طول.
أومأت له مرغمة واستقل خليل سيارته وانطلق بها.
أما هي فقد وقفت تراقب ابتعاد السيارة وهي تخرج من البوابة الكبيرة ثم أغلقت خلفه وأمامها هي أيضاً
الآن اصبحت وحيدة معه ماذا ستفعل لو انعاد من جديد.
استدرات لتعود للداخل وهي تفكر هل ما تفعله خطأ أم صواب
وإن كان ذلك هل هو بهذه السذاجة حتى يتركها تهرب بفعلتها بعد أن يبصر ويعرف الحقيقة؟
ماذا إن عرف ان له طفل منها وقد فعلت تلك اللعبة لتسجله وتهرب به
ماذا أن حلقها حتى علم بمكانها
ماذا ستفعل حينها.
تعبت من التفكير وقررت ان تثق في عمه كما طلب منها ودلفت للداخل فوجدته جالساً في البهو وعينيه مصلبة على الفراغ أمامه.
لا تعرف لما حزن قلبها على حاله
سمحت لنفسها أن تتطلع إليه وإلى ملامحه الواجمة بل المخادعة والتي ظهرت الآن على حقيقتها
حقيقة واحدة فقط وهي أنها عشقت من قام بذ.بحها حد الجنون.
قد تكون مشاعر متضاربة ما بين سخط عليه وبين حزناً على مصابه
وكلاهما مشاعر تؤكد شيئاً واحد لا غيره
أنها في النهاية هي مازالت تعشقه
_هتفضلي واقفة بصالي كدة كتير.
بوغتت أسيل بسؤاله واندهشت كيف باستطاعته معرفة مكانها والأدهى كيف علما انها تنظر إليه.
تقدمت منه تسأله بثبات يتنافى تمامًا عمّ بداخلها من خوف
_عايز حاجة اعملها؟
قال بفتور وهو يضع قدم فوق الأخرى
_السجاير فوق هاتيها.
اومأت له رغم استياءها وصعدت لغرفته لتأتي بها لكنها توقفت مكانها عندما عاد إليها الدوار وشعرت بأن المكان يلتف بها
تحاملت على نفسها وأخذت تبحث عنها حتى وجدتها على المنضدة
ازداد الألم أكثر حتى
كادت تسقط أرضًا عندما هاجمها بقوة فأسرعت بالجلوس على الفراش وأخذت تتنفس بصعوبة من شدته
شعرت ببوادر نوبتها لكنها قاومت
عليها ان تظل يقظه هي وحيدة وستكون صيدة سهلة بالنسبة له
اخذت تنظم انفاسها الثقيلة وتحاملت على نفسها ونهضت مترنحة لكن سقطت العلبة من يدها
همت بالميل عليها لتلتقطها لكنها كلما فعلت ذلك كلما اشتد عليها
فقد أصبح في الآونة الأخيرة يتكرر معها هذا الأمر
تحاملت على نفسها أكثر وخرجت بها من الغرفة
ترجلت الدرج بأقدام متعثرة
والرؤية مشوشة لكنها تجاهد كي تبقيها واضحة
توجهت إليه لتناوله إياها وهي تتمتم بتيهة
_اتفضل.
أخذها داغر وقام باشعال واحدة منها ينفث دخانها ببزخ وسألها
_كنتو عايشين فين قبل ما تسكنوا هنا من سنتين؟
بغتت بسؤاله وقد اشتد الألم برأسها وردت بثبوت
_كنا عايشين في القاهرة.
سعلت عندما وجدته ينفث الدخان من القرب منها وعاد اسئلته
_رجعتوا ليه؟
استندت على المقعد عندما هاجمها الدوار مرة أخرى وحاولت الرد برتابة كي لا يشعر بشيء
_عادي زي اي حد بيرجع لبيته.
افترى فمه عن ابتسامة ساخرة وقال بتهكم
_غريبة.
_هو ايه اللي غريب؟
نهض بعد أن ألقى السجيارة على الأرض ودعسها بقدمه
_أصل انا برضه عملت كدة، بعد ما قلت مش راجع تاني لأن مبقاش ليا حد هنا، بس الحنين اللي رجعني غصب عني.
سار بخطوات ثابتة حتى وصل للشرفة الزجاجية وتابع
_صحيح مش شايفها بس حاسسها، كل حاجة حوليا ريحتها بتفكرني بذكريات سعيدة عشتها هنا في البيت ده، بس رغم كدة تركت ندوب مستحيل حاجة تمحيها.
عرفت إني غلطت غلط كبير أوي لما رجعت.
كانت تستمع إليه بحيرة لا تفهم ماذا يقصد
هل ضحية أخرى غيرها أم يقصدها هي ويعاتبها على ابتعادها بعد ما فعله
فقالت بمغزى
_بس ذكريات السعادة عمرها ما بتترك ندوب طالما حافظنا عليها.
ابتسم بسخرية واستدار إليها قائلاً
_عندك حق، بس لو رفضنا دخولها حياتنا من الأول كانت حاجات كتير اوي اتغيرت
ويمكن مكنتش اتعميت ولا سيبت شغلي
يعني وجود السعادة دي في حياتي كان أكبر خطأ.
عاد الألم يقتحم رأسها بقوة فلم تعد تستطيع الثبات أكثر من ذلك
كم تود الاستلقاء الآن لكن هي تعلم جيدًا بأنه لن يتركها لذا تحاملت على نفسها وسألته
_تحب تاكل ايه على الغدا؟
_هي الساعة كام دلوقت؟
تطلعت في ساعتها وردت
_الساعة اربعة.
تحدث وهو يجلس على المقعد
_أي حاجة، مش هيفرق النوع كله أكل في الآخر.
❈-❈-❈
اخفضت وعد عينيها عندما رمقها حسين بسخط يليه توعد
لكن يد سليم التي دعمتها جعلتها تخفي وجهها بحضنه
انتفضت بوجل عندما قام بصفق الباب بقوة
لكنه شدد من احتضانه لها وتمتم بشغف
_متخافيش ده كابوس وانزاح خلاص.
رفعت وعد عينيها إليه وتمتمت بخوف
_خايفة يبعدنا عن بعض.
ملس بأنامله على وجنتها وتمتم بثقة
_ولا الدنيا كلها هتقدر تفرقنا عن بعض، شاهي أهم حاجة عندها إنها خلصت مننا ميفرقش احنا فين ولا عملنا ايه
أما هو مبقاش يهمني في حاجة
تطلع إلى عينيها وتمتم بقوة
_انتِ مراتي غصب عن الجميع ومفيش حاجة في الدنيا هتغير ده فاهمة؟
اومأت له بصمت ثم عادت تختبيء داخل أحضانه..
في أحد الفنادق
جلست شاهي وهي تضع قدم فوق الأخرى تهزها بكل أريحية
تراقبه وهو يزرع الغرفة ذهاباً وإياباً بغضب عارم
واستطاعت ببراعة نفي تلك التهمة التي اتهمها بها سليم
لا يهمها سوى أنها تخلصت أخيراً منهم وبدون عودة فقالت بفتور
_وبعدين يا حسين هتفضل رايح جاي كدة ما تهدى بقا.
زم فمه بغضب ثم تحدث بحنق
_ابني أنا يتجوز خدامة؟ أقول للناس ايه؟
تلاعبت باظافرها وهي تجيب
_ولا حاجة هي الناس أصلاً هتعرف منين.
نهضت لتتقدم منه وتضع راحتيها على كتفه لتنفث سمها
_انا كل اللي مخوفني ان كل أملكانا تروح لبنت الملاجئ
والاقيها واقفة قصادي في يوم من الأيام وتقولي انها لها زي ماليا وتعمل راسها براسي، ووقتها اللي ميعرفش هيعرف.
قطب جبينه بحيرة وتابعت هي.
_أنا بفكر لو ده حصل هنعمل ايه في الفضيحة دي وهنلمها ازاي وخصوصاً إن البنت دي كانت بتظهر قدام الناس على انها الخدامة بتاعتنا
فالحل هنا في ايدك.
ضيق عينيه مستفهمًا
_تقصدي ايه؟
_اقصد إن سليم مبقاش بتاع زمان اللي ماشي على نهجك تؤ ده بقى واحد تاني خلاص وبكرة هيكون زي الخاتم في صباع بنت الملاجئ وبعد عمر طويل لك هتلاقيها جاية تطالب بحق جوزها، فـ انت مش قدامك غير حل واحد….
هو إنك تكتب وصية إن كل حاجة هتتكتب باسمي.
تطلع إليها بشك وسألها
_وانا ايه اللي يخليني اعمل كدة واحرم ابني.
هزت كتفيها بلؤم وهي تبتعد قليلا لتوليه ظهرها كي لا يرى الخبث بعينيها
_ابنك واديته الفرع اللي اسسته هنا وهو كبره ودخل به شراكه مع شركة اكبر وده طبعاً مش هنتكلم فيه
استدارت إليه وتابعت
_بس اللي هنتكلم فيه تاني وتلات هو الفيلا الكبيرة اللي والدي ووالدك الله يرحمهم عاشوا مع بعض فيها فمتجيش واحدة تربية ملاجئ تقف قصادي وتساوي راسها براسي وتقولي انا ليا في الفيلا دي زي ماليكِ ولا أيه.
اقنعته بدهاءها فقال موافقاً
_خلاص أول ما ننزل مصر هكتبلك الفيلا باسمك.
عادت شاهي لتجلس على المقعد باستراخ وتركته هو بصدمته.
❈-❈-❈
استيقظت هايدي لتلاحظ أن الغرفة معتمة إلا من اضاءه خافتة
شعرت بشيء يجثم على يدها فتطلعت بوهن إليه فتجده نائمًا على المقعد مستندًا برأسه على يدها.
رق قلبها له لكن مازال ذلك الجرح تركه حيٌ في القلب لا يندمل.
تعلم جيدًا بأنه ما فعل ذلك إلا لأجلها لكن أن يجبرها على فعل ذلك قطع الخيط الوحيد بينهم والذي عملت كثيراً على الحفاظ عليه
نعم مازالت تعشقه وتهيم به لكن لن تعود إليه حتى تشفى جروحها منه.
حاولت سحب يدها بروية كي لا تقلقه لكنه شعر بها ورفع رأسه إليها بنعاس وسألها بقلق
_حبيبتي انتِ كويسة؟
هزت راسها بايماءه خفيفة ولم تجيب
تطلع إليها لحظات يرجوها فيه أن تغفر ثم تمتم بغصة
_نروح بيتنا؟
أشاحت بوجهها بعيدًا عنه وقد كان الصمت أبلغ من الكلام لكنه لم ييأس وسيتحمل كما تحملت هي من قبل
فقال برجاء
_البيت وحش أوي من غيرك أنتِ والولاد
محتاجلك أوي يا هايدي أرجعي عشان خاطري.
اغمضت عينيها بألم ثم تمتمت بوهن
_مش هينفع لاني مبقتش هايدي بتاعت زمان، مش هقدر اقدم تنازلات زي الأول ولا….
قاطعها بإصرار
_مش عايز تنازلات، انتقمي مني زي ما انتِ عايزة بس وانتِ في حضني مش بعيد عني.
هزت راسها بألم شديد وقالت
_قولتلك مش هينفع.
رد بإصرار نبع عن صدقه
_هينفع وهعوضك عن كل جرح ألمتك به من غير ما أحس بس ارجوكِ ارجعي لأن فراقك والموت واحد.
أخذت نفس عميق تهدئ به من روعها
_جيت متأخر يا حازم، لو كنت سمعت منك الكلام ده قبل ما يحصل اللي حصل ده كان زماني اسعد واحدة في الدنيا بس للأسف اتأخرت أوي.
تحدث بتخبط
_مش متأخر بس أنا مكنتش أتخيل إن الحياة من غيرك هتكون صعبة أوي كدة.
ابتسمت بمرارة
_ودي غلطتي فضلت اقدم واتنازل لحد ما خليتك متحدش بأي اشتياق
ولما حسيت به كانت كل حاجة انتهت.
غمغم برجاء اقرب للتوسل
_منتهتش يا حبيبتي، انا هصلح كل حاجة وهعوضك عن كل اللي آستيه معايا.
تطلعت إليه برجاء
_أرجوك يا حازم سبني ارجع برغبتي بلاش تضغط عليا وانا إن لقيت اي أمل لعلاقتنا هرجع معاك بس بلاش تضغط عليا دلوقت أرجوك.
أومأ لها مجبراً كي لا يضغط عليها الآن
وبعدها سيفعل المستحيل كي تعود إليه.
❈-❈-❈
مر اليوم بطيء وطلباته لا تكل حتى ازداد التعب عليها
وضعت القهوة أمامه وهي تقول بضجر
_حاجة تاني؟
تحسس داغر علبة السجائر فوجد أنها قد فرغت
_اه هاتي علبة السجاير التانية من أوضتي وبعدها ممكن تدخلي ترتاحي شوية.
اسبلت أسيل جفنيها بوهن وقد طفح بها الكيل منه
بمجرد أن تحركت خطوة واحدة، زاد التعب عليها
تمالكت نفسها وصعدت الدرج لكنها شعرت بعينيها تهتز علامة على بوادر أزمتها لكن تلك المرة تختلف عمّ قبلها
حاولت تنظيم أنفاسها كي تمر تلك الأزمة لكنها حقاً مؤلمة
اشتد الدوار عليها حتى لم تتمكن من الوصول إلى درابزين الدرج لدعمها، وألم رأسه يفوق التحمل مع رغبة ملحة في التقيؤ.
همت برفع قدمها للوصول للأمان بأخر درجة لكن قبل أن تخطوها قام الظلام بخطفها بعيدا لتفقد الوعي، فانزلقت قدامها وتضحرج جسدهاعلى الدرج حتى انهارت على الأرضية الصلبة بلا حراك.
انقبض قلب داغر عندما سمع ارتطام شيء ما بالأرض فنهض بقلق وهو يسألها
_في حاجة؟
لم يجد رد سوى الصمت
مما جعل قلبه يهدر بعنف، ما الذي حدث
انتبه لآهه خافتة واختفت بعدها
ازدادت وتيرة دقاته بخوف وتحركت قدماه يبحث عنها لكن تاهت الأماكن من ذهنه ولم يعد يميز الخطوات.
زاد الخوف بداخله فعاد نداءه
_في حاجة وقعت؟
لم يجيبه سوى الصمت وضربات قلبه التي ازدادت وتيرتها
بخطوات متعسرة اخذ يتحسس الطريق إلى الدرج وقد تاه كل شيء من ذاكرته
لا يعرف كيف الوصول إليه ولا يعرف إن كان الطريق إليه فارغ أو أمامه أساس فنادها ربما تجيبه
_أسيل.
تمتم باسمها وقلبه ينفطر خوفاً عليها
ماذا حدث لها لما لا تجيبه
هل تآذت؟
هل أصيبت؟
خلع حذاءه كي يستطيع تميز الطريق وسار بأقدامه العارية على الأرض الباردة يتحسس الأماكن.
كان يشعر بالتشتت وكأنه يسير في ذلك المنزل لأول مرة
واخذ يلعن ذلك العمى الذي جعله بذلك العجز
أخذ يلعن ويلعن عجزه وهو يتخبط في كل ما يقابله لا يعرف أين وجهته إلى الدرج
حاول وحاول لكن يتوه في الأروقة ولا يعرف كيف يصل إليها
أغمض عينيه بشدة ثم فتحها على أمل الإبصار كما قال له الطبيب لكن لا فائدة
فليعود فقط ولو لدقيقة واحدة يراها ويطمئن عليها
لكن تبوء محاولته بالفشل
سقط على ركبتيه عندما تعثر في أحد المقاعد الجانبية
فازداد شعور العجز بداخله واراد ان يصرخ في تلك اللحظة بكل ما اوتيّ من قوة لكن عليه أن يصمد كي ينتبه لخطواته ويصل إليها
نهض متثاقلاً ووقف على قدميه وأخذ يتذكر الأماكن
يعلم أن عمه كام بتغيير كل شيء كي يسهل عليه الطريق
هو ختى لا يعرف أين هو الآن
عاد يخطو بخطوات حذرة حتى استطاع أخيرًا الوصول إلى الدرج
ازدرد جفاف حلقه عندما لامست قدمه العارية يدها الملقاة على الأرض
جثى مسرعًا على ركبتيه ورفع ظهرها مسندًا إياها على قدمه ثم أخذ يتحسس وجهها وهو يناديها بخوف
_أسيل انتِ كويسة؟
انقبض قلبه اكثر عندما شعر بمادة لزجة على جانب رأسها
لقد أصيبت وهو وحيد في المنزل
ماذا يفعل الآن؟
حاول الربت على وجهها
_أسيل فوقي يا حبيبتي.
لم تجيبه فازداد خوفه عليها مما جعله يحملها وينهض بها لكنه وقف عاجزًا
هو لم يعد يميز الطريق ولا يعرف كيف يتحرك وهو يحملها
أغمض عينيه وقد تجمعت الدموع بها عندما عاد بها إلى الأرض محتضناً إياها بقوة
ليس بوسعه فعل شيء هو لا يستطيع مساعدة نفسه كي يساعد غيره حتى لو كانت حبيبته
بكى كما لم يبكي من قبل
وسمح لنفسه أخيراً بالانهيار
ينهار ببكاءه كما انهار كل شيء من قبل
خسارة تليها خسارة وألم يفوقه ألم هذه هي حياته
الآن فقط بأمكانه أن يبكي ويصرخ ليس على حاله فقط بل على حبيبته التي تقبع بين يديه ولا يستطيع فعل شيء لها
رن هاتفه الذي اعلن عن اتصال من عمه
لا يعرف ماذا يفعل
يستطيع الوصول للهاتف وهو متتبع صوته لكن لن يستطيع العودة إليها
ولن يجازف ويعرضها للخطر وهو يحملها إليه
اغمض عينيه وقد عاد الألم إليه بقوة
ألم يفوق ما شعر به في الصباح
لكن عليه ان يتحمله كي ينجد حبيبته
بصعوبة بالغة قام برفع جفنيه فتهتز أوصاله عندما لاحظ ذلك الضوء الواهن يعود من جديد.
انقبض قلبه بخوف وقد ازداد الألم بعينيه عندما أغمضها سريعًا إثر رؤيته لذلك الضوء
يخشى أن يكررها وتفشل مثل سابقتها
ارتعشت أوصاله وتحلى رغم خوفه بالشجاعة
عندما ضغط على عينيه
ماذا إن فتحها ولم يرى
تضرع إلى ربه ألا يخذله تلك المرة وقام بفتحها ببطئ فتتضح الرؤية شيء فشيء أمامه وبدأ ذلك الظلام الدامس يتلاشى.
ازدرد لعابه بصعوبة وقد أخذ وجهها يظهر بروية و رويداً رويداً أخذت تتضح أكثر حتى ظهرت أمامه.
هل ما يعيشه حلم أم حقيقة؟
هل عاد نظره كما عادت حبيبته؟
أم كل ذلك مجرد اوهام.
تطلع إليها بحب وعيناه ترمقها بنظرات تحمل بين طياتها الكثير والكثير من العتاب
قطب جبينه بألم وهو يراها أخيراً بعد ذلك الشقاء
سقطت دمعة منه على وجنتها محاها هو بأنامله وبكل رقة كأنه يعتذر له على حدتها.
حملها وصعد بها الدرج رغم أن الرؤية لم تتضح بقوة لكن هو مكتفي بها لا يريد أكثر من ذلك
يكفي أنه يراها بعد مرور تلك الاعوام التي نحرته بدون رحمة
قربها اكثر من صدره وهو يصعد الدرج بخطوات مهتزة
يخشى عليها من السقوط
دلف غرفته ووضعها على الفراش بروية.
حلم كثيرًا بتلك اللحظة الذي يحملها ويضعها على الفراش كما فعل الآن لكن ليس هكذا ولا في مثل تلك الظروف
ادار رأسها حتى يرى الجرح لكن اطمئن قلبه عندما لاحظ أنه سطحي وبسيط.
فتح الدرج بجوار الفراش وأخرج منه قطن ومعقم وأخذ يعالجه.
أعاد كل شيء في موضعه وجلس على الفراش بجوارها يتطلع إليها بمشاعر متضاربة
“تارة بحب وتارة عتاب، وتارة بلوعة وأخرى بإدانة، تلاها اشتياق وكمد”
كل المشاعر المتناقضة تجمعت بداخله
لكن قلبه لا يبالي بكل ذلك وأعلن بأن عشقه هوالمنتصر الوحيد في تلك المعركة..
وأنه مازال عاشقًا لمعذبته
شعر بالقلق عندما لم تعود لوعيها فنزل للأسفل كي يبحث عن هاتفه ثم اتصل بيحيى
الذي عاد لتوهه إلى منزله.
_ايوة يا داغر عامل….
قاطعه داغر
_أيوة يا يحيى هات دينا وتعالى دلوقتى.
دلف يحيى شقته وأغلق الباب خلفه قائلاً
_دلوقت ايه أنا لسة راجع من السفر.
تحدث داغر بضجر
_يا ابني عايزها دلوقت…
قاطعه يحيى بغيظ
_وانا مالي يا عم بقولك لسة راجع متشوف دكتور غيرها، دا انا بقول عليك دماغ وبتفهم.
بس قولي الاول عايزها ليه.
رد داغر باقتضاب
_لما تيجي هتعرف.
أغلق داغر الهاتف دون ان يستمع رده وصعد إليها ومازال لا يصدق ما حدث معه حتى الآن
فتح درج المنضدة واخرج منها نظارة سوداء وقام بارتداءها
عليه أن يظل ذلك الأمر في طي الكتمان حتى يعرف الحقيقة أولاً.
ظل يتطلع إليها وهو لا يصدق أنها عادت إليه أخيراً.
لقد ظنت أنه لم يعرفها
ولا تعرف أنه يراها بقلبه لا بعينيه
لا يحتاج لنظره كي يعرفها.
رن هاتفه وكان المتصل يحيى اجاب مسرعًا
_ايوة يا يحيى انت فين؟
_أنا تحت انزل افتحلي لأني بخبط محدش بيرد.
اغلق الهاتف ونزل للاسفل ليفتح لهم
سألته دينا بقلق
_خير يا داغر في ايه؟ انت كويس؟
رد داغر بثبوت وهو يتظاهر بالعمى
_مش أنا اللي تعبان ..
سأله يحيى بقلق
_يا ابني في ايه طمنا. مين تعبان.
_خليك هنا انا رجعلك حالاً.
صعدت دينا معه حتى وصلت لغرفته وحينها توقف قائلاً
_أسيل جوه وقعت من على السلم ومن وقتها وهي فاقده الوعي ادخلي طمنيني عليها.
قطبت جبينها بحيرة
_أسيل؟!
اومأ لها
_ايوة أسيل واجلي اي استفهامات دلوقتى لأن انا معنديش إجابة لها، طمنيني بس.
اومأت له بتعاطف ثم دخلت الغرفة
و قف هو منتظرها بوجوم وعينيه الغائمة تنظر إلى الفراغ أمامه
كل ما يشغله هو ما تخفيه وراءها
ماذا حدث بعد أن ذهبت معه إلى المنزل بالقاهرة
لما فجأة غاب عن الوعي ولم يفق إلا في المشفى ضرير
وهي لما تركته
ولم قامت بتغيير اسمها
هل هربت من أهلها وتخفت بذلك الإسم؟
وحازم أيضًا ما دوره بحياتها؟
انتبه فجأة على صوت دينا وهي تستنجد به
_داغر تعالى بسرعة.
دلف داغر مسرعًا وقد توقف قلبه عن النبض عندما وجد جسدها متشنجاً بصورة تدعوا للزعر
لم يبالي بشيء سواها وأسرع إليها يسألها
_في ايه مالها؟
تناست دينا عماه في تلك اللحظة وقالت بقلق
_معرفش انا فجأة لقيت جسمها بيتشنج كدة حاول تسيطر على الرجفة لحد ما اديها الحقنة دي.
اهتزت نظراته ومشاعر كثيرة متضاربة
ما بين خوفه عليها ومشاعر ستحيا ما أن يلمسها.
ازدرد لعابه بصعوبة وقد ضغط على قبضته يحاول التماسك وألا يضعف حين يلمسها
تنهد براحة عندما هدئ جسدها وتوقف نشيجه
لكنها مصرة ألا ترحمه
_ايه يا داغر  بقولك إمسكها عشان اديها الحقنة دي.
اهتزت نظراته وبيد مرتعشة تقدم منها يصغط على كتفها كي يسيطر على رجفتها وقد حدث ما كان يخشى منه لكنه حاول السيطرة على مشاعره وانشغل مع دينا بالتحكم في حركتها حتى تنتهي من حقنها.
قالت دينا براحة عندما هدئ جسدها
_الحمد لله عدت على خير.
خرجت معه من الغرفة وهي تقول
_التشنجات اللي حصلتلها دي ملهاش علاقة بالوقعة لأنه باين أنه مرضي لازم تعرضها على تخصص مخ واعصاب.
هز رأسه لها ولم يستطيع الرد من شدة الخوف التي تملكت منه
هم بتوصيلها لكنها منعته
_انا عارفة الطريق خليك بجانبها لأنها هتفضل نايمة للصبح.
اومأ لها وذهبت لزوجها الذي سألها
_اومال داغر فين؟
_تعالى نروح وانا هحكيلك كل حاجة.
❈-❈-❈
عاد داغر للغرفة وضربات قلبه تهدر بقوة
كانت كل خطوة تقربه منها تزيد من وتيرته
ولما لا وهو يراها بعد عامين وأكثر من الشقاء
كانت نائمة في سكون، وذلك الضوء الخافت بجوارها يضفي عليها سحراً الهب مشاعر ظن أنه تناساها
لكن يبدو انها كانت خامدة لا أكثر وقد عادت لتثور من جديد.
جلس على حافة الفراش وهو مازال لا يستوعب ما حدث
عاد نظره وكذلك هي لكن بينهم أسوار لا يمكن تخطيها
بيد مترددة وأنامل ترتعش رفع أنامله إلى  وجهها يرفع عن عينيها تلك الخصلة التي عانى كثيرا من تمردها
وعاد معها العذاب بأشده عندما تحسس ملمسه الناعم
وبدون إرادته ترجلت أنامله رغماً عنه على وجنتها الرخوة  يتحسسها بشوق وحنين
أغمض عينيه عندما هاجمته تلك المشاعر وعادت من جديد تأرقه كما أرقت لياليه وجافت النوم عنه.
كم حلم بتلك اللحظة التي يراها بها على فراشه
قد جاءت لكن ليس كما أراد، بل مرغمة
شعر برغبة ملحة بالاستلقاء بجوارها ولم يستطيع الوقوف والاعتراض أمام قلبه الذي عانى من ويلا ت العذاب لذا أراد أن يريحة قليلًا
استلقى بهدوء ووضع ذراعه أسفل رأسه يتأمل تلك الملامح التي عشقها حد النخاع
يتساءل ماذا سيفعل بعد أن عاد إليه بصره؟
هل يخبرهم ويواجهها بالحقيقة
أم يتريس قليلًا حتى يعرف كل شيء بنفسه.
ظل يفكر حتى وصل لقرارًا جعله يغمض عينيه باستسلام وينام بجوارها.
❈-❈-❈
في غرفة سليم
رفعت وعد رأسها عن صدره وتطلعت إليه فتجده متظاهرًا بالنوم
نادته بخفوت
_سليم.
_امم.
عادت برأسها على صدره وتمتمت
_ندمان؟
قطب جبينه بحيرة
_على ايه؟
_انك اتجوزتني.
ابعدها عنه قليلًا ليستلقي على جانبه وينظر إليها قائلاً
_شوفي عشان منتكلمش تاني في الموضوع ده
أنا اختارتك بإرادتي ولو رجع بيا الزمن كنت اتجوزتك في اليوم اللي قلبي حبك فيه مكنتش هستنى المدة دي كلها، لا ابويا ولا اي حد في الكون ده هيخليني اندم لحظة واحدة اني اتجوزتك، خليكي واثقة من حاجة زي دي لاني مش بحب اكرر كلامي، فهمتي؟
_انا خايفة عليك، الست دي مش ساهلة وخايفة تأذيك.
ملس بابهامه على وجنتها وقال بثقة
_شاهي كل اللي يهمها الشركة والفلوس وبس اي حاجة تانية مش هتفرق معها لا جوازي ولا اللي حصل مع أسيل، كل اللي يهمها انها تبعدنا وخلاص وطالما بعدنا مش هيفرق معها حاجة، الشركة ومكتوبة باسمها والفيلا مبقاش حد فيها غيرها ومظنش اننا هنرجعها في يوم من الأيام يبقى كل حاجة اصبحت ملكها.
ابعدها عنه لينهض  قائلاً
_بما إننا اخدين اجازة النهاردة ايه رأيك نخرج ونقضي الليلة في فندق.
هزت راسها بايماءه تحمل سعادة الدنيا بداخلها لكن نظراته تحولت لمكر وهو يحملها قائلاً
_أنا بقول نخلينا في الأوضة أحسن.
ضحكت وعد ليكتم ضحكتها بفمه الذي التهم فمها بكل الحب الذي يحمله لها.
❈-❈-❈
استيقظت أسيل في الصباح على ألم شديد برأسها
فتحتها بتثاقل فتتفاجئ عينيها بوجودها في ذلك المكان
نهضت مسرعة فينقبض قلبها عندما وجدته نائماً بجوارها
ماذا حدث وما الذي جاء بها إلى هنا.
تأكدت من ملابسها قبل أن تنهض مسرعة وخرجت من الغرفة
وضعت يدها على قلبها تهدئ من نبضاته وهي مستندة بظهرها على الباب
هل غابت عن الوعي مرة أخرى؟
كل ما تتذكره صعودها على الدرج وألم شديد اجتاح رأسها
وضعت يدها مكان الألم فتجد إصابة صغيرة خلف رأسها
لابد انها سقطت على الدرج عندما جاءتها نوبة الإغماء
لكن من الذي جاء بها إلى غرفته
هو لن يستطيع فعلها
من إذاً ولما غرفته بالأخص.
تذكرت طفلها وأمينة التي لابد أنها قلقت عليها.
اسرعت للمطبخ كي تبحث عن هاتفها حتى وجدته على الطاولة
اسرعت بفتحه فتجد إتصالات كثيرة من أمينة
فقامت بالاتصال عليها
_انتِ فين يا أسيل ومش بتردي ليه؟
ردت أسيل باعتذار
_غصب عني والله حالة الاغماء جاتني تاني ومفقتش غير دلوقت.
_اوعى يكون…
قاطعتها أسيل بثقة
_هيعمل ايه يعني وهو بظروفه دي، أنا مش هقدر ارجع دلوقت غير في ميعادي متقلقيش عليا خلي بالك من إياد.
اغلقت الهاتف قبل ان تعترض أمينة وهمت بالخروج لكنها تسمرت عندما وجدته أمامها
❈-❈-❈
دلف خليل المصنع الذي تولى إدارته وشعور عجيب يكتنفه
هو لا يريد ذلك العمل لكن وافق لأجل من استغاثت به
جلس على مقعده وتحدث بثبوت لمديرة مكتبه
_الأول اسمك ايه؟
ردت المديرة بابتسامة مجاملة
_شروق يا فندم.
_طيب يا شروق عايزك تجمعيلي كل الملفات الموجودة حاليًا واتصلي على مدام سيلين خليها تجيني دلوقت.
_حاضر يا فندم تؤمر بحاجة تاني؟
_لأ اتفضلي انتِ.
خرجت المديرة وعادت بعد قليل وهي تحمل مع الساعي الملفات التي طلبها ووضعتها على الطاولة
_اتفضل، دي كل الملفات الموجودة حاليًا وفي ملفات تانية في الإرشيف تحت لو احتجتها بلغني وانا ابعت اجيبها لحضرتك.
نهض خليل من مكتبه وتقدم من الملفات وهو يقول بثبوت
_طيب اطلبيلي فنجان قهوة ومتدخليش حد لأي سبب ولما مدام سيلين تيجي دخليها.
اومأت المديرة وخرجت من المكتب
ارتدى نظارته وبدأ في تصفح الملفات بدقة متناهية
واندهش من تلك الثغرات التي كانت تمر دون ان يهتموا بها
هل ذلك عن عمد أم أنهم لم يكونوا بخبرة كافية لإدارة مثل تلك المشاريع
طرق الباب ودخلت شروق وخلفها سيلين
_السلام عليكم.
خلع نظارته ليضعها على الطاولة أمامه ورد بترحيب
_وعليكم السلام، اتفضلي.
تطلع إلى شروق وقال
_شوفي مدام سيلين تشرب ايه
رفضت بتهذيب
_لأ متشكرة أوي.
اومأ لها بالانصراف ثم تطلع إلى سيلين قائلاً
_واضح أوي إن كان فيه تلاعب جامد أوي في المصنع
ومنها مشاريع تقدري تقولي عليها وهمية
ونصب واحتيال كتير
يعني مصنع زي ده مكنش ينفع يكون بإدارة ضعيفة زي دي
خفضت عينيها بحزن
_للأسف في الفترة الأخيرة محمد كان تعبان أوي وكان سايب الشركة اغلب الوقت للموظفين وخصوصاً بعد سفر ولاده وتخليهم عنه.
عاد بظهره للوراء وتمتم بجدية
_على العموم انا عندي عرض يمكن يكون كويس ليكي لو وافقتي عليه هيكون منفعة ليا وليكي ولو معجبكيش في غيره مرضي برضه ليكي
انتبهت لحديثه وسألته
_اللي هو ايه؟
رد بثبوت
_هدفع مديونية البنك وهكون شريك معاكي
وإن رفضتي هفضل برضه معاكي وفي خلال سنة ان شاء الله هكون مسدد المديونية.
تطلعت إليه بحيرة وسألته
_بس انت ايه اللي يخليك تدفع مبلغ كبير زي ده في مصنع محتاج وقت ومجهود عشان يقف على رجليه.
_شوفي عشان نكون واضحين من البداية
انا لما قررت اسيب القضاء فكرت إني افتح شركة صغيرة وفعلاً كنت هبدأ امشي في الإجراءات لحد ما حضرتك شرفتيني وحكتيلي على ظروفك
ولما جيت واطلعت على الملفات لقيت ان المصنع ماشي كويس جدا بس لولا التلاعب اللي حصل فيه
انا كان ممكن اقولك اشتغل عليه لحد ما اعوض الخسارة بس البنك حطني هنا عشان اوقع المصنع أكتر مش عشان اوقفه على رجله من تاني وممكن بكل سهولة يستبدلوني وعشان كدة عرضت عليكِ العرض ده
ولو رفضتي ده مش هيغير أي حاجة وهفضل معاكي.
_وانا معنديش اي مانع بالعكس انا مبسوطة أكتر بالعرض ده ومن النهاردة نكلم المحامي ونخليه يمشي في الإجراءات.
_لا مش هنتسرع خلينا نصبر ونشوف رد فعلهم ايه الأول.
❈-❈-❈
ازدردت جفاف حلقها عندما وجدته أمامها ويسألها بحيرة
_مين اياد ده؟
انقبض قلبها خوفًا وحاولت أن تكون ثابتة حتى لا يشك بأمرها وقالت
_دا ….ابن ….أخويا.
قطب جبينه بتذكر
_هو ده الطفل اللي كنتم سايبينه لوحده وهو مريض؟
اهتزت نظراتها بوجل وتمتمت برهبة
_اه هو لأن مامته بتعدي تسيبه عندنا وهي رايحة المستشفى.
كان يتابع ملامحها التي بان عليها الخوف من خلف النظارة
وهو لا يعرف لما فقال بأمر
_اعملي فنجان قهوة وهاتيه على المكتب.
_مش هتفطر الأول.
تطلع إليها قليلاً ثم تحدث بروية
_هستنى عمي زمانه على وصول.
تركها وسار إتجاه المكتب
أما هي فقد وضعت يدها على صدرها وتنهدت براحة.
عاد رنين هاتفها وكان تلك المرة عمه فتحت الهاتف لتجده يقول
_ انا في الجنينة برة اطلعي.
اغلقت الهاتف وتوجهت حيث ينتظرها خليل
وقفت أمامه وسألته بعتاب
_ليه حضرتك مجتش امبارح؟
تنهد خليل بتعب
_كان لازم استنى لما الورق يخلص.
اخرج من سترته بعض الأوراق وتابع
_دي البطاقة وكل الاوراق اللي تثبت انك أسيل حسين النعماني، وبرضه عملتلك جواز سفر زي ما اتفقنا، النهاردة هفاتح داغر في موضوعك بحيث اننا نكتب الكتاب اخر الاسبوع ده وعلى يوم الأحد تسافري معاه ومنها لإيطاليا زي ما وعدتك.
اخذت منه الأوراق وهي تقول بامتنان
_متشكرة اوي لحضرتك بس اهم حاجة ابني.
رد بثقة
_متقلقيش انا بنفسي اللي هوصله لحد عندك بعد ما اسجله باسم ابوه، مع إني مش موافق على اللي بتعمليه.
_انا كمان مش موافقة حضرتك من اللي اصريت عليه بس وافقت عشان خاطر ابني ولولا كدة مكنتش فكرت في يوم من الايام اربط حياتي بواحد زيه بعد اللي عمله فيا.
مازال عقله لا يستوعب ما فعله ابن أخيه فقال بالتماس
_والله انا لحد دلوقت مش قادر أستوعب اللي شوفته، وبحاول أدور على أي عذر بس مش لاقي، على العموم كل اللي يهمنا دلوقت زي ما قولتي مصلحة الولد، وانتِى برضه هتكون معاكي قسيمة جواز.
تبسم في وجهها واردف
_يلا بقا جهزي الفطار لاني واقع من الجوع وانا هروح اغير هدومي وافتح الموضوع مع داغر.
كان داغر يشاهدهم من نافذة المكتب بعينين حائرة
ما الذي بين عمه وبينها حتى يتحدثا بعيدًا هكذا.
وما هي الأوراق التي اعطاها لها؟
ارتدى نظارته سريعًا عندما وجدهم يدلفون المنزل
عاد ليجلس على المقعد وانتظر عودة عمه
واسأله كثيرة بداخله يريد لها إجابة
بعد دقائق دلف خليل المكتب
_السلام عليكم
رد داغر وهو يحاول تثبيت نظراته التي تاقت لرؤية عمه
_وعليكم السلام، قلت راجع اخر النهار رجعت تاني يوم.
جلس خليل على المقعد قبالته
_كنت بستلم المصنع يا سيدي ومقدرتش أرجع إلا الصبح.
حتى اتصلت عليك مردتش قلت يبقى أكيد نايم.
تذكر داغر أحداث الأمس فظهرت ابتسامة لكنها حزينة
_كنت نايم فعلاً.
_طيب انا كلمت الدكتور امبارح واتفقت معاه على معاد العملية، يعني هنسافر خلال الاسبوع الجاي.
توقف خليل عن الحديث عندما دلفت أسيل تقول بارتباك
_الفطار جاهز.
استطاع داغر ان يتطلع إليها بحرية من خلف نظارته وقد رآى أخيرًا عينيها التي تاق لها عامين وأكثر
لكن لم تبقى كثيرًا وانصرفت فتنصرف روحه معها
يبدو أن القادم أصعب بكثير.
جلس على السفرة مع عمه وتقدمت أسيل لتضع الطعام في طبقه فتهفو رائحتها تعطر دنيته
سقطت خصلاتها تحجب وجهها عنه
فتسلب قلبه منه عندما رفعتها لتضعها خلف أذنها بحركة عفوية منها
كانت تشرح له ما يحتويه طبقه لكنه لم ينتبه لما تقولي وغير مبالي سوى بتلك العيون الغادرة التي خدعته فيما مضى برقتها ومازالت تفعل.
تغيرت ملامحها كثيرًا لكنها مازالت بنفس الجمال الذي خطف انفاسه منذ الوهلة الأولى
ونفس الملابس المحتشمة التي لا ترتدي غيرها
ابتعدت عنه لكن مازالت رائحتها تملئ جوارحه
لم يتخيل يوماً أن يغض نظره كما حدث الآن
فقد أعاد معه ضعفه أمامها ولن يستطيع مجابهة ذلك القلب الغادر الذي مازال عاشقًا لها.
اخرجه من شروده صوت عمه
_ها قلت ايه؟
حمحم بإحراج وسأله
_عفوًا يا عمي كنت بتقول ايه؟
_لا انت مش معايا خالص.
قال باعتذار
_معلش سرحت شوية، كنت بتقول ايه؟
_بكلمك عن العملية أنا جهزت اوراق السفر وإن شاء الله هنسافر خلال الاسبوع الجاي.
شرع داغر في تناول طعامه بعد أن قال بهدوء عجيب
_بس انت مش هتسافر معايا.
قطب جبينه بحيرة وسأله
_ليه؟
_بكرة هتعرف بس النهاردة رايح مشوار مهم مع يحيى ولما ارجع هعرفك ليه.
انصرف داغر كي يتهرب من أسئلة عمه فوجد يحيى ينتظره بالسيارة أمام الباب الداخلي.
استقل مقعده وتطلع ليحيى الذي سأله
_ها عايز تروح فين؟
ابتسم داغر وهو يتطلع إلى وجهه وتمتم بمكر وهو ينظر إلى احمر الشفاه المطبوع على خده
_هي ليلة امبارح كانت شديدة عليك أوي كدة ولا دي كانت اصطباحة
لم يفهم يحيى ما يرم إليه داغر مما جعله يتطلع في المرآة فيلاحظ أحمر الشفاه المطبوع على خده وقال باستياء
_لا دي حاجة بريئة…….
توقف عن الحديث عندما انتبه لمغزى داغر فتطلع إليه بشك أكده داغر بأن خلع نظارته وتطلع إليه مبتسماً
_وحشتني يا ابو دماغ تخين انت.
اتسعت عين يحيى بسعادة بالغة وسأله
_انت….
اومأ له داغر فهم باحتضانه لكن داغر اوقفه
_لأ اهدى كدة مش وقته خلينا نخرج من هنا الأول لأن محدش لسة يعرف.
قطب جبينه بحيرة وسأله
_ليه؟ هي دي حاجة تستخبى؟
_اطلع بس وانا هفهمك في الطريق.
شغل يحيى محرك السيارة
_ماشي لما نشوف.
❈-❈-❈
في منزل فريد
اسرع التوأم ليحتضنوا والدهم الذي جاء لزيارتهم
_بابا.
احتضنهم حازم بحب ثم سألهم
اومال ماما فين؟
رد عمر
ماما لسة راجعة من الشغل دلوقتى في أوضتها
خرجت فايزة من المطبخ بابتسامة
_اهلا يا حازم اتفضل هاأنادي لهايدي حالاً
رفض حازم قائلاً
_لا خليها انا هدخل لها.
اخذت فايزة الاولاد ودلفت بهم احد الغرف ودلف هو غرفة هايدي فيجدها جالسة أمام المرآة تمشط خصلاتها
تلاقت الاعين بعتاب لم يلبس كثيراً حينما تقدم منها حازم بخطوات متمهلة يتطلع إليها باشتياق ولوعة
يعشقها حد الجنون وهذا تأكد منه عندما طال غيابها عنه
وتذوق مرارة الفراق
نهضت وهي تحاول التحلي بالثبات وردع تلك المشاعر التي تحركت فور رؤيته لكن ضاع كل شيء حينما وجدته يتقدم منها
وعيناه لأول مرة ترى فيهما ذلك الكم من المشاعر
تريده وتريد العودة لمنزلها ولحياتها لكن يصعب عليها ذلك
بوغتت عندما وجدته يتمتم بانفاس مضطربة
_وحشتيني…
اهتزت نظراته وتسارعت دقاته اكثر حينما رفع أنامله إلى وجنتها يداعبها بحب ولهفة وتابع
_الحياة صعبة اوي من غيرك، وعقابك خلاص مبقتش قادر اتحمله
حاولت ايجاد صوتها فيخرج مهزوزاً بسبب مشاعرها التي تبعثرت بوجوده وتمتمت بتلعثم تلملم به شتاتها
_بس ده مش عقاب ده قرار.
تقدم منها خطوة اخرى لاغي اي مسافة بينهما وقال بثبوت
_عاقبيني زي ما انتِ عايزة بس وانتِ جانبي وقدام عيني.
تطلع إليها برجاء وتابع
_مش قادر اكمل حياتي من غيرك، أرجوكِ يا هايدي ارجعيلي الحياة من غيرك صعبة أوي أوي.
ازدردت لعابها بصعوبة وقد أخذت قوتها تنهار تدريجياً
أبعدت عينيها عنه كي لا تضعف أكثر من ذلك لكنه رفع أنامله ليضعها خلف ذقنها يعيدها إليه وتمتم بوله
بتهربي مني ليه؟ انا بحبك.
انهارت قوتها عند سماعها تلك الكلمة وتوقفت عن التنفس للحظات عندما وجدته يميل على وجنتها يطبع قبلة حانيه عليها وصوته الرخو يتمتم
_وحشتيني أوي..
نزلت قبلته بجانب ثغرها وتابع همسه قبل أن يأخذها في قبله اطاحت بتعقلها عرض الحائط
_بحبك يا هايدي.
استسلمت له وهي تستمع لى إسمها الذي يردده بترقب لأي غلطة منه تقوي عزيمتها التي انهارت أمام عشقها له لكن لم يحدث ما تخشاه.
بدأت يده تتخذ طريق أخر جعلها تعود لرشدها وهي تتمتم باعتراض
_حازم مينفعش ماما ممكن تدخل دلوقت.
ابعد وجهه عن عنقها لينظر إليها
_خلاص خلينا نروح بيتنا.
ابتعدت عنه قليلًا وعينيها تهتز بارتباك
_مش هينفع
قطب جبينه بحيرة وسألها
_ليه يا حبيبتي أنتِ….
قاطعته هايدي بروية
_مش بالسهولة دي يا حازم أرجوك سيبني براحتي وانا اول ما حس إني جاهزة هرجع من نفسي بس دلوقت حقيقي صعب.
أومأ لها حازم رغم اعتراضه
هو لن يقبل ان يضغط عليها بالرجوع يريد ان تعود إليه بإرادتها
لكن لن يمل وسيحاول بكل الطريق كي تعود إليه برضا.
طبع قبلة أخيرة على جبينها ثم تمتم بروية
_وانا مش هيأس أبدًا.
تركها وغادر تاركاً إياها في حيرة من أمرها
قلبها يعاند ويود الذهاب معه لكن عقلها يرفض، لم يحين الوقت بعد.
لذا كان عليها ان تتريس في قرارها كي لا تندم بعد ذلك.
❈-❈-❈
انهى داغر سرد كل شيء حدث منذ عودتها إلى الآن ويحيى يستمع إليه بذهول
_معقول اللي بسمعه ده؟ طيب شغلها عندك ده كان صدفة ولا هي قاصدة ده؟
تنهد داغر بتعب
_ده اللي عايز أعرفه بأي شكل، ليه سابتني وليه كدبوا وقالوا انها سافرت وليه غيرت اسمها وليه بتشتغل ممرضة، هتجنن يا يحيى هتجنن.
رأف يحيى بحالته
_طيب اهدى وخلينا نفكر بهدوء، انت بتقول أنها كانت بتعاني في بيت باباها ممكن تكون هربت لما انت عملت حادثة وافتكرت إنك لا قدر الله حصلك حاجة ومكنتش تعرف انك لسة عايش، ولما عرفت مقدرتش تواجهك و…
توقف عندما لاحظ نظرات داغر المستنكرة فقال باستياء
_ما انا برضه زيك مش فاهم، طيب ليه متكلمتش معها وواجهتها بالحقيقة
تطلع للطريق أمامه وتمتم باعتراض
_مش هينفع مش دلوقت على الاقل، اوصل للحقيقة الأول وبعدين اواجها
_ودي هتوصلها ازاي.
_هسأل بنفسي الأول، اطلع على القاهرة.
اومأ يحيى مستسلماً وتوجه معه إلى القاهرة.
في القاهرة
توقفت السيارة امام منزل حسين النعماني
فسأله يحيى
_ادينا وصلنا هتعمل ايه.
أخرج هاتفه من سترته وهو يقول بتمني
_يارب بس تكون لسة معاهم.
انتهت المحاولة الأولى فلم ييأس وهاتفها مرة أخرى
أجابته بارتباك
_داغر بيه خير حضرتك؟
قال بلهجة لا تقبل نقاش
_انا واقف برة اطلعي.
أغلق الهاتف قبل ان تعارضه وترجل من السيارة واستند على مقدمتها ينتظر خروجها
خرجت شهد بعد قليل وهي تتلفت حولها بخوف.
تقدمت منه وهي تتمتم باعتراض
_يا بيه انت كدة هتوديني في داهية.
سألها داغر بجمود
_أسيل فين؟
ارتبكت الفتاة وتمتمت برهبة
_معرفش والله ماعرف.
_قولي الحقيقة وهديكي المبلغ اللي تقولي عليه.
تطلعت بترقب خلفها ثم قالت بصدق
_اقسملك بالله ما اعرف، انا كنت اخده أجازة ولما رجعت قالوا انها سافرت عند جدها وسليم بيه كمان سافر امريكا هو ده كل اللي اعرفه.
ضغط على فمه بحيرة ثم سألها
_مرجعتش من وقت اللي حصل او سمعتي حد بيكلمها.
تمتمت الفتاة بتأثر
_بصراحة محدش بيجيب سيرتها أصلاً زي ما تكون هم وانزاح عنهم، هي اصلا اترحمت منهم والعذاب اللي كانت بتشوفه معاهم.
تأكد ظنه الآن لكنه ليس كاملاً لذا أخرج بعض الأموال من محفظته وقدمه لها قائلاً
_انا عايزك تبقي عيني في البيت ده لو عرفتي أي حاجة عنها عرفيني على طول، فاهمة.
أخذت شهد النقود منه وتمتمت برهبة
_تمام.
عاد لمقعده فسأله يحيى
_عملت ايه؟
_خلينا نرجع الاول وبعدين هحكيلك.
❈-❈-❈
عادت سلوى إلى المنزل مما جعل أسيل تستئذن بالانصراف
وافق خليل وتركها تعود لأجل حفيده
وجدت صالح يشير لها بالصعود للسيارة فقالت بتهذيب
_لا خليك انت، انا هركب تاكسي.
رد صالح باصرار
_مينفعش الكابتن داغر منبه عليا متروحيش لوحدك.
وافقت أسيل كي لا تحرجه
ثم توجه بها إلى المنزل
كانت تنظر من نافذة السيارة تفكر
هل ما تفعله خطأ أم صواب
فكرت سفرها معه لوحدها يجعلها تشعر بالرعب
ماذا إن كررها مرة أخرى وهي هناك وحيدة لا تعرف أحد.
إذا كان الامر سينتهي خلال يومين كما أخبرها خليل فلا ضير بذلك
ستتحمل حتى يمروا، هو بالفعل لن يستطيع ايذاءها بذلك العجز لكن أيضًا عليها أن تكون منتبهة له.
توقف السيارة أمام منزلها ولم تلاحظ تلك العيون التي تراقبها.
ترجلت من السيارة فتتفاجئ بسيارة حازم تقف أمام منزلها وهو بداخلها يتطلع إليها باستياء
شكرت صالح بإيماءة وانتظرت حتى انصرف، فترجل حازم بدوره وهو يتطلع إليها بامتعاض
تقدم منها يسألها
_برضه مصرة تكملي؟
اخفضت أسيل عينيها بإحراج
_لو سمحت يا حازم احنا اتكلمنا في الموضوع ده كتير والنهاية بتكون واحدة، اه هكمل للآخر.
زم فمه يحاول تهدئة أعصابه وقال بروية
_أسيل أنا خايف عليكي….
قاطعته بثقة
_متخافش يا حازم ميقدرش يعملي حاجة انا خلاص قربت اوصل للي انا عيزاه، ووقتها هختفي من حياته نهائي.
لم يلاحظ أحد تلك القبضه التي اشتدت حتى ابيضت مفاصلها وهو يستمع إليهم بسخط
وتوعد بالعذاب لكليهما
انتبه فجأة على صوت ذلك الصغير
_با..با
ازدادت وتيرة دقاته عندما استمع لصوته وكان وقع الكلمة عليه عجيب كأنه يناديه هو.
حاول النظر إليه باشتياق من خلف الجدار لكن لم يرى سوى ظهر حازم الذي أحجبه عنه وكذلك هي.
لم ينتبه لحديث حازم بل كل ما يشغله ذلك الصغير الذي خطف قلبه بشكل عجيب
دلفوا جميعاً للداخل مما جعل نار الغيرة تشتعل بداخله
عاد إلى السيارة وعينيه تقدح شرارًا لو خرج لأشعل كل ما حوله فقال ليحيى باقتضاب
_أرجع على البيت.
لم يناقشه يحيى وأعاده وقام بتشغيل المحرك وانطلق بالسيارة إلى المنزل في صمت فهو يعلم تلك الحالة جيدًا
ظل داغر ينظر من نافذة السيارة وهو يتوعد لكلاهما
ما الذي تخطط له؟
ولما؟
إذاً عليه ان يلاعبهم كي يفشل كل مخططاتها ويواجهها بحقيقتها التي تخفيها عنه.
ترجل من السيارة دون ان يوجه كلمة إلى يحيى الذي تعاطف معه واستدار بسيارته عائدًا إلى منزله
اخرج داغر النظارة من سترته ثم ارتداها وهو يدلف للمنزل تعجب عمه وهو يراه يدخل وعلامات الغضب مرتسمة على وجهه فظن خليل بأنه مقتضب من شعور العجز بداخله كلما عاد من الخارج
_داغر.
توقف قبل ان يصعد الدرج ورد دون الالتفات إلى عمه
_نعم.
نهض خليل ليتقدم منه قائلاً
_خلينا نتكلم شوية.
_بعدين يا عمي.
رد خليل بحزم
_لا دلوقت الموضوع اللي عايزك فيه مهم خلينا نتكلم وبعدين اطلع ارتاح براحتك.
وافق مجبرًا وجلس على المقعد أمام عمه والذي بدأ حديثه قائلاً
_انا كلمت الدكتور دلوقت وخلاص هنسافر الاسبوع الجاي
قاطعه داغر باقتضاب
_بس انت مش هتسافر معايا.
قطب جبينه بدهشة وسأله
_ليه؟
تطلع إليه داغر قليلًا ثم تحدث بحزم
_هاخد الممرضة معايا.
انشرح قلب خليل قليلاً وسأله بمراوغة
_بس هتروح معاك بصفتها ايه، أكيد أهلها مش هيوافقوا.
لاح الشك بعين داغر فقد كان يظن ان عمه سيرفض ذهابه من دونه وخاصة بتلك العملية هو يعلم جيدًا أن عمه ليس موضع شك لذا رد بهدوء يتنافى تمامًا عمّ بداخلها من غضب
_بصفتها مراتي.
❈-❈-❈
في منزل أسيل
انهت اعداد القهوة ثم وضعتها أمامهم وحازم ينتظر انتهاء تهربها لذا تحدث بجدية
_ممكن بقا تفهميني ايه اللي اتفقتي عليه مع عمه؟
اهتزت نظراتها عندما وجدتهم يتطلعوا إليها منتظرين ردها لكنها حاولت الثبات وتمتمت برهبة
_إني اتجوزه.
لم يفهموا شيئاً من حديثها فسألتها أمينة تستوضح حديثها
_تتجوزي مين؟
ازدردت جفاف حلقها وردت بتيهة
_اتجوزه هو؟
لم تفهم أمينة وسألتها بعدم استيعاب
_تقصدي عمه؟
رفعت أسيل عينيها مسرعة
_لأ مش عمه.
وجدت أسيل صعوبة في نطق اسمه لكن حازم سبقها
_تقصدي داغر.
رمشت بعينيها وقد اخذ قلبها ينبض بقوة خشية من رد فعله فأومأت له بوجل وهب هو واقفاً ليقول باحتدام
_لااا انتِ شكلك اتجننتي.
نهضت أسيل قبالته لترد بدفاع
_متجننتش يا حازم بس مفيش حل تاني قدامي غير كدة، عمه وعدني انه هيحميني منه وهيساعدني نسجل إياد باسمه وبعدها هسافر بابني ومش هيعرف عني حاجة.
زم حازم فمه وهو يسألها بحدة
_هو إنتِ فاكرة إن الموضوع بالسهولة دي، تقدري تعرفيني المأذون هيكتب ازاي من غير ما جنابه يعرف؟
قالت بأمل
_اه هو وعدني أنه مش هيعرف أنه متجوز أسيل وانا بثق في عمه وعارفة انه مش هيخذلني.
_يعني ده قرارك؟
تهربت بعينيها منه وقالت بآسى
_معنديش غيره والمفروض انت تشجعني عليه متقفش ضدي.
تطلعت إليه برجاء وتابعت
_أرجوك يا حازم انا بجد محتجالك تقف جانبي، مينفعش يكون عمه في صفي وانت لأ، أنا مش عايزة اعيش هنا، عايزة أبعد لأن كل مكان بيفكرني به.
تطلع إليها بدهشة عندما لاحظ بعينيها عشق خفي له
_انتِ مش بتهربي من الذكريات انتِ بتهربي من مشاعرك اللي لسة جواكي ناحيته
لأنك ببساطة لسة بتحبيه.
تهربت بعينيها منه وقالت بنفي
_لأ مش حقيقي.
_لأ حقيقي وده واضح أوي في عينيكي، لو نسيتيه صحيح مكنتش وافقتي على الجواز منه بعد اللي عمله.
شعرت أسيل بحشرها في الزاوية مما جعلها تكابر
_قولتلك مش حقيقي انا منستش اللي عمله بس عشان ابني مستعدة أرمي نفسي في النار مش بس اربط نفسي به.
انا عشت حياتي كلها مجبرة مش مخيرة، والمرة الوحيدة اللي اتخيرت فيها الظروف برضه اجبرتني امشي ضد إرادتي.
تقدم منها حازم خطوة وتحدث بثقة
_انتِ رافضة تواجهي نفسك بالحقيقة يا أسيل وهي إنك لسة بتحبيه ولو عمل معاكي اكتر من اللي عمله هتفضلي برضه تحبيه، وانا مش بلومك لأن دي حاجة مش بايدك بس بطلب منك تحكمي عقلك لأنك لما طاوعتي قلبك دمرك.
دي نصيحة أخ لأخته.
أنهى حديثه وأخذ مفاتيحه وخرج من المنزل
تاركاً أسيل تفكر في حديثه
هي لا تنكره لكنها تخشى من مواجهة تلك الحقيقة المرة بأن قلبها مازال عاشقًا لمعذبه ومهما فعل سيظل ذلك الحبيب الذي كان ولايزال مالكه الوحيد.
تطلعت لطفلها الذي غفى بين ذراعي أمينة والتي بدورها ترمقها بتأثر على ما تمر به ابنتها من مصاعب
حملت أسيل طفلها وضمته لصدرها بحنو بالغ
عليها أن تتحمل لأجله فقط بضعت أيام وبعدها ستفر هاربة من براثين معذبها ولن تعود إلى هذه البلد مرة أخرى.
❈-❈-❈
دلف داغر غرفته وعقله يكاد يجن من شدة التفكير
لم يستطيع التوصل لشيء وكل ما عرفه هو ما أُخبر به من قبل
هل هربت من أهلها وتخفت في شخصية حور؟
إذا كانت كذلك لما تخفي هويتها عنه؟
لما لم تخبره بأنها أسيل؟
هل تخجل من فعلتها وأنها تخلت عنه في محنته؟
وما الذي تخطط له مع ذلك المدعو حازم
وضع رأسه بين يديه يشعر بها تتحطم من شدة التفكير.
وعمه الذي ادعم قرار زواجه منها بشكل يدعو للدهشة.
وكأنه كان ينتظر طلبه ذلك
هل لأنه فرح بقرار الزواج نفسه؟
نفى فلم يرفض قراره حينما أخبره بأنه حبر على ورق ولن يكون زواجاً عادياً.
كان عليه ان يخفي نيته بأن تكون زوجته قولاً وفعلاً كي لا يشك أحد بما ينتوي فعله أو إلى ما يريد الوصول له.
ضغط على قبضته بعنف عندما تذكر حديثها مع هذا المدعو حازم.
اشتعلت نار الغيرة بداخله وقرر أن يهرب بها للخارج ولن يعود حتى يعرف الحقيقة
أما هي فقد استلقت بجوار طفلها تنظر إلى ذلك الخاتم بوجوم
ورسالة عمه التي يخبرها بموافقة داغر على الزواج منها تجعلها تشعر بأنها اخطأت الأختيار منذ البداية
وافق ان يتزوج ويعيش حياته ولم يفكر لحظة واحدة بمن تركها خلفه بمصير محتم آخره الموت
لم تقتنع بحديث عمه وظنت انه يقول ذلك لأجل الدفاع عنه وحفظ ماء الوجه
يومين وستكون زوجته وبعدها ستسافر معه وستظل هناك حتى ميعاد العملية وقبل أن يخرج من العمليات ستلوذ هي بالفرار إلى إيطاليا وبعدها سيعود طفلها إليها مع أمينة وسيظلوا هناك في مكان لن يعرفه مهما بحث.
❈-❈-❈
في منزل سليم
انتهت وعد من إعداد الغداء ودلفت غرفتها مسرعة لتبدل ملابسها قبل عودته
وقفت امام المرآة تمشط خصلاتها وهي شاردة في ذلك الحبيب الذي وضعه القدر في طريقها كي يبدل حالها لأفضل حال
قام بتعويضها عن كل شيء
الأمان والحنان والعطف الذي لم تراه طوال حياتها إلا معه
والعشق الذي كتبه على جدران قلبها بأحرف من نور.
انتبهت لصوت الباب فظنت أنها دليدا جارتهم
جذبت الروب لترتديه وذهبت لتفتح لها لكنها تفاجئت بشاهي أمامها تتطلع إليها بتعالي.
_شاهي هانم.
رمقتها بسخرية وهي تدلف للداخل
_اه شاهي هانم عندك مانع؟
أغلقت وعد الباب ودلفت شاهي وهي تتطلع إلى المكان قائلة
_حلوة الشقة دي طبعاً مكنتيش تحلمي تسكني فيها بس كل شيء وراد في الزمن ده.
انهت شاهي حديثها فسألتها وعد
_تحبي تشربي ايه؟
جلست على المقعد تضع قدم فوق الأخرى تهزها بتعالي قائلة
_انا مش جاية اضايف هما كلمتين هقولهم وأمشي على طول لأن ميعاد الطيارة قرب
تطلعت إليها وعد تنتظر حديثها
_طبعاً فاكرة اني جاية اقولك إزاي واحدة تربية ملاجئ تتساوى بيا وتعمل راسها براسي والكلام ده، تؤ لأن ببساطة أنا ميهمنيش أي حاجة غير إني ارجع حقي
لا يهمني اذيت سليم ولا حتى أسيل وأكبر دليل على كلامي إني عارفة إن اسيل لسة عايشة وإن سليم معملش اللي ابوه طلبه منه بس زي ما قولتلك ميهمنيش حد غير إني أرجع ممتلكات بابا الله يرحمه
وبما انك صاحبة الفضل عليا وبسببك خليت حسين يتنازلي عن كل حاجة فأنا هسيبك عادي مع حبيب القلب بس على شرط.
ضيقت وعد عينيها بحيرة فتابعت
_تبعدي جوزك عني ومتخليش عقله يوزه يقف قصادي لأنه هيكون الخسران الوحيد فيها.
نهضت لتتابع وهي تحمل حقيبتها
_انا ماشية بقا واتمنى إني مشفش حد فيكم قدامي مرة تانية.
خرجت شاهي تاركة وعد ترتعد بخوف على حبيبها
إن علم سليم بما حدث فلن يمر الأمر مرور الكرام
جلست على المقعد تحاول الوصول لحل
هل تخبره وتعرضه للخطر أمام تلك البغيضة
أم تلتزم الصمت كي تحافظ عليه من بطشها.
دلف سليم بابتسامته التي اصبحت لا تفارقه كلما رآها وقال بحب وهو يجلس بجوارها
_مال الجميل شكله سرحان في ايه…أوعى يكون في حد غيري
تطلعت إليه بابتسامة مشرقة أشرقت شمسه وقالت بحب
_مستحيل اسرح في حد غيرك.
قطب جبينه بحيرة وسألها
_اومال مالك شكلك مضايقة.
لن تستطيع اخفاء ذلك الأمر لذا عليها ان تخبره
تبدلت ملامح سليم وهو يستمع لها بصدمة لا يتخيل ان يصل بها الطمع لتلك الدرجة
تابعت وعد برجاء
_أرجوك يا سليم سيبها احنا مش محتاجين ….
قاطعها سليم بغضب
_مستحيل اسيب واحدة زي دي تنصب علينا وتعدي كدة بالساهل
وقفت وعد قبالته وقالت برجاء
_ارجوك يا سليم بلاش تقف قصادها وبعدين متنساش ان ابوك هو اللي عمل كدة هي مضحكتش عليه.
سليم انت اتنازلت عن كل حاجة لما فكرت تسيب مصر وتعيش هنا واظن إننا مش محتاجين حاجة منهم وانا مستعدة اعيش معاك لو هموت من الجوع بس المهم اكون مطمنة عليك، عشان خاطري سيب الملك للمالك ولو هي شايفة إن ده حقها تاخده من ابوك وخلينا أحنا بعيد عن الصراعات دي أرجوك.
فكر فيا لو جرالك حاجة انا هعيش ازاي من غيرك ارجوك يا سليم.
لامس رجاءها قلبه وخاصة عندما سقطت دمعة على وجنتها أرهقت قلبه فقام بمحوها بأنامله متمتمًا بعتاب
_قولتلك بلاش الدموع دي لأنها بتوجعني أوي.
تمتمت بتوسل
_خلاص سيبك منها وخلينا أحنا بعيد عنها.
اومأ لها فقط كي يطمئنها لكن بداخلها ينتوي لها بأشد العقاب
وعندما وجدها تتطلع إليه بشك مال عليها يحتضنها كي لا يسمح لها بالتفكير ولا قراءة افكاره التي تظهر أمامها ككتاب مفتوح.
❈-❈-❈
في الصباح
ترجلت أسيل الدرج وهي لا تعرف كيف تخبر أمينة وحازم بذلك القرار
لقد اتصلت عليه وأخبرته بأنها تود التحدث معه وها قد جاء دون تأخير
تقدمت منهم وهي تقول بروية
_صباح الخير.
ردوا جميعاً
_صباح النور…سألتها امينة…. خير يا أسيل.
حاولت اسيل البحث عن صوتها فخرج مهزوزاً وهي تقول
_أنا هتجوز بكرة وهسافر معاه.
قطب جبينه بحيرة وسألها
_اللي هو ازاي مش فاهم.
اهتزت نظراتها وتمتمت برهبة
_هو طلبني من عمه امبارح…صححت سريعًا….اقصد يعني انه طلب منه يكتب صوري بس عشان أسافر معاه في العملية وبعدها عمه هيخلص اجراءات التثبيت بطريقته واول ما تخلص هرجع اخد ابني واسافر.
مسح حازم على وجهه بكفيه ثم تطلع إليها
_بأي اسم؟
ازدردت لعابها بوجل وتمتمت
_باسمي.
رفع حاجبيه متسائلاً
_وهو عادي كدة مش هياخد باله من الاسم؟
_وهو هيعرف منين؟ وبعدين عمه هيظبط كل حاجة.
زم فمه كي يتحكم في اعصابه وسألها
_والمطلوب؟
تطلعت إليه بعتاب
_إنك تكون معايا يا حازم مش معقول بعد كل ده هتسيبني دلوقت.
تنهد بتعب لا يعرف ماذا يفعل معها، هل يتركها لتلك المجازفة أم يحافظ على الأمانة التي تركها سليم معه بكل الطرق ويرفض ذلك القرار المتهور.
_وانتِ هتآمني مع نفسك معاه.
ردت بثقة
_ميقدرش يعمل حاجة، انا واثقة من ده كويس وبعدين أول ما يطلع من العمليات هكون انا سافرت.
زفر بضيق ثم وقف وهو يسألها بثبوت
_أمتى؟
تهربت بعينيها بإحراج
_بكرة والسفر بعده.
اومأ لها رغم اعتراضه
_خلاص إياد وأمي هيكونوا معايا الفترة دي لحد ما ترجعي.
تركها وغادر دون ان يضيف كلمة أخرى
تطلعت إلى أمينة التي التزمت الصمت منذ بداية الحوار وسألتها
_مش هتقولي حاجة يا دادة؟
تنهدت أمينة وقالت باستسلام
_هقول ايه يا بنتي المهم في الآخر مصلحة إياد مش عايزين غير كدة.
أومأت لها أسيل والتزمت الصمت بدورها.
❈-❈-❈
وقف داغر أمام المرآة وهو يعدل من رابطة عنقه
اليوم ستكون زوجته
ذلك الحلم الذي تمناه وحلم به كثيرًا
الآن يتحقق لكن ليس كما تمنى
نعم مازال يرغبها ويريدها حد الجنون لكن فُقد الاشتياق ولم يعد كما كان من قبل.
لكن ما يشغله حقاً أن تتزوجه بذلك الاسم الآخر
نفى ذلك فهي قد تعرض نفسها للمسائلة..
وإن كان باسمها الحقيقي فإن ذلك يثبت ان عمه على دراية بحقيقتها ويخفي عليه هو أيضاً
استبعد ذلك فإن عمه لن يفعلها.
اخرجه من شروده صوت الباب فقام بارتداء نظارته ثم سمح للطارق بالدخول
دلفت سلوى وهي تقول ببهجة
_خليل بيه مستنيك تحت مع المأذون.
سألها بهدوء
_وهي جات؟
_اه جات مع اخوها ومستنيين حضرتك.
اومأ لها
_جاي حالاً.
ترجل داغر الدرج بروية عكس قلبه الثائر الذي تلاعب الظن بداخله من جهة عمه
وهو يشاهده يمليه بياناتها
وها هو حازم الذي يجلس على جمر ملتهب ولم يستطيع اخفاء امتعاضه مما يحدث.
لا يعرف لما تمنى ألا يبصر في تلك اللحظة ويرى الجميع يشارك بخيانته
ضاغطين على نقطة عجزه
تقدم منهم قائلاً وهو ينظر إلى حازم ببغض
السلام عليكم
رد الجميع السلام ماعدا حازم الذي اشاح بوجهه بعيدًا
جلس بجوار يحيى الذي يندهش مما يحدث
سأل المأذون
_مين الوكيل؟
أجاب خليل الذي جلس بجواره
_انا وكيلها زي ما قولتلك.
ضغط داغر على قبضته يحاول السيطرة على اعصابه
ويحيى الذي اندهش بدوره من موقف خليل لكن داغر أشار له بأن يتجاهل كل شيء طالما بالنهاية ستصبح زوجته وبعدها سيحاسب كل من قام بخداعه لكن بتروي.
انهى المأذون عقد القران وطلب أن تأتي كي تمضي أمامه على القسيمة.
ظهرت أمامه وهو يحاول بقدر الإمكان ألا يلتفت إليها
جلست بجوار حازم وكأنها تتعمد ذلك كي تتأجج نار الغيرة بداخله
زم فمه كي يتحكم في اعصابه وألا ينهض ليلكم ذلك الوجه العابث وأخذها من جواره
لكنه تحكم في اعصابه التي اصبحت على وشك الإنفجار وهو يراه يقرب الورقة منها ويناولها القلم لتمضي به
لكن العجيب في الأمر تلك النظرة التي رمقته بها وهي تحمل عتاب قوي لا يعرف سببه
من يعاتب من؟
وما الذي تخفيه عنه؟
أسئلة متكررة ولكن ليس لها إجابة.
والآن جاء دوره
وضع يحيى القسيمة أمامه وتمتم بخفوت
_شيل عينك من عليها شوية عشان محدش يلاحظ.
ضغط على قبضته يحاول التماسك وألا يبدي شيء عندما رآى اسمها “أسيل حسين النعماني” مدون على القسيمة
دون إرادته رفع عينيه إلى عمه بعتاب قاسي
ثم أخذ القلم ودون أسمه بجوار إسمها
انتهى عقد القران والمأذون ومن معه خرجوا وتركوهم كل واحدٍ ينظر إلى الآخر ينتظر رد فعله
لكن التزم الجميع السكون وكأن على رؤوسهم الطير
كل واحد منهم يخفي أمرًا عن الآخر ولا احد منهم يستطيع البوح به
لكن نهوض حازم قطع ذلك السكون وهو يقول بلهجة خرجت حادة
_احنا ماشيين دلوقت ……
_على فين؟
قاطعه داغر بصوتٍ حاد جعل الجميع ينتبه له
قال حازم بصبر نافذ
_مروحين عندك مانع؟
نهض داغر وقال باحتدام
_مفيش خروج لها، إنما اتفضل مع السلامة.
قطب حازم جبينه بدهشة وانقبض قلب أسيل بوجل فسأله حازم
_مفيش خروج ازاي مش فاهم.
رد داغر بلهجة حاول أن يكون ثابتًا
_هتروح فين وده بيتها.
تطلعت أسيل إلى حازم تستنجد به وقد تلاعبت بها الظنون
تدخل خليل يهدئ من أعصابهم
_ايه يا داغر ميعاد السفر لسة بكرة وهي لازم تروح تجهز شنطها والصبح هنعدي عليها واحنا رايحين المطار.
رد داغر بلهجة حازمة عندما وجدها تتحامى في حازم الذي وقف بدوره حامي لها فتشنج فمه قبل أن يقول
_وانا قلت مش هتخرج من هنا إلا على المطار.
هدر حازم به
_بصفتك ايه ده مجرد جواز صوري حبر على ورق عشان بس نحلل تواجدها معاك.
سخر داغر منه وهو يضع قدم فوق الأخرى
_ولما انت راجل أوي كدة ازاي تسمح لأختك أنها تسافر مع واحد غريب وتضطر تمضيها على عقد صوري زي ما بتقول عشان تحلله.
انفعل حازم وهم بالرد لكن يحيى تدخل قائلاً
_اهدوا يا جماعة في ايه…تطلع إلى حازم وقال بحكمة…وانت يا دكتور حازم هي خلاص بقيت مراته حتى لو كان جواز صوري ده اصبح جوزها ولازم تطيعه.
أصيبت أسيل بالذعر مما يحدث فأمسكت بذراع حازم دون إرادتها جعلت غيرته تشتعل أكثر وأصبح كبركان على وشك الإنفجار.
فقال حازم بانفعال
_بس ده مكنش اتفاقنا من الأول.
تدخل خليل ليحسم الجدال
_خلاص يا دكتور حازم الموضوع بسيط، احنا الأوض عندنا كتير والموضوع مجرد سواد ليل مش أكتر والصبح هيكونوا في المطار فمفيش داعي للجدال ده….تطلع إلى أسيل التي وقفت ترتعد وقال بهدوء…..وانتِ يا حور اطلعي أي اوضة تعجبك وباتي فيها للصبح.
_مش هتبات غير في اوضتها…التزم الصمت قليلًا كي يتلاعب باعصابهم ثم تابع بحزم… اللي هي اوضتي، وكلمة زيادة هلغي كلمة صوري اللي عمالين ترددوا فيها دي وتكون مراتي شرعاً، مش معنى إني أعمى إني أسيبكم تمشوا كل حاجة على مزاجكم، هتطلع اوضتها دلوقت تجهز شنطتي، وتبات فيها للصبح.
تسمر الجميع في أماكنهم وكأن على رؤوسهم الطير
هزت أسيل رأسها بوجل وكأن المشهد يعاد أمامها
انتبه الجميع فجأة على سقوطها مغشياً عليها
فيسقط قلب داغر معها
أسرع الجميع إليها فينتفض جسد داغر من شدة الغيرة عندما حملها حازم ليضعها على الأريكة هم داغر بالتحرك لمنعه لكن يحيى أوقفه
_اهدى يا داغر انت كدة هتشككهم فيك.
ضغط على قبضته بعنف حتى ابيضت مفاصله وهو يشاهد حازم الذي جثى على ركبتيه بجوارها يسعفها
فكانت لمساته لها تشعل النار بداخله أكثر وأكثر
وكم كان صعباً عليه ان يراها بتلك الحالة وجسدها ينتفض بهذه الحدة كما حدث من قبل
عليه أن يعرف سبباً لذلك عندما يسافرا معاً
انتهت النوبة وهدأ تشنجها
لكن قلبه لم يهدئ
سأل خليل بقلق
_نوديها المستشفى عشان نطمن؟
رفض حازم
_لأ مفيش حاجه ده بيحصلها لما بتكون تحت ضغط هي دلوقت نايمة.
_خلاص خليها هنا مينفعش تاخدها وهي بالحالة دي…تابع بمغزى… سيبها ترتاح ومتخافش عليها.
اضطر حازم للموافقة مطمئناً لوجود خليل معها يعلم بأنه لن يذهب ويتركها معه لوحدها
رمق داغر ببغض ثم تقدم منه ليقول من بين أسنانه بتهديد
_لو فكرت بس تأذيها ولا تقرب منها هتشوف مني جانب تاني خالص.
ابتسم داغر بسخرية يستفزه
_طبعاً مش أخوها.
تطلع إلى خليل يسأله
_فين الأوضة اللي هتكون فيها؟
رد خليل
_تعالى معايا.
حملها حازم وصعد خلف خليل تحت نظرات داغر التي تشتعل بلهيب لو خرج لأحرق المكان بمن فيه.
جلس على المقعد خلفه وهو يقول بغضب
_شايف.
جلس يحيى بجواره وهو يقول برتابة
_اه شايف بس شايف عمايلك اللي هتكشفك قدامهم، لازم تهدى شوية ومتبينش انك شايف حاجة لو عايز تستمر في اللي بتعمله
هي خلاص بقيت مراتك ويوم بالكتير وهتكون معها لوحدكم وهناك واجها بالحقيقة واعرف منها ليه اتخلت عنك في ظروفك دي.
هز رأسه بنفي وتحدث من بين أسنانه
_مش بالسهولة دي لازم اندمها الأول واعرفها انها غلطت لما فكرت تستغفلني وبالنسبة لعمي هيكون بينا كلام تاني بس بعد ما أصفي حسابي معها و أرجع من السفر.
لم يعجبه نية داغر في معاقبة الجميع لذا قال بحكمة
_داغر انا صاحبك واكتر واحد خايف عليك بلاش تعمل حاجة تندم عليها.
هز رأسه بنفي
_مش هندم بس هندمهم كلهم وهتشوف.
توقفَ عن الحديث عندما سمعوا صوت خطوات حازم وخليل
لم يهتم داغر بنظرات حازم له ولا يد خليل التي ربتت على حازم كأنه يتعاطف معه
بلع تلك الغصة التي ارهقت قلبه من عمه الذي ظل عمره سنداً له فيتعاطف الآن مع معذبيه
لم يكن عمه موضع شك ولن يكون، ومؤكد بأن هناك شيء جعله يوافقهم على التلاعب به وعليه ان يعرفه بأسرع وقت.
نهض يحيى قائلاً
_طيب انا ماشي عشان مسافر الصبح لو احتاجت حاجة كملني.
اومأ له داغر واستئذن يحيى من خليل وخرج.
لم يريد داغر البقاء مع عمه لذا استئذن بدوره وصعد للأعلى
دلف غرفته وقام بتبديل ملابسه ومن ثم خرج متجهاً إلى غرفتها
فتح الباب ودلف الغرفة التي حلم كثيرًا أن يدخلها وهي معه يحملها عروسًا له
كل ركن بتلك الغرفة حلم بتواجدها معه متخيلًا لحظات تجمعهم بسعادة لا توصف
ولم يتخيل للحظة ان تجمعهما كأعداء وكل منهم يخطط للآخر
ذلك الفراش الذي كان شاهداً على مدى اشتياقه لها وتمنى ان يأتي اليوم الذي يعود من الخارج فيجدها مستلقية عليه فينضم إليها وينعم ببحور عشقها
لكن الآن هي نائمة مرغمة تبغض تواجدها في مكان يجمعهم.
لم ينسى تلك الرجفة التي انتابتها فور أن اعلن عدم ذهابها
او فقدانها للوعي فور أن هددهم بأن تكون زوجته فعلاً
إذا كانت تبغضه كل ذلك البغض لما إذاً وافقت على الزواج منه؟
سؤال آخر انضاف للقائمة والتي لا يعرف متى يتلقى الإجابة عليها.
الاجابه الوحيدة التي يعرفها أنه ضعيف أمام هذه الفتاة
تنهار قوته ويهدئ جبروته عندما يراها أمامه
كيف باستطاعته الانتقام وهو بذلك الضعف
دون إرادة منه وجد قدميه تسوقه إليها وانضم للفراش بجوارها مستلقياً على جانبه يتطلع إليها بشوق لم تمحوه السنين
نعم عاشق لها مهما فعلت به
وسيظل عاشقاً مادامت به روح تنبض
تطلع إلى وجهها الذي اشتاقه كثيرًا رغم انه لم يغيب عن مخيلته لحظة واحدة.
رفع أنامله رغماً عنه يمررها على وجهها بشغف ووله
كانت عينيه تجوب ملامحها بعشق جارف يتأمل عينيها نزولًا لشفتيها التي تاق كثيرًا لشهدها
مرر ابهامه على شفتيها الرخوة يتحسسها بشوق وحنين
لما كان عليها ان تكون بذلك الغدر
لو لم تهرب منه لكانا الآن ينعمان بعشقهما وربما يكون بينهما طفلاً يزيد من ولعهما..
غلبه الشوق ووجد نفسه يميل بوجهه عليها يطبع قبلة هادئة على جبينها
وكأنه بذلك ملك الدنيا بأكملها واعلنها بكل وضوح أنه ضعيف أعزل أمام سطوة عشقها.
وضع وجهه بين ثنايا عنقها وأغمض عينيه كي ينام لأول مرة براحة واطمئنان بعد أن أصبحت زوجته.
❈-❈-❈
توقفت سيارة الاجرة أمام منزل حسين فيترجل منها وعلامات الغضب مرتسمة على وجهه
دلف إلى المنزل فيجد شاهي تترجل على الدرج وابتسامة ساخرة على وجهها
_حمد لله على السلامة.
هدر بها حسين
_ممكن افهم ايه اللي عملتيه ده؟
رفعت حاجبيها تتصنع الدهشة
_عملت ايه يا حبيبي؟
رد ساخطاً
_إزاي ادخل شركتي الأمن يمنعني ويقولي الهانم مانعة دخولك
اومات برأسها وهي تقول بتأكيد
_حصل واللي انت متعرفوش اني منعتك برضه من دخول الفيلا بس يظهر إن الأمن الأغبية مأخدوش بالهم من دخولك.
اتسعت عينيه ذهولا مما تقول وسألها
_انتِ بتقولي ايه؟
تقدمت منه بثقة عندما وجدت الأمن يدلف الفيلا وقالت بفتور
_بقول الحقيقة مش انت برضه كتبتلي كل حاجة باسمي عشان الخدامة متخدش منهم حاجة، خلاص لا انت ولا الخدامة ولا ولادك هتاخدوا منهم حاجة لإني ببساطة اخدت كل حاجة كانت لبابا وأبوك نصب على بابا وأخدهم منه
هوى بصفعة قوية على وجهها
_يا واطية….
أمسكه رجال الأمن عندما هم تكملة ما بداه فيهدر بهم حسين
_سيب دراعي يا حيوان منك له.
قال احدهم
_آسفين يا باشا بس حضرتك لازم تطلع معانا.
تطلعت إليه شاهى بسخط
_بقا بتمد ايدك عليا؟ انا هرميك في الشارع زي الكلاب.
قالت لرجال الأمن بأمر
_ارموه برة وميدخلش الفيلا لو شفتوه بيموت قدامكم.
لم يصدق حسين ما يحدث ولم يتحمل عقله كل ذلك، كيف فعل ذلك بنفسه وبأولاده وسمح لتلك المرأة ان تدمر حياتهم
إذا فما أخبره به سليم كان حقيقة واضحة وهو بعماه لم يرى ذلك
انتبه للأمن الذي يطلب منه الخروج وقبل أن يخطوا به خطوة واحدة شعر بألم حاد في قلبه واهتزت قدماه ثم سقط على الأرض بدون حراك.
❈-❈-❈
استيقظت أسيل وهي تشعر بألم حاد في رأسها
فتحت عينيها اثر ذلك الطرق على الباب جعلها تنتفض مسرعة وهي تحاول استيعاب أين هي.
تذكرت ما حدث أمس عندما غابت عن الوعي
كيف تركها حازم هنا ورحل
فتحت الباب فتجد أمامها سلوى تسألها
_عاملة ايه دلوقت يا حور.
رمشت بعينيها مرات متتالية وعقلها يستوعب ما حدث
_كويسة.. كويسة الحمد لله.
_طيب كابتن داغر مستنيكي تحت عشان ميعاد الطيارة قرب.
اتسعت عين أسيل بصدمة كيف لها أن تسافر دون ان ترى طفلها وتودعه
خرجت من الغرفة وهي تسألها
_هو فين؟
اندهشت سلوى من سؤالها
_تحت مستنيكي.
لم تستمع إليها أسيل ونزلت إليه فتجده جالساً على المقعد بأريحية تقدمت منه لتقول باندفاع
_أنا لازم أروح البيت حالاً
رد باقتضاب
_ليه؟ شنطتك والسواق جابها عايزة ايه من هناك؟
تطلعت إلى حقيبتها التي وضعت بجوار حقيبته ثم قالت بإصرار
_هسلم على دا…..(صححت قولها)على ماما قبل ما أمشي.
نهض وهو يقول بهدوء
_حقك برضه بس للأسف مفيش وقت ممكن نعدي عليها في طريقنا دا إذا أمكن.
زمت فمها بغيظ منه وخاصة عندما تابع
_يلا بسرعة لو عايزة تعدي عليها.
خرجت معه وحمل صالح الحقائب ليضعها في السيارة ثم تلى خروجهم خليل الذي أصر على أن يذهب معهم للمطار.
في السيارة
ظلت أسيل تنظر من نافذة السيارة تفكر هل أخطأت فيما اقدمت عليه؟
لكن لم يكن بوسعها فعل شيء سوى الزواج منه لأجل طفلها
فهو يستحق أن تضحي بنفسها لأجله
اخذت تفكر في تلك الأيام التي لن تستطيع رؤيته فيها ومدى صعوبتها
لكن عليها التحمل فقط لأيام كما وعدها عمه وبعد تسجيل طفلها والحصول على شهادة ميلاده حينها سينتهي كل شيء وستأخذ طفلها والهروب دون عودة
أما هو فقد كان يتطلع إليها بحرية من خلف نظارته ويرى شرودها منذ أن خرجوا من المنزل
من الذي شغل تفكيرها إلى ذلك الحد
أمر خليل السائق أن يصل بهم أولاً إلى منزلها
فهو يعلم بأنها لن تستطيع الذهاب دون ان تودع طفلها.
توقفت السيارة أمام المنزل وترجل قلب أسيل قبل جسدها كي ترى روحها والتي ستغيب عنها
أخذت تحتضنه وتقبله وتعتذر له ببكاء شديد حتى شعر الطفل بالخوف وبدأ يبكي لبكاءها
تقدمت منها أمينة بتعاطف
_كفاية يا أسيل الولد خاف.
مسحت دموعها سريعًا وقالت بابتسامة له
_معلش يا حبيبي هما يومين بس هغيبهم عنك وهرجع على طول، ووقتها مش هسيبك لحظة واحدة.
اعادته لحضنها مرة أخرى وكم صعب عليها تركه لكن لابد من ذلك
تركته بصعوبة بالغة لأمينة ثم خرجت عندما ازداد صوت أبواق السيارة تحسها على الخروج.
فخرجت لهم ونظراتها تحمل بغض وسخط لداغر الذي بادلها النظرات بأخرى متعجبه
وتساءل لما نظراتها لها دائمًا تدينه وكأنه هو من أخطأ بحقها
حتى عمه نظراته له تحمل عتاب قوي ولا يعرف لما.
منذ متى وهو يعاتبه في الخفاء، فقد كانت حياتهم معاً أكثر من عم وابن أخيه، بل كان دائما داعمه أبيه وأخيه وصديقه
ماذا فعل حتى يستحق منهم ذلك.
لما تكالبوا عليه وكأنه مجرم والكل يعاقبه
تطلع إليها عندما جلست بجواره وقد ارتدت نظارة سوداء مثله كي تخفي بها دموعها.
لما تلك الدموع؟
ظل يتساءل حتى وصلوا لوجهتهم
وقفت السيارة أمام المطار وترجلوا جميعاً إلا من داغر الذي ظل مكانه
سأله خليل
_ايه يا داغر منزلتش ليه.
تطلع داغر إليها وهي تقف بعيدًا تنتظر خروجهم فقال لعمه
_المفروض إني واحد أعمى والمفروض برضه إن مراته تقوم بدورها وتسانده.
علم خليل ما يود داغر الوصول له فتقدم من أسيل قائلاً
_تعالي يا أسيل خلي اليوم ده يعدي على خير.
عقدت حاجبيها بعدم فهم
_آجي فين؟
تنهد بتعب
_عايزك تكوني جانبه.
قبل ان تعترض منعها خليل
_اسمعي كلامه بس لحد ما توصلوا وهناك اعملي اللي انتِ عايزه.
اومأت له وتقدمت من داغر وهي تتمتم بجمود
_اتفضل انزل.
رد داغر دون النظر إليها
_ المفروض أن المكان مش محفوظ بالنسبة لواحد أعمى فطبيعي إن مراته تاخد بإيده وتساعده ولا أيه؟
زمت فمها باستياء وأرادت ان تتركه وترحل وتضرب بتعقلها عرض الحائط لكنها احجمت تلك الرغبة ثم مدت يدها إليه وحينها ظهرت ابتسامة ماكرة على فمه ومد يده إلى يدها الرخوة يحتويها بتملك وحب.
أما هي فقد اهتز جسدها برهبة وهي تنظر ليده التي لاقت منها قسوة لن تنساها على مر السنين
سارت بجواره ترشده للطريق كي تنسى مداهمة تلك الذكريات لها
أما هو فقد كان بعالم آخر وتلامس ايديهم اشعلت النار بداخله وأحيت بداخله مشاعر ظن يوماً أنها لم يعد لها وجود
كان يشعر بارتجافتها فظن أنها محرجة منه
إذا كان ذلك سيعمل بكل الطريق كي يمحيه وألا يجعل له وجود
من قال ان زواجهم سيظل صورياً
واهم من ظن ذلك، لكن سيشفي غليله منها ثم يطبع ملكيته عليها
لن ترحل بتلك السهولة التي ظنتها بل هي ملكه ولن تكون لغيره
وخطأها في حقه سيحاسبها عليه حتى ترضخ له ولعشقه حينها فقط سيدخلها دنيته من جديد.
وقف خليل يتطلع إلى الطائرة التي انطلقت فتنهد بتعب قائلاً
_اديني جمعتك بها ياريت بقا تصلح غلطك وتتأسف على اللي عملته
عاد إلى السيارة وقال لصالح
_اطلع بينا على القاهرة.
لم تعد الحياة بالنسبة له اي أهمية حتى والدته وإياد لم يعوضه عن تلك الوحدة الموحشة التي تركتها هايدي خلفها.
لا يعرف ماذا يفعل أكثر من ذلك وقد فعل المستحيل لأجل ان تعود له
دلفت أمينة الغرفة تتحسر على حال ابنها الذي أصبح هزيلاً بسبب بعاد زوجته فتقدمت منه لتجلس بجواره
_وبعدين يا حازم هتفضل حابس نفسك كدة؟
مسح حازم وجهه بكفيه ثم قال
_هروح فين؟
_تروح لمراتك وتقنعها انها ترجع لحضنك.
تطلع إليها بقلة حيلة
_عايزاني اعمل ايه اكتر من اللي عملته.
_تروح لها تاني وتالت ومليون، اتحملها زي ما اتحملتك السنين دي كلها
هي عايزة تحس باهميتها عندك وإنك فعلا مش قادر تعيش من غيرها
هي كرامتها مجروحة منك داويها انت وسيبها تداوي جروحها على حسابك زي ما انت دويت جروحك على حسابها، هايدي تستحق اكتر من كدة يا حازم وخد بالك لو خسرتها هتلاقي نفسك خسرت كل حاجة.
تنهد بألم شديد
_انا فعلاً خسرت كل حاجة وهايدي مستحيل تسامح.
ردت عليه بحكمة
_اللي بيحب ميكرهش وهايدي بتحبك مهما أنكرت ده
قوم روحلها واطلب منها تسامحك وانا واثقة إن المرة دي هترجع معاك.
❈-❈-❈
جلست أسيل بجواره على المقعد بعد ان سحبت يدها من يده عندما جلس على المقعد
سألها
_ايه مش ناسية حزام الامان
تطلعت إليه ببغض ثم مالت عليه لتربط له الحزام ويتخذها فرصة ليشم عبيرها
لكن لم يشبع قلبه من رائحتها وعادت إلى مقعدها.
سألها
_اول مرة تسافري بالطيارة؟
أجابت بفتور دون النظر إليه
_ايوة.
_انا بقا تاني مرة لأن المرة الأولى كنت في غيبوبة ومحستش بحاجة.
بس أكيد سافرتي بباخرة ولا أيه؟
اهتزت نظراتها لوهلة ثم حمحمت لتقول بكذب
_ولا مرة.
رفع حاجبيه مدعي الفهم ثم تحدث بروية
_أنا بقا 8 سنين وانا بسافر بالباخرة بحكم شغلي
كانت اجمل سنين في حياتي، لحد ما جات اللي دمرت كل حاجة.
قطبت أسيل جبينها بدهشة ودون إرادتها سألته
_هي مين؟
التفت إليها ليرد بمغزى
_واحدة حبيتها وادتها كل حاجة بس للأسف طلعت متستاهلش.
تطلع امامه وتابع
_اتخلت عني في اكتر وقت كنت محتاجلها فيه، من وقتها وانا كرهت كل حاجة بتفكرينى بيها.
تعجبت من حديثه إن كان يقصدها ماذا ينتظر منها بعد ما فعله معها
أم أنه احتاج إليها كجارية بعد عماه.
أشاحت بوجهها بعيدًا عنه وانطلقت الطائرة تتجه إلى وجهتها لكن إلى عالم مجهول بالنسبة لها.
❈-❈-❈
توجه خليل إلى المصنع حيث كانت تنتظره مالكته.
لقد اصبح الآن مطمئن على ابن أخيه الذي عادت إليه حبيبته.
من قال أنه لم يلاحظ حالته منذ ان جاءت إليه وتأكد بالفعل عندما علم الحقيقة منها
هو اخطأ ويعلم ذلك جيدًا لكن كان واضحاً أنه ندم على ذلك
وهل ظن ذلك الاحمق أنه لم يلاحظ عودة نظره إليه؟
ابتسم بلؤم وسعادة كبيرة احتلت قلبه
الآن فقط اطمئن عليه أما أمر الفيديو هيرسله إليه في الوقت المناسب.
رغم شكه في أمره إذا كان ما فعله بإرادته او غير ذلك إلا إنه قادر على أن يصلح غلطته ويعتذر لها
وهي بحبها له ستغفر وتسامح.
جلس على المقعد قبالتها بارتياح شديد
فقالت سيلين بترحيب
_شرفت المصنع يا سيادة المستشار.
ابتسم خليل وقال
_بمنور بناسه، خلينا نتوكل على الله ونبدا شغل بس الأول تعرفيني كل كبيرة وصغيرة في المصنع.
أومأت له وبدأت تشرح له كل شيء متعلق بالمكان.
❈-❈-❈
فتح “علي” الباب فيهلل بسعادة عندما وجد والده أمامه، احتضنه حازم باشتياق وقال
_وحشتني أوي يا علي.
خرج عمر على صوت والده واسرع أيضاً إليه
_بابا.
احتضن الآخر بحب وشوق فقال لهم
_عاملين ايه؟
كويسين بس عايزينك معانا.
رفع عينيه لينظر إلى هايدي التي خرجت من الغرفة عندما سمعت صوته وقال بمغزى
_هترجعوا معايا عشان تيتا وإياد مستنينكم.
يلا بسرعة خلي تيتا فايزة تجهز شنطتكم.
أسرعوا إلى غرفتهم وذهب إلى هايدي التي ظلت واقفة مكانها تريد ان تستفهم منه معنى ذلك.
وقف حازم قبالتها وقال بحب
_ازيك يا هايدي.
ردت بثبات عكس حنينها
_الحمد لله ممكن افهم ايه اللي عملته ده؟
_عملت ايه؟ تقصدي يعني عشان بقولهم يجهزوا الشنط؟
اشاحت بوجهها بعيدًا عنه ورمقها هو برجاء
_أظن كفاية لحد كدة وأرجعي بقا، ازعلي مني زي ما انتِ عايزة بس وانتِ في بيتنا، واوعدك إني مش هفرض نفسي عليكِ، أمي جات هي وإياد لأن أسيل سافرت النهاردة وسابت ابنها، مينفعش تسيبيها لوحدها.
لم تستطيع هايدي الرفض وخاصة ان أسيل طلبت منها ان تهتم بابنها في فترة غيابها حتى تعود.
لكن ماذا تفعل في عنادها الذي مازال هو المسيطر على وضعهم
تنهد حازم بتعب من عنادها ولم يجد أمامه سوى تلك الطريقة
بوغتت هايدي به وهو يدفعها لداخل الغرفة وأغلق الباب ليثبت ظهرها عليه وقال بثبوت
_بالذوق مش نافع يبقى نخليها عافية.
لم يمهلها فرصة لتفهم مقصده وعلى حين غرة وجدته يميل عليها ليقبلها عنوة لكن تحمل الكثير والكثير من المشاعر التي يفتقدها كلاهما.
هي تحبه مهما انكرت ذلك لكن لا تريد ان تعود لذلك الضعف
لذا وضعت يدها على صدره تبعده عنها لكنه لم يترك شيء يعكر صفو تلك اللحظة لذا قربها منه أكثر لتكون قبلته اكثر تطلب
وهو يشدد من احتضانه لها
حرر اسر شفتيها من بين شفتيه ووضع جبينه على خاصتها وهو يتمتم بأنفاس لاهثة
_عايزة تعملي فيا ايه تاني خلاص مبقتش قادر اتحمل بعدك عني اكتر من كدة.
وضع رأسها على صدره وتمتم بصدق لامسه قلبها
_بحبك يا هايدي وعمري ما حبيت غيرك ولا اقدر في يوم من الايام احب غيرك.
ازدردت لعابها بصعوبة وتمتمت برهبة
_خايفة تجرحني تاني.
ابعد وجهها عن صدره كي ينظر إليها وتمتم بنفي
_مستحيل لأن محدش بيجرح روحه وانتِ روحي يا هايدي.
انتهى ذلك العناد عندما لاحظت صدق كلماته
فاومأت له وقالت
_بابا في المكتب جوه ادخل كلمه الاول وانا هجهز شنطتي.
أومأ لها بابتسامة ثم طبع قبله حانية على جبينها وخرج من الغرفة متوجهاً إلى مكتب والدها.
❈-❈-❈
جلست وعد أمام المرآة تمشط خصلاتها بعد أن خرجت من المرحاض
ابتسمت بحب عندما تلاقت عينيها بعين سليم الذي استلقى على الفراش ينتظرها لكن يبدو انه سئم من الانتظار اكثر من ذلك
لذا نهض من فراشهم وتقدم منها وهو مأخوذ بسحرها
ثم دنى منها ليأخذ الفرشاة من يدها ويقوم هو بتمشيم خصلاتها الحالكة بكل هدوء وعيناهم تحكي قصة عشقهم التي اكتملت أخيراً بزواجهم.
ألقى الفرشاة من يده ثم جذبها لتقف قبالته وقال بصبو
_تعرفي انك أجمل حاجة في حياتي؟
ابتسمت عينيها قبل شفايها وقالت بعشق وهو يحيط خصرها بذراعيه الحانيتين
_ زي ما انت أحلى حاجة حصلت في حياتي.
ابتسمت للذكرى وهي تضيف
_كل ما افتكر أول يوم خرجت فيه من الملجأ كنت حاسة ان الدنيا دي كبيرة أوي وكنت خايفة اروح في الرجلين
شهد لما زارتني اخر مرة في الملجأ كلمتني اني اجي اشتغل معها عندكم في الفيلا
كنت خايفة ومترددة بس أول ما شفتك الخوف ده اتحول لأمان معرفش ليه
مع الوقت لقتني براقبك من بعيد لبعيد بس كنت بقول لنفسي انا فين وهو فين
بس لما لقيتك جيت واعترفتلي بحبك مكنتش عارفة افرح لأن الانسان الوحيد اللي حبيته هو كمان بيبادلني نفس الشعور ولا أحزن لأنه أكدلي إن بينا آلاف المسافات وصعب أوي إننا نتقابل.
وضعت رأسها على صدره وتابعت
_كنت بفضل طول الليل بصلي وادعي ربنا إنه يجعلك من نصيبي يا إما يشفيني من حبك.
دمعت عينيها للذكرى
_كنت بعيط طول الليل من العذاب اللي عايشة فيه.
ابتعدت عنه قليلًا لتنظر لعينيه
_ولما طلبت تتجوزني بالاجبار على اد ما كنت رافضة ومش طايقة أشوفك
رفع حاجبيه بصدمة من قولها لكنها لانت عندما تابعت
_على أد ما فرحت إني هكون من نصيبك.
تطلع إليها بعتاب
_عشان كدة قدرتي تبعدي عني طول الفترة اللي فاتت؟
_صدقني كان غصب عني ويمكن عذابي كان اد عذابك واكتر بس اللي…..
قاطعها بأن وضع انامله على فمها وقال بمزاح يغير به مجرى حديث لن يتوقف
_احنا هنقضيها كلام ولا ايه؟ فين وعدك ليا؟
ضحكت وعد بسعادة سرعان ما قاطعها سليم بشفتيه وهو يأسر شفتيها بعشق جارف.
❈-❈-❈
دلف داغر غرفة الفندق التي اصر على الإقامه به متحججاً بحاجة شقته للتنظيف قبل الإقامة بها
راقب نظراتها التي وجهتها إلى الفراش بارتباك ظنه خوفاً من النوم معه في مكان واحد
انتبه لصوتها التي حاولت إخراجه ثابتًا
_هي الأوضة بسرير واحد ليه؟ ليه مطلبتش سريرين؟
تظاهر داغر بأنه يبحث عن المقعد حتى وصل للأريكة وقال
_يظهر إن اللي حجز كان فاكر إننا اتنين متجوزين وفـ شهر العسل عشان كدة حجزها بسرير واحد
انقبض قلبها من مغزى حديثه وسألته بارتباك
_طيب ممكن أعرف انا هنام فين؟
رد ببراءة زائفة
_على السرير.
قطبت جبينها بحيرة وسألته
_وانت؟
رفع حاجبيه مدعي الدهشة
_وانا ايه؟
_اقصد هتنام فين؟
رد ببساطة
_على السرير، ايه مش مراتي برضه؟
رمشت بعينيها بوجل وتمتمت باعتراض
_انت عارف كويس انه مجرد حبر على ورق مش اكتر.
رد بتخابث
_واحنا عملناه حبر على ورق عشان نحلل حاجة زي دي، إن لو اتعرضنا إننا ننام على سرير واحد ميكنش فيه مانع ولا أيه؟
علت ضربات قلبها حتى شعرت به يسمعها بوضوح وتمتمت برهبة
_بس انا مش هقبل حاجة زي دي
تطلعت إلى الأريكة التي يجلس عليها وقالت
_انا هنام على الكنبة.
اوما لها بعدم اكتراث
_اللي تشوفيه بس السرير تحت أمرك لو غيرتي رأيك لأن نوم الكنبة متعب أوي.
نهض وهو يتابع مكره
_فضي الشنط وطلعي غيار ليا وهاتيه على الحمام.
تطلعت إليه بغضب شعر به كالسهام التي تخترق ظهره فتظهر ابتسامة ماكرة على فمه وهو يدلف المرحاض.
لعنت أسيل حظها العثر الذي اوقعها معه مرة أخرى
لذا اخرجت غضبها بتفريغ الحقائب لتضعها داخل الخزانة
قلبت عينيها بضجر حينما سمعت صوته من الداخل
_بقالي ساعة بطلب غيار.
تناست أسيل ذلك الأمر تماماً والأدهى من ذلك كيف تعطيه له.
أما هو فقد انهى حمامه ووضع المنشفة حول خصره ينتظر الملابس.
ابتسم بدهاء عندما وجدها تطرق الباب بيد مرتعشة وصوتها المرتبك يقول
_الهدوم اللي طلبتها.
ازدادت ابتسامته مكر وتقدم من الباب ليفتحه فجأة وقبل ان تستوعب ما تراه جذبها مسرعًا ليغلق الباب بظهرها فتتسع عينيها بصدمة كبيرة وهي تراه امامها عاري الصدر مقترباً منها إلى هذا الحد وصوته الماكر يقول
_قولتلك أنا واحد أعمى آخري اقربك مني كدة إنما اي حاجة تانية تؤ للأسف معرفش، بمعنى أدق اعتبريني لوح خشب معاكي في الأوضة
لاح الخبث بحديثه وهو يتابع
_يعني تنامي براحتك، تغيري قدامي براحتك، كل ده عادي جداً فهمتي.
ازاحته أسيل من أمامها بكل قوتها وقالت بتحذير
_لو عايزني اكمل معاك بطل حركاتك دي.
كان يستمع إلى تحذيرها وعينيه تجوب قوامها بمكر
لم يستمع لشيء مما تقول بل كل ما يشغله هي رغبته الملحة في أن يحملها ويذهب بها إلى الفراش يروي ذلك الظمأ الذي انهكه طوال أعوام.
اغمض عينيه إثر صوت الباب الذي صفقته خلفها وهي تخرج من المرحاض
فتظهر ابتسامة ماكرة على فمه وهو يتمتم
_قريب أوي بس اصبري عليا.
خرج من المرحاض ليجدها تخرج ملابس لها كي تستعد لاخد حمامها أيضاً دون ان تعيره إهتمام
دلفت المرحاض مغلقة الباب خلفها بعنف جعلته يضحك على عصبيتها
_انتِ لسة شوفتي حاجة اصبري بس؟
امسك الهاتف وطلب الطعام في غرفتهم
❈-❈-❈
أنهى خليل مراجعة الملفات أمامه ثم تحدث بثقة
_المصنع موقعش للدرجة اللي تخلينا نفقد الأمل، وفي بنود للشركات اللي بتاخد الانتاج مننا يخلينا نكمل تصنيع بدون خوف.
سألته بأمل
_بجد يا سيادة المستشار يعني المصنع هيسد ديونه ويقف على رجله من تاني.
عاد خليل بظهره للوراء وهو يقول بثقة
_إن شاء الله هو بس الموضوع هياخد مننا وقت ومجهود زيادة بس إن شاء الله هيرجع احسن من الاول.
ابتسمت بامتنان
_ان شاء الله.
❈-❈-❈
دلف حازم وهو يحمل الحقائب ودلفت هايدي والأولاد خلفه
هلل الطفلين عندما رأوا أمينة ومعها إياد
فأسرعوا باحتضانها
_حبايبي وحشتوني أوي.
قال عمر
_وانتِ كمان يا تيتا وحشتينا أوي.
تطلعت إلى هايدي التي تقدمت منها لتحتضنها
_نورتي البيت يا طنط.
_منور بيكِ انتِ يا بنتي.
كانت سعادة حازم لا توصف وقد اجتمعت عائلته بعد كل ذلك العناء
نهضت أمينة لتحتضن هايدي بحب خالص وقالت
_نورتي بيتك يا بنتي.
ردت هايدي بحب مماثل
_منور بوجودك يا طنط
تطلعت إلى اياد تحمله وقالت بحب
_ديدو وحشتني اوي.
لم يضحك لها إياد كما كان يفعل كلما رآها بل تمتم بتأثر
_ما..ما
تطلعت إلى أمينة وقالت بتأثر
_الولد اتأثر بغيابها من اول يوم اومال هيعمل ايه لو طولت عن كدة.
رد حازم باندفاع
_مش هتطول، اول ما عمه يخلص الورق ويثبت إياد هخليها ترجع قبل ما يعمل العملية ويشوفها.
التزمت هايدي الصمت وقد تيقنت بأنه لم يخرجها من قلبه بعد وعندما لاحظ ذلك تابع بصدق
_أنا وافقت بس عشان خاطر إياد يكون له اسم وعيلة وعمري ابدا ما كنت هوافق أجوزه أختي بس الظروف بتحكم.
تنهد بتعب ثم قال
_هتعملوا عشا ولا اطلب من برة؟
ردت هايدي
_لا خلينا نتعشى برة عشان يخرج ويغير جو معانا.
وافقها حازم وأخذهم ليتناولوا عشاءهم بالخارج.
❈-❈-❈
خرجت أسيل من المرحاض وعينيها تجوب الغرفة فلم تجده.
تطلعت إلى النافذة فوجدته يتحدث بالهاتف
انتبهت لطرق الباب وذهبت لتفتح فوجدت النادل يدلف بعربة الطعام.
تركها النادل وانصرف وهو مازال يتحدث بالهاتف
لفت انتباهها صوته وهو يقول
_هستناكي متتأخريش.
ثم بعدها أغلق الهاتف وعاد إلى الداخل.
كان يتطلع إليها من خلف نظارته وسألها
_الأكل وصل؟
ردت بجمود
_اه جاه.
تظاهر بتحسس الطريق كي يصل للأريكة وقال
_تمام جهزيه.
تقدمت من العربة ومالت عليها كي تحضر طبقه وهو يتطلع إليها بحرية
مازالت جميلة كما رآها أول مرة لكن نظرات الحزن التي كانت دائمًا تحاول إخفاءها عنه أصبحت ملازمة عينيها
ترى من اوصلها تلك المرحلة
هل حقاً هربت من أهلها وتخفت في ذلك الاسم؟
وإذا كان كذلك لما لم تهرب إليه هو؟
هل عجزه من جعلها ترفض التخفي باحضانه؟
تنهد بتعب لحقيقة الأمر وهو إذا كان كذلك فلن يلومها
هي تريد من يساندها ويحميها
لا من لا يستطيع حتى حماية نفسه
اخرجته من شروده عندما تقدمت منه لتضع الطعام على الطاولة الصغيرة أمامه
_اتفضل الأكل.
رغب بأن يتناول طعامه معها كما كانوا يفعلوا من قبل فقال بلهجة يشوبها الرجاء
_مش هتاكلي معايا؟
ارتبكت أسيل عندما شعرت أيضاً بحنين لتلك الذكريات التي لم تغيب عن مخيلتها لحظة واحدة
فينتفض قلبها عندما وجدته يقول
_انتِ مأكتليش من امبارح.
تذكرت أسيل أنها لم تأكل حقاً منذ الأمس
ودون إرادتها أخذت طبقها ووضعته على الطاولة وجلست بجواره..
لاحت ابتسامة رضا على فمه وشرعوا بتناول طعامهم معاً.
بعد الانتهاء انتبه كلاهما لصوت الباب
فنهضت أسيل لتفتحه فوجدت من تندفع للداخل وهو تقول
_هاي……
قاطع داغر جملتها
_تعالي انا هنا.
نهض داغر ليستقبلها ويحتويها بحضنه وهي تتعلق بعنقه بقوة
_I.miss you
لم تفهم أسيل شيء وهي تتطلع إليهم بحيرة
وتلاعب الشك بداخلها من تلك الصغيرة التي تتعلق بعنقه
وشعرت بوميض من غيرة لامس قلبها
وخاصة عندما وجدتها تهمس له ببعض كلمات لم تفهمها لأنها لا تجد الانجليزية بطلاقة
ابتعدت الفتاة عن داغر والتفتت لأسيل وهي تمد يدها تصافحها بابتسامة
_مراته مش كدة؟
مدت أسيل يدها تصافحها بدورها وهي تومأ بصمت.
عادت الفتاة لحضن داغر وتحدثت بالعربية قائلة
_مكنتش متوقعة تكون حلوة كدة.
تطلعت أسيل ليد داغر التي تحيط كتفها بغيرة لاحظها وتلاعب على وترها فرد قائلاً
_مش هتكون أجمل منك.
انزوت أسيل وحيدة تشاهدها وهي تتحدث معه بالإنجليزية كأنهم يتعمدون ذلك كي لا تفهم ما يقولون.
لاحظت يارين حالتها فقالت بأسف لداغر
_لقد تمادينا داغر فيما نفعله
تطلع إليها داغر بجانب عينيه فوجدها تتلاعب بهاتفها تدعي عدم الاهتمام فتمتم بأسف
_لسة مجروح منها مش قادر اتخطى تخليها عني في الظروف دي.
تحدثت يارين بحكمة
_بس هي معذورة يا داغر، انت حكتلي أنها عاشت حياة صعبة أوي في بيت اهلها وده اللي أكدته العاملة اللي كانت معها فخلينا نتكلم بالعقل شوية
بتقول انك مش فاكر اللي حصل لما دخلتوا الفيلا وبعدها مفقتش إلا وانت هنا في أمريكا
تفتكر بقا انت مستني ايه منها لما تعرف انك عملت حادثة وسافرت كمان، ممكن هي اللي تقول انك انت اتخليت عنها مش العكس، وزي ما بتقول برضه لو هربت من حياة الجحيم اللي كانت عيشاها هتروحلك فين؟
حد قدر يوصلها ويعرفها مكانك عشان تروحلك وتكون جانبك، ولو ده حصل تفتكر واحد في الظروف اللي كنت فيها دي كان هيقدر يحميها؟
انفعل داغر وهو يغمغم من بين اسنانه كي لا تسمعهم
_يعني حازم اللي قدر يحميها؟
اكدت يارين
_أيوة حازم قدر يحميها وأكبر دليل على كدة أن محدش من أهلها قدر يوصل لها لحد دلوقت وديماً في ضهرها وسندها
اداها اسم اخته وبيت أهلها وسبلها كمان امه هيعمل ايه تاني اكتر من كدة
تطلعت إليها بتأثر وتابعت
_وبعدين الشخصية اللي انا شيفاها دي مستحيل تغدر صدقني.
تنهد داغر بتعب وقال
_طيب ليه مقالتش الحقيقة، وايه قصدها من ورا جوازي منها
_اللي عاشوا حياة زي اللي عاشتها أسيل بتبقى ثقتهم في نفسهم وفي اللي حواليهم مهزوزة، ممكن تكون خافت لما تعرف انها هي أسيل ترفضها عشان كدة فضلت انها تكون بالنسبة لك حور وطبعاً مفيش اوراق تثبت وجود حور فكان لازم تكتب الكتاب باسمها الحقيقي وطبعاً مفيش غير عمي اللي يساعدها.
زم فمه باستياء من عمه
_مش عارف ازاي عمي يعمل كدة……
قاطعته بثقة
_عمك مش سهل يضحك عليه ومش مجرد شخص عادي ده مستشار يقدر يميز اللي قدامه صادق أو كداب من نظرة عينيه بس لولا تدخل عمك أنا كنت هشك في الموضوع، انا شايفة إن ربنا اداكم فرصة انتم الاتنين بلاش تضيعوها.
أومأ لها وقلبه يؤيد كل ما قالته
فاستئذنت قائلة
_انا همشي دلوقت عشان الوقت أتاخر وبكرة هاجي عشان نروح مع بعض المستشفى
مالت عليه لتطبع قبله على خده وتمتمت بجوار أذنه
_بلاش تتمادى في اختبار الغيرة عند الستات لأنها بتنتهي في الآخر…..
أشارت له على عنقه بمرح جعلته يضحك وخرجت من الغرفة.
بعد خروجها نهضت أسيل تتقدم منه قائلة بثبوت رغم حنقها منه
_ممكن تتفضل على سريرك عشان عايزة انام.
رفع حاجبيه متسائلاً
_وانا مانعك ما تنامي.
_انام ازاي وحضرتك قاعد مكاني.
رد ببرود كي يستفزها
_بس الكنبة دي مش للنوم عندك السرير نامي عليه
عقدت حاجبيها بحيرة وسألته
_وانت هتنام فين؟
رد ببساطة
_على السرير.
تنهدت بتعب وقالت
_للأسف الاوضة مفيهاش غير سرير واحد.
تابع داغر مكره وهو يسألها
_سريرلى اثنين ولا واحد؟ (أجاب سؤاله قبلها) اكيد اتنين لأنهم عارفين اننا متجوزين وفي شهر العسل.
سألته بشك
_تقصد ايه مش فاهمة.
نهض داغر متجهاً إلى الفراش وهو يقول
_اقصد إن السرير كبير ويسيع من الحبايب ألف مش بيقولوا كدة برضه.
انفعلت اسيل وقالت بحدة
_ومين قالك إني ممكن أوافق أنام على سرير واحد معاك.
جلس على الفراش وهو يسألها
_وايه المشكلة؟ انا جوزك.
ردت بحدة
_جواز لاسباب مش جواز عادي.
_عادي في النهاية هو جواز…ظهر المكر بعينيه وهو يسألها…. ولا انتِ عايزة تخليه جواز عادي انا عن نفسي معنديش مانع.
اتسعت عينيها من وقاحته وقامت بجذب الغطاء من فوق الفراش وتوجهت به إلى الأريكة
اخذ يشاهدها وهي تضع الغطاء على الأريكة وتضع الوسادة كي تستلقي عليها لكنه منعها بلهجة تحمل تحذير مبطن
_إرجعي للسرير، لان الكلمة اللي بقولها مش بكررها تاني، اتفضلي نامي من سكات.
اهتزت نظراتها بوجل من تحذيره وهبت بداخلها ذكريات تلك الليلة
هل ستعاد مرة أخرى؟
تمتمت بصوت مهزوز
_لأ انا مش هنام….
قاطعها بانفعال
_قلت مش بعيد كلامي…
انتفض جسدها وهي تهز رأسها برفض تتخيل المشهد أمامها، لا لن يحدث مرة أخرى عليها الهرب من ذلك المصير لكن قبل ان تتحرك خطوة واحدة شعرت بالدوار يكتنفها وصوته القلق آتي من بعيد قبل أن يسحبها الظلام لدائرته
انقبض قلب داغر عندما وجد جسدها يهتز ثم يتشنج كما حدث من قبل
وقبل أن تسقط أرضًا أسرع إليها لتسقط بين يديه
ثم حملها سريعًا ووضعها على الفراش
خلع نظارته وألقاها جانبًا وقلبه ينتفض رعباً مع انتفاضتها
ضغط على كتفها كي يتحكم في تشنجها لكنها اقوى من قبلها
لم يجد أمامه سوى ان يتصل بالطبيب
تركها واتصل على الفندق
_أريد طبيب حالاً بغرفتي
أغلق الهاتف دون ان يستمع لرده وعاد إليها سريعًا
انهى الطبيب معاينتها تحت نظرات داغر الملتاعة خوفاً عليها
سأله الطبيب
_هل النوبة هذه تتكرر كثيراً؟
تذكر داغر عدد المرات التي رآها فقال بتأكيد
_نعم تحدث كثيرًا.
دون الطبيب عنوان المشفى التي يعمل بها وقال
_لن استطيع تأكيد تلك الشكوك إلا إذا قمت بعمل فحوصات طبية لها، سأنتظرك غدًا لنعرضها على طبيب مختص لحالتها.
سأله داغر بتوجس
_هل تشك بشيء معين؟
زم الطبيب فمه بحيرة ثم سأله
_هل تعرضت لضرب مبرح على رأسها من قبل؟
لم يعرف داغر بماذا يجيب
_لا أعرف.
_حسناً سنعلم كل ذلك غدًا عندما نقوم بالفحوصات.
اومأ له داغر ثم قال بروية
_لكن اريد ان يبقى ذلك في طي الكتمان لا أريدها أن تعرف.
اومأ له الطبيب بتفاهم ثم خرج وعاد داغر إليها وقلبه ينفطر قلقاً عليها جثى على ركبتيه بجوار الفراش ثم أمسك يدها يقبلها بحب وقد تناسى كل شيء في تلك اللحظة
لا يريد ان يعرف شيء سوى أنه مازال يعشقها ومهما فعلت به سيظل عاشقًا لها
ملس بابهامه على وجنتها وتمتم بوله
_خلاص من بعد النهاردة مفيش حاجة هتفرق بينا، بس هأجل الموجهة لحد ما اطمن عليكِ، وبعدها هحط النقط على الحروف.
كان جسدها ساكناً يبدو عليه التعب
فما كان منه سوى أن يستلقى بجوارها يتطلع إليها بعشق جارف وقد قرر ان يغتنم تلك الفرصة ويحتفظ بها إلى الأبد.
❈-❈-❈
دلفت هايدي غرفة أمينة لتضع إياد على الفراش بعد ان نام اخيرًا
ثم دثرته جيدًا وسألت أمينة
_محتاجة حاجة مني قبل ما أنام؟
ابتسمت امينة لها وقالت بمغزى
_عايزة سلامتك يا حبيبتي روحي انتِ نامي.
اومأت لها هايدي وهمت بالخروج لكن أمينة استوقفتها
_هايدي ومتطوليش في البعد لأنه عمره ما كان حل، مش بقول كدة عشان ابني انا بقول كدة نصيحة لبنتي.
ابتسمت لها هايدي بتفاهم وقالت بثقة
_متقلقيش انا عارفة بعمل ايه.
مالت على رأسها تقبلها بحب
_تصبحي على خير.
_وانتِ من أهله.
دلفت هايدي غرفتها فتجده جالسًا على الفراش ينتظرها
لم تعيره انتباه وتوجهت إلى الخزانة لتأخذ ملابس لها لترتديها ودلفت المرحاض
تركها تفعل ما تشاء يحق لها ذلك ولن يسئم مهما فعلت.
ظل منتظرها وعينيه على باب المرحاض حتى خرجت منه ولم تعيره انتباه.
وقفت أمام المرآة تمشط خصلاتها تتحشى النظر لصورته المنعكسة أمامه
لم يعد يطيق صبرًا
ودون إرادته وجدته يتقدم منها وهو يرى انعكاس نظراتها في المرآة والتي مازالت تدينه
وضع يده على كتفها ومال على عنقها يقبله وهو يتمتم بشجن
_وحشتيني.
ازدردت لعابها بصعوبة وعينيها تهتز اثر تلك المشاعر التي اقتحمتها عندما مرر انامله على ذراعها ليصل إلى يدها كي ياخذ منها الفرشاة ويلقيها على الطاولة أمامه ثم جذبها لتنهض وأدارها إليه متطلعاً إلى عينيها قائلاً برجاء
_اوعى تبعدي عني تاني، بعدك والموت واحد.
ملس بأنامله على وجنتها قبل ان يطبع قبلة ناعمة عليها
_بحبك يا هايدي، بعشقك.
انهارت قوتها التي كانت في الأصل واهنة لكنها قاومت عندما هم بتقبيلها فوضعت يدها على فمه تمنعه من الوصول إليها وقالت برفض
_خلينا نتكلم الأول ونصفي اللي بينا.
اومأ لها ولم يعترض فقام بجذبها من يدها وتوجه بها إلى الأريكة وجلسا عليها ليسألها
_قولي اللي جواكي ومتخبيش حاجة
رمشت بعينيها وهي لا تعرف كيف تصيغ حديثها لكنه علم بما تود التحدث بشأنه فقال بجدية
_شوفي يا حبيبتي انا بابا الله يرحمه مات وانا عمري ست سنين وحور كان عمرها سنتين
ماما اضطرت وقتها انها تشتغل عشان تصرف علينا
فكانت بتسيبها معايا، بس انا كنت لسة صغير ومعرفتش آخد بالي منها
كان عمرها تلات سنين لما غرقت في البحر وده لأني معرفش اخد بالي منها واحافظ عليها.
ماما مقدرتش تفضل في البيت وواحدة جارتنا كانت شغالة عند والد أسيل بس سابتهم عشان ولادها وطلبت من أمي تشتغل مكانها
والدت أسيل رحبت بينا جداً وكانت بتعاملني زي ابنها سليم بالظبط
لما شفت أسيل كانت في الوقت ده بعمر حور
حست كأني شايفها قدامي
اتعلقت بيها لأنها قدرت تملى الفراغ اللي سابته حور ومحت على احساس الندم اللي جوايا
بقيت انا اللي بهتم بها وهي اتعلقت بيا اكتر.
مكنش فيه غيرها قدامي ولا كان في غيري قدامها
كان حبنا أخوي ومتبادل بس لما كبرت ودخلت الجامعة كان لازم أسيب الفيلا واسكن لوحدي وقتها حسيت بالفراغ اللي كانت هي ملياه وافتكرت وقتها اني حبتها، وفضلت عايش في الوهم ده
ولما صارحتها بمشاعري قالت إني زي أخوها وبعدها سافرت ايطاليا وانا اتعرفت عليكي واتجوزنا
وفضلت معيش نفسي في الوهم ده
لما رجعت وعرفت انها حبت
غيرت عليها كأخ حقيقي وكنت عايز احميها منه بس لما شفت اد ايه هي بتحبه ومتعلقة به سبتها تخوض التجربة
تنهد بتعب وتابع
_لحد ما جاه اليوم المشؤوم ده ولقيت سليم بيسلمهالي وبيطلب مني اخليها معايا.
وطبعا انتي عارفة الباقي
ولما سيبتي البيت ومشيتي لقيت نفسي بموت حرفياً من بعدك
وقارنت بين معزتي لأسيل وحبي ليكي
وضع وجهها بين كفيه وتابع
_لقيت انك أغلى من نور عينيه وإن بعدك والموت واحد، يعني أسيل هي العوض عن اختي وانتي العوض عن الدنيا كلها.
لم يكن هناك شك في صدق حديثه فافترى ثغرها عن ابتسامة اشرقت روحه فسألها بحب
_لسة عندك شك في حبي ليكِ
هزت راسها بنفي وقالت
_بس كان غصب عني…..
قاطعها حازم
_مش عايز اسمع حاجة عن اللي عدى احنا بنبدأ صفحة جديدة مع بعض مش عايز اي حاجة تتكتب فيها غير حبنا وبس.
مال على ثغرها يقبلها بحب ولم تعارضه بل استسلمت له كي تتأكد بنفسها
وقد كان لها ما أرادت وهي تسمع منه كلمات الغزل مردداً اسمها بعشق جارف.
❈-❈-❈
استيقظت أسيل في الصباح على ألم حاد في رأسها وقد أصبح ملازماً لها في الآونة الأخيرة حتى أصبح غير محتمل
انتبهت لتلك اليد التي أحاطت خصرها بتملك فأدارت رأسها ناحيته فتجده نائماً بجوارها ويحيطها بذراعه
تطلعت إليه بمشاعر مختلطة
باشتياق تارة
وبعتاب تارة أخرى
لكن الأقوى هو العشق الذي لازمها منذ ان رأته على الباخرة وظل يلازمها حتى الآن.
واهمة هي إن ظنت ولو لوهلة أن باستطاعتها مجابهة ذلك العشق
ظلت تتطلع إليه وهو نائماً بهدوء من يراه يظنه ملائكاً لا يجرح ولا يظلم.
تصلب جسدها عندما وجدته يتمتم باسمها
_أسيل.
تصلب جسدها وازدادت وتيرة دقاتها لسماعها اسمها من بين شفتيه وهي ظنت انه محاها من حياته.
تجمعت العبرات بعينيها وهي تنظر إليه وقد عاد امامها ذلك المحب الذي اطربها بأجمل الكلمات
ليته يعود ويمحي ذلك المتجبر الذي أصبح عليه الآن.
اغمضت عينيها تتظاهر بالنوم عندما وجدته يتحرك في الفراش
لم تبالي بمسح دموعها هو عامة لن يراها
لكن من قال ذلك وقد فتح عينيها ليرى تلك الدموع التي بللت وجهها
علم انها مستيقظة وتتظاهر بالنوم وكم اراد أن يمحي تلك الدموع لكنه احجم تلك الرغبة وظل يتطلع إليها للحظات وقد تلاشى كل شيء من داخله ولم يبقى سوى الحب.
اليوم سيأخذها ليطمئن عليها وبعدها لن يتركها لحظة واحدة.
نهض من الفراش وتوجه إلى المرحاض كي يتركها تنهض وتمحو دموعها.
وما ان اغلق الباب حتى نهضت لتمسح دموعها وتلعن ذلك القدر الذي جعلها تعشق مهلكها دون عن باقي البشر
نعم مازالت تحبه ومازال القلب ينبض فقط لعشقه
لم تستطيع وقف دموعها بل شعرت بها تزداد حتى وصلت للنحيب الذي تحاول كتمة بشتى الطرق
وهو بالداخل يستمع لبكاءها المكتوم بقلب ينفطر ألمًا عليها
لما ذلك البكاء؟
هل تبكي لأنها اقترنت به؟ أم لأنها ندمت على تركها له وتريد العودة له؟
كلاهما ينكوي بنار الفراق وكلاهما يعاتب كلاً منهم الآخر لكن في صمت مطبق.
ظل داخل المرحاض حتى هدئ نحيبها واستكان الهدوء في الغرفة
خرج وهو يحاول بصعوبة أن يبعد عينيه عنها وتكتشف انه عاد يبصر من جديد
لكن ثباته انتهى عندما وجدها تمر من جواره لتدلف المرحاض وحينها لم يستطيع منع نفسه ووجد يده تسحبها إليه ليحتويها بحضنه ويشدد من احتضانه لها كأنه يريد ان يسحب احزانها ولا يترك لها سوى الفرح
يحتاجها اكثر من ذي قبل
وكذلك هي لأول مرة تسمح له أن يراها بذلك الضعف واطلقت لدموعها العنان تبكي على كتفه
تبكي على كل شيء
تطالبه أن يعود كما كان وليس ذلك المتجبر.
فهي مازالت تعشقه وتريده
فقط يعتذر عمّ بدر منه وحينها قلبها سيسامح ويغفر
اما هو فكان ينتظر منها ان تعترف له
أن تخبره بأنها اسيل حبيبته لكن يبدو أنه سينتظر كثيرًا وربما لن يأتي ذلك اليوم
بوغت عندما وجدها فجأة تبتعد عنه وتمسح دموعها بظهر يدها وتتمتم بارتباك
_انا اسفة إن كنت ازعجت حضرتك بس…
قاطعها بلهجة حاول بها إخفاء عتابه
_عادي كلنا بييجي علينا وقت بنكون محتاجين فيه لحضن يخفف عننا بس للاسف مش بنلاقيه.
لا تعرف لما شعرت بعتاب خفي خلف حديثه وكأنه يطلب منها ان تقرأ ما بين السطور
انسحبت بهدوء دون ان تتفوه بكلمة ودلفت المرحاض.
❈-❈-❈
خرجت اسيل من المرحاض فتجده انتهى من ارتداء ملابسه
سألته
[٢/‏١ ٩:٢٧ ص] Rania Alkholy🇵🇸🇵🇸: _احنا هنروح المستشفى دلوقت؟
اومأ لها
_اه اجهزي بسرعة عشان يارين هتعدي علينا دلوقت.
عادت الغيرة تحتل قلبها لكنها حرصت على ألا تبدي ذلك
ثم اخرجت من الخزانة سترة لها تلاها الحذاء وارتدتهم في صمت
شعرت بعودة الألم برأسها لكن تلك المرة أشد
لاحظ داغر ذلك الألم الواضح عليها فيشعر بالقلق أكثر.
رن هاتفه باسم يارين أجاب مسرعًا
_يارين وصلتي ولا لسة
أجابت من الجانب الآخر
_اه يا حبيبي وصلت انا مستنياكم تحت والدكتور مستنينا في المستشفى.
تطلع إليها وقال
_تمام احنا نزلين حالاً.
اغلق الهاتف وقال.
_يارين وصلت يلا .
اومأت له وأخذت حقيبتها وخرجت من الغرفة معه وشعور الألم يزداد معها
كانت يارين تنتظرهم داخل سيارتها وعندما وجدتهم ترجلت منها وتوجهت إلى داغر لتقبله
_كيف حالك.
ابتسم داغر بود
_الحمد لله بخير يلا بسرعة عشان ميعاد الدكتور
جلس داغر بجوارها وجلست أسيل في المقعد الخلفي للسيارة وظلت تراقبهم بغيرة جعلتها تنسى ذلك الألم.
كان داغر يتحدث معها بالإنجليزية كي لا تفهم أسيل حديثهم.
_هل تثقين بذلك الطبيب؟
ردت يارين بثقة
_بكل تأكيد فهو الأشهر هنا وقد تحدثت معه وتفهم الوضع.
زم فمه بحيرة ثم تحدث
_لم يطمئني الطبيب أمس وأخشى أن يكون الأمر أكبر بكثير مما يظن
ربتت على يده تطمئنه
_اطمئن ستكون بخير إن شاء الله.
لكن لما لم تخبر ابي بمجيئك؟
تنهد بتعب شديد وقال
_لا اريد مواجهات ليس الآن على الأقل فأمامي مواجهة مصيرية وبعدها سيعود كلا إلى نصابه
توقفت السيارة أمام المشفى وترجلوا جميعاً متجهين للداخل.
كانت تنظر ليد يارين التي تحيط ذراع داغر بغيرة
مما جعلها تندهش
لم تكن تغار بتلك الشدة وهما معاً في بداية عشقها له فلما تغار الآن وهي على وشك تركه للأبد.
لكن هل باستطاعتها تركه
تعلم جيدًا مهما حاولت الانكار أنها لن تستطيع لكن ليس هناك بد من الفراق..
في مكتب الطبيب
وضعت الممرضة العصير أمامهم فشكرها داغر بابتسامة بادلها بها وأسيل تتظاهر بالانشغال بهاتفها
تطلعت إليها يارين لتسألها
_حور مالك ساكته ليه؟
هزت كتفيها قائلة
_عادي بس انتم بتتكلموا بالإنجليزية وانا مش بفهمها.
تظاهرت يارين بالجهل وقالت باسف
_اوووو مكنتش أعرف.
_عادي ولا يهمك.
أخذت يارين كوب العصير لتناوله إياها وقالت
_طيب اتفضلي اشربي العصير ده هيعجبك أوي.
اخذت منها الكوب وكذلك فعل الجميع كي لا تشك بشيء
ولم تمضي لحظات حتى غرقت بثباتها
لحق داغر الكوب قبل ان يسقط من يدها ووضعه على الطاولة ثم قال ليارين
_نادي الدكتور بسرعة.
اومأت له وخرجت وقام هو بحمل أسيل ووضعها على السرير(الشازلونج) ينتظر مجيء الطبيب.
دلفت يارين ومعها الطبيب الذي تقدم منه يسأله
_هل نامت بفعل المخدر
اجاب داغر بقلق
_نعم.
_حسناً احمها واذهب بها إلى قسم الأشعة.
وقف داغر أمام الغرفة ينتظر الإنتهاء
يدعوا من قبله أن تكون بخير وهو يوعدها بأن يطوي صفحات الماضي دون الرجوع إليها مرة أخرى.
تقدمت منه يارين عندما لاحظت مدى قلقه وقالت بتعاطف
_متخافش عليها إن شاء الله خير.
اومأ لها بصمت فخرجت الممرضة لتقول له
_لقد انتهينا بأمكانك أخذها.
دلف داغر ليحملها ويخرج بها من الغرفة فقال للممرضة
_أين الغرفة؟
أشارت له على نهاية الممر
_الغرفة مئة وعشرون في نهاية ذلك الممر.
اومأ لها ثم توجه بها إلى الغرفة.
❈-❈-❈
قامت الممرضة بدفع مقعده لتقربه من النافذة كما يفضل دائمًا وسألته
_محتاج حاجة تاني؟
نفى حسين بعينيه فانسحبت الممرضة وخرجت من الغرفة
أخذ هو ينظر لحديقة المكان الذي أصبح حبيساً بداخله
ولا يرى أحد سوى الحقيقة المرة التي ستلازمه طوال عمره
وهو انه ظلم كل ما هو جميل بحياته
تلك الحبيبة التي ظلمها بأبشع التهم وصدق تلك اللعبة التي حكتها عليه شاهي
وبعد ذلك ابنته
اذاقها أشد العذاب رغم أنها كانت ضحية اخرى لشاهي
وفي النهاية ألقت به داخل دار مسنين بعد ان اصيب بشلل نصفي اثر تلك الجلطة التي أصابته عند معرفة الحقيقة.
يستحق ما وصل إليه بسبب حماقته فليتذق ما أذاق ابه أولاده وحبيبته.
❈-❈-❈
في غرفة أسيل
سحب داغر يده التي تحتوي يدها عندما شعر بها ترمش بعينيها
ارتدى نظارته سريعًا وابتعد بكرسيه للوراء قليلًا.
فتحت أسيل عينيها ومازال ذلك الألم يفتك برأسها
انتبهت لاستلقاءها على الفراش ثم التفتت بجوارها فتجد داغر جالساً على المقعد بجوارها
هل اصابها الإغماء مرة أخرى؟
اغمضت عينيها وخرجت منها آهه خافتة جعلت داغر يسألها
_انتِ صحيتي؟
حاولت النهوض لكنها لم تقوى على ذلك فقالت بألم
_ايه اللي حصل؟
_مفيش تعبتي شوية وخلاص حاسة بأي ألم؟
وضعت يدها على رأسها وقالت بوهن
_صداع شديد أوي.
ازداد قلقه عليها وقال
_ثواني هنده للدكتور يديكي أي حاجة مسكنة.
منعته قائلة
_لأ خليك أنا هروح اخد علاجي وهكون كويسة.
نهضت وهي تتابع
_لو خلاصت كشف خلينا نروح.
أومأ لها قائلاً
_تمام.
ترجلت أسيل من السرير لكنها شعرت بأن قدميها كالهلام لا تقوى على حملها مما جعل قلب داغر يزداد خوفاً عليها تناسى كل شيء في تلك اللحظة ولم يرى أمامه سوى أسيل حبيبته
فسألها بقلق
_هتقدري تمشي؟
تحاملت أسيل على نفسها
_اه هقدر.
لكن مع أولى خطواتها كادت تسقط لكن يد داغر لحقتها ومنعتها من السقوط
وقال بقلق
_خليني انده للدكتور….
قاطعته برجاء
_لا ارجوك خليني اروح لو اخدت العلاج هرتاح.
أومأ لها ثم مال عليها ليقوم بحملها
شهقت أسيل بتوجس لكنه طمئنها
_متخافيش.
بعد كلمته تلك دون إرادتها استسلمت له، ولم ترى أمامها الآن سوى ذلك الحبيب الذي كانت تشعر معه دائمًا بالأمان، ها هو الآن عاد إليها من جديد.
وقبل ان يخرجوا من الغرفة دلفت يارين وهي تقول
_في ايه مالها أسيل؟
_مفيش بس دايخة ومش هتقدر تمشي عرفيني الطريق وخلينا نروح.
اومأت له وسبقت خطواته تدله على الطريق كي لا تشك أسيل بشيء حتى وصلوا للسيارة
ووضعها برفق داخلها
استقل مقعده بجوار يارين وهو يسألها
_التقارير طلعت.
_لا هتطلع كمان ساعة والدكتور چون قال أنه هيستلمها بنفسه ويشوف الحالة وهيكلمك على طول.
اوما لها بثبات رغم القلق الذي يعتمل بداخله.
والتزم الصمت حتى وصلوا للبناية
اما اسيل فظلت نظراتها معلقة عليه وقد أعاد إليها ذكريات الماضي بذلك الحنان الذي أغدقها به
هل تعود تلك الأيام
أم أن هذا هو السكون الذي يسبق العاصفة
هل تسمح لقلبها بأن يُخدع مرة أخرى
أم أنها الآن اصبحت على أرض صلبة ولا يوجد ما تخشى منه
توقفت السيارة أمام البناية مما جعلها تندهش
من مجيئهم هنا
همت بسؤاله لكن انعقد لسانها عندما رأت سليم أخيها يخرج من البناية المجاورة لتلك التي وقفوا قبالتها
لم تنتبه لداغر الذي يحدثها ولا ليارين التي تناديها
فقط سليم الذي سار باتجاه سيارته وانطلق بها مارًا بجوار سيارتهم.
أصبحت الرؤية أمامها غير واضحة حتى صوت داغر الذي يناديها ولا ليده التي تربت على وجنتها ولأول مرة تشعر برغبة بأن يلفها ذلك الظلام
لم تعد تستطيع التحمل والصمود اكثر من ذلك
تركت نفسها ليد داغر التي حملتها ودلف بها المبنى
نادت ظلامها لكنه لم يلبيها
فقط دموعها التي واستها وهي تنزل بغزارة فأغمضت عينيها لا تريد رؤية أحد بعد الآن..
❈-❈-❈
شعرت أمينة بالسرور وهي ترى سعادة ابنها بعودة زوجته له
وضعت هايدي باقي الاطباق على الطاولة ثم جلست على مقعدها المجاور لمقعده
خرج حازم من غرفته فتكتمل سعادته وهو يرى عائلته متجمعة على السفرة تنتظر مجيئة
مال على رأس والدته ليقبلها
_صباح الخير يا ست الكل.
ردت أمينة
_صباح النور يا حبيبي.
مال على هايدي ليقبل وجنتها قائلاً بحب
_صباح الورد.
ابتسمت له بحب
_صباح النور يلا بقا افطر عشان تحلق تودي الولاد الحضانة.
جلس على مقعده وقال برفض
_لأ خليهم اليومين دول عشان إياد ميزهقش لوحده.
تلفت حوله
_اومال هو فين؟
قالت أمينة
_نايم فضل يعيط طول الليل عشان أسيل، ربنا يعدي اليومين دول وترجع بقا.
_هي لسة مصرة أنها تسافر؟
رد حازم بجدية
_انا شايف إن كدة أفضل داغر لما يعرف أنها سابته وهربت وانها كانت بتخدعة الفترة دي كلها مش هيسكت، فالأفضل انها تسافر هناك مش هيقدر يوصلها.
قالت هايدي بتأثر
_اسيل صعبانة عليا أوي، زي ما يكون انكتب عليها التعب طول عمرها.
اومات أمينة بمرارة
_انتِ كمان مشفتيش حاجة ولا شوفتي اللي كانت بتعمله فيها شاهي ولا حتى ابوها.
_بكرة تلاقي اللي يعوضها عن التعب اللي شافته ده.
ردت امينة باستياء
_هتلاقيه ازاي وهي يعتبر متجوزة.
قالت هايدي
_تطلب الطلاق.
رد حازم بتهكم
_بالسهولة دي؟ مفتكرش إن واحد زي داغر هيعدلها اللي حصل ولما تطلب الطلاق هيطلقها بالسهولة دي.
_خلاص تطلب من عمه انه يساعدها ويطلقها منه.
_كل ده كلام سابق لآوانه خلينا نستنى عمه يثبت إياد وبعدين نتكلم في كل ده.
هو احتمال ييجي ياخد إياد النهاردة او بكرة بالكتير وانا هحاول افضي نفسي واروح معاه.
❈-❈-❈
فتحت أسيل عينيها وقد اكتفت من التظاهر بالنوم
كانت الغرفة معتمة إلا من ضوء خافت
وكان هو جالساً على الأريكة في سكون تام
اخذت تتطلع إليه وقلبها الخائن يتلهف على قلبه
هل مازال يفكر بها؟
أم كانت مجرد فتاة عابرة مرت من أمامه ولم يعد يلتفت خلفه ليراها
أما هو فقد ظل ثابتًا أمام نظراتها التي تراقبه وعينيه تتلهف لرؤيتها لكنه آبى ذلك كي لا يضعف أكثر أمام مشاعره التي تطالب بها
مسح بكفي يده على وجهه ثم سألها
_مش هتاكلي؟
علمت انه شعر بها فاعتدلت لتنهض قائلة
_مليش نفس.
وما أن وضعت قدمها على الأرض حتى شعرت بألم رأسها يزداد بشكل عنيف ونظراتها تهتز دون إرادتها
عادت للفراش وقد انتابتها رغبة في التقيؤ
وضعت يدها على فمها وتحاملت على نفسها لتذهب إلى المرحاض لتتقيء ما بجوفها.
وقلب داغر ينبض بعنف لعدم استطاعته الذهاب إليها
ستكشف أمره إذا سألها، ظل ملتزم الصمت وهو واقفاً على باب المرحاض يستمع لها بقلق زائد
لم يستطيع منع نفسه فدفع الباب فيجدها تستند بيديها الواهنة على الحوض وتتقيء بألم.
دنى منها ليسند رأسها ويبعد خصلاتها للوراء حتى انتهت.
فتح المياه وقام بغسل وجهها وعندما حاولت الإعتراض طمنئنها بحب
_مكسوفة من ايه انتِ مراتي.
تركت نفسها له بعد تلك الكلمة حتى عندما حملها وعاد بها للفراش لم تمانع بل عادت تترك له زمام أمورها كما كانت تفعل من قبل.
❈-❈-❈
دلف داغر الغرفة وهو يحمل كوب اعشاب طبيعية لها فيجدها مستلقية على الفراش ويبدو عليها التعب
تقدم منها ليجلس على الفراش بجوارها يناولها الكوب ثم سألها باهتمام
_عاملة ايه دلوقت؟
تطلعت إليه بامتنان
_احسن الحمد لله.
اخذت منه الكوب وهي معترضه على دخوله المطبخ بظروفه وعمل ذلك المشروب لكن إن أخبرته سيشعر بعجزه وتحزنه لذا شكرته قائلة بامتنان
_متشكرة أوي.
بادلها الابتسام بوله
_لا شكر على واجب يا ستي، المهم اشربيه كله هيريحك.
اومأت له بابتسامة ثم تناولت المشروب ولم تنتبه لمراقبته لها من خلف النظارة
يشعر بقلق شديد عليها وخاصة منذ أن وجدها تتقيأ
فهي عارضة ليست طبيعية
كان يتطلع إليها وهي تتناول مشروبها
فلاحت بمخيلته ذكرى مشابهة لها وهما على اليخت، عندما مرضت منه بسبب إحدى تهوراته.
ابتسم رغمًا عنه مما جعلها تندهش وتسأله.
_بتبتسم ليه؟
رفع حاجبيه مستمتعاً بتجاوبها معه ورد قائلاً
_اصل الاعشاب دي كنت برفضها تمامًا بسبب ريحتها بس عمي كان بيصر عليا اشربها لما معدتي تتعب من كتر الأدوية اللي اخدتها.
عشان كدة مستغرب انك قبلتيه عادي.
لاح الحزن بعينيها وهي تتمتم بآسى وكأنها تخاطب نفسها
_أنا عشت حياتي كلها معرفتش كلمة لأ ولا حتى اعترض على حاجة عشان كدة بكون اغلب الوقت مستسلمة لمصيري أيًا كان
تذكرت أخيها لذا سألته بعد تردد
_هي دي شقتك؟
اندهش من سؤالها لكنه جاوب
_اه شقتي عمي اجرها لما عملت الحادثة واستقرينا سنتين هنا.
تابعت اسألتها
_على كدة المنطقة هنا فيها عرب؟
أكد لها
_مصريين كمان، اغلب اللي هنا مصريين
اي مصري بييجي امريكا بيفضل أنه يسكن في مكان فيه عرب وده اللي عمي عمله.
اومأت له وقد تأكدت الآن من رؤيتها له
فتابع داغر
_انا بعت جيبت اكل جاهز لانك مأكلتيش حاجة النهاردة، هتاكلي هنا ولا على السفرة برة.
وضعت الكوب الفارغ على المنضدة وقالت برفض
_انا بقيت كويسة خلينا بره افضل.
نهضت رغم تعبها وقامت بتحضير الطعام ووضعته على السفرة
خرج داغر من الغرفة فيراها تضع الطعام على السفرة وتحضر طبقه
تقدم منها ليجلس على مقعده وقال بابتسامة
_متشكر.
اومأت له بابتسامة وجلست على مقعدها تنظر للطعام بشرود
لم تملك شهية للأكل لذا ظلت تتلاعب به وداغر يمنع نفسه بصعوبة من سؤالها عن عدم تناولها لطعامها.
أما هي فقد أخذها حنينها لطفلها كل تفكيرها
تريد ان تهاتفه اليوم لتطمئن عليه لكنها تعلم أن ذلك سيجعلها تشتاقه أكثر لذا عليها التحمل حتى يأذن الوقت.
رفعت عينيها لداغر ولأول مرة تشعر بغصة تهز قلبها لأجله
تعلم أن فعلتها تلك لن تمر عليه مرور الكرام
وستكون عواقبها جسيمة عليه
ورغم أن هذا ما سعت إليه إلا إنها لا تشعر بلذة انتصار بل يشعرها قلبها بأنها تخطأ بحقه
وكان ذلك سبباً للغصة التي تشعر بها
كان يتناول طعامه ولا يعرف شيء عمّ تدبره له
انتبهت لصوته وهو يقول
_انا حاسس إنك مبتكليش، لو الاكل مش عجبك اطلبلك غيره
ردت مسرعة
_لا حلو بس مليش نفس.
ازداد قلقه عليها لذا تحدث بكذب
_بس لازم تاكلي عشان احتمال اعمل العملية بكرة وعايزك تكوني جانبي.
قالها داغر كي يجعلها تستعد للمواجهة التي قرر ان يحسمها بأقرب وقت ربما تبادر هي بالحديث وتخبره سبب فعلتها
لكن ازدادت وتيرة دقاتها عندما علمت أن النهاية قد اوشكت ووقت الفراق قد حان.
هزت راسها له بصمت وتطلعت إلى طبقها تتناول الطعام بدون شهية
بوغت داغر عندما لاحظ تلك الدمعة التي سقطت من عينيها وكأنها نار تكوي قلبه.
ولا يعرف سببها
هل تخشى من ردة فعله عندما يعود إليه نظره ويكشفها؟
لكن لا تخشى منه فهو يصبح أكثر ضعفاً كلما نظر إلى عينيها
لو باستطاعته فعلها ما انتظر حتى الآن.
❈-❈-❈
في المصنع
استطاع خليل في يومين أن يعيد المياه لمجاريها وتجديد العقود مع الشركات التي ألغت التعاقد معهم بسبب سقوط المصنع
وذلك ما جعل مدير البنك يرفض ذلك
توجه إلى مكتب خليل في المصنع فوجد مديرة مكتبه جالسة على مكتبها
تقدم منها يسألها
_خليل بيه جوه؟
ردت المديرة بتهذيب
_اه جوه حضرتك ثواني هديله خبر.
انتظر الرجل حتى خرجت المديرة تشير له بالدخول
_اتفضل حضرتك.
اومأ لها وتوجه إلى المكتب فيقابله خليل بترحيب رغم علمه سبب الزيارة
_أهلاً يا مدحت بيه اتفضل.
قال للمديرة
_اتنين قهوة.
اومات لها وخرجت من المكتب فقال مدحت
_انا مش جاي اضايف انا جاي اسأل عن أخبار المصنع
سمعت انك جددت العقود مع الشركات اللي كانت متعاملة معاهم.
عاد خليل بظهره للوراء وأكد قائلاً
_بالظبط، وإن شاء الله في خلال سنة هيقدر يسد القروض بفوايدها كلها.
استاء مدحت مما سمعه وقال بتسويف
_بس مش ده الدور اللي جيبينك عشانه؟
تنهد خليل قائلاً
_عارف بس لو كان ده غرضكم من الأول فانتم حطوتني في المكان الغلط، ده بالنسبالكم
وزي ما قولتلك القرض هيتسد بالفوايد المستجدة.
_بس البنك دلوقت اصبح المالك الوحيد للمصنع…..
قاطعه خليل بثقة
_ده لو صاحب المصنع اتنازل عنه ليكم إنما هو دلوقت لسة باسم الورثة
دلفت سيلين عندما علمت بوجود مدير البنك فاسرعت بالدخول دون أن تطرق الباب متناسية تمامًا وقالت بتوجس
_السلام عليكم
رد الجميع
_وعليكم السلام
اشار لها خليل بالجلوس
_اتفضلي اقعدي
جلست سيلين وهي تتطلع إلى خليل بتوجس فطمئنها بنظرة منه وقال
_كنا بنتناقش انا ومدير البنك عن احوال المصنع بس يظهر أنه رافض انه ينتظر سنة كمان فقولنا ندفع المديونية كاملة بكرة إن شاء الله ونوفر الفوايد اللي هتتراكم على المبلغ الأصلي.
قطب مدحت حاجبيه بدهشة اما سيلين فقط التزمت الصمت لا تعرف ماذا تقول
تابع خليل
_إن شاء الله بكرة الضهر بالكتير هكون عندكم في البنك ونخلص الإجراءات.
اعتدل خليل في جلسته وقال بابتسامة مزيفة
_القهوة بقا يبقى نشربها بكرة في البنك.
نقل مدحت بصره بينه وبين سلين ثم انسحب بهدوء
بعد انصرافه تطلع إلى سيلين وقال
_انا مش بجبرك على القرار ده بس البنك دلوقت المتحكم حاليًا في المصنع ولو معملتش كدة كانوا هيجيبوا مدير غيري عشان يسقط المصنع
مفيش حل غير إننا نسسد الفلوس اللي عليه للبنك ونرجعه لينا من تاني.
ارتبكت سلين وسألته
_بس انا لو بعت الفيلا هروح فين بالولاد.
_مش محتاجين نبيع الفيلا ولا حاجة انا قررت اوافق على عرضك واشارك في المصنع هسد المبلغ بجزء والجزء التاني هنمشي به المصنع.
لم تصدق سيلين ما سمعته وقالت بامتنان
_بصراحة مش عارفة اقول ايه لحضرتك بس بجد متشكرة أوي أوي
_مفيش داعي للشكر أنا كمان محتاج الشغل ده أوي بعد ما سبت القضاء ربنا يقدرني واقدرأوقفه على رجله من تاني.
❈-❈-❈
دلفت أسيل المطبخ وهي تحمل الاطباق ووضعتها في المبرد
سمعت صوت الباب فعلمت انه دلف غرفته
لذا سمحت لنفسها بالانهيار
لما تكون بذلك الضعف أمامه؟
لما قلبها مازال يعشقه رغم ما فعله بها؟
ماذا ينتظر أكثر من ذلك كي يمحي ذلك الحب من كيانه.
والأدهى من ذلك موافقتها على الذهاب إليه بعد أن أرضت قلبها وجعلته يهدئ من ثوراته.
عن أي انتقام سعت حينها وهي بنظره واحدة منه له جعل قلبها يثور من جديد.
انتهى كل شيء الآن والغد سوف ترحل ولن تراه مرة أخرى وستعمل بكل الطرق على أن تواسي قلبها حتى ينسى رغم صعوبته.
مسحت دموعها وقررت الأنشغال بتنظيف المطبخ كي يهدئ من حزنها..
قامت بتنظيف الأطباق ثم وضعتها في أماكنها لكن عاد إليها شعور الغثيان وألم رأسها
وفوق ذلك شعور الاختناق
قررت الوقوف في الشرفة قليلًا ربما يخف ذلك الضغط
فتحت باب الشرفة فتتفاجئ بالشرفة المقابلة يقف بها سليم وفتاة أخرى معه.
عادت للوراء سريعاً قبل أن ينتبه لها واستندت بظهرها على الحائط تحاول أن تهدأ من روعها
إذًا فسليم يقطن في البناية المجاورة لها.
لكن من التي معه؟
هي تعلم حبه لوعد لكن تعلم جيدًا بأن والدها لن يسمح بذلك.
هل خان أيضاً وتخلى عنها متزوجاً بأخرى.
تنهدت بضيق ثم اغلقت الشرفة دون ان يشعر بها وعادت إلى المطبخ لتعد القهوة
انتهت من إعدادها ودلفت به غرفته
فتجده جالسًا على الفراش في وجوم والغرفة مظلمة إلا من ضوء خافت من المصباح المجاور للفراش
كان يبدو عليه الحزن ولما لا وهي تعرف جيدًا بأن ما حدث له لم يكن بالأمر الهين
رق قلبها له
وتقدمت منه لتضع القهوة على المنضدة بجواره وقالت بتروي
_القهوة.
تركتها وهمت بالانصراف لكنه امسك يدها يمنعها من الذهاب لحاجته الشديدة في التحدث معها فقال بشغف
_خليكِ، مخنوق ومحتاج حد اتكلم معاه.
كانت تود الرفض وتركه لكن هي تريد الاستماع له ربما تسمع منه ما يخفف من وطئت ذنبه عليها.
جلست على المقعد القريب منه وتطلعت إليه ترمقه بتأثر على حاله وما وصل إليه
ذلك البحار المفعم بالحياة أصبح الآن حبيس غرفته
رق قلبها بشدة وخاصة عندما رفع رأسه إليها ورأت محياه الذي ظلت عاشقة له حتى الآن
تطلعت ليده التي فتحت درج المنضدة بجواره فينقبض قلبها عندما وجدته يخرج صندق البوصلة التي نستها داخل السيارة في الإسكندرية في ذلك اليوم المشؤوم.
رفعت عينيها إليه بترقب فوجدته يخرجها من داخل الصندوق ويتمتم بشرود
_البوصلة دي انا لقتها في مغامرة من مغامراتي في البحر.
اول ما شفتها اخدتها عشان اهديها للبنت اللي أخدت قلبي.
تابع وكأنه يحدث نفسه
_كانت تستحق إني اعرض نفسي للخطر عشان هدية واثق انها هتسعدها، وكنت مستعد اديها كل عمري مقابل أشوفها سعيدة واعوضها عن كل المآسي اللي عاشتها بعيد عن حضني، وقتها اتعرضت لذبحة صدرية لأن الأكسجين خلص مني وانا بجبها مهمنيش حياتي ولا همني شيء غير السعادة اللي تخيلتها لما تشوفها
كانت تستمع إليه بعيون حائرة ودموعها تسقط لتلك الذكرى
_اول ما رجعت روحتلها بسرعة وادتها البوصلة قولتها لو بعدت هي هتعرفك طريقي
بس القدر كان له رأي تاني ووقتها نسيتها في العربية، قلت مش هديهاليها تاني إلا يوم فرحنا.
رفع وجهه إليها فيلاحظ دموعها التي تنزل بغزارة على وجنتها فتابع بلوم
_بس بعدها خرجت من حياتي وعشت سنتين في عذاب ولحد النهاردة بتعذب في بعدها عني.
مسحت دموعها بظهر يدها وتمتمت بخفوت
_يمكن هي كمان بتتعذب في بعدك عنها
ابتسم بحزن وقال
_لو بتتعذب مكنتش بعدت، انا دورت عليها كتير بس معرفتش أوصلها
كل اللي عرفته انها سافرت.
دون إرادتها وجدت لسانها يبوح بكل مكنوناته
_يبقى اكيد عملت حاجة خلتها تبعد عنك، مستحيل هتكون بتحبك الحب ده كله وتقدر تبعد عنك.
لم يفهم داغر مغزى حديثها لكنه ظن أنه احزنها في تلك الليلة لهذا تعاتبه لذا رد بمغزى آخر
_مهما حصل مكنش لازم تبعد ولو كنت زعلتها كان فيه ألف طريقة تعاقبني بها غير البعد.
استدار ليواجها وتابع
_مكنش لازم تبعد وتدمرني بالشكل ده.
أغمضت عينيها لتنهمر دموعها بشدة وشعرت بأن عليها الهرب كي لا تضعف اكثر من ذلك فقلبها يطالبها بأن تعترف له وتعاتبه
لكن عقلها آبى ذلك وأجبرها على الهرب
نهضت من جواره وهمت بالهرب لكنه أمسك بيدها يمنعها وتمتم بخفوت أقرب للرجاء
_متمشيش محتاجلك.
تقابلت الأعين في حديث أبلغ من الكلام
وبثت الشكوى وتعاتب القلوب فحاول العقل اخضاعهم لرغبته لكن كان للقلب السلطة الأقوى واستسلم كلاهما لتلك المشاعر التي اشتعلت بقلوبهم ولم يعد هناك ما يمنعهم عندما رفع العقل رايته البيضاء
كان يتطلع إلى عينيها بعشق جارف يتأمل ملامحها التي اشتاقها بجنون
وقلبه العاشق ينبض بعنف
نهض ليقف قبالتها وهي ترمقه بعيون عاتبة لكن مازال لا يعرف سببها.
لا يهم لقد أقسم ان يعوضها وسيفعل ذلك حتى آخر يوم بعمره.
رفع انامله ليزيح تلك الخصلة المتمردة التي انسدلت على صفحة وجهها
يحبها بل يهيم بها ومهما فعلت به لن يستطيع الابتعاد عنها
يقولها بكل وضوح متمتمًا
_ببقى ضعيف أوي قدامك.
انتهت مقاومة كلاهما عندما اختلطت أنفاسهم واغمضت عينيها حينما مال بشفتيه على ثغرها يطبع قبلة تاق لها كثيرًا وحلم بها أكثر.
كانت قبلته متمهلة رغم لهفته
ويديه يحيط خصرها بيد والأخرى يضعها خلف رأسها كي لا يترك لها اي مساحة للهرب
كان يشعر بأنه داخل جنة ينعم بنعيمها
ولا يعرف هل هناك ما انعم من ذلك..
اما هي فقد تركت كل شيء خلفها وقررت أن تنعم لمرة أخيرة قبل ان تفارقه غدًا ولن يرى أحدهم الآخر مرة أخرى
ازدادت دقات قلبها وهي تدوي بصخب كالطبول داخل صدرها
تترقب كل حركة منه
عامين واكثر يحلم كلاهما بتلك اللحظة وها هي امامه زوجته وحبيبته
شعر بأنه يفقد السيطرة على مشاعره لكن عليه ان يكون هادئًا متروياً معها حتى لا يشعرها بالخوف منه
فصل قبلته عندما شعر بحاجتها للهواء وتمتم بوله وصوت مثقل بالمشاعر
_بحبك.
انتهى العقل عند تلك النقطة وهي استسلمت له بكامل إرادتها
فاغمض عينيه واشتدت ذراعيه حولها لاغيًا اي مسافة بينهما
أخيرًا أصبحت بين يديه وجاء اليوم الذي ظن يوماً أنه بعيد المنال
كان يسيطر بصعوبة بالغة على لهفته
وشفتيه لا تترك اسر شفتيها وقد أخذت منحنى آخر
كان جسدها يتصلب حينما تداهمها تلك الذكرى لكنه برقته وحنانه استطاع أن يمحيها من ذاكرتها حتى استسلمت له
❈-❈-❈
حاول سليم الاتصال بوالده مراراً وتكراراً لكن مازال قيد الإغلاق
منذ ما حدث وهو يشعر بقلق بالغ لا يعرف سببه.
تقدمت منه وعد
_لسة برضه مش عارف توصله.
هز رأسه بنفي
_مش عارف بس قلبي مش مطمن، حاسس إن في حاجة بتحصل من ورايا.
انتقل قلقه لها وتمتمت بشك
_تفتكر شاهي ممكن تكون نفذت تهديدها صحيح وخلته كتب كل حاجة بأسمها؟
تنهد بقلق وتحدث بحيرة
_مش عارف، بس شاهي بتعرف تستغل كل حاجة لصالحها.
انا كل اللي يهمني دلوقت إني اطمن عليه.
ربتت على يده وتمتمت بثقة
_متقلقش إن شاء الله هيكون بخير.
❈-❈-❈
صدحت صرخة عالية منها عندما هوت صفعة حادة على وجهها وصوته الهادر يقول باتهام
_انتِ مش بنت؟
تطلعت إليه أسيل بصدمة وهي تراه أمامها ينظر إليها بسخط
فغمغمت بدون استيعاب
_انت شايف؟
توحشت نظراته أكثر وهو يهدر بها
_ايه كنت فكراني اعمى ومغفل هتضحكي عليه وتلبسيه الليلة يا واطية.
صفعة أشد سقطت على وجهها جعلتها تشعر بالدوار وفقدت النطق في الدفاع عن نفسها
نهض من الفراش ليرتدي قميصه وقد استسلمت هي لذلك الدوار الذي جعلها تشعر أن ما يمر بها الان ليس سوى مجرد كابوس
صرخت مرة اخرى بخوف عندما مال عليها بوجهه وعينيه تقدح شرارًا ظناً منه أن صمتها يؤكد حقيقتها مما جعله يجذبها من خصلاتها يرفعها إليه ويغمغم من بين أسنانه متوعدًا
_بتستغفليني وتداري غلطتك معايا، قولتي أعمى مبيشوفش والبسه عاري وانا زي اللطخ صدقتك مرة تانية
بكل قوته قام بصفعها مرة أخرى وتلك المرة كانت الأشد
جذبها من خصلاتها ليجبرها على الوقوف قبالته وقد تشبثت بوهن بالغطاء وتابع هو توعده
_عشان كدة هربتي من أهلك ؟ يعني هو غلط معاكي واتخلى عنك عشان خاطر مراته واتفقتوا عليا عشان البسها.
حاولت أسيل ان تستجمع قوتها كي تنفي ذلك لكن صوته الهادر اجفلها اكثر وهو يدوي في المكان.
_وديني لندمك ندم عمرك كله بس اصبري عليا.
قام بدفعها على الفراش ودلف المرحاض
مغلقاً الباب خلفه بعنف وسقط على الأرض مستنداً بظهره على الباب خلفه يلعن ذلك القلب الذي دمره مرتين
يلعن كل شيء حوله
لقد قام الجميع بخداعه حتى من كان يظنهم أقرب الناس إليه
لن يرحم احداً منهم بعد الآن
جميعهم استغلوا عماه ودمروه…
أما هي فقد حاولت استرداد وعيها ونهضت بوهن تلملم ملابسها وترتديها بضعف ثم تحاملت على أقدامها التي لم تساعدها فقامت بالاستناد على الحائط وأخذت حقيبتها وخرجت بها من الغرفة والشقة بأكملها.
هي من اخطأت وعليها التحمل
لقد وقعت بفخه مرة أخرى وقضى على ما تبقى منها
دلفت المصعد وضغطت على الزر بتعب شديد وبدأ المصعد بالهبوط
بدأت حالة الإغماء تنتابها لكنها قاومت بكل ما أتيت من قوة
عليها ان تهرب من براثينه وتلك المرة دون عودة
كان يعرفها طوال تلك المدة
وقام بخداعها كي يصل لمبتغاه
أخذت تبكي بكل الألم الذي تحمله بداخلها
تبكي وتنتحب ربما يخفف من وطئت ذلك الألم الذي يجتاح روحها
توقف المصعد فتحاملت على الجدران حتى خرجت من البناية
ثم سارت لوجهتها حتى وصلت إلى باب الشقة
ضغطت على الزر وهي تمنع عينيه بصعوبة من الإنغلاق
وعندما انفتح وظهرت وعد أمامها حينها سمحت لنفسها بالسقوط.
❈-❈-❈
لم تطفئ المياه الباردة تلك النيران المتأججة بداخله
ولا بقلبه الذي يئن ألماً على مصابه
لذا أغلق المياه وقام بالخروج من المرحاض فيتفاجئ بالغرفة فارغة.
بحث عنها في كل مكان لكن لم يجدها
توجه إلى المكان الذي يضع به جواز سفرهم فلم يجد خاصتها
ضغط على قبضته بعنف وقد ازداد توعده لها.
أخذ مفاتيح السيارة التي تركتها له يارين ثم خرج من الشقة يبحث عنها في كل مكان
لكن لا أثر لها في الشوارع
هو على ثقة بأنها لم تبعد وأيضاً لا تملك المال ولا تعرف احد هنا.
فتحول دون إرادته غضبه إلى قلق
مازال ذلك القلب الخائن يتلهف عليها
أوقف السيارة وأخذ يضرب تارة القيادة بكل الغضب الذي يحمله بداخله
اسند يديه علي التارة ومال برأسه مستنداً عليها وأخذ يبكي
يبكي على كل شيء فقده واستكترته عليه الدنيا
وهي وحدها أكثر من بكى عليه.
لما اختارته هو خاصه
ألم تجد غيره لتتلاعب به وبحبه
لقد ظل طوال حياته مخلصاً لها ينتظر ظهورها
وحين يجدها تكون هي سبباً في دماره.
أخذ ينتحب بشدة وقلبه الملتاع مشغولُ بالقلق عليها
ماذا ينتظر منها؟
لقد قصمت ظهره للمرة الأخرى وتلك المرة هي الأشد والأقسى.
كل شيء تدمر من جديد لكن هو يستحق أكثر من ذلك لتركها تعود لحياته من جديد.
❈-❈-❈
صرخت بأعلى صوتها عندما رأت أسيل تهوى أرضًا ويتشنج جسدها
خرج سليم من غرفته على صوت وعد يسألها بقلق
_في ايه….
قطع سؤاله عندما وجد ذلك الجسد الملقى على الأرض يهتز هكذا
لم تكن انقباضة قلبه هذه بالهينة وهو يرى وجه أخته أمامه وبتلك الحالة
اخرجه من صدمته وعد وهي تصرخ به
_الحقني يا سليم بسرعة.
عاد سليم لوعيه وقد تلاحقت انفاسه وهو يقترب منها وعينيه تهتز أثر تلك المشاعر التي انتابته
مال عليها ومازال غير مستوعب لا تواجدها ولا حالتها
ودون إرادة منه جثا بجوارها ليرفع ظهرها على ساقه يتطلع إليها بلهفة وخوف متمتمًا باسمها
_أسيل…
هدئت رجفتها وهو يرمقها بعينين دامعة لا يصدق أنه يراها أمامه
جذبها لحضنه يشدد من احتضانه لها مغمضاً عينيه فتتساقط الدموع منها
وكلما ازدادت دموعه كلما شدد من احتضانه لها وهو جاثياً على الأرضية الصلبة لا يبالي بشيء سوى من شارك في تدميرها معهم.
لقد كانت ضحيته وحده ولا أحد غيره
منذ صغرها وهو بعيدًا عنها حتى تركها تلتمس الأخوة من غيره وحينما كبرت وازداد الجفاء بحثت عن الحب بعيدًا عنهم
لو عوضها بحنانه واهتمامه لكانت الآن تسعد بحياتها معه وما لاقت ذلك الهوان الذي زجها به وبيده.
في المشفى
دلف الطبيب غرفة المعاينة وقد تفاجئ بأسيل أمامه تطلع إلى سليم وسأله
_هل تكررت الحالة معها مرة أخرى.
اندهش سليم من سؤاله ولم يستطيع الإجابة فردت وعد كي لا يشك الطبيب
_نعم.
اخرج الطبيب هاتفه وقام بالاتصال
_ابعث لي الاشعة الخاصة بالسيدة أسيل الحسيني.
عقد سليم حاجبيه بصدمة غير مستوعب ما يحدث الآن
ظل على حاله حتى دلفت إحدى الممرضات وهي تحمل ملف بيدها أعطته للطبيب ثم خرجت.
جلس خلف مكتبه ثم اشار لهم بالجلوس وأخذ يتفحص الأشعة بوجوم
انقبض قلب سليم من القادم فأشارت له وعد بعينيها ان يهدئ
جلسوا منتظرين انتهاء الطبيب بتوجس حتى انتهى وتطلع إلى سليم بأسف…
❈-❈-❈
عاد داغر إلى منزله بعد أن بحث كثيرًا ولم يجدها
غضب عارم يكاد يحرق كل ما حوله وقد غدر به قلبه وجعله يسقط مرة اخرى في براثينها
الآن فقط علم لما هربت من أهلها ولما تخفت في ذلك الإسم ولما أيضاً عادت إليه
عادت عندما علمت بعماه وانه اصبح فرصة توقعه في شباكها والادهى من ذلك مشاركة عمه لها.
تذكر عمه
والذي شاركها في تلك الجريمة، من الممكن ان يكون قد علم اين هي.
اخرج هاتفه من سترته وقام بالاتصال عليه
لكن لم يجيبه
كررها كثيرًا حتى شعر بأن عمه يتهرب منه
إذا كان يتهرب منه بعدم الرد فالأفضل المواجهة وجهاً لوجه.
قام بالاتصال بالمطار كي يحجز على أول طائرة والتي ستقلع في الصباح
لكن انتبه لوصول رسالة من عمه
قام بفتحها وكان محتواها
“شوف الفيديو الأول وبعدين أرد عليك”
قطب جبينه بحيرة لكن فضوله جعله يرى على ماذا يحتوي ذلك المقطع
انتبه لعمه جالساً على المقعد في الردهة والعاملة تضع أمامه القهوة
عقد حاجبيه بحيرة وهو لا يعرف لما يرسل له عمه ذلك التصوير، تابع ما يشاهده عندما اجاب عمه على الهاتف ثم خرج من المنزل
مازال لا يعرف معنى ذلك
هم بغلقه لكنه تفاجئ بدخوله هو وأسيل
هدر قلبه بنبضات تكاد تخرج من ضلوعه عندما تذكر ذلك المشهد
نعم تلك الليلة التي ذهب إلى منزل عمه بالقاهرة والتي لا يتذكر شيئاً منها.
نعم يتذكر عندما اخذ القهوة من العاملة وعندما جلس مع أسيل يتسامران بالحديث
حتى انهى قهوته.
عند تلك النقطة انمحت ذاكرته لذا انتبه لكل ثانية تمر منه.
فقد فقد ذاكرته بعد تلك اللحظة
رآى كيف أنه أصبح صامتًا تحدثه وهو ساكناً حتى لا يجيب عليها
رأى انتفاضة جسده عندما قامت بلمس يده وقد ظهر عليها القلق كأنها تسأله عن سبب حالته.
اتسعت عينيه ذهولا عندما جلست هي قبالته كأنها تسأله عن سبب وجومه
فينقض هو على شفتيها يقبلها
قطب جبينه بصدمة مما يرى لا يصدق ما يراه
كانت أسيل تحاول الإفلات منه وهو يحكم قبضته عليها..
هز رأسه بنفي لما يحدث أمامه
فسقط على ركبتيه وقد اهتزت عينيه بذهول حينما رآها وقد استطاعت الإفلات منه لكنه وصل إليها وقام باخضاعها اسفله
رمش بعينيه لا يصدق ما يراه
كيف ذلك؟
كيف استطاع فعل ذلك في حبيبته؟
رآى قوة الصفعة التي صوبها تجاه وجهها حتى انهارت
رآى كيف قام بحملها بكل جبروت صاعدًا بها للأعلى
سقط الهاتف من يده وقد خارت قوته واستند بظهره على المقعد خلفه
لا يصدق ما رآه
مؤكد ان كل ذلك كابوس مزعج وسوف ينتهى باستيقاظه
كانت أنفاسه متسارعة كأنه قدعاد لتوه من سباق ركض.
هز رأسه ينفى ما يراه
يتضرع إلى ربه أن يكون ذلك مجرد كابوس
حتى لو كان عودت نظره من ضمنها لا يبالي.
إذا كان عودة نظره تجعله يرى تلك الحقيقة فليبقى ضريراً أفضل من ذلك العذاب الذي يفتك به الآن
قطب جبينه بعدم استيعاب لكل ما يحدث عندما وضح كل شيء أمامه
قام باغتصابها لذا هربت إلى حازم ليحميها
وهو بالمقابل ماذا فعل
لم ترى منه سوى كل جحود وهو يعاملها كالخادمة
وبعد ذلك….أغمض عينيه بشدة عندما تذكر ما فعله منذ قليل.
لقد اضعفها حبها له وجعلها تسمح له بلمسها وهو ….
وضع رأسه بين يديه وقد شعر بالانهيار
ليس فقط اعصابه بل كل شيء شعر به ينهار من حوله
اضاعها منه بعد ان اصبحت بين يديه.
ليته واجهها بالحقيقة فور عودتها
لكن ماذا يفعل بعناده وعنادها هي أيضاً
لو كانت ألقت ما بجبعتها فور رؤيته لكان خر راكعاً تحت اقدامها يطلب منها الصفح
لكن عنادهما هو من اوصلهم لتلك المرحلة والتي لا عودة لهما منها
تساقطت دموعه وهو يرى توسلاتها له أن يتركها وهو لم يأبى لرجاءها
لم يكن بوعيه وهو متأكد من ذلك
محال ان يفعل ذلك وبأسيل خاصة
فهي روحه ولن يستطيع أحد أن يأذي قطعة منه.
لكن هو على ثقة بأنه لم يتعاطى شيء ولم يفعلها يومًا، ناهيك عن وضع الكاميرا في ذلك المكان
عاد لهاتفه يعيده مرات متتالية نعم لم يكن بوعيه لكن كيف؟؟!
أعاد المقطع من بدايته
جلوس عمه ومجيء العاملة بالقهوة وقد وضح عليها الارتباك
ثم اتصال عمه وخروجه تلاه دخوله مع اسيل وأخذ القهوة منها
تذكر بأنها رفضت في البداية ان يأخذ القهوة وكيف طلبت منه ان تعد غيرها لكنه أصر عليها
رآى كم السعادة التي كانوا يتسامرون بها
وهو يذكر كل ذلك
وانتهى كل شيء يتذكره مع وضع الفنجان الفارغ
رآى كيف كان ينظر لأسيل
نظرات لم يفعلها معها يوماً.
نعم كان يرغبها بشدة لكنه لم ينظر إليها تلك النظرات يوماً
رآى أيضاً قلقها عليه وجلوسها أمامه بقلق بالغ عندما وضع رأسه بين يديه
وكيف جذبها ليقبلها عنوة رغم تمنعها
اعاد المقطع مرة أخرى ليتأكد الآن بأن القهوة لم تكن عادية.
ولم تكن له أيضاً
المقصود هنا عمه وليس هو
لما؟ ومن وراء ذلك؟
الإجابة مع عمه إذًا
أسرع بالاتصال على عمه والذي أجابه تلك المرة لكن باقتضاب
_نعم.
قال داغر بلهفة
_عمي انت وصلت للفيديو ده ازاي؟
أشار خليل لمديرة مكتبه بالانصراف حتى يتحدث بحرية وقال
_بتسأل ليه؟
رد برجاء
_أرجوك يا عمي رد عليا وصلت له ازاي.
تنهد خليل بتأثر على صوت ابنه الذي ظهر عليه الألم
_العاملة لقيته واقع في الارض.
عقد حاجبيه بحيرة
_يعني انت متعرفش حاجة عن الفيديو ده؟
قطب جبينه بدهشة
_انت بتقول ايه؟ وانا ايه اللي يخليني اعمل كدة؟
تابع بجدية
_شوف يا داغر لو كنت عملت كدة…..
قاطعه داغر بصوتٍ حاد
_معملتش…..
كررها بكل الألم الذي سكن روحه
_معملتش ومستحيل اعملها وانت عارف كويس إني مستحيل اعمل كدة وفي أسيل بالذات.
تأكد شك خليل الآن لكن اراد أن يستفهم أكثر
_اومال ايه اللي شوفته في الفيديو ده؟
وضع داغر يده في خصلاته ويشدد عليها
_مش عارف.
ابعد الهاتف عن أذنيه وقام بفتح السماعة ليشاهد المقطع وهو يحدث عمه
_عمي افتح المقطع من عندك.
طاوعه خليل وقام بفتح الفيديو الذي كان على وشك حذفه لولا اتصاله فقال داغر
_عمي انت طلبت القهوة الاول وبعدها جالك فون خلاك تسيب القهوة من غير ما تشربها صح؟
أومأ خليل دون ان يفهم مقصده
_صح، وبعدين ؟
تابع داغر
_بعدها انا دخلت مع أسيل وأخدت القهوة من البنت دي، لاحظت ارتباكها لما اخدتها منها.
ضيق خليل عينيه وهو يلاحظ حقاً ارتباك الفتاة
_واضح.
تابع داغر
_بعدها كنا بنتكلم عادي جداً وبنتفاهم على المكان اللي هنعيش فيه
من وقت ما حطيت الفنجان الفاضي على الترابيزة مش فاكر حاجة من وقتها.
اتسعت عين خليل بذهول مما يسمعه
_تقصد إن القهوة كان فيها حاجة؟
_مؤكد بس مكنتش انا المقصود.
قطب خليل جبينه بدهشة وسأله
_تقصد مين؟
رد داغر وهو يغمض عينيه بألم
_انت اللي كنت مقصود يا عمي مش انا.
أصيب خليل بالصدمة من قول ابن أخيه
وأعاد المقطع من بدايته فتأكد من قوله
هو المقصود من ذلك حقاً
لكن لما؟ ومن وراء ذلك
تذكر عندما رآى تلك العاملة تقف أمام اللوحة المعلقة على الحائط في وقت متأخر
وتذكر مدى ارتباكها عندما سألها ماذا تفعل في مثل ذلك الوقت وهنا تأكد من حديث داغر وافقه قائلاً
_فعلاً واضح أوي إن انا اللي كنت مقصود مش انت لان الكاميرا دي اتحطت مكانها قبل انت ما ترجع من السفر.
بس مين اللي عمل كدة وليه؟
لم يكن داغر منتبهاً لشيء كي يجيب عليه
فهيئة أسيل وهي تحاول الفرار منه وضربه لها لا تفارق مخيلته.
شعر خليل بالذنب تجاه ابن أخيه
والذي تحمل ذلك المصير بدلاً منه
لذا اغلق الهاتف كي يستطيع هو الوصول لمن خلف ذلك.
❈-❈-❈
في المشفى
تطلع إليهم الطبيب بأسف وقال
_الفحوصات كلها أكدت أنها مصابة بورم دموي أصيبت به جراء ضربة قوية على الرأس وقد ضغط على مناطق حيوية في المخ لذا علينا الإسراع بإجراء جراحة في أقرب وقت.
انصدم سليم من هول ما سمعه
وشعر بالدنيا تلتف من حوله
تطلع إلى الطبيب بصدمة وكرر كلمته بعدم استيعاب
_ورم؟
رفع الطبيب حاجبيه مؤكدًا مما جعل قلب سليم ينبض بعنف ولم يستطيع التفوة بكلمة أخرى.
لكن وعد من اعادته لرشده عندما سألت الطبيب
_هل هذه العملية تعد خطرة على حياتها؟
اجاب الطبيب بعملية
_في الحقيقة لن نتكهن بشيء الآن إلا بعد انتهاء العملية والتأكد من مؤشراتها لكن لا داعي للقلق هنا طبيب مختص بهذه الجراحة وسأطلب منه إجراؤها
خرج سليم من مكتب الطبيب في حالة يرثى لها
لما القدر يضغط عليها بتلك الحدة وكأنه لم بجد غيرها لينحرها بعذابه
ماذا فعلت أخته حتى تستحق كل ذلك
تلك البريئة التي سقطت في براثين تلك الدنيا الغادرة لا تعرف شيئاً عن غدرها لذا سحقتها بكل قسوة
ربتت وعد على كتفه وتمتمت بألم
_سليم مينفعش تضعف كدة أسيل محتجالك دلوقت اكتر من اي حد
لازم تشوفك قوي قدامها ويمكن ده حصل عشان تعوضها بحنانك اللي في امس الحاجة له
تطلع إليها بألم فأكدت هي
_لو كانت لسة مجروحه منك مكنتش اتحامت فيك، تعالي نشوفها فاقت ولا لأ، لازم تلاقينا جانبها.
اومأ لها رغم آلامه وتوجه إلى غرفتها
❈-❈-❈
لم يترك داغر مكان إلا وقام بالبحث فيه
حتى انه سأل بالمطار لكن تأكد بأنها لم تخرج من هناك.
إذًا اين هي؟
ازداد خوفه عليها عندما وصل الأمر لمراكز الشرطة والمستشفيات لكن لا فائدة.
عاد لسيارته وقد أخذ التعب منه مبلغه
مر يوم كامل يبحث في كل مكان لكن لا فائدة
لم يستطيع العودة إلى منزله دون ان يعثر عليها
حتى عمه بعلاقاته لم يستطيع معرفة مكانها
مسح وجهه بكفيه يحاول تهدئة ذلك الخوف الذي تمكن منه
ماذا سيفعل إذا تم خطفها.
تذكر امر الكاميرات الخاصة بالبناية هي وحدها التي ستساعده في تحديد اتجاهها.
قاد سيارته بأقصى سرعة إلى البناية حتى أنه لم يهتم بركنها ونزل مسرعًا حيث يقطن الأمن
قال لأحدهم
_أريد أن تراجع لي الكاميرات لأمر هام.
تطلع حارس الأمن لزميله الذي أشار له بالرفض فقال بأسف
_لا يجوز ذلك إلا…
قاطعه داغر برجاء
_أرجوك لابد من ذلك فزوجتي خرجت منذ الأمس ولم تعود حتى الآن
فكر الحارس قليلًا عندما رأى مدى قلقه فسأله
_متى خرجت زوجتك؟
رد داغر بتلهف
_أمس في الساعة الواحدة صباحاً.
تطلع الرجل إلى الشاشات الموضوعة أمامه وأخذ يراجع الكاميرات في ذلك الوقت حتى ظهرت أسيل وهي تخرج من البناية بحالة يرثى لها
كان قلبه يتمزق وهو يراها تستند على الجدران وتخرج من المبنى
انتقل الرجل للكاميرا الخارجية فوجدها وهي تدلف البناية المقابلة.
تعجب داغر عندما وجدها تدلف هذه البناية.
شكر رجال الأمن وخرج مسرعًا إلى البناية الأخرى
❈-❈-❈
عادت أسيل لوعيها وهي تشعر بألم شديد يجتاح كامل جسدها لكنه كان أشد في رأسها
فتحت عينيها بتثاقل فتتفاجئ بها داخل غرفة العناية المركزة والاجهزة تحيطها من كل جانب
انتبهت لدخول سليم للغرفة يتطلع إليها بابتسامة
_أخيراً فوقتي.
اومأت بعينيها بوهن وقد شعرت بالأمان يكتنفها بعد تلك الابتسامة التي تراها لأول مرة منه.
وخاصة عندما تقدم منها ليطبع قبلة على جبينها وتمتم بحب
_عاملة ايه دلوقت.
ازدردت جفاف حلقها وردت بتيهة
_حاسة بصداع شديد أوي.
لاح الحزن بعينيه لكنه اخفاه بابتسامته وقال
_هخلي الممرضة تديكِ مسكن وهيروح على طول.
ابتسمت بوهن وقد فهمت من الحزن الظاهر بعينيه أن الأمر أكثر بكثير لسبب تواجدها في العناية وألم رأسها الذي لا يجدي معه اي من المسكنات التي تناولتها في الفترة الأخيرة فسألته بصوتها الواهن
_انا عندي ايه؟
اختفت ابتسامته التي تعب من تزييفها وقال بكذب
_مفيش مجرد ارهاق مش أكتر.
هزت راسها بنفي
_متحاولش تخبي لإني شكه من فترة بس مكنش عندي وقت اهتم.
أمسك يدها بين يديه وتمتم بروية
_صدقيني الموضوع بسيط خالص هينتهي بعملية صغيرة أوي.
اغمضت عينيها من شدة الألم الذي اجتاحها مرة واحدة وبدئ يهدئ تدريجياً فشحب وجهه اكثر عندما سمعها تتمتم بخفوت
_انا خلاص مبقتش خايفة من الموت بعد ما شوفتك.
قاطعها بخوف
_متقوليش كدة صدقيني الموضوع بسيط اوي….
قاطعته هي بوهن
_اسمعني الأول لإني حاسة إني مش هقدر اتكلم تاني
بدأت أسيل بحكي كل شيء منذ ان تعرفت على داغر حتى ما حدث بينها وبينه في الأخير وسليم يستمع إليها وهو يضغط على قبضته بغضب عارم فتابعت بصعوبة في النطق وعينيها شبه مغمضتين عندما شعرت ببوادر غيابها عن الوعي بسبب المجهود الذي بذلته في الحديث
_ابني يا سليم هات ابني وخليه يعيش معاك مش لازم ابوه يعرف بوجوده.
زم شفتيه يحاول التحدث بثبات
_متقلقيش على ابنك بس محدش هيربيه غيرك.
بدأ لسانها يثقل بالحديث وهي تمتم
_عوضه…عن الحنان….اللي اتحرمنا احنا منه….وعوضه عن غيابي…..متخلهش يعمل زينا…ويدور على الحب بر……
توقفت أسيل عن الحديث عندما عادت تلك النوبة إليها واخذ جسدها يتشنج بشكل مهيب.
ضغط سليم على الزر فاسرع الطبيب ومعه ممرضة يقتحموا الغرفة واخرجوا سليم للخارج.
لم يسمح سليم بتأجيل العملية أكثر من ذلك
لذا تم اسدعاء الطبيب والذي أمرهم بتجهزيها فوراً
❈-❈-❈
ظل داغر مع حارس المبني ليعرف اسماء المقيمين العرب بها
وبعد محاولات عديدة استطاع العثور على الاسماء فينقبض قلبه عندما قرأ اسم سليم حسين النعماني مدون أمامه.
لم يمهل نفسه لحظة واحدة وأسرع بالذهاب للطابق الذي به شقة سليم
اوقف المصعد وخرج منه يسير في الرواق يبحث عن رقم الشقة حتى استطاع إيجادها
كان قلبه ينبض بعنف وهو يطرق على الباب الذي يخفي عنه حبيبته
لكن لا من مجيب
أعاد الكرة مرة وأخرى حتى خرجت داليدا على ذلك الصوت تسأله
_مين حضرتك؟
التفت داغر باتجاه الصوت فيجد فتاة تتحدث العربية
سألها بلهفة
_فين صاحب الشقة؟
ردت داليدا
_تقصد أبيه سليم؟، مش موجود.
_طيب مفيش حد جوه؟
هزت راسها بنفي
_لأ هو من امبارح في المستشفى لأن أخته تعبانة ومعاها هو ومراته.
توقف قلبه عن النبض للحظات ثم سألها بتوجس
_مالها؟
_معرفش بس بابا لما كلمه قاله انها هتعمل عملية الليلة دي.
رمش بعينيه يحاول استيعاب ما سمعه وردد الكلمة كانه يحدث نفسه
_عملية؟
رفع بصره إليه يرجوها ان تطمئنه
_عملية ايه؟ وانهي مستشفى
هزت دليدا كتفيها قائلة
_معرفش.
لم ينتظر لحظة واحدة واسرع بالذهاب وهو يهاتف الطبيب المعالج لها والذي وجد اتصالات عديدة منه
دلف المصعد وضغط على الزر مرات عديدة باستعجال
اجابه الطبيب
_اين انت سيد داغر زوجتك على وشك الدخول للعمليات.
ازدادت حدة انقباضة قلبه حتى اشعره بالألم
وسأله بصوت مهزوز
_عملية ايه؟
اندهش الطبيب من عدم معرفته بالنتيجة
_الم يخبرك سيد سليم.
اغمض عينيه بضجر وعاد يسأله
_عملية ايه؟
رد الطبيب رغم حيرته
_ورم دموي.
لم يستمع داغر سوى لكلمة ورم والتي جعلت الدنيا تسود أمامه
حتى شعر بأن قدميه أصبحت كالهلام لا تقوى على حمله
توقف المصعد مما جعله يتحامل على نفسه وخرج متوجها إلى سيارته يقودها بأقصى سرعة
لا لن يجعلها تدخل قبل ان يعتذر لها
لا يقبل بدخولها حتى تغفر له وتسامحه
لن يقبل
كان يقود سيارته والتي برغم سرعتها التي ستعرضه للمسائلة إلا إنه شعر بأن السيارة ثابتة لا تتحرك
تدحرجت دموع الندم من عينيه يدعوا ربه ألا تدخل قبل أن يراها.
إن حدث لها شيء فلن يسامح نفسه ولن يستطيع العيش بدونها لحظة واحدة
أصدرت السيارة ضجيج عالي عندما توقف بها أمام المشفى وترجل مسرعًا للداخل يسأل الاستقبال عن مكان غرفة العمليات
ترك المصعد عندما وجده في الدور الاخير لن ينتظر هبوطه لذا اسرع الصعود باستخدام السلالم حتى وجدها موضوعه على الحامل ويدلفوا بها الغرفة هز رأسه برفض وقد اتسعت عينيه متمتمًا باسمها بدون وعي
_أسيل.
ركض باتجاه الغرفة وهو يناديها بأعلى صوته مما لفت انتباه سليم فعلم أنه هو
هم باقتحام الغرفة لكنهم أغلقوا الباب خلفهم فصاح بأعلى صوته وهو يراه ينغلق أمامه
_أسيل.
رفض أن يتركها دون أن تسامحه فهم باقتحام الغرفة لكن منعته تلك الأيدي الحازمة بلكمة شديدة كادت تسقطه أرضًا
❈-❈-❈
لم يكف الطفل عن البكاء وكأنه يعلم ما تعانيه والدته
توقفت هايدي عن السير به وقد يأست حقاً من تهدئته
فقالت لأمينة
_الولد كأنه حاسس بها مش راضي يبطل عياط.
لم تكف أمينة أيضاً عن البكاء منذ ان هاتفهم سليم كي يخبرهم بما حدث ويطمئن على ابنها
_وانا كمان قلبي بيتقطع عليها، صعبانة عليا اوي.
دلف حازم من الخارج في وجوم تام
_السلام عليكم.
رد الجميع السلام ثم جلس على الأريكة فتسأله هايدي
_مفيش أخبار عن أسيل.
هز رأسه بنفي وتحدث
_لا مفيش سليم قالي لما تخرج من العمليات هطمنك ولحد دلوقت مكلمنيش.
تنهد بتعب وتابع
_بس العملية دي مش سهلة ربنا يستر.
تطلع إلى إياد الذي هدئ نحيبه وغفى من شدة التعب.
_سليم طلب مني أسفرله إياد بس مش عارف ده هيحصل ازاي.
سألته أمينة بتوجس
_ليه هي مش هترجع؟
نفى حازم
_لأ سليم قالي انها مش هترجع تاني وانها هتفضل معاه.
❈-❈-❈
في المشفى
وقف سليم امام داغر يمنعه من الدخول وهو يقف أمامه يرمقه بسخط
مسح داغر جانب فمه من الدماء وقال بتحذير
_أوعى من قدامي.
رمقه سليم بسخط وغمغم بانفعال
_احمد ربنا إننا في مستشفى وإلا كنت موتك بايدي.
تطلع إليه داغر بازدراء وقال ببغض
_زي ما عملت في اختك والاخر رمتها لغيرك.
ازداد انفعاله ورغبة ملحة بأن يقتله بيده على ما فعله بأخته لكنه أحجم تلك الرغبة حتى يطمئن عليها وتمتم بغضب
_وانت بتتكلم بأي صفة بعد اللي عملته فيها.
رد داغر بهدر يدل على مدى عذابه
_مكنتش في وعيي ومش فاكر اي حاجة من اللي حصل وبدل ما حضرتك تسمعها وتقف جنبها رمتها لغيرك
أشار باصبعه على نفسه وتابع
_انا اللي حبتها وعملت المستحيل عشان اسعدها واعوضها عن العذاب اللي شافته معاكم.
و لولا اللي حصل واللي كان غصب عني كان زماني مخليها أسعد واحدة في الدنيا.
انا بحب أسيل ولو الدنيا كلها وقفت قدامي مش هتقدر تمنعني عنها.
تقدمت منهم احد الممرضات وقالت بتهذيب
_ارجو عدم الازعاج والتحدث بخفوت.
اومأت لها وعد وردت
_حسناً نأسف للازعاج.
انصرفت الممرضة وقالت وعد
_اللي انتو بتعملوه ده مش وقته خالص خلينا نطمن عليها الأول ونسيبها هي اللي تقرر.
جلس داغر على الأرض بأرهاق وأسند ظهره على الجدار خلفه
أغمض عينيه بندم يكاد يفتك به وازداد تضرعه لله أن ينجيها.
❈-❈-❈
في منزل شاهي
عادت من الخارج تسير بتبختر بعد أن استولت على كل شيء كان لوالدها يومًا
لا يهم الطريقة التي حصلت عليه بها المهم أنها بالنهاية أنه عاد إليها
قامت بتغيير كل العاملين في المنزل لا تريد أن يذكرها أحد بهم
نادت على احد العاملات الجدد
_سامية..
خرجت الفتاة من المطبخ وهي تقول بتهذيب
_حمد لله على السلامة يا هانم.
تحدثت شاهي بأمر
_حضري الغدا بسرعة عشان عندي مشوار ضروري.
اومأت لها بمكر
_تحت امرك دقيقة وهتكون السفرة جاهزة.
صعدت شاهي إلى غرفتها كي تبدل ملابسها وتستعد للخروج مرة أخرى.
وضعت العاملة الطعام أمامها ثم انصرفت لتعود إلى المطبخ ومنه للخارج بعد ان اجرت مكالمة أخيرة.
كانت شاهي تتناول طعامها على عجاله ولم تعير هاتفها الذي يصدح منذ فترة اي إهتمام
زفرت بضيق عندما علمت بأنه لن يكف عن الرنين لذا ردت باحتدام
_وبعدين قولتلك ستين مرة لما مردش من اول مرة اعرف اني مشغوله.
ضحك وائل من الجانب الآخر وسألها بمكر
_مشغولة في ايه عرفيني يمكن اشيل عنك شوية.
نهضت شاهي من السفرة وقالت بضيق
_عايز ايه إخلص.
_عايز سلامتك يا حبيبتي انا قلت بس اكلمك مكالمة أخيرة عشان متموتيش وانا مقصر معاكي، سلام بقا عشان يادوب الحق الطيارة اللي راجعة مصر عشان اخد العزا بنفسي.
وقبل ان تفهم شاهي مقصده شعرت بألم حاد بمعدتها فتتأوه بألم وهي تضع يدها عليها
استندت على المقعد عندما ازداد الألم وحاولت ان تصرخ لتستنجد بأحد لكن لم تساعدها قوتها على ذلك
هوت على ركبتيها تصرخ بألم لكن صرخاتها واهنة لن يسمعها أحد
حاولت النهوض والتحرك كي تخرج من المكان تستنجد بمن بالخارج لكن هوى جسدها على الأرض وبدأت تتقيء دماً وجسدها ينتفض بحدة حتى خرجت روحها.
❈-❈-❈
عاد وائل إلى مصر بعد أن هدئت الأمور وتأكد من موت اخته والذي استمر وجودها في المشفى ليومين حتى توقف قلبها وأعلنوا وفاتها
لذا عاد إلى مصر كي يرفع اعلان الوراثة ومن غيره وريثاً لها
دلف الفيلا وهو يشعر بانتشاء لعودته إلى منزله بعد غياب دام لأعوام كثيرة حرم عليه أن يدخله
لكن أخيراً ابتسم له القدر وجعله يعود إليه مالكاً له.
ايام قليلة وسوف تكون هذه الأملاك باسمه وحده.
لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن إذ سمع صوت سيارات الشرطة تقتحم المنزل مما جعله يندهش
خرج ليفهم ما يحدث فوجد الشرطة تتقدم منه وقال الضابط فور رؤيته
_اقبضوا عليه.
صاح بهم وائل
_هو ايه اللي بيحصل؟
قال الضابط
_هتعرف…خدوه على البوكس.
أخذوه مجبرًا وهو يصيح بهم انا معايا جنسية أمريكية محدش يقدر يمسني.
اومأ له الضابط وقال بتوعد
_جنسية أمريكية تمام.
تطلع للعساكر وتحدث بأمر ارموه في البوكس زي الكلاب لحد ما نروح القسم
صعد وائل سيارة الشرطة مرغماً وهو لا يفهم ما يحدث..
رن هاتف سليم وهو في طريقه مع وعد للمشفى
فقال سليم
_انت متأكد.
_……..
اومأ له
_تمام لو قدرت توصل لمكان بابا عرفني على طول.
اندهشت وعد مما تسمعه وسألته
_في ايه يا سليم؟
اعاد سليم الهاتف لسترته ورد عليها
_الشرطة قبضت على وائل اخو شاهي أول ما نزل مصر، كان فاكر إن الموضوع سهل وهيفلت منها.
ابتسمت بسعادة
_بجد؟ بس الشرطة عرفت ازاي.
زم فمه بضيق عندما تذكر ذلك اليوم
_انا كلفت واحد صاحبي انه يهكر فون شاهي عشان اعرف مكان بابا وفي آخر مكالمة كانت بينها وبين اخوها بيقولها انه حطلها السم في الأكل وقتها خليته يقدم التسجيل للشرطة وطبعاً بما انه برة مصر محدش قدر يوصله واول ما نزل قبضوا عليه.
_طيب وباباك.
تنهد قائلاً
_لسة مش عارفين.
توقفت السيارة أمام المشفى وتوجهوا حيث غرفة أسيل والتي لم يتركها داغر لحظة واحدة
لم يتعاطف سليم معه حتى بعد ان عرف الحقيقة كاملة
ما كان عليه أن يطلب منها المخاطرة ويأخذها منزله ولا أن يطالبها بالخروج معه
كما انه شجعها مرات كثيرة على مقابلته.
توقف مكانه عندما لاحظ حركة داخل غرفتها
تطلعت إليه وعد بخوف فوجد قدميه تسرع إليها مقتحماً الغرفة بقلب لهيف فيجد الطبيب يتحدث مع اسيل يحثها على الرد وداغر يقف يشاهد ما يحدث بقلب ملتاع.
حركت اسيل إصبعها مما جعل الطبيب يقول
_لقد فاقت اخيرًا واصبحت بأفضل حال، سنتركها الليلة هنا في العناية تحسباً لأي ظرف وفي الصباح سنقوم بنقلها.
ثم خرج من الغرفة.
تقدم داغر منها ليمسك يدها لكن سليم منعه
_إبعد عنها.
تطلع إليه داغر باحتدام وهم بمعارضته لكن سليم تحدث بحزم
_انت آخر واحد أسيل محتاجة تشوفه، ياريت تبعد لحد ما تفوق وتسترد صحتها وبعدين اظهر براحتك.
توحشت نظرات داغر وغمغم من بين أسنانه
_محدش بعد النهاردة هيقدر يمنعني عنها،هستناها تفوق واعرفها كل حاجة وهي اكيد هتسامحنى
لكن إني أسيبها تاني مستحيل يحصل حتى لو فيها موتي.
تحدثت وعد بمحايدة كي تنهي ذلك الجدال
_احنا حاسين بيك وعارفين ان كل اللي حصل كان غصب عنك بس هي دلوقت وضعها أصعب ومينفعش نعرضها لصدمات تانية، ارجوك سيبها لحد ما تسترد صحتها وبعدين اعتذر منها وفهمها كل حاجة لكن دلوقت حقيقي مش هينفع.
ضغط داغر على يدها التي يحتويها بيده وكم صعب عليه ذلك الأمر لكن هي محقة
بعد ما فعله معها هو آخر واحد تريد رؤيته أمامها.
لذا اضطر رغمًا عنه ان يوافقهم فقط حتى تسترد صحتها وبعد ذلك لن يمنعه أحداً عنها.
رفع يدها إلى فمه ليطبع قبلة حانية عليها قبل أن يسحب يده بصعوبة بالغة عندما بدأت ترمش بعينيها.
خرج بهدوء من الغرفة وصوتها الواهن التي تردد به اسم أخيها علق بذهنه وهو يرى سليم يتقدم منها بدلاً منه
اخذ يتطلع إليها من خلف الزجاج وهي تتشبث بيد أخيها
لم يبرح مكانه إلا عندما رآى بعينيه الحنان الذي يغدقها به أخيها.
عليه أن يرحل الآن فهو ليس سوى لعنة سقطت عليها
وعليه هو أن يبتعد الآن.
❈-❈-❈
بعد مرور شهر..
وقفت أسيل على الشاطئ تتلاعب نسمات البحر بخصلاتها البنية
كانت تتطلع إلى بعيون هائمة
فذلك البحر الذي شهد على أجمل لحظات مرت بحياتها شهد أيضاً على أصعب أيام مرت عليها.
شددت من ضم سترتها عليها عندما شعرت بالبرد وتذكرت مشهد مماثل وهو يضع غطاء سميك عليها
قطبت جبينها بحيرة من ذلك القلب الذي رغم كل ما حدث مازال يعشقه
والعجيب في الأمر أنها تشعر به حولها
تشعر دائمًا أنها مراقبة وعندما تلتفت حولها لا تجد أحد
مما يجعلها أحياناً تشعر بالذعر وتعود إلى المنزل.
ظلت تتلفت حولها عندما عاد ذلك الشعور
حاولت أن تتأكد من ذلك الأمر وظلت تبحث لكن لا أحد.
قررت الذهاب لعملها وقد تأكدت تلك المرة أنها مجرد أوهام.
عادت أسيل إلى المطعم فتمر اولاً على مكتب جدها
دلفت وهي تقول بمزاح
_هل مازلت هنا أيها الوسيم.
نهض جدها وهو يتمتم باعتراض
_إذا كانت مساعدتي تتأخر فلن استطيع ان ابرح مكاني حتى تعود.
تقدمت منه لتقبل خده وتمتمت باعتذار
_اسفة على التأخير لكني كنت اطمئن على حفيدك فقد أخبرني سليم بأنه سيأتي به الأسبوع القادم.
نهض جدها وهو يتمتم بسعادة
_إذا فدعيني اعود مسرعًا كي استعد لاستقبال ذلك الشقي بطريقتي الخاصة.
قبل خدها ثم خرج من المكتب.
فجلست هي تأخذ مكانه
فمنذ ان جاءت هنا وهي تعمل بلا حدود كي لا تفكر في شيء
لم تبالي بتلك الرسائل التي تصلها وتقوم بحذفها دون قراءتها ظناً منها أنها طريقة أخرى كي يصل لمبتغاه
أيام قليلة وسيأتي ابنها ولن تعود مهما حدث.
نهضت من مقعدها كي تشرف على العاملين في المطعم وتساعد بعضهم في إعداد الطعام
تلك هي الطريقة الوحيدة التي تجعلها تنشغل عن ذلك القلب الخائن الذي يتلهف لقراءة رسائله.
ينقضي اليوم بهذه الطريقة وتظل تتحدث مع جدها أو بعض اصحابها كي لا تنفرد بنفسها وتهاجمها ذكريات تعمل بكل الطرق على ردعها.
حتى أحياناً تطلب منه ان يظل بجوارها حتى تنام ولم يبخل عليها باهتمامه بعد ان علم بما عانته حفيدته.
يتأكد أنها نامت ثم يغلق الضوء ويخرج من الغرفة تاركاً لذلك العاشق بعض الخصوصية كي ينفرد بحبيبته.
بقلب لهيف يدلف داغر الغرفة يتأمل بعشق جارف تلك النائمة لا تعرف شيء عن مجيئه بعد ان رآى جدها مراقبته للمنزل وسيره خلف حفيدته
وعندما استطاع الوصول إليه وسأله عن سبب تتبعها أخبره بكل شيء
ومنذ ذلك الحين وهو يسمح له بالمبيت في الغرفة بعد أن تأخذ أسيل المهدئ الذي يجعلها تنام بعمق حتى الصباح.
خلع داغر حذاءه واندس بجوارها متلفحاً بالغطاء الذي جمع كلاهما
وبكل روية يمد يده أسفل عنقها يسحبها إلى صدره كي يجعلها تضع رأسها فوق قلبه ربما تشعر بنبضاته الثائرة.
يظل طوال الليل يتأملها وقبل شروق الشمس يطبع قبلة على ثغرها ثم يرحل.
وفي الصباح تنهض كعادتها لتراقب الشروق على شاطئ البحر وتظل هناك
حتى ميعاد عملها.
_أسيل.
تصلب جسدها عندما سمعت صوته يتمتم باسمها فظنت بأن ما تسمعه في منامها يتكرر في يقظتها لكن حينما انعاد استدارت كي تتأكد مما تشك به.
وقد أصبح شكها يقيناً عندما وجدته أمامها يتطلع إليها بعشق ووله.
انقبض قلبها وشعرت بالخوف منه فهزت رأسها ترفض أن يعود ذلك الرجل مرة أخرى لحياتها.
لم تجد أمامها حل سوى الهرب
وعندما وجدته يخطوا تجاهها لم تجد أمامها مهرب سوى أن تلوذ بالفرار من أمامه
لم يندهش من فعلتها بل آلمه قلبه عليها
فاسرع بالركض خلفها كي يوقفها
_أسيل استني وانا هفهمك كل حاجة.
صرخت أسيل بفزع من سماع صوته واسرعت بالركض بلا هوادة
وصوته الذي يناديها يجعل قلبها ينتفض رعباً
صرخت بأعلى صوتها عندما وجدته يحيط كتفيها يوقفها
_أسيل اهدي ارجوكي واسمعيني.
علت صرخاتها وهي تحاول الإفلات منه
لكنه كان يشدد ذراعيه حولها يحاول التحكم في حركتها كي لا تهرب منه.
لم تؤثر بها كلماته وهي تصرخ بخوف أرعبه عليها
_طيب اسمعيني وبعدها هسيبك تمشي بس أرجوكي اسمعيني
صرخت بأعلى صوتها
_ابعد عني بقا…
اغمض عينيه بأسف على ما اوصلها له وقال برجاء
_طيب إهدي…
جعلها تستدير بين يديه وأمسك ذراعيها كي لا تهرب منه وتمتم بوله
_أسيل أنا بحبك اسمعيني.
صرخت به حتى شعرت بانشقاق حلقها وهي تصيح
_اسكت بقا مش عايزة اسمع تاني، ابعد عني وارحمني منك
توقفت عندما شعرت بقدميها تتراخى وتنزل على الأرض من شدة الدوار
كادت ان تسقط لولا ذراعيه التي تدعمها كي لا تسقط
تحولت صرخاتها إلى نحيب وقد استسلمت له من شدة الإجهاد الذي مارسته كي تهرب منه
هي تعلم جيدًا بأنها لم تسترد صحتها كاملة بعد لذا أُجهدت حقاً
جذب رأسها إلى صدره وهو يغمض عينيه بألم شديد عليها وإلى ما وصلت إليه حبيبته..
_إهدي يا عمري وانا هفهمك كل حاجة.
هزت راسها المستندة على صدره وتمتمت بألم
_ابعد عني بقا مش عايزة اعرف حاجة غير انك تبعد عني.
أخذ نفس عميق يهدئ به من آلامه وتمتم بحزن
_لما تسمعيني هتعذريني.
ابعدها عنه قليلًا كي يحيط وجهها بكفيه ويرفعه إلى مرمى عينيه وتمتم بثقة
_اسمعيني وبعدها هسيبك تمشي بس اديني فرصة اعرفك الحقيقة…
هزت راسها بهستيرية وهي تدفعه بعيدًا عنها صارخة فيه
_قولتلك مش عايزة اسمع حاجة سيبني فى حالي بقا انت دمرتني وضيعت حياتي.
رد بلهفة وعيون تقطر ندماً
_هعوضك يا عمري عن كل ده بس أرجوكِ خلينا نتكلم.
ارتد داغر للوراء عندما دفعته بصدره وقالت بانهيار
_مبقاش في كلام بينا، ليه عايزني اسمعك وانت مفكرتش لحظة واحدة تسمعني، كنت بتخدعني الفترة دي كلها عشان توصل لغرضك ومكتفتش بده، كملت خداعك ودمرتني للمرة التانية(صرخت به بكل الألم الذي سكن مكنونها) وانت بتتهمني في شرفي ومع حازم الانسان الوحيد اللي وقف جانبي وساندني.
تشنج فمه من شدة الغيرة وصاح بها
_متجيبيش سيرته على لسانك…
قاطعته أسيل بتعند
_لأ هجيب لأنه هو الوحيد صاحب الفضل عليا وإني لسة واقفة على رجلي لحد النهاردة
حازم عمل معايا اللي أقرب الناس ليا معملوش.
تساقطت دموعها وهي تتمتم بامتنان لحازم
_من صغري وهو ضهر وسند ليا، كان بيعوضني عن كل اللي اتحرمت منه، حتى لما غدرت بيا محدش وقف جانبي غيره، اداني بيته بعد ما كنت في الشارع وأداني اسم أخته، حتى أمه سبها معايا، وبعد كل ده تيجي تقولي متجيبيش اسمه على لسانك.
دفعته بكل قوتها على صدره رغم خطورة الأمر على صحتها التي لم تستردها بعد وقالت بغضب
_أومال أجيب اسمك انت بعد كل اللي عملته فيا ومستظلم حقك.
هزت راسها بازدراء
_انت احقر انسان شوفته في حياتي..
تحمل داغر حديثها اللاذع فهي محقة إذا كانت لا تعلم الحقيقة
همت بالذهاب لكنه امسك ذراعها يمنعها
_أسيل….
قاطعته بهدر وهي تجذب ذراعها منه
_متنطقش اسمي على لسانك
اشار لها ان تهدئ لأن الطبيب حذره من التعصب وتمتم بهدوء
_طيب اهدي وإديني فرصة اعرفك ازاي ده حصل.
عادت الذكرى تقتحمها مما جعل اطرافها ترتعد لكنها جاهدت كي لا يرى ذلك وصاحت به
_مش عايزة اعرف، مش طايقة حتى اسمع صوتك، كل اللي عايزاه انك تبعد عني وتسيبني أعيش لأول مرة الحياة اللي انا عايزاها مش اللي انتم عايزنها، بس قبل ما تمشي تطلقني..
توحشت نظراته عند ذكر تلك الكلمة وامسكها من ذراعها يهزها بعنف فقد فيه السيطرة على اعصابه
_الكلمة دي متتكررش تاني انتِ فاهمة، مفيش قوة في الأرض هتخليني اطلقك مهما حصل مستحيل..
شعرت أسيل بالدوار من هزه لها فرفعت يدها إلى رأسها مما جعل داغر يأنب نفسه
لقد أخبره الطبيب ان يتروى معها فهي في فترة نقاهة ولم تسترد عافيتها بعد فتمتم بقلق
_أسيل انا آسف…..
وجدها تتهاوى في وقفتها من شدة الدوار الذي اقتحمها بسبب هزه لها فقام مسرعًا باسنادها وسألها بلهفة
_انتِ كويسة؟
أغمضت عينيها تحاول الثبات لكنها لم تقوى على ذلك
لم تجادل داغر عندما حملها وسار بها اتجاه منزله فهي مازالت ضعيفة من جراء العملية لكنها تقاوم كي يوافق سليم على إرسال ابنها لها.
دلف داغر منزله ثم وضعها على الأريكة بقلق بالغ
ابعد خصلاتها عن وجهها وقال بلهفة
_احسن دلوقت؟
كان الدوار شديد حتى إنها لم تستطيع إجابته
نهض داغر من جوارها وأسرع بالاتصال بالطبيب يسأله عن سبب ذلك فقال الطبيب باستياء
_لقد أخبرتك سيد داغر أن تؤجل تلك المواجهة كي لا تتعرض لهذه الحالة.
استاء داغر من تسرعه وسأله
_ماذا افعل الآن؟
_اتركها ترتاح قليلًا وستكون بخير.
في منزل صغير بالقرب من منزل جدها
جلست أسيل على الأريكة تنزوي عليها ومازالت تلك الرهبة تراوضها، ما الذي جعلها تستسلم له وتتركه يأخذها إلى منزله؟
لما ذلك الرجل يسيطر عليها بذلك الشكل وتتحول لدمية أمامه يتلاعب بها كيفما يشاء
لكن تلك المرة لن تنخدع وستسمعه ثم تلقي بمبرره في وجهه.
أشاحت بوجهها عندما وجدته يخرج من المطبخ ويتقدم منها حاملاً كوبين بين يديه.
ناولها أحدهم وقال بتروي
_اشربي ده هيريحك.
أشاحت بوجهها بعيدًا عنه لكنه أعاد كلمته
_قولتلك هيريحك.
وافقت كي لا تتجادل معه ثم حبستها بين يديها
جلس على المقعد المجاور لها وقال بتعاطف
_انا عارف إني ظلمتك كتير وكنت سبب في تدمير حياتك بس أقسملك انه ما كان بإرادتي.
لم تعير حديثه أي أهمية كيف لم يكن بإرادته وقد تعمد حدوث ذلك.
_على العموم اسمعيني، وبعدها هسيبك تمشي.
ترقرقت الدموع بعيونها وتمتمت بألم
_اسمع أيه؟ أسمع غدر الإنسان الوحيد اللي حبيته ووثقت فيه وكنت مستعدة أديله عمري لو طلبه، ولا لما رجعت أأمن له من تاني وبرضه غدر بيا من تاني.
جثى على ركبتيه أمامها وهم بلمس يدها لكنها جذبتها قبل ان يصل إليها صرخت بتحذير
_متلمسنيش.
اومأ لها يطمئنها
_تمام بس إهدي، انا هحكيلك على كل حاجة ومش مطلوب منك غير انك تسمعي.
وافقته لأنها تعلم جيدًا بأنه لن يتركها حتى تستمع له.
بدأ يحكي لها ما حدث في قضية عمه وكيف أن ذلك الرجل وضع ذلك المخدر في القهوة كي يبتزه به لكن هما من سقطا به
فتابع
_فوقت لقتني في الجنينه مش عارف ايه اللي حصل ولا ايه اللي جابني هنا، دخلت بسرعة اخدت الفون واتصلت عليكِ لقيت فونك غير متاح، اخدت مفاتيح العربية وخرجت بها وطبعا تركيزي كان ضعيف لحد ما شوفتك وانتِ في العربية
لفيت بسرعة عشان اروح وراكي بس العربية اتقلبت بيا ومش فاكر حاجة بعدها غبر لما فقت ولقتني اعمي.
بوغت عندما وجدها تتطلع إليه بجمود وتسأله
_والمطلوب مني؟
عقد حاجبيه بحيرة فتابعت هي
_اقولك خلاص مسمحاك ونرجع لبعض وننسى اللي فات؟ هو ده اللي انت عايزه؟
علا صوتها قليلًا
_بالسهولة دي شايف إن اللي حصل ممكن يتنسي والعذاب اللي شوفته من عملتك سهل يتمحي من حياتي؟
هزت راسها بنفي وقالت بضياع
_مستحيل، عارف ليه؟ لإني هحتاج عمري على عمري عشان اقدر أنسى.
تطلع إليها برجاء
_اوعدك إني هنسيكِ كل ده، مش هسمح للدموع أنها تنزل من عينيكِ تحت أي ظرف، أسيل انا بحبك محبتش حد ولا هحب غيرك ارجوكِ متزوديش عذابي اللي ربنا وحده عالم بيه، بلاش تعاقبيني على حاجة قولتلك إني مليش ذنب فيها؟
تمتم بعذاب وهي يتذكر مقتطفات من ذلك اليوم
_انا اليوم ده كنت ببات احلم به وماتخيلتش انه يحصل بالشكل ده ولا إني مافتكرش حاجة منه
اقسملك إن عذابي كان أضعاف عذابك لما فوقت ولقيت نفسي فقدت كل حاجة
نظري وشغلي والانسانة الوحيدة اللي حبيتها
كل حاجة ضاعت من ايديا مرة واحدة
كنت محتاجلك اكتر من اي حد في الدنيا، مكنتش اعرف إنك بتعاني زيي
سألت عليكِ وعمي بعت حد يحاول يوصلك بس قالوا إنك سافرتي إيطاليا وقتها قلت انك اتخليتي عنى خلاص
أول ما رجعت اسكندرية عشت على أمل إنك تعرفي وتجيني لحد ما جيتي فعلاً
عرفتك وقتها، صحيح مش بعينيه بس عرفتك بقلبي وصوتك اللي مغبش عني لحظة واحدة
عارف إني قسيت عليكِ وقتها بس انا كمان كنت مجروح منك، كنت شايف فيكِ إنك اتخليتي عني لما عرفتي بعمايا
كنت عايز انتقم منك بس لقيت إني اضعف من كدة بكتير
بس كل اللي كان محيرني ازاي رجعتي؟ وليه غيرتي اسمك؟ وليه بتشتغلي ممرضة، اسئلة كتيرة وللأسف معرفتش أوصل لأجابة لإني ببساطة كنت واحد أعمى مش شايف تحت رجله، لما وقعتي من السلم وقتها حسيت بعجز رهيب
مش عارف ايه اللي حصلك ولاعارف أحدد مكانك، دورت عليكِ وانا بحسس زي المجنون ولما وصلتلك شيلتك بس معرفتش اتحرك بكِ خفت لو اتحركت اقع بكِ وتضري أكتر، وقتها صرخت زي المجنون وانا واخدك في حضني وزي العاجز مش عارف اتحرك.
وده كان أكبر دافع عشان نظري يرجعلي والحمد لله شوفت وقتها وعرفت إن قلبي مخدعنيش وإنك فعلاً أسيل.
رفع عينيه إليها وتابع بصدق
_لما طلبت اتجوزك كنت اعترفت لنفسي إني لسة بحبك وكان غرضي إني اتجوزك بجد واوجهك إني عارف كل حاجة واطلب منك ننسى اللي فات ونبدأ مع بعض من جديد
وأكبر دليل على كدة اللي حصل بينا في الشقة..
زم فمه بأسف للذكرى وتابع
_بس كان غصب عني لما لقيتك مش بنت، أي حد مكاني كان هيعمل كدة وأكتر كمان….
قاطعته أسيل كي لا تستمع للباقي
_خلصت كدة؟
رمش بعينيه لا يجد ما يقوله فتابعت هي نحره
_سيبني بقا امشي.
نهضت وينهض هو واقفاً قبالتها يتطلع إليها بعتاب وتمتم برجاء
_أسيل متمشيش.
اهتزت نظراتها وقد لامس رجاوءه قلبها لكنها أبت أن ترضخ له ومرت من جواره غير عابئه بنظراته الراجية لها
لكن من قال أنها لا تبالي برجائه
بل انسحبت عندما شعرت بأنها تضعف أمامه
خرجت من المنزل كي تسمح لدموعها بالانهمار
لن تكون عودتها إليه بتلك السهولة عليها ان تلملم شتاتها وتمحي من داخلها بقايا القهر الذي عاشته
ومن قال أيضاً بأنه سيتركها ترحل بتلك السهولة
خرج خلفها يسرع الخطى حتى وصل إليها وجذبها من ذراعها ليديرها إليه يحتضنها بقوة لن يسمح لها بالذهاب بعد اليوم بعيدًا عن دائرته
_مش هسيبك يا أسيل تبعدي لو مهما حصل.
شدد من احتضانه لها وتمتم بشغف
_بعدك والموت واحد لإنك انتِ كل عمري.
كانت تبكي وهي مستسلمة بين يديه بتملك عاشق
يخفي وجهه بخصلاتها كي يخفي عنها دموعه التي لم تنساب على أحد سواها حتى اختلطت دموعها بدموعه
وكلاهما ينفطر الماً على الآخر
رفع كفيه إلى وجهها يمسح دموعها التي تكوي قلبه بابهامه لكنه أصبح لا يعرف أن كانت دموعها أم دموعه
كان يضع جبهته على خاصتها ولم يستطيع أحد منهم ردع تلك الدموع التي تنهمر بقوة
وكلا منهم يبكي على حال الآخر وحال الآخر هو حاله.
اعاد رأسها على صدره يقبله بأسف وندم متوعدًا بأشد عقاب لمن قاموا بتدميرهم
ابعد وجهها عن صدره ومسح دموعها بابهامه ثم تمتم بغصة تهز قلبها وقلبه
_سامحيني يا حبيبتي…
رفعت عينيها إليه فوجدته يرمقها بعينين دامعة مشفقة على كلاهما.
أغمضت عينيها بقوة تحاول السيطرة على نحيبها ورجفتها لكن لا فائدة بل شعرت بالدموع تنهمر أكتر حتى أصبحت قدميها كالهلام
نزلت على الأرض ونزل هو معها ليحتويها اكثر داخل أحضانه وجعلها تخرج تلك الآلام على هيئة بكاء من داخلها
وأقسم ان يكون ذلك هو البكاء الاخير لهما لذا تركها تبكي وتنتحب كما تشاء.
تشبثت به بوهن كأنها تطلب منه ألا يعاد ما فعله معها من قبل
وكأنه علم بما تود القلوب التفوه به لذا شدد من احتضانه لها كأنه يوعدها بذلك
بعد فترة استكانت بين يديه وتوقف نحيبها
تطلع إليها فوجد أنها قد نامت بين يديه..
بكل روية قام بحملها ونهض بها ليدلف منزله ثم صعد بها للأعلى ليضعها على فراشه.
خلع حذائها ثم سترتها كي تنام براحة ثم جذب عليها الغطاء وتركها لتنام
قام بالاتصال بجدها وأخبره أنها ستبقى معه
رحب جدها بذلك ولم يمانع فهي بالنهاية زوجته.
اغلق داغر الهاتف ثم وضع يديه في خصلاته وهو مستند على مرفقيه
لقد وصل التعب منه مبلغه لذا قرر أن ينام أخيراً بعد ذلك الشقاء
خلع سترته تلاها حذاءه ثم استلقى بجوارها على الفراش
جذبها لحضنه يشدد ذراعيه حولها كأنه يخشى هروبها منه.
أغمض عينيه وقد إرتاح قلبه أخيراً برؤيتها معه..
❈-❈-❈
في القاهرة.
دلف سليم غرفة الصغير فيجد وعد مستلقية بجوار إياد الذي غفى على فراشه
فقد أصر منذ عودته إلى القاهرة بعد أن أسترد أملاك والده التي لا يعرف عنه شيء حتى الآن أن يحتفظ بابن أخته لديه
وقد تعلقا به حتى أنهما يخشى رجوعه إلى أسيل والتي رفضت العودة إلى مصر نهائياً
دنى منها ليوقظها بخفوت
_وعد..
فتحت وعد عينيها ليبتسم قلبها قبل ثغرها عند رؤيته
همت بالتحدث لكنها تذكرت إياد الذي نام بعد عناء.
أشارت له بالصمت ثم خرجت معه للخارج وهي تقول بعد ان أغلقت الباب
_أخيراً نام، يظهر إننا زودناها أوي ولازم نبعته لأسيل.
تنهد سليم بعتب وقال
_انا بحاول اضغطت عليها عشان ترجع بس يظهر إنها مصرة وجدي كمان مشجعها تفضل معاه.
ضيقت عينيها بشك
_عايز تفهمني انه ده السبب اللي مخليك مش عايز ترجعه؟
حك رأسه بإحراج
_بصراحة بفكر احتفظ به وهي تخبط راسها في الحيط، عايزة ابنها يبقا ترجع تعيش معانا هنا.
ضحكت وعد وقالت
_انت مجنون بس بصراحة الولد ده بيعلق الكل به، انا مش قادرة أنسى شكل دادة أمينة وانت بتقنعها أنك تاخده يعيش معاك صدقني صعبت عليا أوي.
_هي كمان رفضت تعيش معايا هنا وحازم أصر على الرفض قال أنه سابها تفضل معانا بس عشان أسيل وبما إن أسيل مش موجودة يبقا مينفعش ترجع.
غمغمت بزعل
_بصراحة البيت وحش أوي من غيرها
غمز بعينيه بمكر
_وانا اللي بقالي يومين غايب مكنش وحش من غيري؟
ضحكت وعد وردت
_مين اللي قال كدة
رفعت اناملها تعد عليها
_دا انا عدتهم باليوم والساعة والدقيقة حتى الثانية.
رفع حاجبيه متسائلاً
_أومال فين مش شايف.
هزت كتفيها بلؤم
_بما إنك مش صابر تعالى معايا.
اندهش عندما وجدها تجذبه من يده ودلفت به غرفتهم
فتحت أحد الأدراج لتخرج شيء صغير وتتقدم منه تشير به أمام عينيه
_ده اللي كان بيخليني اعد الثواني عشان تيجي واقولك.
قطب جبينه بحيرة وسألها
_هو ايه ده؟
امسكه بيده فيجد جهاز صغير ويرى بهما خطين باللون الاحمر
قالت بسعادة
_انا حامل.
كان وقع تلك الكلمة عليه رهيب وهو يرى حلمه يتحقق بزوجته التي عشقها وطفل تمناه منها وحلم به كثيرًا
صدحت ضحكتها عندما قام بحملها وأخذ يلتف بها بسعادة كبيرة وقد انقشعت تلك الغيوم من حياته وازدهر حاضره ومستقبله
فقط يصل لوالده وتعود أخته كي ينعما معا بتلك السعادة
انهى خليل امضاء العقود التي وضعها المحامي أمامه
وسيلين تنظر لذلك الرجل الذي وضعها الله في طريقها كي يجعلها تقف على قدميها من جديد
اخذ المحامي الاوراق وقال
_مبروك للجميع.
ابتسمت سيلين وهي تنظر لخليل بامتنان
مبروك ليا إن ربنا وضعك في طريقي.
رد خليل
_انا معملتش حاجة تستاهل الكلام الكبير ده إن شاء الله نوقف المصنع على رجليه من تاني.
نهض المحامي وهو يقول
بالتوفيق إن شاء الله بعد إذنكم.
خرج المحامي فتطلعت سيلين لخليل بامتنان
متشكرة اوي.
ابتسم خليل بود
_على ايه، اي حد مكانك كان هيضايق المصنع بعد ما كان ملك بقى ليكِ شريك.
هزت راسها بنفي
_المصنع شوية كمان هيروح من ايدي نهائي لو كان البنك كلف مدير غيرك
كان زمانه سقطه نهائي واتباع بالبخس.
رد خليل بحكمة
شوفي يا مدام سيلين، اعرفي إن أي مكان بيدخله ربا فهو ساقط، عمر القروض مكانت حل لأي مشكلة لأنها ببساطة بتاخد الحلال بالحرام وتخرج به، ياما بيوت كتيير اوي اتخربت بسبب القروض ومصانع وشركات كان لها وزنها وللأسف بتسقط بسببها.
أيدت رأيه
_فعلا عندك حق
غيرت سيلين مجرى الحديث لتسأله عن داغر
_داغر عامل ايه دلوقت؟
تنهد خليل بتعب منه وقال
_اهو قاعد جنب مراته بيحاول يراضيها ومطلع عيني هنا وعمال يؤمر، اخلص الورق بتاع شغلي عشان ارجع تاني وغيرلي فرش البيت ولا اللي شغال عنده
اندهشت سيلين من أخلاق ذلك الرجل الذي كل مدى يؤكد لها مدى مثابرته على كل من حوله.
نهض خليل ليجلس على مكتبه وهو يقول
_ خلينا بقا نكمل شغلنا.
اومأت له سيلين بإعجاب وبدأت تعمل معه في صمت لا يخلو من النظرات.
❈-❈-❈
فرح؟
رددتها أسيل بوجل رغم رغبتها الشديدة بذلك وخاصة عندما أكد داغر
ايوة يا أسيل فرح احنا نستاهل ده بعد العذاب اللي شوفناه.
اهتزت نظراتها ولا تعرف ماذا تفعل
هل تخبره بأن ذلك أمر مستحيل لأجل ابنهم الذي لا يعرف عنه شيء حتى الآن
أم تلتزم الصمت حتى يأتي الوقت المناسب لذلك
أخرجها من شرودها داغر عندما سألها بتوجس
_انتِ لسة رفضة ترجعيلي بعد ما قولتلك الحقيقة؟
رفعت عينيها إليه فوجدته يرمقها بعينين تحمل لوعة وتوجس.
اخفضت عينيها ووضعت رأسها على صدره وتمتمت
_خايفة؟
حاوطها بذراعيه وهو يملس بيده على خصلاتها يطمئنها
_متخافيش مش هسمح لأي حاجة إنها تفرق بينا من تاني.
ابعد رأسه عن صدره يحتويه بيده وتابع
النهاردة هنرجع مصر انا حجزت التذاكر وهكلم عمي يعزم الدنيا كلها عشان يكون فرح يتحاكى به العالم كله.
تطلعت بعينيه التي ملئتها السعادة وتمتمت بألم
_ مش هينفع.
قطب جبينه بحيرة وسألها
_ ليه يا سيلا لو كان على اللي حصل…..
قاطعته أسيل دون تفكير
_لأن في طفل مش هيقدر يواجه الناس لو عملنا الفرح وهو موجود.
❈-❈-❈
أغلقت هايدي اللاب الخاصة بها فور خروج حازم من المرحاض والذي جلس على الفراش بجوارها قائلاً بحب
_مش قولتلك طول ما انا في الأوضة متخليش حاجة تشغلك عني؟
ابتسمت هايدي بحب وقالت
_مفيش حاجة في الدنيا دي تقدر تشغلني عنك بس ده دكتور الماني جاي مصر قريب بيعالج الحالات اللي زي حالتي فقلت اعرف هييجي امتى ونروح له.
_لسة مصرة، انا خايف عليكِ.
_متخافش عليا لو الدكتور قال ان مفيش امل هنسى الموضوع تمامًا
تمتمت بحنين
بصراحة من وقت ما إياد سابنا وانا حاسة بفراغ كبير أوي.
لم يريد حازم أن يقف أمام رغبتها لذا قال بروية
_اللي تشوفيه يا حبيبتي.
وضعت رأسها على صدره وتمتمت بخفوت
_ربنا يخليك ليا.
_ويخليكِ ليا يا عمري.
❈-❈-❈
رمش داغر بعينيه لا يفهم معنى حديثها فسألها بحيرة
طفل ايه مش فاهم.
اهتزت نظراتها أكثر وازدادت وتيرة دقاتها فيخرج صوتها مهزوز وهي تتمتم
_ا..بـ..ني.
لم يفهم منها شيء لذا طمئنها بعينه وتمتم بهدوء
_لو لسة خايفة مني فانا بقولك متخافيش لو الدنيا كلها قست عليكِ انا مستحيل.
لم يطمئنها حديثه بل جعلها تخشى رد فعله عندما تخبره
وخاصة عندما أخبرها خليل أن تخبره باسرع وقت وإلا سيفعل هو ذلك
ازدردت لعابها بصعوبة وتمتمت برهبة
إياد….يبقى…
توقفت عندما وجدته يقطب جبينه بحيرة
_ إياد ابن حازم؟ ماله؟ متتكلمي على طول يا سيلا.
ازدادت انقباضة قلبها لكنها شجعت نفسها على قول الحقيقة فقالت
_اياد مش ابن حازم لأنه ابنك انت.
تسمر ت عينيه على شفتيها التي نطقت تلك الجملة والتي اوقت العالم عن الدوران حتى شعر بأن قلبه توقف لبرهة من هول ذلك الخبر
أسبل عينيه للحظة ثم تطلع إليها مستفهماً
_ابن مين مش فاهم.
ارتدت خطوة للوراء خوفاً من رد فعله وغمغمت بلتعثم
_ابنك انت.
استوعب أخيراً ما قالته لكن الصدمة جعلت عقله يتوقف عن التفكير وكأن كل اعضاءه توقفت معه
مشاعر متضاربة ما بين صدمة وشعور بالغدر وفرحة بأن قلبه لم يخطيء عندما تعلق به فور حمله
لكن انتهى كل ذلك عندما اذكر صوته وهو يردد لقب “بابا” لحازم
تشنج فمه لكنه لم يبد ذلك وتحدث بثبوت
ارجعي البيت جهزي شنطتك عشان الطيارة هتطلع بعد ساعة.
انهى جملته ثم تركها ودلف للداخل كي يستعد للسفر.
لم تفهم ردت فعله وتجنبت الحديث معه الآن على الأقل
عادت إلى المنزل لتجهز حقيبتها بعد أن أخبرت جدها بكل شيء
لم يرفض رغم رغبته الشديدة في بقاءها معه
لكن عليه أن يتركها لأجل طفلها وزوجها الذي تأكد حقاً من صدق حبه لها.
ظل داغر ملتزم الصمت طوال رحلتهم وملامحه لا تعبر بشيء سوى الصمت
حتى اثناء خروجهم من المطار ظل واجماً وعندما سألته
_احنا رايحين فين دلوقت؟
توقفت سيارة صالح أمامهم فقال بجمود
اركبي وانتي هتعرفي.
استقلت السيارة وجلس هو بجوارها تتطلع إليه بين الحين والآخر وكلما حاولت التحدث يشير لها بالصمت
ظلت في ترقب حتى وجدته ينعطف باتجاه منزلها
تطلعت إليه بحيرة وسألته بوجل
_احنا جايين بيت بابا ليه؟
رد بفتور
_هو مش ابني مع سليم؟
هزت راسها بالايجاب فعاد هو لوجومه حتى توقفت السيارة بالداخل.
تحدث دون ان يتطلع إليها
_انزلي.
لم تفهم شيء فظنت أنه جاء إلى هنا ليأخذوا طفلهم
ترجلت اولاً وترجل هو بعدها فيجدا وعد تخرج من المنزل وهي تحمله ظناً منها أنه سليم
لكنها تفاجأت بأسيل وداغر معاً
ترقرقت عين أسيل بالدموع عندما وجدت إياد أمامها يتطلع إليها بفرحة
_ماما..
وقبل أن تخطو خطوة تجاهه وجدت داغر يندفع ليأخذه من يد وعد عنوة ثم يتوجه به إلى السيارة
لم تفهم أسيل شيء لكن عندما وجدته يدلف السيارة بابنها تاركاً إياها خلفه واستداربسيارته للخارج
حينها استوعبت أسيل ما يحدث فصرخت به
_داغر.
لم يبالي بندائها وهو يحتضن ابنه الذي أخذ يبكي عليها يتطلع إليها من زجاج السيارة الخلفي.
سقطت أسيل وهي تركض خلف السيارة حتى خرجت من البوابة الخارجية وانعطفت على الطريق
اسرعت وعد لتهدئتها خوفاً من حدوث شيء لها
لكن أسيل كانت تصرخ وهي تنادي داغر أن يعود.
دلف سليم بسيارته ليجد ذلك المنظر أمامه
اوقف السيارة وترجل مسرعًا تجاههم وهو يسألهم
_في ايه؟
ردت وعد التي تحتضن أسيل المنهارة
_داغر جه وأخد ابنه.
زم سليم فمه باستياء فهذا ما كان يخشاه ولا يلوم داغر على ذلك
امسك يد أسيل يساعدها على النهوض
_قومي معايا.
سألته وعد
_على فين؟
_هنروح لداغر، لازم تتكلم معاه وتفهموا هي ليه خبت عنه، لأنه مش هيسمع من أي حد غيرها، كلنا خبينا عليه.
نهضت أسيل مستسلمة ويد سليم تقودها لسيارته ثم ساعدها على الصعود وانطلق بها.
سألها
_عارفة عنوانه في القاهرة؟
_اطلع على اسكندرية.
❈-❈-❈
ظل داغر طوال الطريق يتطلع إلى ابنه الذي غفى بين يديه بحنين جارف
بين ليلة وضحاها يكتشف أن له أبناً رآه بقلبه ولم يعرفه
نعم شعر به قلبه لكن عقله لم يفهم ذلك
يتوعد بالعقاب لكل من قاموا بتدمير حياته وجعلوه ينحرم من تلك اللحظات التي يعيشها اي أب
أضاعوا عليه ليلة عمره التي حلم بها مع حبيبته
وأيضاً معرفته بحملها حتى ولادتها
كل تلك اللحظات ضاعت عليه ولم يعلم شيء عنها.
تشنج فمه عندما تذكر منادته لحازم بـ أبي
لكن هو حقاً لا يلوم أحد في كل ذلك..
دلف منزله بالإسكندرية وصعد لغرفته ليضع طفله على الفراش ثم جذب عليه الغطاء.
تطلع إليه ملياً وهو مازال غير مستوعب كل ذلك
فقد تلقى صدمات الواحدة تلو الأخرى وكأن صدمة واحدة لا تكفي
لم يندهش عندما سمع صوتها بالاسفل
فهو يعلم بأنها آتية خلفه
خرج من الغرفة فيجد أسيل بالأسفل تتطلع إليه برجاء ألا يظلمها مرة أخرى.
فتمتمت بصوت معذب
_فين ابني؟
ترجل من الدرج بوجوم حتى وصل إليها وسألها بمغزى
_ابنك لوحدك؟
أجابه سلبم بحدة
_اللي انت عملته ده غلط كبير…..
قاطعه داغر بانفعال
_انت بالذات متتكلمش عن اللي ينفع ومينفعش.
لم يجد سليم كلمات يرد بها فهو يعلم مقصده من ذلك فتابع داغر كي يواجهه بحقيقة لم يستطيع فعلها في المشفى لذا تحدث بهجوم
_لو كنت وقفت جانبها من الأول وجيت اخدت حقها مني مكنش حصل كل ده.
رد سليم بانفعال أشد
_كان غصب عني انت لو مكاني كنت هتعمل كدة.
_كنت هسمعها الأول وبعدين احكم اعمل ايه، بدل ما اسيبها مع حد غريب ومعرفش عنها حاجة
منتظر مني ايه لما اعرف إن ابني يتولد على ايد حد غريب ومن دادة امينة لحازم ليك انت زي ما يكون ملوش أب، تتحملها انت ازاي.
لم يستطيع سليم الرد ثم توجه داغر لأسيل يقول بعتاب.
_وانتِ لو أنا مجرم كدة وبالبشاعة اللي تخيلتيني بها ليه معملتش كدة واحنا مع بعض في اليخت
ليه معملتش كدة واحنا على الجزيرة، ايه اللي كان يخليني استنى تلات شهور وانا كنت قادر اعملها من زمان؟
لما دخلنا الفيلا مع بعض وانا بكلمك عن ظروف شغلي وبنخطط لجوازنا بعدها ملاحظتيش حاجة
ملاحظتيش بعد ما شربت القهوة وانا بحاول انطق واقولك اهربي….الحالة اللي كنت بهاجمك بيها دي كانت لأنسان طبيعي؟
حتى لو انا كدة
ليه مجتيش واجهتيني ليه ما رحتيش لعمي وقوتليله على اللي حصل لو انتِ خايفة من الوحش ده ليكررها تاني، لما عرفتي انك حامل ليه محاولتيش توصليلي انا كنت وقتها لسة في مصر.
هدر بها
_لما رجعت ليه مجتيش رميتي الحقيقة في وشي ووقتها كنت هنزل راكع قدامك واعتذرلك ليه سيبتي ابني طول الفترة دي مجهول هوية لا له شهادة ميلاد ولا اي حاجة تثبت وجوده، يعني لو الولد حصله أي حاجة متقدريش تتحركي به
لأن الناس هتسألك مين ده هتقوليلهم ايه؟
ابن حرام؟
قال كلمته الأخيرة بكل الغضب الذي يحمله بداخله حتى جعلها تنتفض إثرها.
اهتزت نظراتها وتمتمت بخفوت
_روحتلك البيت وانا شايلة ابني وقلت اواجهك زي ما بتقول بس وقتها الحارس قالي انك مسافر من فترة واحتمال مترجعش، وبعدين كنت منتظر إيه من واحدة الدنيا كلها غدرت به ومفيش غير الغرب اللي بتقول عليهم هما اللي وقفوا جانبها.
فجأة لقيت نفسي بنطرد وبيتحكم عليا بالموت
لما عرفت إني حامل مكنش قدامي حل غير إني أنزله
بس وقتها مقدرتش وتراجعت
لما ولدته قررت إني أجيلك عشان على الاقل تسجله باسمك ولو حتى بعقد عرفي بس قالي انك سافرت
وغيبت سنتين عني
لما دكتور عاصم طلب مني اشتغل عندك ممرضة لما سمعت اسمك انصدمت حقيقي كانت مشاعر جوايا ملخبطة، بإني حزنت على حالك وفي نفس الوقت اتشفيت فيك
وحسيت إن دي فرصتي اني انتقم منك
بس قلبي وقتها مقدرش وعرفت إني عمري ما هقدر أكرهك.
خفت اقولك إنك لك ابنك تاخده مني وعشان كدة قررت إني اخليك تتجوزني عشان أسجل ابني واقدر اسافر به لإيطاليا
ولما عمك عرف وقالي انه هيقولك الحقيقة خفت وطلبت منه انه يساعدني إنه يخليك تتجوزني عشان نسجل إياد الأول وبعدهاهحكيلك وانت شوفت الباقي بنفسك.
رغم تأثر داغر بما عانته إلا إنه تحدث بعناد
_برضه ده ميدكيش الحق إنك تخبي عليا.
تدخل سليم لينهي هذا الجدال
_داغر انت عارف كويس أوي إن كل اللي حصل غصب عنها لو عايزها برة حياتك سيبلها ابنها.
انفعل داغر وتحدث بحزم
_ابني مش هيخرج برة باب البيت ده.
عقد سليم حاجبيه متسائلاً بحدة
_يعني ايه؟ هتاخده بالغصب؟
رد داغر باحتدام وقد بدأ الحديث يشتد بينهم
_أيوة بالغصب واللي عندك اعمله.
لم تجد اسيل حل كي تنهي ما يحدث سوى أن تتظاهر بالاغماء
ولم تعرف أن فعلته تلك كادت ان تزهق بروحه عندما وجدها تسقط على الأرض أمامه.
_أسيل.
أسرعوا إليها قام داغر بحملها ليضعها على الأريكة وامسك يدها بسألها بلهفة
_حبيبتي انتِ كويسة؟
فتحت عينيها تتظاهر بالوهن وتمتمت بخفوت
_ابني يا داغر اوعي تبعدني عنه.
فهم سليم لعبتها لذا تراجع وتركها تتابع دهاءها وخاصة عندما رد داغر بوجل
_محدش يقدر يحرمك منه طول ما انا عايش.
مسح بيده على وجنتها وقال بلوعة
_ابننا هيعيش وسطينا مش هخليه يعيش الحياة اللي عانينا منها.
اومأت بعينيها بامتنان وانسحب سليم وتركهم يصفوا فيما بينهم.
تطلعت أسيل إليه برجاء
_عايزة اشوفه.
اومأ لها وقال
_تقدري تمشي ولا أشيلك.
وافقت ان يحملها كي لا يشك بشيء
فصعد بها الدرج وهو يحملها وقد استطاعت بدهائها إخضاعه لها وان ينسى كل شيء كما نست هي.
❈-❈-❈
دلف داغر الغرفة فيجدها مستلقية على الفراش تحتض صغيره وكلاهما ينامان في سكون
ابتسم وهو يتقدم منهم ليجلس على الفراش بجوارهم
لا يصدق بأنه أصبح أب وزوج لحبيبته التي حلم بها لأعوام
استلقى بدوره بجوارهم ولم يهتم بالطعام الذي طلبه ووضعه على السفرة بالأسفل
وضع رأسه على الوسادة وأغمض عينه على تلك الصورة التي اجمل ما رأتها عيناه.
❈-❈-❈
توقفت سيارة حازم أمام باب منزل داغر بالإسكندرية بعد أن أغلق هاتفه ووضعه على المقعد بجواره يتطلع إلى الباب بترقب.
لا يصدق بدوره ما حدث حتى الآن
ترجل من السيارة ووقف مستندًا يفكر
هل انتهت معانات أسيل أخيراً أم أن القدر مازال يتلاعب بها.
فتح الحارس الباب الحديدي فيظهر أمامه داغر وهو يحمل طفله الذي مازال مستغرباً إياه.
لكن عندما رآى حازم هلل بسعادة مما جعل داغر يغتاظ منه
_بابا.
ازداد حنقه وهو يقول لطفله بتوعد
_ماشي يا ابن القبطان لما أرجعلك بس.
ضحك حازم وهو يحمل إياد
_مع الوقت هينسى حازم واللي جابته كمان.
ابتسم داغر بود لكن بداخله مازال شعور الغيرة يكتنفه منه لكنه يحمل امتنان كبير له لولاه لتدمرت حبيبته بالفعل، كما أنه حافظ عليها طوال تلك الأعوام ولم يشعر أبنه باليتم.
أخذه حازم ووضعه في مكانه ثم استدار ليستقل مقعده فيتوقف مكانه عندما وجد داغر يقول بامتنان شديد
_متشكر أوي.
تطلع إليه حازم وقد فهم مقصده فرد بصدق
_انا معملتش حاجة تستحق الشكر أسيل أختي ولولا إني عرفت الحقيقة مكنتش هقبل برجوعها ليك.
استقل المقعد وانطلق بالسيارة تحت نظرات داغر الذي شعر بروحه تفارقه بمفارقة طفله
لكن سيتحمل لأجل ان يعوض حبيبته ويعود نفسه عن ذلك العذاب والقهر الذي عاشاه كلاهما.
عاد للداخل ودلف غرفته فيجد أسيل مازالت نائمة
لقد استيقظ عندما شعر بأنين طفله وهو يستيقظ بدوره فقام بحمله قبل أن يوقظها وخرج به من الغرفة
أجرى عدت اتصالات وهو يطعم طفله والذي شعر بالرهبة منه في البداية لكن داغر أغدقه بدفئ وحنان جعله يهدئ قليلًا
أخذه وصعد به إلى غرفة بجوارهم طلب من عمه قبل ان يعرف بوجود ابنه أن يتركها فارغة لأجل يوم كهذا
بدأ يحدث طفله بسعادة بأنه سيغيبا عنه فترة صغيرة وسيعود ليجد تلك الغرفة مخصصة له وحده بكل متطلباتها
وأخذ يخبره أيضاً بمكان مخصص له في الحديقة واعداً إياه ان يعوضه عن غيابه
أخرج هاتفه ليختارا معاً غرفة له يسأله عن رأيه لكن إياد لا يستوعب شيء فقط ينظر للرسومات الكرتونية ويشير عليها.
رن هاتفه برقم حازم فعلم بوصوله وقام بتركه معه..
اتكأ على الوسادة بمرفقه تطلع إليها بكل الحب الذي يحمله بداخله لها وقد أقسم في تلك اللحظة أن يعوضها حتى تمل من ذلك
كان بوده أن يقوم بزفاف كبير يليق بحبه لها لكن وجود طفله جعله يتراجع كي لا يكتشف بأنه حضر زفاف والديه وذلك كفيل ليجعله يشعر بأنه جاء نتيجة غلطة وقاموا بتصليحها
وحينها سيضطر مجبرًا أن يخبره بكل شيء
رفع أنامله ليضعها على وجنتها يملس عليها بحنو حتى شعرت به
فتحت عينيها بتثاقل وكأنها لم تكتفي من النوم بعد لكن بعد أن وقع نظرها عليه ووجدته ينظر إليها بتلك النظرات العاشقة
ابتسمت عينيها قبل ثغرها
وقد رأت ان تلك الغيوم قد انقشعت ولن تخفي سماءهم مرة أخرى.
سألها داغر بمشاكسة
_كل ده نوم، احنا بقينا بالليل.
ردت أسيل برقة
_حاسة إني بقالي سنين منمتش ولسة مشبعتش نوم.
أمسك يدها ليقبلها بحب وتمتم بوله
_ومش هسيبك تنامي تاني لمدة شهر.
قطبت جبينها بحيرة مصطنعة تسأله
_اشمعنى شهر؟
رفع حاجبيه بمكر
_لو عايزة أكتر معنديش مانع وكله وقدرة تحملك.
ضيقت عينيها بشك
_هتعمل ايه؟
ساعدها على النهوض وهو يقول بلا حياء
_هحجزك حصري لنفسي بس على جزيرة هنسيكي فيها اسمك.
لم تسمح لتلك التخيلات المخيفة ان تعكر صفو تلك اللحظة وقد نظرت الدنيا إليها أخيراً نظرة رضا فأومأت له برقة أذابته
_وانا معنديش مانع.
تذكرت أمر إياد فسألته بحيرة
_إياد فين؟
تقدم منها اكثر وأحاط خصرها بتملك وقال
_طلبت من حازم انه يفضل معاه الفترة دي لحد ما نرجع.
سك على أسنانه متوعدًا
_ابن….لسة بيقوله بابا لما ارجعله بس وحياة أمه لأنسيه حازم واليوم اللي شافه فيه.
تطلعت إليه أسيل بلوعة ومازالت لا تصدق أن حبيبها عاد من جديد يقتحم حياتها بقوة كما اقتحمها من قبل.
لو كان ما حدث يعد ضربية لحبهم فهي مرحبة بذلك دون اعتراض.
اخرجهم من فقاعتهم الوردية صوت هاتفه
تركها وأجاب هاتفه الموضوع على المنضدة
_خلصت ولا لسة
_…….
_تمام سيب كل حاجة وامشي انت والعمال.
لم تفهم أسيل شيء
وانتظرت حتى أغلق الهاتف وعاد إليها سألته بحيرة
_في ايه؟
ابتسم بحب وجذبها من يدها ليقول
_تعالي معايا وانت تعرفي.
تركته يأخذها إلى حيث يريد فوجدت اليخت يضيء في ذلك الليل المعتم على حافة الشاطئ
شهقت أسيل عندما وجدته يميل عليها يحملها ويسير بها على الممر حتى صعد بها لليخت
وعندما خطى داخله قال بأمر محبب
_غمضِ عينيكِ.
_خايفة لو غمضتها يطلع كل ده حلم.
طمئنها بابتسامته وقال بمشاغبة
_لا متخافيش، غمضي بقا لأنك تقلتي أوي وضهري وجعني.
ضربته بخفة على كتفه جعلته يضحك بسعادة ثم اغمضت عينيها فوجدته ينزلها على قدميها وقال
_فتحي عينيكِ.
فتحت أسيل عينيها فتجد صورهم في كل مكان وهم على الشاطئ وصور أخرى لهم على الجزيرة
وصورة لها وحدها وهي نائمة على الأريكة
ترقرقت عينيها بالدموع عندما تذكرت تلك اللحظات وكيف أنه ظل محتفظ بها طوال أعوام
كانت الأرضية مفروشة بالورود التي تهب عليها الرياح تتقاذفهم برقتها
أدارها إليه عندما لاحظ الدموع المتعلقة بأهدابها فقام بمحوها بأنامله متمتمًا بعتاب
_ليه الدموع دلوقت؟
تطلعت إليه بعشق جارف وتمتمت برهبة
_خايفة..
عقد حاجبيه متسائلاً بمكر
_اوعى تقولي خايفة ليكون حلم، أصل وقتها هضطر اعمل حاجات تانية غير اللي مخطط عليها عشان أخليكي تصدقي.
رمقته بعشق جارف وتمتمت بوله
_وانا مش هقولك لأ بعد النهاردة.
حك رأسه بيده وهو يقول بحيرة
_انتِ كدة هتخليني آجل كل المخطاطات دي لبعد سنة على الأقل.
ضحكت اسيل وقالت
_لا وعلى إيه وريني باقي مخططاتك.
مال عليها ليهمس بجوار أذنها
_هتلاقي اتنين تحت اللي يعجبك البسية بس واحد منهم مينفعش تطلعي به انا اللي هنزلك لو اختارتيه دلوقت.
فهمت أسيل ما يرمي إليه مما جعلها تخفض عينيها بحياء وتتركه لتنزل للأسفل.
لم يسلم الدرج من لمساته التي زينها بأشرطة حريرية تسلب الأنفاس وهي لا تعرف كيف فعل كل ذلك في تلك الفترة الوجيزة
دلفت الغرفة وقد اتسعت عينيها بذهول مما تراه
فقد وجدت صورهم معاً وهم في المياه عندما انزلها بالغصب لكن الصورة لم تكن ذات جودة فعلمت أنها تم أخذها من كاميرة اليخت.
غير الوسائد التي كتب اسماءهم على كل وسادة منهم
وعلى الفراش الوثير كلمتين خصهما بها وحدها
(وردتي الشائكة)
اغمضت عينيها وهي تضع يدها على قلبها تهدئ من نبضاته
تطلعت إلى الثوب الأبيض والذي يشبه ثوب زفاف لكنه هادئ وجميل.
زمت فمها بحنق عندما وجدت الأخير موضوع بجواره
_قليل الأدب.
أخذت الثوب الأبيض ودلفت المرحاض.
خرجت بعد مدة وهي تتهادى بمشيتها فتجده واقفاً أمام الطاولة التي وضع عليها العشاء وقد أشعل الشموع التي تراقص ضوءها بفعل النسمات الهادئة التي هبت عليهم.
لأول مرة تراه يرتدي بدلة ورابطة عنق لاقت به كثيرًا
لم يتحرك من مكانه وهو يراها تخطو تجاهه بخطوات شعر بها تدعس على قلبه بلا شفقة ولا رحمة وقد عاندته النسمات وهي تتلاعب بخصلاتها وكأنها تعلم جيدًا مدى ضعفه أمام ذلك.
ازدادت وتيرة أنفاسه عندما وجدها تزين عنقها بذلك العقد اللؤلؤي كما حال الأقراط التي وضعت بأذنها ما كان عليه أن يهديها إليها الآن فيكفي ذلك الثوب الذي أرهقه
اسبل جفنيه لبرهة عندما لفحته رائحتها الوردية والتي اسكرته بحب لم يشعر بمثله من قبل
هالك لا محالة
رفع جفنيه فوجد تلك الحورية أمامه تتطلع إليه بعشق وخجل أرهقه
مد يده إليها طالباً يدها ولم تبخل عليه بها ووضعتها بيده
جذبها إليه ليقربها منه يتطلع إلى ملامحها بعشق ووله وتمتمت بصوت مبحوح
_قولتلك قبل كدة إني بحبك.
تهربت بعينيه خجلاً وأومأت له
فسألها بمكر
_يعني بلاش اقولها؟
هزت كتفيها بدلال
_لأ قولها.
ظهر الخبث بعينيه وهو ينظر لثغرها
_انا بقول نأجلها أحسن لإني لو قولتلها هنموت من الجوع.
ضحكت أسيل وهمت بالجلوس على مقعدها لكنه منعها
_رايحة فين؟
اندهشت من قوله
_هقعد.
ازداد المكر بعينيه وهو يقول بلهجة ماكرة
_مينفعش أصله مكسور وممكن يوقعك.
سحب مقعده ليجلس عليه ثم جذبها لتجلس على ساقه.
_داغر انت بتعمل ايه؟
رفع حاجبيه مدعي البراءة
_عايزاني اقعدك على الكرسي المكسور وبعدين يا عمري انا لازم أكل بايدي لأن مفيش أكل تاني إلا على الجزيرة لما نوصل.
_وهنوصل امتى بقا.
غمز بعينيه بشقاوة
_احنا مش هنام على الفجر كدة نتحرك باليخت، كفاية كلام وخليني أكلك بايدي.
ظل داغر يمطرها بكلمات الغزل وهو يطعمها بيده وهو تفعل ذلك لكن بحياء شديد وهو يتطلع إليها بعشق ووله.
امسك هاتفه وقام بفتحه على اغنية
سهرنا يا ليل
ثم نهض بها كي يراقصها على ألحانها وهي تتحرك بخفه بين يديه وسعادة غامرة أحاطت كلاهما
كانت كالفراشة بين يديه يبعدها دون أن يترك يدها ثم تلتف لتعود لحضنه برشاقة ولوعة
حتى بالأخير شعر بأنه لم يعد يستطيع التحكم في مشاعره أكثر من ذلك وقام بحملها وترجل بها للأسفل..
رمشت أسيل بخجل عندما انزلها داغر على الأرضية المفروشة بالورود
مما جعل نظراتها تهتز عندما وجدته يتطلع إليها بعشق ورغبة
وصوته الحاني يتمتم
_مش مصدق إنك أخيراً بقيتي في حضني وملكي.
تاهت عينيها في بحور عينيه
وقد حاولت بقدر المستطاع طرد تلك المخيلات التي تقتحم رأسها وتجبرها على الابتعاد لا تريدها ان تعكر صفو تلك اللحظة
احاط خصرها بذراعيه برقة كأنه يخشى عليها من حدة يداه وقربها منه اكثر متابعاً بوله
_عشت سنين بستنى اللحظة دي ولما جات
طافت عينيه على ملامحها وتابع بهمس وعينيه تتلكأ على شفتيها
_خايف أموت على اديكي من الفرحة.
وضعت يدها على فمه وهي تقول بلهفة
_أوعى تقول كدة تاني، انا اموت لو جرالك حاجة.
امسك يدها التي تضعها على فمه وقبلها بحب جارف مغمضاً عينيه متأثراً بمشاعره عندما تابعت
_انت عمري اللي بقيت عايشة ومن غيرك أموت.
فتح عينيه كي يتوه اكثر في بحور عينيها وتمتم بشغف
_انتِ حبيبتي يا أسيل من يوم ما شوفتك واقفة بجانب سور السفينة وانتِ ملكتي كل كياني
حاوط وجهها بكفيه وعينيه تنظر لثغرها هامساً أمامه حتى داعبت أنفاسه انفاسها
_ومن وقتها وانا بحلم باللحظة اللي تكوني فيها مراتي، كنت بتعذب أوي كل ما أفاتحك في جوازنا وتأجلي.
طبع داغر قبلة صغيرة على جانبه وتابع
_كنت بلاقي صعوبة رهيبة وانا بتحكم في مشاعري كل ما نبقى لوحدنا، لإنك كنت روحي اللي لازم احافظ عليها لإن مفيش حد بيإذي روحه يا روحي.
ترقرقت الدموع بعيونها متأثرة بكلماته لكنه منعها
_هشش مش عايز أي دموع الليلة دي، مش عايزين أي حاجة تبوظ فرحتنا.
ملس إبهامه على شفتها التي ترتجف وتمتم بنظرات تحمل بين طياتها الكثير والكثير من مشاعر عشق الهبت قلوبهم
_لو خفتي من الدنيا كلها أوعى تخافي مني لأنك اغلى حاجة فى حياتى.
مال عليها ليطبع قبلات خاطفة على جانب ثغرها قبل أن يحتويه بعشق جعل ضربات قلبه تهدر بقوة
رفعت أسيل ذراعيها تضعها على صدره تتشبث بقميصة وتغمض عينيها بقوة
عندما عادت تلك الذكريات بأشدها إليها مما جعل جسدها يرتجف حاولت بصعوبة السيطرة عليها لكن لم تنجح بذاك.
كانت تترقب كل حركة له وكأن تلك اللحظات السعيدة التي تعيشها معه الآن ستنقلب على عقبيها وتجد ذلك الوجه الآخر يدمر كل شيء
وكأنه شعر بما تعانيه إذ ابعد وجهه عنها يتطلع إلى عينيها بلوعة وتمتم بعتاب ألهب قلبها
_لسة خايفة مني؟
رفعت عينيها إليه فوجدته يرمقها بعينين يغشاها العشق والخوف في آن واحد خفضت عينيها لا تعرف بماذا تجيب هي تريده كما يريدها لكن الخوف حقاً يفعم قلبها، لكن استطاع بكلمات مقتضبة أن يهدئها قليلًا وهو يقول بصدق لامس قلبها
_انا بعشقك.
استطاعت كلماته أن تهدئ من روعها وعاد يأسر شفتيها بقبلة متمهلة متأنية حتى استسلمت له..
كان صبوراً إلى أقصى حد عليها ولا يلومها على ذلك فقد تذكر كل شيء وكيف أنه أخذها بعنف لن يستطيع أحد تحمله
والمرة الأخرى كانت مشاعره متضاربة ما بين أن حبيبته بين يديه وبين استياءه من غدرها به وقد فقد السيطرة على نفسه حينها عدت مرات لذا لا يلومها على رفضها الذي يظهر مع كل خطوة تخطوها نحوعلاقتهم
فأخذ يمطرها بوابل من الكلمات المعسولة والمطنئنة لها
حتى بالأخير استسلمت له..
……
في غرفتهما
ظل كلاهما يعدا قطرات المطر التي تتقاذف على زجاج النافذة بسعادة عارمة وهو يحتويها بذراعيه داخل أحضانه على الفراش
ضحكت أسيل عندما زادت القطرات مما جعلها تكسب الرهان
تطلعت إليه بسعادة وهي تجذب الغطاء على وجهها
_كدة بقا انام براحتي.
جذب الغطاء عن وجهها وقال بجدية مصطنعة
_انتِ هتخميني من أولها، انا قولتلك لو زادت هسيبك تنامي بس دي وقفت خالص.
زمت فمها بغيظ منه
_انا اللي بخم ولا انت، وبعدين هي اه وقفت بس زادت قبل ما تقف.
تطلع إليها بغيظ منها
_تصدقي بالله انا غلطان إني وافقتك من الأول على الرهان لأنك عيلة.
ضحك داغر عندما وجدها تزم فمها وتقذفه بالوسائد حتى أنه لم يستطيع أن يمنعها
_انا اللي عيلة ولا انت يا قليل الأدب.
تظاهر داغر بالجدية وأخذ منها الوسادة ليلقيها بعيدًا
_قليل الأدب، انتِ بتقولي لمين كدة؟
قالها داغر مدعي الصدمة فقالت بتأكيد وقد توقفت عن ضربه
_ليك انت.
رفع حاجبيه متسائلاً
_انتِ اد الكلمة دي؟
هزت راسها بتأكيد
_اه قدها، هتعمل ايه؟
وجدته يتطلع إليها بخبث فهمته وخاصة عندما رد بمكر
_لو على العمايل فانا هعمل كتير.
وقبل ان تلوذ بالفرار من جواره أسرع بجذبها إلى حضنه ليأسر شفتيها بقبلة أطاحت بتعقل كلاهما
حاولت الفرار منه لكنه أحكم قبضته حولها ثم أخذها لعالمهم الخاص.
صعد داغر على متن اليخت كي يقوم بتحريكه متجهاً إلى وجهتهم
فقد نامت أسيل غصباً عنه ولم يريد ان يضغط عليها اكثر من ذلك.
شعر بحنين جارف إلى طفله وكم أراد أن يعود ليأخذه معهم لكن اليخت او الجزيرة ليس مكان آمن له، سيصتحبه معهم فور عودتهم إلى منزل عمه بالقاهرة وسيظل هناك حتى موعد عودته للعمل.
يعلم جيدًا بأن عودتهم لذلك المنزل سيكون صعباً على حبيبته وصعباً عليه أيضاً بعد أن عرف ما حدث
لكن عليه ذلك كي تواجه مخاوفها
فمازالت حتى بعد معرفتها الحقيقة تترقب كل خطوة منه وهي بين ذراعيه.
لولا كلمات الغزل التي لم يكف عنها كي يجعلها تهدئ وتنتهي تلك الرجفة التي تنتابها
ابتسم بحب عندما شعر بيديها تحتضن خصره وتضع رأسها على ظهره وتمتمت بخفوت
_وحشتني.
ترك تارة القيادة واستدار ليتطلع إليها وتشرق شمسه بابتسامتها التي اضاءت روحه.
ابعد خصلاتها عن وجهها وتمتم بعشق
_مش قولتي هنام؟
هزت كتفيها بدلال
_مجاليش نوم وانت بعيد عن حضني قلت آجي انام جانبك على الكنبة زي ما كنت بتعمل زمان.
ابتسم داغر للذكرى
_يااا يا سيلا على الأيام دي، كنت بحلم امتى تكوني مراتي
كنت كل ما نجتمع مع بعض لوحدنا كنت بلاقي صعوبة كبيرة عشان اتحكم في مشاعري نحيتك لو كنت حسيتي بيا وقتها كنت هترحميني.
ضحك داغر عندما ضربته على كتفه وتمتمت بحنق
_قليل الأدب..
رفع حاجبيه بمكر
_تااااني؟
جذبته أسيل من اذنه وهي توبخه كطفل صغير
_اعمل فيك ايه دماغك ديماً شمال.
تظاهر داغر بالألم وقال
_غصب عني دي حاجة مش بى إديا تقدري تقولي كدة مرض بعيد عنك.
تركته لتتوجه ناحية الأريكة لتستلقي عليها
_ربنا يشفيك.
تطلع إليها بمكر
_هو انتِ فكرك إني هعرف اشوف قدامي وانتِ جانبي كدة؟ يا تيجي تقفي جانبي يا تنزلي تنامي تحت.
استدارت أسيل كي توليه ظهرها وهي تشعر برغبة شديدة في النوم فتثاءبت قائلة
_خلاص مش هخليك تشوفني.
وفي لمح البصر انتظمت أنفاسها وغرقت في سبات عميق.
ابتسم برضا ثم ترجل للأسفل ليأخذ لها الغطاء ويضعه عليها
مال ليطبع قبلة حانية على وجنتها وكم أراد في تلك اللحظة أن ينام بجوارها لكن عليه أن يآجل كل ذلك حتى يصل للجزيرة أولاً
❈-❈-❈
أصبحت العلاقة بين خليل وسيلين مشاركة في كل شيء متعلل كلاهما بعدم استطاعتهم العودة إلى منازلهم للغداء
فيتناولوا طعامهم معاً في كافتيريا المصنع
واثناء تناولهم الطعام سألته سيلين كأنها تفتح مجال للحديث
_داغر ومراته اخبارهم ايه رجعوا ولا لسة.
رد خليل بقلة حيلة
_رجع يا ستي وأخد مراته وراحوا يقضوا شهر العسل مفكرش حتى ييجي يسلم عليا، يظهر إن كل ده كنت بربي لغيري.
ضحكت سيلين وقالت
_هي دي سنة الحياة مهما كان معاك اولاد بييجي علينا الوقت اللي كل واحد ينشغل بحياته ويديها كل اولوياته.
اومأ لها
_يعني اللي خلف في الآخر زي اللي مخلفش.
شعرت سيلين بالاحراج وتمتمت معتذرة
_انا مكنتش أقصد….
قاطعها خليل بصدق
_صدقيني الموضوع ده عمره ما شغلني من وقت ما مراتي الله يرحمها قالت إن العيب منها وإنها مش هتقدر تخلف وانا شيلت الموضوع من دماغي وبصراحة داغر في وقتها كان معوضني عن الحرمان ده عشان كدة احنا كمان عوضناه عن حرمانه بأمه وأبوه، عشنا مع بعض أسرة مترابطة، وخصوصاً أنه رفض يسافر مع والده وأصر انه يفضل معانا
لما مراتي ماتت وعرفت إن العيب كان مني أنا مفرقش معايا ولا حسيت بالذنب لإني محسستهاش لحظة واحدة إني ظلمتها حتى لو بنظرة.
تطلعت اليه بتقدير وقالت باطراء
_بجد انت شخصية جديرة بالاحترام أوي يا خليل بيه ونادر وجودك دلوقت.
رفع حاجبيه متسائلاً
_مش شايفة إنك مبالغة حبتين؟
هزت راسها بنفي وتحدثت بثقة
_دي حقيقة انا شيفاها وواثقة منها.
أراد خليل أن ينهي الحديث لأنه حقاً لا يحب ذلك الاطراء وقال بثبوت
_مش هجادلك لإني مش بحب الجدال.
على العموم الرسول عليه الصلاة والسلام قال (الخير هيفضل في أمتي ليوم الدين.)
أيدت حديثه
_عليه الصلاة والسلام، فعلاً الدنيا لسة بخير طالما فيها زيك.
أومأ لها وقام بتغيير الحديث
_الولاد اخبارهم ايه؟
_كويسين الحمد لله ديدا مصرة انها تدخل شرطة ومعتز رافض بيقولها انتِ بنت وده مجال للشباب مش ليكي انتِ، وبصراحة محتارة
مش عايزة اكسر كلمة معتز عشان مهزش ثقته في نفسه ويحس ان كلمته مش مسموعة وخصوصاً في سنه ده وبرضه مش عايزاه يكون متحكم أوي في حياتها.
تحدث خليل بحكمة
_الافضل إنك تقنعي معتز برأي أخته وتترك الرأي الأخير له بمعنى إن دي رغبتها ومش عايزين ومينفعش نكسر رغبتها بس لو انت مصر تمام، وقتها مش هيقدر يرفض لإنك كبرتيه قدام نفسه وقدام أخته فمش محتاج يثبت كيانه طالما انتم شايفينه كدة.
أيدت رأيه بنظرة منها وقد اثبت ذلك الرجل بأنها أحسنت تلك المرة الأختيار.
❈-❈-❈
أوقف داغر اليخت أمام الممر بعد رحلة استمرت ساعة
تطلع إلى تلك النائمة بعشق جارف يتأمل ملامحها التي لا تكتفي عيناه من النظر إليها
تقدم منها ليجثوا على ركبتيه بجوارها وملس أنامله على وجنتها فتشعر به تلك النائمة ترمش بعينيها قبل أن تفتحها على تلك العيون التي سقطت صريعة لها فور رؤيتها
_صباح الورد.
ابتسمت بخجل من نظراته وتمتمت بشجن
_اجمل صباح صحيت عليه.
اتسعت ابتسامته للسعادة الواضحة عليها وقال بحب
_وانتِ أجمل حاجة شافتها عينيا، بحبك يا أسيل.
أغمضت عينيها تحاول الثبات أمام تلك المشاعر التي اقتحمتها بنظراته وكلماته المعسولة
امسكت كفه الذي يملس به على خدها وقامت بتقبيله بحب وهي تتمتم بخفوت
_خايفة يكون كل ده حلم، بس لو حلم مش عايزة أفوق منه.
هز رأسه بنفي وتمتم بوله
_لا حقيقة بس هنخليها حقيقة زي الحلم هنعيش مع بعض أجمل لحظات وهعوضك عن كل ثانية عشتيها بعيد عني.
مال على ثغرها يطبع قبلة حانيه بجانب شفتيها قبل ان يأخذها إلى تلك الفقاعة الوردية التي لا يدخلها سواهم..
سار داغر على الممر وهو يحتضن أسيل وكأنه يخشى ان تهرب بعيدًا عنه ولو حتى خطوة واحدة
صرخت عندما باغتها داغر بحمله لها وهو ينزل من الممر على الأرض الخضراء.
أخفت وجهها في عنقه وتمتمت بسعادة
_انت مجنون.
ضحك داغر بسعادة أكبر وتمتم بتوعد
_هو انتِ لسة شوفتي جنان اصبري بس عليا.
حاوطت عنقه بذراعيها وتمتمت بحبور
_بحبك يا داغر
_وانا بموت فيكي يا قلب داغر.
صعد درجتين حتى وصل لباب المنزل الصغير الذي استأجره لها ليقضوا به رحلتهم.
انزلها أمام الباب وقال بثبوت
_ثواني.
أخذ الشريط الوردي الموضوع على الباب الزجاجي ثم وضعه على عينيها فسألته
_حبيبي بتعمل ايه؟
ربط الشريط بحنو وهمس بجوار أذنها
_مفاجأة يا عيون حبيبك.
فتح الباب وقادها للداخل ثم اغلق الباب بقدمه وقال هامساً وهو محتضنها من الخلف
_تحبي تفتحي عينيكي هنا ولا في الاوضة؟
هزت كتفيها بدلال
_وايه الفرق؟
قربها لصدره أكثر
_لااا الفرق كبير اوي تحبي تجربي.
هزت راسها بنفي
_لأ متشكرة خلينا هنا.
طبع قبلة خاطفة على وجنتها قبل أن يرفع الشريط عن عينيها فتتفاجئ أمامها بمنزل صغير بجدران زجاجية وستائر بيضاء سائدة كحال كل شيء به.
تطلعت إليه بانبهار وعينيها تستكشف المكان بذهول
كل شيء به باللون الأبيض حتى جدران الغرفة الوحيدة به
وكذلك المدفئة الجانبية
كما كانت أزهار التوليب البيضاء تحيط المنزل من كل جانب حتى زهور الأقحوان تتراقص مع النسمات الهادئة برائحة اليود
استدارت لتنظر لداغر وتمتمت بعدم استيعاب
_انا مش مصدقة نفسي معقول الجمال ده؟
ابتسم بسرور عندما لاحظ انبهارها وتمتم بعشق
_واكتر كمان انا هعيش بس عشان اسعدك يا عمري.
استدارت له لتنظر داخل عينيه التي تسحرها وتمتمت بعيون دامعة
_داغر انا…..
لم تجد الكلمات التي تصف بها امتنانها لكل ما يفعله لأجلها
رفع داغر انامله ليتلاعب بخصلاتها وتمتم بوله
_متقوليش حاجة، انا شايف وقاري في عينيكي كل حاجة، بس لو استمريتي على كدة هتهنجي مني لسة قدامك مفاجأت كتير.
لفت ذراعيها على عنقه تحتضنه بشدة ولم تستطيع حينها منع دموعها من النزول وهي تشدد من احتضانه
شعر داغر بدموعها على عنقه مما جعله يبعدها عنه بقلق فوجد عينيها تنهمر منها الدموع بغزارة فأحتوى وجهها بكفيه يسألها بلهفة
_مالك يا قلبي بتعيطي ليه؟
اغمضت عينيها كي تتخلص من الدموع المتعلقة بأهدابها وتمتمت بخفوت
_بعيط على السنين اللي ضاعت وانت بعيد عني.
مسح دموعها بابهامه وتمتم بحنو
_قولتلك هعوضك يا عمري لدرجة إني هنسيكي كل لحظة عذاب عيشتيها بعيد عني.
هزت راسها بألم
_خايفة الدنيا تستكتر عليا الفرحة دي.
ابتسم لها وهو يقول بثقة
_طول ما انا جانبك اطمني ومتخافيش من حاجة.
عادت لحضنه ليكتنفها شعور الامان من جديد
كانت تستمع لنبضاته كأنه لحناً موسيقيًا أطرب أذنها.
طبع قبلة متملكة على رأسها ثم تمتم بوله
_هنفضل كدة كتير؟
أومأت له دون أن ترفع رأسها إليه
_مش عايزة أسيب حضنك.
فقال هو بمكر
_ولا انا كمان مش عايز أسيبه، بس عايزه بطريقة مختلفة
رفعت وجهها وزمت فمها بغيظ
_انت منحرف.
هز رأسه بنفي
بصراحة دي المرة الوحيدة فيها اللي غرضي شريف تعبت بس من الوقفة وعايز نقعد على الكنبة.
رمقته بشك فهز رأسه بثقة أن تصدقه فقالت
_ماشي هصدقك.
أمسك يدها وجلس بها على الأريكة الوثيرة ثم سألها
_تشربي ايه؟ ميكس ولا بلاك؟
نهضت أسيل
_خليك انت انا هعمله.
نهض معها وهو يقول بخبث
_ خليني اساعدك أصل المكان غريب عليكِ ومش هتعرفيه.
رفعت حاجبيها تتصنع الدهشة
_لا والله.
اومأ بتأكيد
_اه طبعاً تعالي.
جذبها من يدها وتقدم من المطبخ الذي صمم باتقان في أحد الأركان ثم قال بجدية مصطنعة
_عيبه الوحيد أنه ضيق مينفعش اتنين يقفوا فيه إلا إذا كانوا حاضنين بعض.
ضحكت أسيل وسألته
_ازاي بقا.
_كدة.
احتضنها من الخلف ووقف بها امام الغلاية الكهربائية ليأخذها ويضعها أسفل المياه يتحرك بها وهو يحتضنها بقوة وكأنه يخشى ان يتركها لحظة واحدة
فتحت أسيل نافذة المطبخ التي تطل على حديقة مليئة بالزهور فتداعب نسائم الربيع خصلاتها التي داعب وجه داغر وهو مازال محتضنها فيغمض عينيه مستمتعاً بعبيرهاالذي يسكره بعطره الآخذ، فقد أصبحت كالخمر كلما ارتوى منه كلما ازداد شعوره بالظمأ
استدارت بين يديه ليفتح عينيه على تلك العيون الذي أيقن الآن أن عاجلاً أم آجلاً ستكون سبباً في هلاكه.
كانت تحدثه وهو غير منتبه لحديثها بل كان في عالم آخر وعينيه تجوب ملامحها بشغف ووله
هي العالم وما به من ملذات..
تجمع فقط بداخلها فلم يعد يرغب شيء بعد الآن غيرها.
توقفت عيناه على شفتيها التي تحركها بالحديث الذي لا يسمع منه شيء
صب كل حواسه على تلك الحورية المتمثلة أمامه ومن خلفها بحره الهادئ يرسل إليه نسماته برائحة اليود ماراً بطريقه إلى نسمات الياسمين مقتحمين وحدتهم
أخذ نفس عميق من تلك النسائم التي اختلطت برائحة اللافندر التي تنبثق منه.
انتهت عند تلك النقطة قوة تحمله ولم يعد يطيق صبرًا فمال يحملها بين يديه ودلف بها تلك الغرفة التي تزينت باتقان للعروس.
❈-❈-❈
نهض الطبيب من مقعده بعد معاينته لهايدي وحازم يمسك يدها بدعم حقيقي
ساعدها على النهوض ثم أشار لهم الطبيب بالجلوس وقال
_ تفضلوا بالجلوس.
جلسوا منتظرين حديثه بترقب حتى قال
_دعوني أكون صريحاً معكم، الحالة صعبة لكن علاجها ليس مستحيلاً قد يستغرق بعض الوقت لكن بالنهاية سيكون باستطاعتك الإنجاب.
تطلعت لحازم بسعادة وقد بادلها هو بابتسامة متحفظة كي لا يشعرها بأن الأمر يفرق معه وفي حقيقة الأمر هو يود أن يكون له عائلة كبيرة يعوض بها حرمانه لكن لن يظهر بذلك كي لا تشعر بالحزن.
تابع الطبيب
_ستتابعين معي خلال فترة وجودي بمصر وبعد سفري راسليني بالفحوصات.
اومأت هايدي وخرجا معاً من المشفى وقد شعرت بالأمل بعد أن فقدته.
قالت بغيظ
_لو كنت عرفتني من الأول كان زمانا معانا أربعة.
ضحك حازم وهو يفتح لها باب السيارة
_اربعة مرة واحدة.
اومأت له وقالت بحدة محبب
_اه عندك مانع؟
تمتمت بكل ما يحمله بداخله من حب لها
_وانا اقدر برضه كل اللي نفسك فيه هعمله.
احتواها بحب ليقبل رأسه ثم تمتم بمكر
_انا بقول نروح البيت أحسن لإني ممكن اتهور دلوقت.
ضحكت هايدي بعلو جعلت حازم يحرك السيارة كي يعود بها إلى منزلهم.
❈-❈-❈
في الغرفة
كانت أسيل تضع رأسها على صدره في سكون تام
مما اقلق عليها داغر فسألها
_مالك ساكته ليه؟
اغمضت عينيها وقد داهمتها ذكريات تلك الليلة والتي علمت جيدًا بأن لا شيء مما يفعله سيمحيها من ذاكرتها
ازداد قلقه عندما لم يجد منها رداً فابعد رأسها عن صدره واستلق بجانبه ينظر إليها فيتفاجئ بدمعة سقططت على وجنتها مما جعله يلتاع عليها
_مالك يا سيلا انا ضايقتك من غير مقصد؟
لم تستطيع فتح عينيها ورؤية قلقه عليها في عينيه
لن تخبره حتى لا تقهره أكثر فقالت بكذب وهي تفتح عينيها
_مفيش بس إياد وحشني، وكان نفسي ييجي معانا.
يعلم جيدًا بأنها لا تخبره الحقيقة لكنه سايرها قائلا
_انا كمان وحشني أوي بس تفتكري المكان ده آمان لطفل عمر سنتين وانا قولتلك إن وقت ما نرجع هنسافر القاهرة نقضي شهر كمان مع عمي لإني بصراحة قصرت معاه أوي وعايز اقعد معاه لحد ميعاد السفر.
رفعت عينيها إليه بصدمة
_سفر؟
اكد داغر
_اه عشان شغلي، ما انا قولتلك إني رجعتله.
ظهر القلق واضحاً عليها وسألته بتوجس
_هتغيب عني كتير؟
زم فمه بأسف
_معرفش، ده بيبقى حسب.
اخفضت عينيها بحزن فوضع أنامله أسفل ذقنها يرفع وجهها إليه وقال بابتسامة يخفف عنها حزنها
_وبعدين يا ستي احنا لسة قدامنا شهرين أوعدك إني هزهقك فيهم وأخليكي تقولي خلاص زهقت منك.
ابتسمت وهي تهز رأسها بنفي
_مستحيل ازهق منك.
رفع حاجبيه بمكر
_واثقة؟
أومأت له بتأكيد
_واثقة أوي أوي.
تمتم ببراءة مصطنعة وهو يجذب الغطاء عليهما
_خلاص بما انك مش هتزهقي يبقى اتحملي..
…….
أوقف داغر اليخت في مكان بعيد عن الجزيرة كما طلبت منه عندما ارادا ان يسبحان في المياه
ابتسم عندما تذكر وهي تخبره بأن من الممكن أن يراهم أحدًا
لم تقتنع عندما اخبرها بأن لا أحد غيرهم لذا وافقها وأخذها باليخت بعيدًا كي تكون مطمئنة
مازالت ثقتها في كل من حولها مفقودة
لكنه سيعمل بكل الطرق على إعادتها
سيصبر عليها وسيعمل على أن تنتهي تلك الرجفة كلما تقرب منها.
لا يريد شيء من هذه الدنيا سوى تلك الحورية التي اقتحمت حياته وتذوق من عشقها شهد الحياة
وردته الشائكة التي بنظرة واحدة تنسيه كل تلك الآلام التي عاشها بعيدًا عنها.
ظل واقفاً ينظر في ساعته بين الحين والآخر يستعجلها، لكن إن كانت ستخرج له كما تخيلها فلن يمل من الانتظار
تذكر تلك القبلة الناعمة التي وضعتها على وجنته الملتحية قليلًا وتمتمت بدهاء
_ثواني يا حبيبي هغير هدومي وأرجعلك.
ازدرد لعابه بصعوبة من مغزى حديثها وظل يتخيل ما سوف ترتديه له، وما لونه.
فقد وعدته ان تعوضه أيضًا عن سنين العذاب الذي قساها كلاهما
وأخبرها كيف تعوضه عن ذلك .
زفر بصبر نافذ عندما تأخرت أكثر وشعر بأنه لم يعد يطيق صبراً، فهمّ بالنزول لها لكنه تسمر مكانه وهو يتطلع لها تصعد إليه الدرج بعدم استيعاب لما ترتديه وخاصة عندما قالت ببهجة
_ايه رأيك يا حبيبي؟
تطلع بذهول إلى ذلك البنطال والكنزة الصوفية التي ترتديها كما حال القلنسوة والتي بدورها اخفت عنه خصلاتها العاشق لها فسألها بعدم فهم
_رأيي في ايه يا حبيبتي مش فاهم.
التفت حول نفسها كي تجعله يتذكر ذلك الثوب
الطقم ده، ده كان اول هدية تجبهالي لقيته في الدولاب تحت وانا بقلب فيه.
هز رأسه وقد أوشك صبره على النفاذ
_يعني بقالك ساعة بتلبسي وانا عمال اقول محتارة في لون البيكيني او الاستيل مش عاجبها بتشوف غيره وحاجات كتير اوي والآخر الاقي عم شرابي اللي طالع عليا.
اومأ لها بمكر ودهاء وهو يخطو تجاهها متوعدًا لاحظته سريعًا
وقبل ان تنفد بجلدها أمسك بها وحملها مسرعًا بين يديه وهو يقول بتوعد مرح.
_انتِ اللي جيبتيه لنفسك، اتحملي بقا.
صرخت أسيل حينما سقط بها في المياه فتنتهي صرختها داخلها وهي تتشبث بعنقه بقوة عندما أفلتها بمكر كي تتشبث به أكثر ثم سحبها على صدره وهو يغوص بها مستمتعاً بقربها الذي علم بأنه سيكون يومًا سبب هلاكه
لم يستطيع مواصلة خبثه المحبب وصعد بها على سطح المياه لحاجتها للتنفس
فشهقت بقوة ونظرت إليه بغيظ لكن قبل أن تتفوه بكلمة سحبها مرة أخرى للعمق لكن تلك المرة أحاط خصرها ليقربها منه كي يأسر شفتيها بقبلة أطاحت بعقل كلاهما فتستسلم له وتترك له زمام الأمور ليفعل ما يشاء
لم يكن يصعد بها الالحاجة كلاهما للهواء ثم يعود بها مسرعًا ليعلمها الغوص في عمق عشقه
صعد بها للسطح فتنزع نفسها من بين يديه وهي تلتقط انفاسها وتقول بغيظ
_انت مجنون.
ضحك داغر وتمتم بغزل
_وانتِ قمر.
ازداد غيظها منه وحاولت نزع نفسها بعيدًا عنه
_أوعى بقى سيبني مش لاعبة.
رفع حاجبيه بمكر
_عايزاني أسيبك؟
ضربت كتفه بخفه وهي تقول بتعند
_اه سيبني اوعى بقا.
بكل هدوء قام داغر بأبعاد ذراعيه عن خصرها فشهقت بقوة عندما وجدت جسدها يتهاوى للأسفل فهي لم تتمكن بعد من السباحة
التقفها داغر ليواصل الغوص بها ليصعد فقط لتلتقط انفاسها وقبل أن تعترض يغوص بها مرة أخرى.
ظل يغوص بها وهو محتضناً إياها بقوة خوفاً عليها فهي لم تفعل شيئاً مما علمها إياه فقط تتشبث به بخوف.
صعد بها السطح كي لا يضغط عليها فهي لم تعتاد الغوص بعد
شهقت أسيل وتطلعت إليه بشر لكن قبل ان تتفوه بكلمة قال بتحذير مرح
_ها هتغلطتي تاني؟ انتِ بقيتي تحت رحمتي هاخدك وانزل تاني ومش هطلعك إلا لما اشبع بطريقتي.
ضحكت أسيل رغمًا عنها وتشبثت بعنقه بقوة وهي تتمتم
_بحبك يا مجنون.
أخذ داغر يلتف بها وهو يصيح بسعادة
_بحبك بحبك بحبك.
علا صوت ضحكتها على صوته والسعادة ترفرف حولهم من كل جانب
صعدا على اليخت بعد فترة طويلة وهو يحملها وترجل بها الدرج وهو يقول بمكر
_هسيبك تغيري هدومك بسرعة بس لو لبستي اللبس ده تاني هفجأك باللي هعمله
ضحكت أسيل وهي تخفي وجهها في عنقه
ثم انزلها بالغرفة وأخذ ملابس له ودلف المرحاض بعد ان طبع قبلة متملكه على عنقها.
شرع داغر في تحضير الطعام وتركها هي تأخذ حمامها ثم تحصله للسطح.
خرجت أسيل وهي تتهادى بخطواتها تبحث عنه على سطح اليخت فلم تجده نادت عليه.
_داغر.
انتفضت عندما وجدته يهمس بجوار أذنها
_عيونه.
استدارت مسرعة فتجده يتطلع إليها بشغف فقالت بعتاب
_خضتني يا داغر.
_بعد الشر عليكى يا قلب داغر.
ابتعد عنها قليلًا لينظر إلى ما ترتديه وقد كان ثوب سماوي شرائط رفيعة أظهر جمالها وقال
_تعرفي إني اول مرة اشوفك بفستان!
ايدت قوله
_انا اول مرة فعلاً البس فستان باستثناء الفستان اللي لبسته امبارح.
رفعت اصبعها في وجهه وقالت بتحذير مرح
_بس اوعى تفتكر إني ممكن أخرج بفساتين.
قطب جبينه بامتعاض
_ومين قالك إني هسمحلك تخرجي بفساتين.
ظهرت على ملامحه الجديدة وهو يحيط خصرها يقربها منه وقال
_أسيل انا عايزك تلبسي حجاب.
رفع انامله لخصلاتها وتمتم بغيرة
_مش عايز حد يشوف الجمال ده غيري أنا، بس عايزك لما توافقي توافقي عن اقتناع مش عشان تراضيني.
تفاجئ بابتسامتها رغم أنه ظن ان تندهش او تعارض تحسباً بأن ذلك تحكماً بها لكنها جعلته يوقن أكثر بأن نظرته لها من البداية كانت صائبة وأنه حقاً أحسن الإخيار وخاصة عندما وجدها تقول بحبور
_ومين قالك إني مش هلبسه عن اقتناع، بالعكس ..
انا هلبسة ارضاء لربنا الأول وتكفير عن أخطاء احنا عملناها من غير ما نفكر إذا كان غلط ولا لأ.
لاح الحزن والندم على ملامحها وهي تتابع
_كان فيه تجاوزات كتير بينا وده اللي اتعاقبنا عليه بس خلاص اتعلمنا من اخطأنا.
اوما لها بتأييد
_عندك حق، وإن شاء الله في اقرب وقت نطلع كلنا ومعانا عمي نعمل عمرة.
اتسعت عينيها بسعادة وهي تسأله
_بجد يا حبيبي.
اومأ لها
_بجد يا قلب حبيبك.
احتضنته بحب وقالت ببهجة
_ربنا يخليك ليا يا عمري.
قربها اكثر لصدره
_ويخليكي ليا.
ابتعدت عنه أسيل وهي تستنشق تلك الرائحة وسألته
_هو اليخت بيولع ولا ايه؟ انا شمة ريحة حريق.
اغمض داغر عينيه بحنق
_الأكل اتحرق.
ضحكت أسيل وتخطته تجاه المطبخ
_خليك انت وانا هعمل غيره.
دلفا المطبخ معاً وشرعوا في إعداد طعامهم تمامًا كما كان يتمنى
جلس على المقعد يعد السلطة يراقبها بعينيه وهي تتحرك كالفراشة أمامه.
حاول الانشغال بما يفعله لكن تلك الحبيبة لا ترحمه بعفويتها لذا ترك كل شيء من يده وتقدم منها يقف خلفها ليغلق الموقد تحت دهشتها ثم شهقت عندما وجدت نفسها محمولة بين يديه وقبل أن تعترض قام بتقبيلها وهو يخرج بها من المطبخ.
❈-❈-❈
عاد سليم من الخارج بعد يوم شاق قضاه وهو يبحث عن والده في كل مكان لكن لا اثر له
وظل يتساءل كيف استطاعت أن تخفيه ومن ساعدها بذلك
حتى عندما سأل حرس المنزل اخبروه أنها طردتهم فور عودتها ولا يعرفوا شيئاً عن الأمر.
حتى الكاميرات الموضوعة خارج المنزل لم يجد بها شيء.
عاد برأسه للوراء وقد تعب حقاً من شدة التفكير.
_سليم.
انتبه على صوت وعد التي تقدمت منه
وقد تأثرت بحالته التي يعود بها كل يوم
جلست بجواره تسأله
_لسة برضه مقدرتش توصله؟
هز رأسه بنفي
_للأسف مخلتش مكان مدورتش فيه.
بقالي شهر بدور ومفيش فايدة.
قالت باقتراح
_طيب ما تبلغ الشرطة.
تنهد بتعب وقال بتسويف
_مش هينفع عشان الشوشرة بس بفكر أكلم المستشار خليل عم داغر هو اللي يشوف الموضوع ده.
_اه صح ليه مفكرناش في كدة من الأول، هو أكيد يعرف ناس ممكن يساعدوا في حاجة زي دي، طيب كلمه مستني ايه؟
هز رأسه بنفي
_مش هينفع انا اللي اكلمه، إم شاء الله داغر وأسيل راجعين خلال ايام هبقى اخليه هو اللي يكلمه.
_خلاص قوم غير هدومك وارتاح لحد ما اجهزلك الغدا.
امسك يدها يقبلها بحب وقال
_بلاش انتِ مش عايزك تتعبي نفسك وانتِ حامل.
ابتسمت بحب
_بحب اعملك كل حاجة بايدي مش هقبل انك تاكل من ايد غيري.
قبل يدها مرة أخرى وتمتمت بوله
_تسلميلي.
❈-❈-❈
في حديقة جانبية للمنزل الزجاجي أخذت أسيل تتجول بها عندما استيقظت في الصباح
لم تشاء ان توقظه لذا تركته نائماً وخرجت لتتجول قليلاً
لقد مر اسبوعين اذاقها فيهم فنون العشق الذي جعلها تحلق في السماء حتى وصلت للنجوم
لكن مازالت تلك الرهبة تنتابها كلما اقترب منها
هي تحاول قدر المستطاع ألا تظهر ذلك لكن الأمر خارج عن إرادتها
وما يهون عليها الأمر ان داغر يهون عليها ويتعامل معها بروية حتى تنسى وتندمج معه.
لاحت ابتسامتها على ثغرها وهي تتذكر حبه لها ومصابرته عليها
لو كان ذلك العذاب الذي عاشته يعد ضريبة لتلك السعادة التي تعيشها الآن فهي أكثر من مرحبة بذلك.
فردت ذراعيها أمام الريح وهي تلتف تشارك سعادتها مع نسمات الصباح التي تداعبها حتى شعرت بالفراشات ترفرف حولها من كل جانب.
فلم تتخيل يوماً أن تعيش هذه السعادة التي تنعم بها الآن.
توقفت إثر اصطدامها بشىء فتحت عينيها مسرعة فتجد داغر يقف أمامها يلهث وقد ظهرت عليه علامات الغضب وصوته الغاضب يقول
_انتِ ازاي تقومي من جانبي وتبعدي كدة من غير ما تعرفيني.
اهتزت نظراتها وقد شعرت بأن ما كانت تخشى منه يحدث أمامها وخاصة عندما تابع بسخط
_انا فضلت ادور عليكي لدرجة إني……
لم تستمع أسيل لشيء بعدها
فها هو عاد ليدمر كل جميل عاشته معه
مما جعل الخوف يظهر جلياً في عينيها
وكأنها تشاهد نسخة أخرى لوالدها وتعليماته التي تنتهي بالأخيرالا بقلم حاد على وجهها. فارتدت خطوة للوراء تضع يدها امام وجهها كأنها تحميه
مما جعل داغر يزفر باستياء عندما لاحظ وجلها منه فتقدم منها خطوة وهو يقول باعتذار
_انا آسف مكنش قصدي اتعصب عليكي….
صرخت أسيل عندما وجدته يرفع يده إليها فظنت أنه سيضربها كما فعلوا جميعاً من قبل.
انقبض قلبه عليها وقال بروية يهدئها
_إهدي يا أسيل….
هزت راسها وهي تصم أذنها بيديها كأنها تخشي ما سيقوله
صرخت مرة أخرى عندما وجدته يخطو خطوة أخرى تجاهها ولاحت أمامها ذكريات مشابهة لخطوات تخطو تجاهها تنتهي بالضرب مما جعلها تهرب
تهرب من كل شيء حتى لو وصلت إن تهرب من الحياة نفسها
كانت تستمع لصوت داغر وهو يناديها لكنه كان كصوت والدها.
كصوته هو حين تعدى عليها.
حين ضربها.
فتزداد صرخاتها حينما استطاع الوصول إليها وحاوطها من الخلف يقربها لصدره
حاولت الإفلات منه لكنه أحكم ذراعيه حولها لاغيًا اي مسافة تساعدها على الهرب وتمتم بحنو جوار أذنها
_اهدي يا حبيبتي متخافيش، انا آسف.
استكانت أسيل بين يديه عندما لم تجد فرصة للهرب لكن نحيبها لم يستكين بعد
اغمض داغر عينيه بحنق من نفسه لكنه لم يقصد شيء سوى أنه قلق عليها عندما استيقظ ولم يجدها فتمتم معتذرًا
_اهدي يا أسيل انا اتعصبت بس لما دورت عليكي ملقتكيش خفت يكون جرالك حاجة، اهدي خلاص انا آسف.
جعلها تستدير بين يديه وقد هاله دموعها والزعر الذي ظهر بعينيها
التاع قلبه عليها وعلم بأن عليه أن يكون اكثر حرص في تعامله معها.
فتمتم بحنو وهو يمسح دموعها
_مكنش قصدي اخوفك مني، حقك عليا.
أغمضت عينيها كأنها تناجي الظلام الذي كان يسحبها لدائرته كلما شعرت بالخوف لكن يبدو أنه تخلى عنها بدوره.
ضم داغر رأسها لصدره وظل يهمس لها بوعود حتى هدئ نحيبها قليلاً
أبعد رأسها عن صدره ورفع وجهها إليه يمسح دموعها التي بللت وجهها
وابتسم بحنو كي يطمئنها ثم حدثها بمرح اخفى به حزنه عليها
_بس مكنتش اعرف إنك خوافة كدة.
اغمضت عينيها تحاول تهدئت خوفها تذكر نفسها بأنه حبيبها وقد فعل ذلك لخوفه عليها
قربها داغر لحضنه يربت عليها بحنان
_اوعدك إني مش هتعصب تاني لأي سبب حتى لو من خوفي عليكي.
أومأت له
في حافة الشاطئ
سار داغر بجوارها يحيط كتفها بذراعه
وقد استطاع بعد عناء أن يهدئ من ورعها
حتى هدئت وعادت ابتسامتها تضيء دنيته مرة أخرى.
وبدأت أسيل تندمج في حديثه معها وهو يخبرها عن الجزيرة وموقعها مما جعلها تسأله بحيرة
_بس انت عملت كل ده أمتى احنا مكملناش ساعات في مصر.
ابتسم داغر بحنو وهو يقربها منه أكثر
_ساعات ايه انا مرتب لكل ده من شهر تقريباً قبل ما ننزل باسبوعين.
_وايه اللي كان مخليك واثق كدة إني كنت هرجعلك.
اراد ان يشاكسها فتحدث بغرور
_بقا بذمتك كنتي هتقدري تقاومي قلبك اللي لسة بيموت فيا.
لم تستطيع منع ابتسامتها من الظهور لذا اخفت وجهها في كتفيه وواصلا السير حتى وقعت عين أسيل على دراجة هوائية
شعرت برغبة ملحة في قيادتها لكنها اجلت ذلك كي تستمتع بتلك اللحظة معه وهو يحاول ان يراضيها بكل الطرق.
❈-❈-❈
عاد خليل إلى المنزل بعد مجهود شاق قضاه في المصنع والذي استطاع بعد عناء أن يوقفه على قدمه مرة أخرى
دلف غرفته وهو يشعر بوحدة قاتلة
فغياب داغر اثر به حقاً ولم يستطيع عمله أن يعوض غيابه.
فقد وعده أن يعود بعد عشرة أيام مع زوجته وابنه.
ابتسم لتذكر حفيده وازدادت سعادته عندما وعده داغر بأن يتركهم معه مدة سفره
لكن لم ينتبهوا جميعاً لشيء هام
كيف باستطاعة أسيل أن تعيش في المنزل بعد ما حدث
سيكون ذلك صعب عليها
وغرفة داغر التي حدث بها اعتداءه عليها
كيف تخيل ان توافق على الإقامة بها.
فكر كثيرا حتى توصل لحل سيقوم بتنفيذه من الآن
أمسك هاتفها وقام باجراء مكالمة يعد بها كل شيء
❈-❈-❈
ظل داغر يعوض أسيل بكل الطرق وهي تنعم معه في بحور عشقه
لم تتخلص من ذلك الخوف لكنها تحاول أن تتناسى وتعوضه هو أيضاً عن ذلك الشقاء اللذان عاشاه
تطلع داغر إليها وهي مازالت تشيح بوجهها بعيدًا عنه
نهض من مقعده ليجلس على الأريكة بجوارها وقد ضعف أمام زعلها منه
مد أنامله ليدير وجهها الذي يعشقه اليه كي يجبرها على النظر إليه وقال بلوعة
_ممكن أعرف هتفضلي زعلانة لحد أمتى؟
تطلعت إليه بعتاب ثم تمتمت بزعل محبب
_عشان كدبت عليا
رفع حاجبيه بدهشة
_انا كدبت عليكِ؟
أومأت بحزن مصطنع
_اه لما وعدتني تعوضني عن كل حاجة اتحرمت منها واديك أهو بتقولي لأ؟
تمتمت بدهاء وهي تلف ذراعيها حول عنقه تتلاعب على وتر عشقه لها
_يعني ينفع مراتك حبيبتك يكون نفسها في حاجة وتقولها لأ.
رمقها داغر بغيظ وقد علمت تلك الفتاة كيف تجعله راضخاً لكل طلباتها فقال باستسلام
_انا عارف إني بطلع في الآخر عيل قدامك وإن دور سي السيد ده مينفعش معاكي، ماشي يا ستي قومي(تمتم بمكر وهو يتطلع إلى ثغرها برغبة) بس قبلها تسدي الضريبة.
عضت اسيل على شفتها عندما فهمت مغزى حديثه وهمت بالهرب من جواره لكنه ادرك ذلك وجذبها إليه كي يعوض ذلك البعد الذي أرهق كلاهما.
سار على الطريق يراقبها وهي تقود الدراجة بجواره تسبقه ثم تعود إليه لتلتف حوله تشاكسه
_قولتلك خد واحدة وتعالى نتسابق، براحتك بقا.
ضحكت عندما وجدته يتطلع إليها بغيظ
فأوقفت الدراجة قاطعة الطريق أمامه وهي تقول بدلال
_خلاص يا سيدي متزعلش اوي كدة أركب انت وانا هركب على الكرسي وراك.
اشاح بوجهه قائلاً بتعند
_لأ.
تركت الدراجة وتقدمت منه لتحيط عنقه وتقول بدلال
_ولو قولتلك عشان خاطري.
بدأت حصونه تتهاوى امام دلالها لكنه آبى الرضوخ إليها وتمتم برفض
_برضه لأ.
تلاعب المكر بداخلها ودنت منه أكثر لتتمتم بجوار أذنه
_المرة دي لونه فوشيا.
تراقص قلبه فرحاً لتلك البادرة منها وشعر بأنها على وشك ان تتخلص من ذلك الخوف الذي يراودها
فازدرد لعابه بصعوبة يتخيلها به لكنه واصل عناده فتقضي هي على ما تبقى من إرادة أمام سطوة عشقها عندما طبعت قبله على خده وتتابع رجاءها بغنج
_عشان خاطري، تهون عليك مراتك حبيبتك تزعلها كدة.
هز رأسه بنفي وقد استطاعت بدهاءها اخضاعها له وتمتم باستسلام
_وانا اقدر! انا عارف إني مش هعرف امشي عليكِ كلمة.
ضحكت عندما سألها
_متأكدة انه فوشيا؟
اومأت له فيمسك الدراجة ويشير لها بمكر
_طيب خليكي قدام افضل عشان متقعيش مني.
هزت كتفيها بموافقة وهي تتمتم بغنج
_اللي تشوفه يا روحي.
عض داغر على شفته وهو يتمتم بوعيد
_هو انا بعد كلمة روحي دي هعرف اسوق ولا اتنيل انا بقول نروح أحسن.
اخذت مقعدها امامه وقالت بأمر محبب
_يلا سوق.
هز رأسه بيأس منها ثم انطلق بالدراجة لينعم بذراعيها التي أحاطته بحب ووله
ظل يتجولا بها في الجزيرة حتى اكتفى كلاهما وعادا إلى منزلهما بسعادة تزداد كل يوم عما قبله..
وها قد انتهى الشهر وقررا العودة إلى طفلهم.
ظلت أسيل تنظر للجزيرة بوداع لاحظه داغر تقدم منها ليقبل جانب عنقها قائلاً
_اوعدك إنها مش هتكون آخر مرة.
استدارت إليه وتطلعت إليه بولع
_اي مكان معاك بيكون جنة، انت اللي بتحلي المكان نفسه.
ابتسم داغر من اطراءها له وقال بغرور مصطنع
_بس انتِ بكلامك ده هتخليني اتغر وانتِ مش اد غروري.
ضحكت بسعادة وسألته
_ده اللي هو ازاي؟
غمز لها بشقاوة
_لما نوصل بيتنا هقولك.
رسى اليخت على شاطئ الإسكندرية وأمام منزلهم.
اوقف داغر اليخت وتطلع إليها بعينين تحمل الكثير من الولع بها وتحدث بشغف وهو يتلاعب بخصلاتها.
_أوعى تفتكري إن شهر العسل خلص على كدة بالعكس هو بدأ دلوقت واللي هيحليه أكتر وجود ابننا معانا، متعرفيش هو وحشني اد ايه مع إني مشفتوش غير مرة واحدة بس طول الأيام اللي فاتت دي مغبش عن بالي لحظة واحدة واللي مصبرني وجود امه معايا.
ضحكت أسيل بسعادة غامرة وأحاطت عنقه بذراعيها وهي تقول بعشق
_مش مصدقة يا حبيبي إننا رجعنا لبعض وانتهى العذاب اللي كنا عايشين فيه.
ملس بأنامله على خصلاتها يطمئنها
_انتهى خلاص وأوعدك أنه مش هيرجع تاني.
يلا بقا ادخلي البسي الحجاب عشان اكون أول واحد يشوفك به.
اندهشت أسيل من إصراره على ارتداءه الآن وبين اليخت ومنزلهم خطوات معدودة
_طيب خلينا لما ندخل بيتنا مش معقول حد هيشوفني دلوقت وانا نازلة من اليخت وداخلة بيتنا.
رد بتروي
_اه طبعاً فيه الحارس اللي على الباب برة.
يلا اللبس هتلاقيه في شنطة في الدولاب البسيه لحد ما أنزل الشنط
_دا انت مرتب لكل حاجة بقا.
اومأ مؤكدًا
_من زمان.
ضحك كلاهما ثم طبع داغر قبلة متملكة على جبينه قبل ان يسمح لها بتركه ثم انشغل بحمل الحقائب وإخراجها من اليخت.
خرجت أسيل بعد قليل وقد تزينت بذلك الحجاب الذي اضاف جمالاً فوق جمالها
كما حال ثوبها الفضفاف والذي لاقى استحسانه
شعرت بالاطراء من نظراته وانبهاره بها فسألته بدلال
_عجبك؟
حك رأسه وتمتم بأسف
_المشكلة إن مفيش وقت لو فيه كنت قولتلك بطريقتي.
لفت ذراعيها حول عنقه وقالت بغنج
_خليها لما نروح ويلا بقا عشان إياد وحشني.
طبع قبلة صغيرة على ثغرها وقال
_ماشي يا ستي يلا.
كانت الساعة التاسعة مساءً عندما وصلا لمنزلهم وقد كان المكان معتماً لذا تشبثت بداغر قائلة
_داغر انت مش قلت إننا هنروح نلاقي إياد؟ شكل مفيش حد في البيت.
رد بخبث
_شكلنا رجعنا بدري، على العموم تعالي ندخل نرتاح شوية وبعدين نروح احنا نجيبه.
وما إن فتح داغر الباب حتى أضاء المكان فتنبهر أسيل بما تراه أمامها.
اتسعت عين أسيل بذهول وهي ترى الجميع أمامها يصفقون لهم بسعادة وورقات الزهور تتقاذف عليهم لا تعرف من أين.
ويد داغر تحيط كتفها بتملك وحب
كانت تنظر إلى الجميع وهم يتطلعون إليها بسعادة كبيرة صادقة وليست مزيفة.
ومن بين الجميع ترى ذلك الصغير الذي يسرع تجاهها بخطوات متعسرة فتلتقفه لتضمه لصدرها بسعادة كبيرة وكأن الدنيا الآن أصبحت بين يديها
قبلت كل انش بوجهه وكأنه غاب عنها زمن فتمتمت بأنفاس متلهفة حد
_وحشتني اوي اوي يا حبيبي.
ولم يكن حال داغر أفضل من حالها وهو ينظر لطفله بلهفة وشوق وعيون تكاد تلتهم كل إنش به يود حمله لكن يخشى من رد فعله فهو لم يعتاده بعد.
وكأن أسيل شعرت بمدى معاناته إذ تمتمت في أذن طفلها
_ديدو تروح لبابا.
بعفوية نبعت من فطرته نظر إلى داغر وابتسم بخجل
وقد كانت دعوة لداغر بأن يحمله، ولم يرفض الطفل ذلك بل ألقى نفسه بين يدي والده التي مدها إليه بعفوية وحينها شعر داغر بأنه يحمل الدنيا بين يديه.
ظل يملي عينيه منه غير منتبهاً لأحد وكأن الزمن توقف عند تلك اللحظة
فبين ليلة وضحاها يكتشف أن له طفلاً وبذلك العمر
يتذكر هول تلك الصدمة عليه وقد حرم من لحظات مبهجة تكاد تصله لعنان السماء عندما تكون يده أول يد تحمله
لكن أقسم في تلك اللحظة أن يعوضه عن غيابه وحرمانه منه..
ربتت أسيل على يده تعيده لعالمهم فتطلع إليها بوله قبل أن يضمها إليه و يحتويها هي وطفلهما بكل ذلك التملك.
تقدم خليل من داغر ليحتضنه بأبوة
_حمد لله على السلامة يا داغر.
رد داغر بتقدير له
_الله يسلمك يا عمي تعبتك اوي معايا.
رد خليل بصدق
_متقولش كدة انت ابني، معاك انت عرفت إن الأب اللي بيربي مش اللي يخلف.
تطلع إلى إياد الذي استكان بهدوء بين يد داغر وداعبه بحنو
_المستشار الصغير عامل ايه؟
عقد داغر حاجبيه باستياء
_مستشار!!
لا ياعم انا هطلعه قبطان زيي.
رد خليل بتعند
_وليه بقا ميكملش مسيرة جده؟
_طيب بزمتك مهنتك دي كانت حرقت أعصاب ولا لأ.
وافقه باستسلام
_منكرش.
_خلاص سيب حفيدك بقا يخليه في مهنة الرفاهية بتاعت ابوه.
تدخلت أسيل لفض جدالهم
_والله بقا انا شايفة إنكم تأجلوا الكلام ده لحد ما يكبر ويقرر بنفسه.
رد خليل بقلة حيلة
_ماشي يا ستي، ها هتيجوا معايا زي ما وعدتني ولا الجو عجبك وعايز تكمله؟
غمز داغر بشقاوة لعمه
_بصراحة الجو عجبني أوي أوي بس راجع معاك يا باشا.
_يعني مش ناوي تبيع؟
_من الجهة دي مكدبش عليك مع كل اجازة هبيعك واخدهم وآجي على هنا.
ضحك خليل وقال برضا
_وانا قابل يا سيدي.
أشار لسيلين أن تتقدم منهم وقام بتقديمها لهم
_دي مدام سيلين صاحبة المصنع جات مخصوص عشان تباركلكم.
ابتسمت سيلين بمجاملة وهي تصافح أسيل وداغر
_ألف مبروك تتهنوا بأبنكم يا رب.
رحبت أسيل بها بحفاوة
_متشكرة اوي لذوق حضرتك.
أخرجت علبة صغيرة من حقيبتها وقدمتها لأسيل قائلة
_دي هدية صغيرة اتمنى إنها تعجبك.
أخذتها أسيل كي لا تحرجها
_مكنش في داعي تتعبي نفسك.
تطلعت لخليل ببهجة وهي تقول
_مفيش تعب ولا حاجة، دي اقل حاجة ممكن أقدمها.
لاحظ داغر نظراتها لعمه فتمتم بصوت خافت
_هي السنارة غمزة ولا أيه؟
سأله خليل
_بتقول حاجة يا داغر؟
تدارك داغر موقفه سريعًا
_ها لا يا عمي بقول إنك كنت وحشني أوي.
ربت خليل على كتفه بتقدير
_وانت كمان بس خلاص هتعوضني بقا عن غيابك بمرات ابني وحفيدي.
تذكر خليل أمر أخيه وقال بجدية
_على فكرة انا عزمت والدك ويارين وهما جايين من المطار دلوقت ياريت تنسى اللي فات وتبدأ صفحة جديدة معاه
انت خلاص بقيت أب وجربت بنفسك صعوبة ان ابنك يكون بعيد عنك، انسى اللي فات وكمل فرحتك بعيلتك.
أومأ داغر وقد قرر أن يطوي صفحات الماضي دون أن يعود إليها مرة أخرى.
تقدم سليم من أسيل وهو يقول بابتسامة
_حمد لله على السلامة يا سيلا.
بادلته أسيل الابتسام وهو يحتضنها بأخوه
_الله يسلمك يا سليم عامل ايه؟
_الحمد لله أحسن.
سألته بتوجس
_برضه مفيش اخبار عن بابا؟
تنهد بتعب شديد وقال
_لسة مش عارف أوصل لمكانه، المشكلة إني بتعامل مع الموضوع بحذر عشان محدش يشم خبر فقلت أكلم المستشار خليل هو اللي يقدر يساعدنا.
_تحب أكلمه أنا…..
قاطعها سليم
_لا انا اللي هكلمه متشيليش انتِ هم حاجة.
_إن شاء الله نوصله بأقرب وقت، اومال فين وعد، أوعى تقول مجتش
تلفت حوله فيجدها تتقدم تجاههم وهي تقول بمزاح
_انا هنا يا قلبي مقدرش اتأخر.
احتضنت أسيل بسعادة كبيرة وتمتمت
_كنت هزعل اوي لو مجتيش.
تقدمت هايدي بدورها
_وسعوا خليني أسلم على اللي استندلت اول ما رجعت لحبيبها.
ضحكت أسيل واحتضنتها بحب
_مستحيل استندل معاكي انتِ بالذات.
وقبل ان تسأل عن أمينة وجدتها تتقدم منها وتقول بعتاب
_يظهر إني أنا اللي اتناسيت مش انتِ يا هايدي.
ترقرقت العبرات في عين أسيل حينما رأت أمينة تدنو منها فتمتمت اسمها باشتياق
_دادة وحشتيني أوي.
قطعت أسيل المسافة بينهم لتحتضنها بحنين واشتياق لتلك المرأة التي كانت سند ودعم لها طوال عمرها
شددت من احتضانها وهي تتمتم بصدق
_لو نسيت الدنيا كلها مستحيل انساكي انتِ.
ابتعدت عنها قليلًا وتابعت
_طول عمرك وانتِ سند وضهر بالنسبة لي وكمان مرايتي اللي بتنبهني لأخطائي مستحيل انساكي.
تأثرت أمينة بحديثها وتمتمت بإخلاص
_انتِ بنتي يا أسيل ومفيش كلام زي ده بين البنت وامها
عادت تحتضنها من جديد فتتفاجئ بصوت حازم وهو يقول بتزمر
_وانا بقا شرير الرواية بتاعكم مش كدة؟
ضحكوا جميعاً وابتعدت أسيل عن أمينة وهي تقول بمزاح
_بلاش اقولك مكانتك اد ايه عشان عندنا واحد بيغير.
تطلع داغر لحازم باعتزاز
_مبقاش ينفع أغير منه من وقت ما عرفت الحقيقة، كفاية أوي إنه وقف جنب مراتي وابني وعوضهم عن غيابي لولاه الله اعلم كان ممكن يحصلهم ايه.
رد حازم بجدية
_انا معملتش حاجة استاهل عليها الكلام الكبير ده، أي واحد مكاني كان هيعمل كدة وأكتر كمان.
ارادت وعد أن تنهي ذلك الحديث عندما انتبهت لحزن سليم وقالت بمزاح
_ايه يا جماعة احنا هنقلبها نكد ولا ايه؟
ردت امينة
_ربنا ما يجيب نكد وتدوم فرحتنا على طول
أمن الجميع خلفها وبدأ المدعوين بالظهور وكان اولهم يحيى ودينا زوجته.
تقدم يحيى منه وقال بمزاح
_من لقى أحبابه نسي اصحابه صح ولا انا غلطان
أيده داغر بمزاح مماثل
_بالظبط كدة، يعني تخلع والنهار بدري
تنهدت دينا براحة
_أخيراً، يعني اللي حاولت انا اعمله في سنين جات أسيل عملته في شهرين.
تطلعت لأسيل وقالت بتنبيه
_انصحك تبعديه عن جوزك، لإن جوزي عينه زايغة وهيعلم جوزك بعد ما ربنا هداه.
شهقت أسيل وهي تنظر لداغر بإدانه
فتلعثم داغر وهو يقول لدينا
_ايه يا دينا متخليكي محضر خير انتِ جايه تباركي ولا جايه تنكدي عليا فأول ليلة في البيت ده، ما تشوف مراتك يا زفت.
ردت دينا بغيظ
_لا وحياتك؛ بوعيها عشان متغلطش غلطتي.
تطلع إليها يحيى وهو يقول بجدية مصطنعة
_دا مرض يا حبيبتي بعيد عن عنك ومرض مستعصي كمان بيصيب الإنسان اللي عياره فالت زيي كدة.
هزت راسها بيأس منه وقالت لأسيل
_عشان تصدقي.
تطلعت أسيل لداغر وقالت بتهديد
_يبقى يعملها وهو عارف إيه اللي هيجراله.
وضع داغر يده على عنقه عندما تذكر تحذير يارين من غيرة المرأة وقال بتهرب
_أومال فين الباقي مش شايف حد منهم.
تطلع يحيى تجاههم وقال
_مستنيينك هناك تعالى نروح لهم.
سأل داغر بغمزة وهو يتطلع لإياد
_بس قولي عملتها ازاي دي يا نمس، الواد نسخة منك.
تطلع إليه بسخرية
_العب بعيد يا شاطر دي قدرات انت مش قدها.
_خلاص يا عم متزقش اللي اداك يدينا.
تطلع يحيى إلى إياد وقال بتهديد
_وحياة أمك لما تكبر وعرفت انك شربت سجارة محشية من غيري لانفخ أبوك.
تقدم أحد أصدقاءهم وهو يتطلع إلى داغر بتساؤل مرح
_حصل ازاي وأمتى؟ أفهم بس.
ضحك داغر ورد قائلاً
_بعد الحادثة لما سافرت امريكا.
غمز طارق بعينيه
_طول عمرك بتاع مفاجأت بس متخيلتش مفاجأة زي دي، على العموم يا سيدي الف مبروك.
رد داغر بسرور
_الله يبارك فيك يا طارق عقبالك.
رد طارق بتفاخر
_لااا انا لسة ملقتهاش ومظنش إني هلاقيها لإني حاطتلها موصفات إنما ايه عنب.
ربت يحيى على كتفه وقال بسخرية
_يبقى هتعمل زي حسنين.
قطب جبينه بحيرة وسأله
_حسنين مين؟
ضرب على كتفه وتمتمت بسخرية
_واحد صاحبي متعرفوش.
ضحكوا جميعاً على مزاحهم الذي لا يكفوا عنه فقال داغر
_يا سيدي بكرة نشوف بس ابقا اعزمنا.
_لا طبعاً اعزمك ايه دا أنا….
توقف عن الحديث عندما وجد تلك الحورية التي دلفت من الباب الرئيسي وخلفها والدها فتمتم بمكر
_هي المكنة طلعت قماش ولا ايه؟!
تطلع داغر إلى حيث ينظر فوجد يارين تدلف مع والده فقال بتحذير مبطن بالغيرة
_عين لقلعهالك.
جذبه يحيى من أمام داغر وهو يقول
_ملقتش إلا دي يخرب بيتك دي أخته.
عض طارق على شفته وهو يقول بحسد
_الواد ده الستات في حياته ملهمش حل، بس وديني انا قتيلهم الليلة دي.
قال الآخر
_سيبه هو شكله ناوي على نهايته.
_الله انا عملت ايه، كلكم متجوزين مفيش سنجل غيري وخلاص لقيتها، وبعدين هو هيلاقي احسن مني فين.
ضربه يحيى على مؤخرة رأسه
_يا شيخ اتلهي.
ابتسم داغر بود لوالده الذي تقدم منه ليحتضنه وقال بسرور
_ألف مبروك يا داغر.
رد داغر بحب
_الله يبارك فيك يا بابا متشكر اوي انك جيت.
ربت ناجي على كتفه وتحدث بصدق
_متقولش كدة ده اسعد يوم في حياتي وخصوصاً اني شوفت حفيدي.
حمله من يد داغر وداعبه بحنو
_عامل ايه يا ديدو؟
تقدمت يارين من داغر لتقبله وقالت بسعادة
_ داغر congratulations
ابتسم داغر بحبور
_الله يبارك فيكِ يا قلبي عقبالك.
رفعت اصبعها أمام داغر بتنبيه مرح
_بس يكون قبطان زيك.
تمتم داغر بغيظ وهو يتطلع لطارق
_حظه خدمه ابن اللذين.
_نعم.
سألته يارين بحيرة
أدرك نفسه قائلاً
_لا يا حبيبتي دا انا بقول هيكون سعيد الحظ اللي هياخدك.
قبلت خده بحبور
_ميرسي يا قلبي، أومال فين أسيل.
أشار لها باتجاهها
_واقفة مع حبايبها اهه.
عند أسيل
اتسعت عينيها بسعادة وهي تسألها
_بجد يا وعد يعني انا كلها كام شهر وهشيل ابن سليم.
صححت بسعادة
_لا وحياتك بنت مش ابن وكمان سليم ناوي يسميها أسيل على أسمك.
احتضنها أسيل بسرور
_ألف ألف مبروك تتربى في عزك وفي عز سليم يا قلبي.
التفتت أسيل إلى يارين التي ميزت صوتها
_أسيل How are you.
_يارين جيتي أمتى؟
قبلتها يارين بحب
_لسة واصلين حالاً، بس مش مطوليش هنسافر بكرة إن شاء الله.
قالت أسيل باستياء
_ليه كدة كان نفسي اقعد معاكي أكتر من كدة.
_معلش تتعوض مرة تانية.
….
كان سليم يقف مع خليل تحدثوا في أمور عدة قبل ان يفتح معه أمر والده وشرح له كل شيء
فقال خليل بحيرة
_معقول محدش قدر يوصله؟
هز سليم رأسه بأسف
_انا بنفسي اللي دورت لإني مش عايز شوشرة انت عارف الموضيع دي بتبقى حساسة أد ايه.
اومأ بتفاهم
_تمام انا هكمل صديق في الدخلية وهخليه يبحث في الموضوع بشكل سري وإن شاء الله نوصله بأقرب وقت.
شكره سليم ثم تحدثوا في أمور عدة ..
تقدم داغر من أسيل بعد أن شعر بالضيق لأبتعادها عنه ولم يعد يتحمل
أشار لها بالتقدم تجاهه فلبت نداءه وتركت كل شيء وتوجهت إليه فقال بغمزة
_وحشتيني اوي لو اعرف إن الحفلة دي هتاخدك مني المدة دي مكنتش عملتها.
_ياسلام دول كلهم ساعتين.
تطلع إلى ثغرها وقال بمكر
_اصلك بصراحة تجنني اوي اوي في الحجاب وعايز اشكره بطريقتي.
رفعت حاجبيها تتصنع الدهشة
_وهتشكره ازاي بقا؟
غمز بشقاوة
_هقطعه.
ضحكت أسيل على خفته وقالت بيأس
_انت مجنون.
رفع حاجبيه بتوعد
_بقا كدة؟ طيب اصبري بس لما يمشوا وانا هعرفك الجنان بيبقا ازاي.
هزت راسها بصبر نافذ ثم تطلعت إلى سيلين التي لم ترفع عينيها عن خليل وقالت
_مش واخد بالك من حاجة؟
قطب جبينه بحيرة وسألها
_حاجة ايه؟
_شوف مدام سيلين مرفعتش عينيها عن عمي طول الحفلة ايه رأيك لو نجوزهم.
تطلع إلى سيلين التي تقدمت من عمه لتحدثه وقال
_تصدقي عندك حق، وبصراحة الموضوع جاي في ميعاده
_ازاي يعني؟
_هقولك بعدين لأنهم جايين علينا.
تقدم خليل من داغر وقال
_طيب يا داغر أنا لازم ارجع القاهرة دلوقت عشان اوصل مدام سيلين وهستناكم الصبح زي ما اتفقنا.
_إن شاء الله يا عمي.
تطلع إلى سيلين وتابع
_شرفتينا يا مدام سيلين.
ابتسمت بمجاملة
_الشرف ليا أنا اني اتعرفت عليكم.
خرجت سيلين مع خليل فقالت أسيل
_أخدت بالك؟
_واضحة اوي بصراحة، بس عادي نخطبهاله وبالمرة…..
توقف عن التحدث عندما وجد طارق يقترب من يارين وقال بحنق
_ليلة امك سودة.
تابع بامتعاض
_استنيني هنا لحد ما اشوف المتخلف ده بيعمل ايه.
حاولت اسيل منعه لكنه تركها وتقدم منهم وهو يقول من بين أسنانه
_ايه يا طروقه الحفلة عجبتك.
حمحم طارق باحراج
_بصراحة جداً وناوي إن شاء الله المرة الجاية هتكون عندك برضه.
ضرب على كتفه وتمتم بمغزى
_طيب من هنا للحفلة الجاية تلم دورك عشان معندش قصادك.
رفع يديه باستسلام
_لا وعلى ايه الطيب أحسن بس ..
دنى من اذن داغر وأردف
_بس حب فيا قدامها إلهي يسترك وانا تبت بعد النهاردة وهمشي جانب الحيط.
اومأ لها داغر
_ماشي يلا بقا عشان بينادوا عليك.
في نهاية الحفل بدأ الجميع بالانصراف حتى جاء الدور على طارق الذي تقدم من داغر وقال بمغزى
_بقولك ايه يا كابتن متتوسطلي ينوبك ثواب أهه تكون سبب توبتي.
ضرب داغر بقوة على كتفه وقال بمغزى
_ربنا يسهل، بس التوبة دي هتمشيك جانب الحيط وهتتعبك، نصيحة شوفلك حاجة غيرها.
فعل طارق بالمثل وهو يقول بتهديد مرح
_يا سيدي انا راضي امشي جانب الحيط اللي خلاك انت مشيت انا مش همشي.
تطلعت إليه أسيل بصدمة أخرى لكن داغر ادرك الموقف
_ماشي ربا يسهل روح انت ولما ترجع تاني من امريكا يبقا افاتحها، هي هترجع قريب متخافش.
_إن كان كدة ماشي يلا سلام.
حمحم داغر عندما وجد أسيل تتطلع إليه بغيظ فسألها مدعي الجهل
_في حاجة يا حبيبتي.
زمت فمها بحنق وقالت بتوعد
_لما نطلع اوضتنا هقولك.
انصرف الجميع وتعلل داغر بأن يضع ابنه في فراشه ثم يأتي إليها
دلف داغر غرفة ابنه التي اعدها له لتناسب طفل بسنه
أغلق الباب خلفه وسأل ابنه
_ها عحبتك الأوضة؟ لو مش عجباك قولي اغيرهالك من الصبح.
تطلع إليه بحب وتالع بوعد
_هعوضك عن كل الايام اللي عشتها بعيد عنك
قربه من صدره وتابع بوعد
_وهعيش في الدنيا دي عشان اسعدك وانت وماما.
ظل يحدث طفله حتى غفى بجواره على الفراش وكلما هم بالنهوض من جواره تشبث به طفله حتى استكان هو أيضاً ونام بجواره.
❈-❈-❈
في اليوم التالي
توقفت سيارة داغر أمام المنزل مما جعل أسيل تغمض عينيها بألم عندما داهمتها الذكريات
هي ليست مستعدة بعد لأن تدخل ذلك المنزل ليس الآن على الأقل، لكن داغر أصر على ذلك كي تواجه كل الصعاب.
انتبهت على يده التي امسك بها يدها يخبرها أنه بجوارها.
أومأت له بصمت ثم تطلعت لطفلها الذي غفى في مقعده وتمتمت بتأثر
_دا نام.
تطلع داغر إليه بابتسامة
_المشوار كان طويل أوي، يلا خلينا ندخل.
انفتحت البوابة الخارجية ودلف داغر بسيارته وأسيل تحاول بشتى الطرق أن تجابه تلك الذكريات.
اندهش داغر عندما لم يجد الباب الداخلي مما جعله يترجل من السيارة وينادي احد الحرس
_محمد.
تقدم منه الحارس يسأله
_حمد لله على السلامة يا كابتن، خير؟
أشار داغر على الحائط وسأله
_فين الباب؟
قال الحارس بأسف
_انا متأسف لحضرتك نسيت اعرفك إن المدخل ده اتلغى وخليل بيه عمل مدخل من ورا.
اندهش داغر لبرهة لكنه فهم سريعًا
شكر الحارس وعاد لسيارته الاي توجه بها إلى الجانب الآخر
تطلع إلى أسيل التي مازالت تخفي عينيها بتلك النظارة السوداء فقال بروية
_أسيل.
تطلعت إليه أسيل متسائلة فقال بحنو
_وصلنا
ترجل من السيارة وتوجه ناحية مقعدها كي يفتح لها الباب عندما ظلت مكانها لم تتحرك فقال بدعم
_انزلي متخافيش.
ترددت لبرهة قبل أن تمد يدها إليه وترجلت بدعم منه
تطلعت إلى المنزل بوجل وتمتمت برهبة
_داغر أرجوك…
قاطعها داغر بحكمة
_أرجوكي انتِ يا أسيل قاومي عشان خاطري وزي ما انتِ شايفة عمي بيعمل اللي يقدر عليه عشان يساعدك.
أومأت له رغم اعتراضها وتركها داغر ليحمل طفله ثم عاد إليها ليكون داعماً لها.
حسها على السير حتى دلفت المنزل تتشبث بذراعه فيجدوا خليل قد بدل معامل المنزل بأكمله مما جعل داغر يندهش كيف استطاع في تلك الفترة الوجيزة ان ينهي كل ذلك.
ومنها أشياء كان يعتز بها حقاً
كيف استطاع محوها من مكانها.
ابتسم برضا فهذا عمه الذي ظل طوال حياته يعطي دون ان ينتظر مقابل.
تطلع إلى أسيل التي مازالت تغمض عينيها فتمتم بروية
_فتحي عنيكي احنا في بيت غير البيت.
فتحت أسيل عينيها وهي لا تفهم شيء مما يقول
بعيون مهتزة تلفتت حولها فترى أنها حقاً في مكان آخر غير الذي دخلته من قبل
صحيح أنه لم ينهي رهبتها كاملة لكنه خفف من وطئته عليها.
انتبه كلاهما على ترحيب خليل
_حمد لله على السلامة.
تبتسم داغر باعتزاز وهو ينظر لعمه الذي تقدم تجاههم
_الله يسلمك يا عمي، بس ايه اللي عملته في البيت ده انا قلت دخلت غلط ولا ايه.
تطلع خليل لأسيل وقال بتقدير
_اسيل تستاهل اكتر من كدة لو كان ينفع كنت بعت البيت كله وشفت مكان تاني بس انا عارف إن البيت غالي عليك برضه.
تطرق في حديث آخر كي يخفف عن أسيل
_تعالو بقا افرجكم على اوضة المستشار الصغير.
رد داغر بغيظ وهو يمسك بيد أسيل ويصعد معه للأعلى
_شكلنا كدة هنخسر بعض بسببه، بس ماشي يا سيدي مستشار مستشار.
لم تطاوعها قدمها على الصعود فترك داغر إياد لعمله وسألها باهتمام
_مالك يا أسيل؟
اغمضت عينيها لتسقط منها الدموع المتعلقة بأهدابها وتمتمت برهبة
_مش قادرة يا داغر مش هقدر أدخل الأوضة دي مهما حصل.
هنا تدخل خليل بحنو
_بس الأوضة دي معدش لها وجود يا أسيل، تقدري تقولي كدة محيتها نهائي، وبعدين ده موقف صعب من مواقف كتير بتمر في حياتنا ولو وقفنا عند كل موقف منهم يبقى مش هنقدر نكمل حيتنا، فلازم تكوني أقوى من كدة عشان بقا في روح مسؤولة منك لازم تكوني قوية قدامها عشان تستمد منك القوة دي.
وخليكي على ثقة إن كلنا جانبك وبندعمك بكل اللي نقدر عليه.
انا هاخد حفيدي افرجه على اوضته وانت خد مراتك وخليها تختار الاوضة اللي تعجبها، انا برضه غيرت فرش الأوض كلها.
صعد خليل وترك داغر معها كي يبث الاطمئنان بداخلها أكثر
وبالفعل استطاع داغر ان يمحي اي خوف بداخلها ثم أخذها وصعد بها للأعلى
لم تجد حقيقة أي معالم للغرفة وقد فتحها خليل كردهة وملأها بالكثير من أشجار الظل.
اندهشت أسيل بدورها
هل فعل عمه كل ذلك لأجلهم؟ أو بشكل أدق لأجلها هي، فقد أخبرها داغر كذباً بأنه لا يتذكر سوى استيقاظه في الحقيقة، إذا فقد فعل ذلك لأجلها وحدها.
بدأ الخوف يتلاشي تدريجياً وخاصة عندما تحدث داغر
_تحبي تتفرجي على الأوض عشان تختاري واحدة منهم.
هزت راسها بنفي وقد لاحت ابتسامة رضا على فمها
_لا مش هختار انا واثقة في ذوق عمي بس هختار الاوضة اللي جانب إياد.
شهقت أسيل عندما وجدته يحملها ويغمغم بتوعد
_ذوق عمك؟ ماشي تعالي بقا افرجك على ذوقي أنا…
اقتباس من الخاتمة
وقفت أسيل أمام الباب تمنعه وقالت بإصرار
_مش هتخرج.
انفعل داغر وتحدث بحزم
_أسيل أنا لازم أخرج دلوقت أوعى من قدامي.
صرخت بإصرار أشد
_قولتلك مش هتخرج ولو خرجت هقول لعمي ولو وصلت هبلغ الشرطة.
هدر بها بعضب محذراً
_أسيل.
وقفت أسيل أمام المرآة تمشط خصلاتها تتحاشى النظر إلى انعكاس صورته وهو يزرر قميصه بجوارها بكل هدوء وكأنه لا يعبأ بى فضولها
لكنها لم تستطيع الصمت أكثر من ذلك فالتفت إليه وقالت بانزعاج
لازم كل مرة تخرجني على عمايا كدة؟
رفع حاجبيه بمكر
_الله مراتي وانا حر فيها اخدها على عماها برضاها انا حر.
تطلعت إليه بغيظ
_يا سلام، طيب وإياد؟
اخذ الفرشاة ليمشط خصلاته وقال بهدوء
_إياد مع جده بيراجع طفولته معاه متقلقيش.
ألقى الفرشاة من يده وقال بمكر
_وبعدين هو مشوار صغير وهنرجع على طول متخافيش اوي كدة.
اغمضت عينيها بيأس منه
_يعني برضه مش هتقولي رايحين فين؟
غمز لها بشقاوة
_هخطفك.
اتسعت عينيها بذهول
_ما انت لسة خاطفنى من شهر ويادوب لسة راجعين امبارح.
هز كتفيه ببساطة
_وايه المشكلة لما اخطفك تاني وتالت ومليون..
لف خصرها بذراعيه الحانيتين وتابع
_طول ما انا عايش هفضل اخطفك لحد آخر يوم في عمري، حتى لو مت…
وضعت يدها على فمه تمنعه مسرعة وقالت بخوف
_اوعى تنطق الكلمة دي تاني (تطلعت لعينيه وبوجل) مقدرش أعيش في الدنيا دي وانت مش فيها.
الخوف الذي لاح بعينيها جعله يصر على ما انتواه
فرفع أنامله إلى وجنتها يتحسسها وتحدث بحنو
_حتى لو حصل هتلاقي روحي معاكي مش هتفارقك لحظة واحدة.
شعرت بالخوف أكثر وتذكرت مغامراته في البحر فقالت بخوف ورجاء
_داغر لو بتحبني فعلاً بلاش الجنون اللي كنت بتعمله ده، أرجوك بلاش تنزل المايه في العواصف…بلاش تنزلها خالص، عشان خاطري.
أومأ لها بحب لكنها لم تقتنع بتلك الإيماءه فمال على ثغرها يقبلها بحب ووله متناسيًا كل شيء
لا يتذكر سوى تلك الحورية التي تستكين بين يديه رغم مخاوفها.
توقفت السيارة أمام البناية وتطلع داغر إلى أسيل التي لا تعرف لما جاء بها إلى ذلك المكان فسألته بتوجس
_داغر احنا جايين هنا ليه؟
ابتسم لها يطمئنها
_تعالي نطلع وانتِ هتعرفي كل حاجة.
ترجل من مقعده والتف ليفتح لها الباب ضاغطاً على يدها بحب كي يشعرها بالأمان الذي حاول بكل الطريق أن يعيده إليها لكن دائما تبوء محاولاته بالفشل.
استسلمت له أسيل وصعدت معه ليقف كلاهما أمام عيادة لدكتورة أمراض نفسية
تطلعت إليه بتوجس فطمئنها بنظرة منه وصوته الحاني يقول
_لازم يا أسيل عشان تتخلصي من الخوف اللي جواكي.
اهتزت نظراتها وقد تلاعبت بها الظنون بأنه بدأ يستاء منها ولا تلومه على ذلك ففي كل مرة يقترب منها يعاني حتى تستسلم له
فتمتمت بصوت معذب
_انا عارفة إنك مليت مني و…..
قاطعها داغر
_هششش أوعى تقولي الكلمة دي تاني، أسيل احنا اللي بينا مش مجرد علاقة بين زوج وزوجته اللي بينا اكبر بكتير ومش ده السبب اللي جايبك عشانه
انا جايبك عشان تتخلصي من كل المخاوف اللي جواكي، انا صحيح حاولت اعوضك كتير بس مينفعش أكون انا السبب في كل اللي انتِ عشتيه وأكون انا طبيبك.
امسك يدها الباردة وقال بثقة
_انا عارف انك قوية لأن مفيش واحدة تمر باللي انتِ مريتي به وتفضل واقفة على رجليها، بس لازم نتخطي أي عقبة ممكن تقف في طريقنا وأولهم الخوف
لم تقتنع لكن عليها أن تطيعه ربما تنجح تلك الطريقة وتتخلص من مخاوفها وفور دخولهم سأل داغر الممرضة
_في حجز هنا باسم أسيل الحسيني.
نظرت في الكشف أمامها وقالت
_اه اتفضلوا.
وقف داغر بها على باب الغرفة وقال بمزاح اراد به التخفيف عنها
_ادخلي انتِ وانا هستناكي تحت في العربية لإن لو استنيتك هنا مضمنش نفسي لأن البنت اللي هنا حلوة أوي
اتسعت عينيها بذهول وهمت بتعنيفه لكنه منعها بحزم
_لأ عيب قولتلك ونبهت عليكي متغلطيش فيا قدام حد، بيني وبينك تمام قدام حد لأ.
ضحكت أسيل لعلمه بأنه يقول ذلك كي يخفف عنها وقالت بتوعد
_اصبر لحد ما اروحلك.
امسك يدها يقبلها ثم تركها لتدلف وحدها.
❈-❈-❈
كانت سعادة هايدي لا توصف عندما أخبرها الطبيب أن باستطاعتها الإنجاب
تطلعت إلى حازم بسعادة بالغة وتمتمت بفرحة
_انا مش مصدقة يا حازم حاسة كإني بحلم.
ابتسم بسعادة لسعادتها وقال
_لا يا قلبي مش حلم حقيقة بس هتقدري تتحملي التعليمات دي؟
أيدته بشدة
_اه طبعاً كل اللي قالي عليه هعمله دا انا مصدقت.
رفع حاجبيه بمكر
_ما صدقتي ايه؟ تخلصي مني سبع شهور؟
ضحكت هايدي عندما فهمت مغزى حديثه
_ ميبقاش قلبك إسود بقا، هعوضك بعدين.
قطب جبينه بضيق
_بعدين ايه بقا وانتِ هتكوني فضيالي؟
وضعت يدها على كتفه وهي تستند بذقنها عليه
_ وانا ما اقدرش برضه على زعل حبيبي.
لاح الخبث بنظراته
_خلاص يبقا تعويض قبل وبعد.
أومأت له بخجل محبب جعله يأخذها في جولة عشق من جوالاتهم.
❈-❈-❈
في المصنع
انتهى خليل من عمله ونهض كي يعود لمنزله ولذلك الصغير الذي سلب عقله وتفكيره أغلب الوقت
طرق الباب ودخلت سيلين كي تراجع معه بعض الاوراق فوجدته يستعد للانصراف.
فقالت باعتزاز
حضرتك ماشي دلوقت؟
رد خليل وهو يضع هاتفه في سترته وقال
_داغر عمال يرن من بدري بيستعجلني على الغداء وحتى خلى الشقي الصغير يكلمني عشان عارفه نقطت ضعفي.
ضحكت سيلين
_ربنا يخليهولك، خلاص يبقا نراجع الأوراق دي بعدين.
همت بالانصراف لكنه اوقفها
_بما إن الاولاد مسافرين ايه رأيك لو تيجي تتغدى معانا ونراجع الأوراق عندي، أسيل اكتر من مرة تطلب مني اعزمك على الغدا بس عارف إنك مش بتقدري تسيبي الولاد يتغدوا لوحدهم.
تراقص الأمل بعين سيلين لكنها ترددت في قبول ذلك فعلم خليل سبب ترددها وقال
_لو قلقانة أتصل على أسيل تكلمك بنفسها…
قاطعته سيلين بنفي
_لا طبعاً انت بتقول ايه الحكاية مش كدة خالص بس خليني الاول أكلم معتز واستئذن منه.
أومأ لها وقال بثبوت
_طيب انا هنزل أخرج العربية من الجراچ واستناكي نروح مع بعض بعربيتي.
أومأت سيلين وتركها خليل تتصل بابنها..
❈-❈-❈
في المطبخ
دلف داغر كي يساعد أسيل في تحضير الطاولة وهو يقول بغيظ
_انا مش فاهم ايه اللي يجبرك على التعب ده، قولتلك اجيب واحدة تساعدك.
تركت الاطباق من يدها وتقدمت منه لتحيط عنقه بذراعيها وقالت بدلال تعلم جيدًا بأنه يفقد عقله
_قولتلك مية مرة مش عايزاك تاكل من ايد حد غيري.
تظاهر داغر بالضيق
_ليه بس يا سيلا بتقطعي على غيرك…اااه..
تألم داغر عندما دعست أسيل قدمه بحذاءها وقالت بتوعد
_بقا كدة ماشي يبقى تروح تنام مع ابنك الليلة دي.
همت بالابتعاد لكنه احكم قبضته حولها وقال بمكر
_ايه مالك بقيتي شرسة كدة، وبعدين انا قصدي شريف، بقول متقطعيش رزق حد يا قلبي مش اكتر.
رمقته بعدم تصديق
_يا سلام.
أكد داغر
_اه أومال فكرك ايه، هو معقول ابص لحد غيرك، يبقى معايا القمر وابص للنجوم.
زمت فمها بغيظ
_اه ثبتني واضحك عليا.
غمز لها بشقاوة
_يعني لو مضحكتش عليكي انتِ اضحك على مين بس.
مال عليها كي يقبلها لكنها وضعت يدها على فمه تمنعه
_انت بتعمل ايه عمو زمانه جاي.
تذكر داغر امر عمه
_اه فكرتيني مدام سيلين جاية مع عمي تتغدا معانا.
ابتسمت اسيل
_بجد، طيب مقلتش ليه كنت عملت…
قاطعها داغر
_تعلمي ايه بس، ده هيكون غدا كدة وكدة
عقدت حاجبيها بعدم فهم وسألته
_يعني ايه مش فاهمة؟
_يعني عمي بدا يقتنع بكلامي لإني دخلتله دخله شمال الصراحة وانا عارف إن دي الطريقة الوحيدة اللي هتقنعه.
ضحكت أسيل وهي تخفي وجهها في صدره
_انت مجنون.
_هو انتِ خليتي فيا عقل.
سمع صوت خليل في الخارج فابتعد عن أسيل
_اهو وصل.
خرجت أسيل لترحب بسيلين
_أهلاً وسهلاً مدام سيلين نورتي.
سلمت عليها سيلين بحرارة
_منور بأهله، اومال فين ديدو؟
رد داغر الذي رحب بها بحفاوة قبل ان يجيب
_إياد نايم ثواني هطلع أجيبه.
استئذنت أسيل لتقوم بإعداد السفرة فاصرت سيلين أن تساعدها
مضى الوقت في جو عائلي سعد الجميع به حتى اصرت سيلين على العودة
قام خليل بتوصيلها حتى باب المنزل فقالت بشكر
_متشكرة اوي على الجو اللطيف ده اللي قضيته معاكم .
ابتسم خليل وقرر ان يفتح معها الحديث الذي أجله حتى الآن وقال بدون مقدمات
_ولو طلبت منك إنك تكوني واحدة مننا تقولي ايه؟
رمشت بعينيها تحاول استيعاب ما سمعته فسألته بحيرة
_مش فاهمة.
_مش فاهمة ايه انا بطلب منك تكوني من عيلتي يعني مراتي.
تغيرت تعبير وجهها فظن خليل أنها ترفضه فقال بثبات كي يرفع عنها الحرج
_لو طلبي سببلك احراج…
ردت سريعًا
_لأ خالص بالعكس ده شرف ليا، بس انا مش عارفة ولادي هيكون رأيهم إيه وبالأخص مصطفى.
رد خليل بحكمة
_خدي وقتك عادي ولو وافق انا هاجي اطلبك منه.
_مش قصة اقناع بس معتز مش هيوافق ييجي يعيش معانا في البيت عندك وخصوصاً في وجود أسيل وديدا كمان كبرت فمش هتكون اخده راحتها.
رد خليل بحكمة
_بس انتِ قولتيلي إن معتز هيسافر عشان يكمل تعليمه برضه
وفريدة هتدخل كلية الشرطة ووجوها معانا مش هيشكل اي عائق لأي حد، على العموم فكري كويس وردي عليا.
أومأت له وترجلت من السيارة وعاد خليل لغرفته.
بعد مرور اسبوعين رأت فيهم أسيل اهتمام كبير من الجميع وأولهم داغر الذي محى من داخلها أي خوف او توجس
وأصبحت حياتها وردية اللون
حتى طفلهم استطاع أن يعلقه به حتى أنه اصبح لا ينام بعيدًا عن حضنه.
عاد داغر من الخارج وعينيه تبحث عنهم لكنه لم يجدهم
نادى حبيبته
_أسيل.
سمع صوتها من داخل غرفة الألعاب التي خصصها خليل لأجل حفيده
_تعالى يا حبيبي احنا هنا.
دخل الغرفة فوجدهم جالسين بجواره على الأرضية وهو يبكي بلا توقف
_بابا جاه خلاص.
نهض إياد ليسرع بخطاه تجاه والده الذي حمله بقلب يهفو ليضمه إليه وسألهم
_ماله إياد فيه ايه؟
قال خليل وهو ينهض بتعب
_بيعيط على جنابك من وقت ما سيبته، عملتله قرد عشان يسكت وبرضه مفيش فايدة.
ضحك داغر وتطلع إلى ابنه الذي لف ذراعيه الصغيرة حول عنقه وسأله ببهجة
_صحيح الكلام ده يا ديدو؟
أخفى إياد وجهه في كتف والده فقالت أسيل بغيظ
_هو هيقدر ينكر؟ مش عارفة هيعمل ايه بعد ما تسافر.
انتبهوا على هاتف خليل الذي اجابه مسرعًا وكأنه كان ينتظره فاندهش كلاهما حينما وجداه يسأله
_انت متأكد من الإسم؟
_…..
تطلعت أسيل لداغر بتوجس فينقبض قلب داغر حينما قال عمه
_تمام جايين حالاً ابعتلي اللوكيشن ومسافة الطريق هنكون عندك.
أغلق خليل الهاتف فيسأله داغر
_خير يا عمي؟
تطلع خليل إلى أسيل وقال
_لقينا والدك..
❈-❈-❈
وقفت أسيل على باب الغرفة وقلبها يهدر بعنف
لا تعرف ماذا تفعل
هل تطوي صفحات الماضي كما يخبرها داغر وتدلف إلى والدها
أم تطاوع عقلها وتلوذ بالفرار
تذكرت عندما سألتها الطبيبة
ماذا ستفعلين إذا وجدتِ والدك؟
لم تستطيع الإجابة حينها والتزمت الصمت.
لكنها علمت الآن
أنه مهما فعل ستظل دماءه التي تجري بعروقها هي المتحكمة الوحيدة في قرارها وهي
نعم تسامح.
فتحت الباب ودلفت الغرفة فتتفاجئ بوالدها قعيد على كرسي متحرك يجلس عليه بسكون أمام النافذة بملامح هادئة مستسلمة واختفت من ملامحه ذلك الجبروت الذي عاش عمره يفرضه على الجميع
بخطوات واهنة تقدمت منه وقد تجمعت العبرات بعينيها تأثراً على حاله.
_بابا..
لم يحرك ساكناً وظل يتطلع إلى الفراغ أمامه
ذلك الصمت الذي يراوده دائمًا في كل وقت وحين
هو وحده سلواه عن هذه الوحدة القاسية
لكنه ينحر قلبه بلا رحمة
_بابا..
تجمعت العبرات بعين حسين وهو يتمتم بصعوبة بالغة
_بنـ..ـتي..
أغمضت أسيل عينيها تنفض الدموع المتعلقة بأهدابها فتقدمت منه خطوة أخرى وتمتمت بخفوت حتى لا تخيفه
_بابا انا أسيل.
انتفض جسد حسين عندما شعر بلمستها على ذراعه وأدار وجهه بصعوبة إليها فتزداد دموعه أكثر ظناً منه انه يتخيلها أمامه
جثت أسيل على ركبتيها أمامه ومدت يدها إلى يده تحتويها بحزن فقالت بنشيج
_انا عايشة ممتش.
لم يقتنع حسين لكنه ظنها فرصة كي يطلب من روحها السماح فرفع يده بوهن إلى وجنتها يتحسسها كأنه يطلب منها السماح
شهقت أسيل ببكاء عندما لامس حنانه قلبها فأمسكت يده تقبلها وعندما شعر بدموعها على يده أدرك حينها بأنها حقيقة
حاول تحريك يده الأخرى كي يتأكد أكثر لكن يشعر بها ثقيله ولا يستطيع تحريكها
حاول نطق اسمها رغم صعوبته
_أ..سـ..يل..
أومأت تؤكد له وتمتمت بخفوت
_أيوة أسيل اول ما عرفت مكانك جيت عشان ارجعك، مش حسين النعماني اللي يستسلم بسهولة لكرسي زي ده.
جذبها حسين ليقربها من صدره لينتحب حينها ويبكي لأول مرة.
لا يصدق أنه يراها بعد ذلك العذاب الذي عاناه منذ ان علم الحقيقة
لم تمت كما أخبروه بل مازالت على قيد الحياة ولن يموت حتى تغفر هي له
أغلق داغر الباب عندما شاهد ذلك الموقف وقام بالاتصال على سليم
والذي بدوره جاء مسرعًا يطلب من والده العفو على تركه وحيدًا
أصر على أن يعود والده لمنزله عندما طلبت منه أسيل ان يظل معها كي تهتم به
لكنه رفض ذلك وأصر على أن يعود إلى منزله ويعالجه حتى يعود كما كان.
مرت الأيام وحسين في تحسن ملحوظ وخاصة عندما رآى حفيده وسعادة الجميع من حوله
وانتهت رحلة العذاب الذي شعر بها الجميع
لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن
في غرفة إياد
ظل داغر يزرع الغرفة ذهاباً وإياباً ربما يحن عليه ذلك الصغير ويغمض عينيه
لكن كأنه تعند ذلك لعلمه بأنه على وشك العودة لعمله لذا يتمسك.به تلك الفترة بشكل عجيب
تطلع إياد إليه فيجده ينظر إليه بوداعة فقال داغر بغيظ
_وبعدين بقا احنا متفقناش على كدة انت بطريقتك دي هتخليني اهنج وملحقش اشبع من امك قبل ما اسافر.
ضحك إياد ببراءة واخفى وجهه في صدر والده
_مالك اتكسفت كدة ليه؟ وحياة امك شكلك فاهم وبتسطعبتنا، وانت يعني هتجيبه من برة ابن ابوك بصحيح
يلا بقا نام والصبح نكمل كلامنا.
تشبث إياد به أكثر فقال بغيظ
_يابني ابوس ايدين أمك نام بقا، انا شكلي بقى وحش أوي وانا بقالي أكتر من ساعتين بنيم فيك.
دلفت أسيل الغرفة ظناً منها بأن إياد استطاع مثل كل مرة أن ينيم والده بجواره فتأتي هي كي توقظه
لكن الغريب أنهم مازالوا يقظين حتى الآن
_معقول كل ده ومعرفتش تنيمه؟
رد داغر بغيظ
_مش عارف ماله النهاردة انا كنت بفكر ابعته لجده زي المرة اللي فاتت.
_طيب وعمي ذنبه ايه يفضل سهران بيه وهو عنده شغل الصبح.
_الله وانا كمان ذنبي ايه ما انا برضه عندي شغل كمان يومين، ودي آخر ليله هسهر فيها.
هزت راسها بيأس منه وأخذت منه إياد
_طيب سيبه وانا هنيمه وآجي وراك.
ترك لها إياد وغمز بعينيه
_أوعى تتأخرى وآجي الاقيكي نمتي، على اتفاقنا نسهر للصبح.
رمقته بغيظ
_وانت تنام براحتك وانا اقوم لإياد وعمي افطرهم.
_ما انتِ اللي غاوية تعب وقولتلك اجبلك مربية لإياد رفضتي وعمي بيقولك مش بحب افطر بدري بتصري تفطريه قبل ما يخرج.
_قولتلك مية مرة الأكل ده انا بعمله بحب يعني مش مفروض عليا، وإياد انا بحب اهتم به مينفعش اسيبه لغيري واتخلى عن دوري تجاهه.
تطلع إليها داغر بحب وفي كل موقف تعرض له كلاهما تؤكد له أنه حقاً أحسن الأختيار.
طبع قبلة خاطفة على شفتيها قبل ان يقول بمكر
_طيب انا هستناكي أوعى تنامي؟
هزت راسها بابتسامة ثم تركها ودلف غرفته، ليأخذ حماماً بارداً فيخرج بعد قليل على صوت هاتفه
_ايوة يا محسن عملت ايه؟
_……
_انت متأكد؟
_….
_طيب ربع ساعة وأكون عندك.
دلفت أسيل فتجده يرتدى ملابس خروج مما جعلها تسأله بقلق
_داغر انت رايح فين؟
اخذ مفاتيحه ورد بفتور
_مشوار صغير وراجع.
انقبض قلبها بخوف
_مشوار ايه اللي هتخرجله في وقت زي ده.
انفعل داغر من اسئلتها
_ايه يا أسيل هو تحقيق قولتلك مشوار صغير وراجع.
أصبح شكها الآن يقيناً وهي ترى التوعد بعينيه مما جعلها تقف قبالته تمنعه قائلة
_مش هسيبك تخرج.
توحشت نظراته وتطلع إليها بحزم
_أسيل أنا لازم أخرج دلوقت أوعى من قدامي.
صرخت بإصرار أشد
_قولتلك مش هتخرج ولو خرجت هقول لعمي ولو وصلت هبلغ الشرطة.
هدر بها بغضب محذراً
_أسيل.
ازداد إصرارها أكثر وهي تقول بتعند وقد اوشكت على البكاء من شدة الخوف
_برضه مش هسيبك.
جذبها من ذراعها ليبعدها من أمامه لكنها تشبثت بذراعه ترجوه
_ أرجوك يا داغر متضيعش نفسك، انا وابنك محتاجين لك.
اشتد بكاءها حد الانهيار وهى تتابع بألم.
_مش هسامحك طول عمري لو جرالك حاجة.
جثت على ركبتيها وهي تقول بتوسل
أرجوك..
لم يتحمل داغر حالتها لذا مال عليها ليجعلها تقف على قدميها ثم مسح دموعها قائلاً
_ مش هقدر اسيبهم بعد ما دمروا حياتي..
_متدمرتش وانا خلاص رجعتلك وانت كمان رجعت لشغلك وانا والله مسامحاهم.
قطب جبينه بدهشة
_مسامحاهم بعد اللى عملوه فيكى؟
أومأت له بتأكيد
أيوة طالما رجعت لي فأنا مسامحهم، شوف الجانب الإيجابي في اللي حصل
شوف بسبب الحادث ده على قد ما كان دمار على قد ما في النهاية صلح حاجات كتير أوي وعرفك من اللي بيحبك بجد ومين اللي كان بيخدعك.
داغر الانتقام أخرته وحشة..
أومأ لها داغر وجذبها لحضنه حتى هدئ نحيبها.
تسلل داغر من جوارها عندما تأكد بأنها نامت ثم أخذ مفاتيحه وخرج من الغرفة متجهاً لوجهته..
في المنزل
دخل داغر فيجد أسيل تسرع إليه تلقى نفسها داخل أحضانه وهي تصرخ به وتعاتبه
وكان هو صامتًا فلا احد منهم يشعر بذلك القهر الذي لازمه وهو يرى من كان سبباً في تدميره يعيش حياته بكل اريحية
كان عليه ان ينتقم منهم ولم يعلم شيء عن تخطيط عمه الذي اعده مسبقاً دون أن يخبره.
نعم أخطأ عندما قرر فعل ذلك لوحده لكن أيضًا لم يستطيع أن يخبر أحد بما حدث لأجل زوجته وابنه
لن يترك احد يعرف بأنه تعدى يوماً على زوجته حتى لو دون إرادته وأن ابنه جاء للدنيا بتلك الطريقة
لا يشعر أحد بما يعانية وهو يتذكر ذلك الحادث وكيف عاملها بكل تلك القسوة
لعن ذاكرته التي أعادت له ذلك اليوم
وتمنى أن ينسى ويمحيه من ذاكرته.
لم يخبر عمه لأنه رجل قانون ولن يعترف بذلك النوع من الانتقام لذا تعامل مع الأمر دون أن يخبره
ابعد أسيل عنه عندما دلف عمه فتطلع إليه لحظات قبل ان يقول بحزم
تعالى ورايا على المكتب.
تشبثت به أسيل كأنها تخشى من بعدها عنه حتى للو لحظات
_داغر..
طمئنها بابتسامته
_انا كويس متقلقيش اطلعي ارتاحي وانا جاي وراكي.
قبل جبينها ثم تركها ودخل المكتب فيجد عمه واقفاً يتطلع إليه بغضب لم يراه عليه من قبل
اغلق الباب وتقدم منه ليتمتم قائلاً
_نعم يا عمي.
هدر به خليل وهو يتذكر ذلك المشهد
_عمك؟! انت خليت فيها عم ولا زفت.
تقدم منه وهو يصيح به
_ايه اللي خلاك تعمل اللي عملته ده، انت فاكر نفسك فين؟
رد داغر باحتدام
_يعني كنت عايزني اسيب حقي.
انفعل خليل أكثر
_لأ تروح تاخده بدراعك زي البلطجية اللي كانوا هيخلصوا عليك
لولا إني كنت مراقب خطواتك لما عرفت انك بتدور وراهم
ولولا إنهم كلموني كان زمانا دلوقت انا ومراتك وابنك بننكوي بنارك بالفيديو اللي كانوا بيصوروه
انت بتهورك ده كنت هتدمر كل حاجة خططنا لها عشان نوقع توفيق واللي معاه.
_طيب ليه معرفتنيش.
_لإني عارفك متهور واللي حسبته لقيته لولا ستر ربنا
ايه فاكر ان توفيق هيسيب ابنه كدة من غير ما يكون وراه حراسة؟
اشاح داغر بوجهه فتابع خليل
_اتفضل يا استاذ روح لمراتك اللي كانت هتموت من الخوف عليك وسيبك من حياة التهور اللي كنت عايشها واعمل حساب لها ولابنك، اتفضل.
صعد داغر غرفته وعقله يكاد يفتك برأسه
فعمه محق في كل كلمة ولا يلومه
عليه ان يكون اكثر حذر لأجل زوجته وابنه
دلف الغرفة فيجد أسيل جالسة على الفراش في سكون تام
فقط تبكي بصمت
شعر بالحزن عليها وعلم أنه يخطأ دائمًا بحقها
فتقدم منها ليجثو أمامها ويمسك يدها بتأثر
_أسيل..
اغمضت عينيها كأنها لا تريد أن تستمع لأي مبررات منه
مسح بابهامه دمعة سقطت على وجنتها وتمتم بوله
_ارجوكي يا أسيل تحسي بيا، مكنش ينفع اسيب اللي عمل فينا كدة
وضع يده اسفل ذقنها يرفع وجهها إليه وقال
_خلاص هما اخدوا جزاءهم ودلوقت هنقدر ننسى اللي فات.
هزت راسها بوجل
_ولو كانوا قتلوك ولا عملوا فيك حاجة كنت هعمل ايه من غيرك؟
مفكرتش فيا؟
ولا فكرت في ابنك.
وضعت يدها على جوفها وتمتمت بألم
_ولا في ابنك اللي جاي؟
رفع داغر عينيه إليها وقد ألجمته المفاجأة حتى ظن أنه أخطأ السمع
فردد اخر ما نطقت به بتيهة
_اللي جاي؟!
أومأت له مما جعل نظراته تهتز ومازال غير مدرك لما قالته.
ازدرد لعابه بصعوبة وهو ينظر لجوفها وغمغم بتيهة
_يعني انتِ حامل؟
اشاحت بوجهها بعيدًا عنه ومازالت غاضبة منه لكنه أجبرها على النظر إليه فلانت ملامحها عندما لاحظت الرجاء بعينيه بألا تخذله
_ردي أرجوكي.
أومأت له بتأكيد قبل أن تشهق بخوف عندما وجدته يحملها فجأة بين ذراعيه ويلتف بها في الغرفة وهو يصدح بصوته
_بحبك..بحبك..بحبك.
ضحكت أسيل رغمًا عنها بسعادة لسعادته حتى تناست كل شيء وأولهم غضبها منه.
_داغر كفاية..
توقف داغر وانزلها على الأرض ومازال يحيطها بذراعيه
_انا مش مصدق نفسي معقول في يوم وليلة اكون اب لاتنين.
اومأت له بسعادة
_إن شاء الله الجاية تكون بنت
_يا ستي بنت ولد انا راضي المهم إنك تقومي بألف سلامة.
اجلسها على الفراش وجلس بجوارها وهو يقول بأمر
_ياريت نهدى بقا كدة وتسمحي لواحدة تجبيها بمعرفتك تساعدك في المطبخ..
همت بالمعارضة لكنه منعها بحزم
_أسيل مش بحب اكرر كلامي انا قلت تجيبي حد يساعدك وخلاص وبعد ما تقومي بالسلامة اعملي اللي انتِ عايزاه.
أومأت له كي لا تضايقه ثم جذبها لحضنه بحب حتى اراد أن يخفيها بين ضلوعه.
❈-❈-❈
بعد مرور شهر
ضغطت أسيل على شفتيها بخبث ثم هزت كتفيها بدلال لتقول بدهاء أنثى
_خلاص براحتك بس كدة ضيعت على نفسك مفاجأة النهاردة.
قطب جبينه بشك ثم نهض ليتقدم منها يقف خلفها
_مفاجأة!! مفاجأة ايه دي يا سيلا؟
حاولت اخفاء ابتسامتها وهي تستدير لتنظر إليه بدهاء أشد
_أصل القميص اللي طلبناه امبارح اونلاين وصل النهاردة بس بما إنك زعلتني ونكدت عليا خلاص مفيش مفاجأت ولا غيره.
همت بالذهاب مدعية الحزن لكنه أمسك ذراعها يمنعها من الذهاب وهو يقول بجدية مصطنعة
_يا سلام عليكي يا سيلا كل حاجة بقيتي بتخديها جد كدة، انتي برضه هتخديلي على كلام.
أشار على نفسه وتابع
_بقا بذمتك انا بقيت راجل له كلمة؟ ولا حد بقا بياخدلي على كلام ولا أفعال، وبعدين دا انا بهزر معاكي يا حبيبتي.
حاولت إخفاء ابتسامتها وهي تتمتم بغنج
_اه ما انت اللي عمال تقولي لأ يعني لأ ومينفعش تخرجي بالفستان ده وانت بنفسك اللي أختارته.
حك عنقه بيده وتمتم باحراج
_ماهو يا حبيبتي مكنتش اعرف أنه هيكون بالجمال ده عليكِ، انا بقولك خليه ليا واختاري أي واحد غيره.
تقدمت منه لتتلاعب بأزرار قميصه وتمتمت بغنج تعلم جيدًا بأنه لن يستطيع الثبات أمامها
_مفيش وقت يا عمري مش هلحق أشتري واحد غيره كتب الكتاب بكرة وانا بصراحة مبقتش أقدر اعمل شوبنج زي الأول لأن الحمل تاعبني زي ما انت شايف، وبعدين يا قلبي مفيش حد غريب هيحضر المناسبة يبقى ليه الرفض.
لم يكن ينتبه لحديثها اكثر ما يحاول تذكر لون القميص التي اختاراه معاً
فقال مدعياً التفاهم
_إن كان كدة ماشي، بس قوليلي اختارتي أي لون فيهم….. ولا أقولك خليه مفاجأة.
جذبها من يدها ليصعد بها لغرفتهم وهو يقول بخبث
_تعالي بقا خليني أشوف الفستان عليكِ مرة تانية قبل ما تخرجي به.
ضحكت أسيل بسعادة لم تشعر بها من قبل وهو يحملها ليصعد بها كي يخبرها بطريقته كيف يعشقها ويهيم بها عشقاً..
في الحفل
انهى المأذون عقد القران وبدأ الجميع بالمباركة لخليل وسيلين
حتى ابنها الذي رفض في البداية لكن وافق كي يكون مطمئن عليها هي وأخته فترة دراسته في الخارج
تقدم داغر وأسيل ليباركوا بدورهم
_الف مبروك يا عمي.
رد خليل بحب
_الله يبارك فيك يا حبيبي..
تقدمت اسيل لتقبل سيلين
_الف مبروك يا…
تطلعت إلى داغر وسألته
_هو انت هتقولها أيه..
ضحكت سيلين وقالت
_يا ستي اي حاجة ولا اقولك خليها من غير ألقاب وقولي سيلين.
تطلعت أسيل لخليل وقالت بتقدير
_يا خبر لا طبعاً مرات عمي مكانتها لازم تكون بنفس مكانته عندي مينفعش انطق اسمها من غير ألقاب.
انتبه داغر ليد طارق التي جذبته بعيداً عنهم وقال
_وبعدين معاك مش ناوي تجوزني أختك بقا.
رمقه داغر بغيظ
اخطبهالك ازاي مش لما اخد رأيها الأول.
رد دون انتباه لما يقول
_وهي موافقة و….
انتبه طارق لما قاله فقطب داغر جبينه بتوعد
_ولاه انت بتستغفلني وبتكلم اختي من ورايا؟
حمحم طارق باحراج
_لا طبعاً انا بس قلت اخد رأيها مش أكتر.
ضرب على كتفه بتوعد
_طيب تروح لابوها واطلبها منه بقا.
_يعني هتستندل معايا مش هتتوسطلي عنده.
تطلع إليها بغيظ وقال
_لا يا خفيف خليها هي اللي تتوسط انا شيلت ايدي.
_ماشي يا كابتن مردودالك.
❈-❈-❈
في غرفة أسيل وداغر
دلف وهو يحمل كوب الأعشاب ودنى منها ليضعه على المنضدة ثم جلس بجوارها وقال بقلق
_انا بقول نروح لدكتور أحسن.
ابتسمت أسيل كي تطمئنه
_يا حبيبي متقلقش قولتلك كل ده طبيعي في الشهور الأولى.
امسك يدها يقبلها بحنو بالغ
_لو مقلقتش عليكي انتِ هقلق على مين.
تطلعت إليه بابتسامة تدل على مدى سعادتها به وقالت
_تعرف ايه اللي هيريحني دلوقت؟
_أؤمري.
_انك تاخدني في حضنك وتضمني أوي.
حك رأسه بحيرة
_بس إنتِ تعبانة وانا بصراحة بضعف من أقل لمسة.
ضحكت أسيل ورمقته بكل الحب الذي تحمله له بداخلها وتمتمت بشغف
_انت أكبر عوض ربنا عوضني به عن التعب اللي شوفته في حياتي، ربنا يخليك ليا.
قبل يدها مرة أخرى وقال
_ويخليكي ليا.
عدل من وضع الوسائد خلف ظهرها ثم ناولها الكوب
_يلا اشربي الاعشاب دي هتريحك.
تطلعت إلى الكوب باشمئزاز
_داغر ده رحته قوية اوي.
_معلش اتحملي ده هيريح معدتك.
أخذت الكوب من يده وكلما قربته من فمها كلما اشمئزت أكثر.
_مش قادرة يا حبيبي ارجوك بلاش.
اخذ منها الكوب ووضعه على المنضدة ثم اعتدل في الفراش ليسحبها إلى صدره كي تسند عليه وقال بمكر
_طيب خليني احكيلك عن مغامرة من مغامراتي وأنتِ بتشربيه.
أخذ الكوب وقال
_شوفي يا ستي
انا كنت نازل البحر كالعادة..وبعدين الموج كان عالي أوي فأخذني جوه شوية..لا نقول شويتين..فاضطريت أغطس لما لقيت موجة شديدة اوي مقبلاني
وفي لحظة لقيتني قدام كهف تحت الماية
وقفت مصدوم ومش عارف اعمل ايه، اهرب؟
بس روح المغامرة جوايا مخلياني أكمل.
لحد ما لقيت حورية خارجة منه..
_نعم؟ داغر انت بتسطعبتني.
كان يتحدث وهو يقرب الكوب من فمها كي تتناوله وهي منتبه لحديثه.
_ما تصبري وتسبيني اكمل للآخر.
أخذت الكوب من يده وتابعت الاستماع له بغيرة وهو يضيف بإعجاب
_بس بصراحة كانت ايه مزة من الآخر..
غصب عني قربت منها والغريبة انها كانت شبهك أوي لدرجة إني محستش بنفسى ولقتني بقرب منها..
اتسعت عينيها بذهول
_عملت ايه؟
_بقولك شبهك كنت هعمل ايه يعني!
تناولت باقي الكوب وهي تقول بغيظ وتوعد في ان واحد
_كمل يا حبيبي كمل دا انت ليلتك سودة.
تمتم داغر بخفوت كانه يحدث نفسه
_سودة اكتر من كدة! هي أجازة سودة أصلاً..
_بتقول حاجة؟
اخذ منها الكوب الفارغ ووضعه على المنضدة وتابع بخبث
_لا يا حبيبتي مش بقول..المهم لقتها هي كمان بتقرب مني وبصراحة ضعفت قصاد جمالها ولسة….
قاطعته أسيل بترقب
_لسة ايه؟
جعلها تستلقي بجواره ومال أمام وجهها وهو يتطلع لثغرها برغبة
_ولسة هقرب أكثر وابوسها لقيتك انتِ طبيتي علينا..
هم بتقبيلها لكنها أبعدته بغيظ
_حلو الحلم ده، أصل تفكيرك شمال عشان كدة احلامك كلها شمال.
استغفر داغر في سره وتمتم بتوعد
_منك لله يا يحيى انت اللي بصتلي في الأجازة دي.
_بتقول ايه؟
_لا يا قلبي مش بقول انا بس ببقى مشتاقلك فعشان كدة العقل الباطن بيصوري الستات كلها زيك.
وبعدين يا حبيبتي الأجازة بتمر وهما كلهم سبع ايام راح منهم اتنين يرضيكي كدة.
_اه يرضيني لما تبطل تخيلاتك الشمال دي.
تطلع إليها بتوعد وهو يجذب الغطاء فوقهم
_لا انا يظهر إني دلعتك زيادة عن اللزوم وانتِ مينفعش معاكي غير القوة.
❈-❈-❈
بدأت هايدي تلتزم الفراش كما اخبرها الطبيب
فقد أصبحت بالشهر السادس وبدأت تشعر بالتعب والخمول حتى إنها لم تعد تستطيع التحرك من الفراش
فقرر حازم أن يأخذ بدوره أجارة من عمله كي يهتم بها لكن أمينة ووالدتها رفضوا ذلك وأصروا على أن يعتنوا هم بها.
عدل حازم من وضع الوسائد وجعلها تستلقي بعد أن ساعدها في أخذ حمام دافئ كي يهدئ به ذلك الألم
جذب عليها الغطاء وسألها باهتمام
_كدة أحسن؟
أومأت له بامتنان
_الحمد لله بقيت أحسن.
_ثواني هعملك حاجة دافيه تشربيها…
قاطعته هايدي برفض
_لأ مش عايزة وبعدين انت واقف على رجلك طول النهار في المستشفى ولازم ترتاح.
ابتسم حازم وقال بعد ان طبع قبلة حانية على يدها
_يا قلبي تعبك راحة وبعدين انا مش تعبان ولا حاجة بالعكس ببقى مبسوط اوى وانا بساعدك.
_خلاص تعالى نام جانبي وخدني في حضنك ده اللي انا محتجاه دلوقت.
أومأ لها بكل ترحيب واستلقى على الفراش بجوارها ليسحبها إلى صدره يحتويها بذراعيه
❈-❈-❈
في المشفى
تجمعت العائلة في غرفة وعد بسعادة غامرة
وقد انجبت فتاة وأصر سليم على أن يسميها أسيل رغم اعتراض داغر.
وقفت اسيل تحتضن الفتاة بسعادة وداغر يحمل طفله بجوارها فقال لطفله
_بنت زي القمر عايزك بقا تبقى مفتح كدة زي أبوك وتوقعها زي ما عملت في أمك.
تطلعت إليه أسيل بذهول
_ايه الكلام اللي بتقوله للولد ده؟
_وانا قلت ايه مش احسن ما يطلع خايب زي خاله.
_وخاله خايب في ايه بقا؟
قالها سليم بغيظ عندما استمع له فرد داغر بتأكيد
_اه خايب تنكر؟
حك سليم رأسه وهو ينظر إلى وعد كي يتركها ترد نيابة عنه فقالت وعد بمدح
_ده اسمه تقل مش خيابة، فضل يتقل لحد ما جنني.
ضحكوا جميعاً مما جعل داغر يقول
_عرفتوا بقا انه خايب.
تنهد سليم بيأس منه
_ماشي يا سيدي منك نستفيد بس البنت لبوها وهخليها تخلي ابنك يزحف عشان نظرة منها.
رد داغر بتهكم
_الايام بينا وبكرة نشوف.
انفتح الباب ودلف حسين وهو يستند على عكازه ومعه السائق
فاسرع سليم إليه يقول بعتاب
_ليه يا بابا تعبت نفسك وجيت.
أخذ يده من يد السائق ليساعده على السير
حتى تقدم من وعد ليميل عليها يقبل رأسها
_حمد لله على السلامة يا بنتي.
ابتسمت وعد بسعادة لمجيئه وقالت بامتنان
_الله يسلمك يا عمي، مكنتش تعبت نفسك انا خارجة النهاردة.
ساعده سليم بالجلوس على المقعد
_مفيش تعب ولا حاجة مقدرش استنى لما ترجعوا وقلت آجي اطمن عليكي وأشوف حفيدتي.
تقدمت منه أسيل لتضع الطفلة بين يده وقالت بمزاح
_احكم انت يا بابا بيقول انها شبهي وانا صغيرة صحيح الكلام ده؟
تطلع حسين إلى الفتاة ثم رفع وجهه لأسيل قائلاً
_بصراحة نسخة منك.
شهقت أسيل بصدمة عندما وجدتهم يضحكون عليها وقالت بحنق
_يعني انا كنت وحشة كدة؟
رد حسين بقلة حيلة
_انتِ طلبتي رأيي وانا قولته، بس ده برضه بيأكد أنها لم تكبر هتكون حلوة زي عمتها.
غمغمت أسيل
_ثبتني بصراحة.
مضي الوقت في جو عائلي أصبح سائد بينهم
وكل واحد منهم يعيش اجمل لحظاته مع من أحب..
إلى اللقاء في حلقة خاصة قد تكون في القريب العاجل
قلت قد تكون..
وعايزة اشوف رأيكم في الرواية بكل صراحة هيبقى آخر ريفيو او تعليق فياريت محدش يبخل به
تمت بحمد الله..

خلصتي؟ الرواية الجاية أقوى وأحلى… تعالي وعيشيها معانا👇

تعليقات